الحضارة بين التجديد والتهديد

الحضارة بين التجديد والتهديد

إنّ الإنسان ليسعى لكلّ ما يضمن له عيشاً رغداً وحياة طيبة وأمناً وسلاماً. وهذا السعي المتواصل أشبه بالنهر الجاري، لا يكدّره إلا عوائق الجمود والسدود والتلوّث. 
والحضارة هي المنتج الإنساني المتجدد، وسلسلة أدوار الحياة، تتداخل حلقاتها بين الفترات، فترى الإنجازات الإنسانية تتطور في كل حلقة من الحلقات. وكل فترة من تلك الفترات شكّلت قفزة نوعية في استعمال الموارد الطبيعية، تصنيعاً واستخداماً، من الحديد والبرونز، وامتداداً من عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث والمعاصر، إلى الكهرباء والسيلكون.

 

كثيرة‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬العثرات،‭ ‬ولم‭ ‬يُصِب‭ ‬الإنسان‭ ‬يأس‭ ‬الفشل،‭ ‬ليواصل‭ ‬التجارب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البقاء،‭ ‬يحارب‭ ‬الجوع‭ ‬والعطش،‭ ‬ويسدّ‭ ‬على‭ ‬الفقر‭ ‬أبوابه،‭ ‬ويكافح‭ ‬المرض‭ ‬وأسبابه،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حياة‭ ‬مديدة‭ ‬سعيدة،‭ ‬ظنّاً‭ ‬منه‭ ‬وأملاً‭ ‬بأنه‭ ‬ربما‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يقهر‭ ‬الموت‭!‬

تؤكد‭ ‬جميع‭ ‬كتب‭ ‬الأديان‭ ‬أنّ‭ ‬الإنسان‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أول‭ ‬مخلوق،‭ ‬فقد‭ ‬سبقته‭ ‬مخلوقات‭ ‬كثيرة،‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬والسماء‭.‬

والعقائد‭ ‬الإيمانية‭ ‬تتدرج‭ ‬في‭ ‬ثباتها‭ ‬بالعلم‭ ‬التكويني‭ ‬للإجابة‭ ‬عن‭ ‬سؤالين‭ ‬مُلحيّن‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭: ‬كيف‭ ‬بدأ‭ ‬الخَلْق؟‭ ‬وماذا‭ ‬بعد‭ ‬الموت؟‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الغيب،‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬عقل‭ ‬الإنسان‭ ‬إدراكه،‭ ‬إلا‭ ‬بالتلقي‭ ‬والإخبار،‭ ‬والمُخْبِر‭ ‬المجيب‭ ‬عن‭ ‬هذين‭ ‬السؤالين‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬صادقاً‭ ‬أو‭ ‬كاذباً،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬صادقاً،‭ ‬فإنّ‭ ‬علمه‭ ‬قد‭ ‬أتى‭ ‬إما‭ ‬وَحْياً‭ ‬أو‭ ‬إلْهاماً‭ ‬ممن‭ ‬بيده‭ ‬أمر‭ ‬الخَلْقِ،‭ ‬لتكون‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأول‭ ‬والآخِر‭.‬

وبناء‭ ‬على‭ ‬هذا،‭ ‬نرى‭ ‬رُسل‭ ‬وأنبياء‭ ‬الديانات‭ ‬السماوية‭ ‬قد‭ ‬تفوقوا‭ ‬في‭ ‬شرح‭ ‬هذين‭ ‬الأمرين‭ ‬لأتباعهم‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬أكثر‭ ‬الأمم‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬المؤمنين‭.‬

ومن‭ ‬يقرأ‭ ‬كتب‭ ‬الأديان،‭ ‬الصحيحة‭ ‬منها‭ ‬والباطلة،‭ ‬يرى‭ ‬تأرجح‭ ‬الفكر‭ ‬الإنساني‭ ‬بين‭ ‬الإيمان‭ ‬بالطوطمية‭ ‬والوثنية‭ ‬والتثليث‭ ‬والثنوية‭ ‬والوحدانية‭.‬

ومع‭ ‬عدم‭ ‬ثبات‭ ‬الفكرة،‭ ‬يأتي‭ ‬التأويل‭ ‬والتفسير،‭ ‬ويدخل‭ ‬الدّسّ‭ ‬والتحوير،‭ ‬ثم‭ ‬الوضع‭ ‬والتزوير،‭ ‬فينتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الضلال،‭ ‬ليقلب‭ ‬الحقّ‭ ‬إلى‭ ‬باطل،‭ ‬فتنتشر‭ ‬الأساطير‭ ‬ويكون‭ ‬التصديق‭ ‬بالخرافة‭ ‬إيماناً‭. ‬

 

تعددية‭ ‬الأرواح

وعندما‭ ‬يسود‭ ‬الضلال،‭ ‬يصير‭ ‬الضالون‭ ‬مرجعاً‭ ‬لرأي‭ ‬التابعين،‭ ‬والانتهازيون‭ ‬قادة‭ ‬الأمم‭. ‬كان‭ ‬أساس‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بالطوطم‭ (‬الروح‭ ‬المؤثِّرة‭) ‬هو‭ ‬قدرة‭ ‬تأثير‭ ‬الكيان‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬وتوجيهه،‭ ‬فالطوطم‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬نجماً‭ ‬أو‭ ‬كوكباً،‭ ‬أو‭ ‬ظاهرة‭ ‬طبيعية،‭ ‬أو‭ ‬طائراً‭ ‬أو‭ ‬حيواناً،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أدنى،‭ ‬وبطقوس‭ ‬يؤديها‭ ‬أو‭ ‬يُعلّمها‭ ‬الكاهن‭ ‬المتنبئ،‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬تمتمات‭ ‬أو‭ ‬حركات،‭ ‬يستطيع‭ ‬المرء‭ ‬تجاوز‭ ‬الضعف‭ ‬والأمراض‭ ‬والمحن‭.‬

تلك‭ ‬التعددية‭ ‬للأرواح‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬الطوطمية،‭ ‬تطورت‭ ‬لتصبح‭ ‬كيانات‭ ‬عليا‭ ‬أو‭ ‬آلهة،‭ ‬مَثَّلَها‭ ‬البشرُ‭ ‬أصناماً‭ ‬وأوثاناً‭ ‬وأزلاماً،‭ ‬وصارت‭ ‬لها‭ ‬معابد‭ ‬ومحاجّ‭ ‬ومقامات‭ ‬فيها‭ ‬يُعبدون‭.‬

وتطورت‭ ‬الوثنية‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬لها‭ ‬تنظيم‭ ‬كوني‭ ‬يرأسه‭ ‬كبير‭ ‬الآلهة،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬زيوس‮»‬‭ ‬عند‭ ‬اليونان،‭ ‬و«جوبيتر‮»‬‭ ‬عند‭ ‬الرومان،‭ ‬ليوكل‭ ‬المهام‭ ‬والظواهر‭ ‬الكونية‭ ‬إلى‭ ‬آلهة‭ ‬أدنى‭. ‬

أما‭ ‬في‭ ‬الشرق،‭ ‬فقد‭ ‬تجلى‭ ‬تعدد‭ ‬الآلهة‭ ‬بالهندوسية‭ ‬التي‭ ‬اتخذت‭ ‬من‭ ‬وحدة‭ ‬الوجود‭ ‬قاعدة‭ ‬أصلها‭ ‬التثليث‭ (‬برهمن‭ - ‬برماتما‭ - ‬بجهفان‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬الأصل‭ ‬تنطلق‭ (‬الروح‭ - ‬المادة‭ - ‬الحياة‭)‬،‭ ‬لتنطلق‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬الفلسفة‭ ‬الهندية‭ ‬بكل‭ ‬شمولية‭ ‬في‭ ‬مدونات‭ ‬‮«‬يوبانشاد‮»‬‭ ‬مقننة‭ ‬بشعائر‭ ‬‮«‬فيدا‮»‬‭ ‬وأساطير‭ ‬‮«‬مهابهارتا‮»‬‭.‬

لقد‭ ‬استطاعت‭ ‬‮«‬الهندوسية‮»‬‭ ‬أن‭ ‬تجمع‭ ‬في‭ ‬رداء‭ ‬عقائدها‭ ‬ملايين‭ ‬البشر‭ ‬كأتباع‭ ‬لملتها،‭ ‬فتكون‭ ‬الديانة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬عدداً‭ ‬قبل‭ ‬انتشار‭ ‬المسيحية‭ ‬ثم‭ ‬الإسلام‭. ‬وبمتابعتنا‭ ‬للفكرة‭ ‬الدينية،‭ ‬نجد‭ ‬الهندوسية‭ ‬في‭ ‬جمعها‭ ‬بين‭ ‬التثليث‭ ‬وتعدد‭ ‬الآلهة،‭ ‬هاتومان‭ ‬وآجني‭ ‬وإندرا‭ ‬وسوما‭ ‬وبراجاباتي‭ ‬وديوس‭ ‬وفارونا‭ ‬وياما‭ ‬وناجا‭ ‬وناندس‭ ‬وياكشا‭ ‬وسوما،‭ ‬قد‭ ‬قدمت‭ ‬للعقل‭ ‬البشري‭ ‬إجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤالين‭ ‬الملحّين‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬سرّ‭ ‬الحياة‭ ‬ولغز‭ ‬الموت،‭ ‬لكن‭ ‬بطريقة‭ ‬سردية‭ ‬أنيقة،‭ ‬وفلسفة‭ ‬بدائية‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬الأساطير‭ ‬والظواهر‭ ‬الكونية‭. ‬ونسجت‭ ‬موروثاً‭ ‬فكرياً‭ ‬مستمداً‭ ‬من‭ ‬نصوص‭ ‬‮«‬يوبانشاد‮»‬،‭ ‬أحد‭ ‬النصوص‭ ‬المقدسة‭ ‬للهندوسية،‭ ‬يسهل‭ ‬على‭ ‬البسطاء‭ ‬استيعاب‭ ‬الفكرة‭ ‬الإيمانية‭.‬

تسرد‭ ‬القصة‭ ‬أنّ‭ ‬المخلوق‭ ‬الأول‭ ‬لم‭ ‬يشعر‭ ‬بالسرور‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬ألم‭ ‬الوحدة،‭ ‬فانقسمت‭ ‬ذاته‭ ‬نصفين،‭ ‬‮«‬فاشتاق‭ ‬النصف‭ ‬إلى‭ ‬نصفه‭ ‬الثاني،‭ ‬فانقسم‭ ‬وأنْسَلَ‭ ‬البشر‭... ‬عندها‭ ‬قالت‭ ‬الزوجة‭: ‬يُخرجني‭ ‬من‭ ‬نفسه‭ ‬ثم‭ ‬يشتاق‭ ‬إليّ؟‭ ‬لأعذبنّه‭. ‬فاختلقت‭ ‬بصورة‭ ‬بقرة،‭ ‬فصار‭ ‬هو‭ ‬ثوراً،‭ ‬فزاوجها‭ ‬وأنسل‭ ‬الماشية‮»‬،‭ ‬ثمّ‭ ‬فرساً‭ ‬ثم‭ ‬حمارة‭ ‬ثم‭ ‬عنزة‭ ‬ثم‭ ‬نعجة،‭ ‬‮«‬وهكذا،‭ ‬حتى‭ ‬نشأ‭ ‬بقية‭ ‬الخَلْق‮»‬‭.‬

 

فكرة‭ ‬الخلود

بتلك‭ ‬البساطة‭ ‬تخلقت‭ ‬بذرة‭ ‬مذهب‭ ‬وحدة‭ ‬الوجود‭ ‬وعقيدة‭ ‬تناسخ‭ ‬الأرواح،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنّ‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬كانت‭ ‬تُفَضِّل‭ ‬فكرة‭ ‬الخلود‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬التناسخ‭. ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬الفكرة‭ ‬إما‭ ‬خلوداً‭ ‬في‭ ‬النعيم‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬‮«‬ياما‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬ظلمات‭ ‬سحيقة‭ ‬وسعير‭ ‬دائم‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬‮«‬فارونا‮»‬‭. ‬وتجيب‭ ‬أسفار‭ ‬‮«‬يوبانشاد‮»‬‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬لغز‭ ‬عسر‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬فهمه‭: ‬‮«‬من‭ ‬أين‭ ‬جئنا،‭ ‬وكيف‭ ‬أقمنا‭ ‬وإلى‭ ‬أين‭ ‬نحن‭ ‬ذاهبون؟‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬سبب‭ ‬وجودنا؟‭ ‬أهو‭ ‬الزمان‭ ‬أم‭ ‬الطبيعة‭ ‬أم‭ ‬الضرورة‭ ‬أم‭ ‬العناصر‭ ‬أم‭ ‬المصادفة؟‭ ‬أم‭ ‬السبب‭ ‬هو‭ ‬الروح‭ ‬الأعلى‭ ‬بوروشا»؟

لم‭ ‬يكن‭ ‬تقديس‭ ‬البقرة‭ ‬عند‭ ‬الهندوس‭ ‬سوى‭ ‬رمز‭ ‬شعائري‭ ‬للحياة،‭ ‬ذلك‭ ‬الرمز‭ ‬الذي‭ ‬تأثرت‭ ‬به‭ ‬أديان‭ ‬أخرى‭ ‬جاءت‭ ‬لاحقاً،‭ ‬كاليهودية‭ ‬التي‭ ‬تأثرت‭ ‬بالفكرة‭ ‬نفسها‭ ‬تأثراً‭ ‬واضحاً‭ ‬لدرجة‭ ‬العبادة‭.‬

جاء‭ ‬المبطلون‭ ‬بعباءات‭ ‬الكفر‭ ‬ليحولوا‭ ‬اليهودية‭ ‬من‭ ‬عبادة‭ ‬الواحد‭ ‬الأعظم‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أسفل‭ ‬وأدنى‭. ‬وعندما‭ ‬نتصفح‭ ‬سفر‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬التوراة،‭ ‬نرى‭ ‬كُفر‭ ‬أتباع‭ ‬سيدنا‭ ‬موسى‭ ‬الذين‭ ‬عبدوا‭ ‬العِجْل‭ ‬الذهبي،‭ ‬ورقصوا‭ ‬حوله‭ ‬عراة‭. ‬ومثل‭ ‬ذلك‭ ‬نراه‭ ‬في‭ ‬سفر‭ ‬الملوك‭ ‬وفي‭ ‬‮«‬حزقيال‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬يأتي‭ ‬ذِكْر‭ ‬أهاب‭ ‬ملك‭ ‬إسرائيل‭ ‬الذي‭ ‬فرض‭ ‬على‭ ‬شعبه‭ ‬عبادة‭ ‬الحيوان‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬حصل‭ ‬ولم‭ ‬تمضِ‭ ‬إلا‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬وفاة‭ ‬سيدنا‭ ‬سليمان‭ ‬‭. ‬

وفي‭ ‬إيران‭ ‬ظهرت‭ ‬الثنوية‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬تعاليم‭ ‬زرادشت‭ ‬التي‭ ‬تتلخص‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬‮«‬الشر‮»‬‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دوام‭ ‬‮«‬الخير‮»‬‭. ‬

وتنبني‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬على‭ ‬المَثَلِ‭ ‬ونقيضه،‭ ‬الإله‭ ‬أهورا‭ - ‬مزدا‭ (‬يزدان‭) ‬وأهرمان‭ ‬الشيطان،‭ ‬والنور‭ ‬والظلمة،‭ ‬والماء‭ ‬والنار،‭ ‬والخير‭ ‬والشر،‭ ‬والأعلى‭ ‬والأسفل،‭ ‬والفضيلة‭ ‬والرذيلة،‭ ‬وهكذا‭. ‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬نصرة‭ ‬الإله،‭ ‬وهو‭ ‬الخير‭ ‬المحض‭ ‬والنور‭ ‬السرمدي،‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬إشعال‭ ‬النار‭ ‬ليأتي‭ ‬نورها‭ ‬مبدداً‭ ‬وحشة‭ ‬الظلام‭. ‬لم‭ ‬يعبد‭ ‬أتباع‭ ‬زرادشت‭ ‬النار،‭ ‬بل‭ ‬قدّسوها‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬‮«‬المجوس‮»‬‭ ‬سوى‭ ‬كهنة‭ ‬كانوا‭ ‬يعبدون‭ ‬الأوثان‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬وقد‭ ‬عاثوا‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬فساداً‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬زرادشت،‭ ‬الذي‭ ‬حاربهم‭ ‬وأعلن‭ ‬مبادئه‭ ‬بكل‭ ‬شجاعة‭. ‬لذا‭ ‬كان‭ ‬لزاماً‭ ‬علينا‭ ‬ذِكْر‭ ‬ذلك‭ ‬تحديداً،‭ ‬لكيلا‭ ‬تختلط‭ ‬علينا‭ ‬المصطلحات‭ ‬وتعمم‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬أصلها‭ ‬المغالطات‭.‬

وتفيد‭ ‬نصوص‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬للزرادشتية‭ ‬‮«‬أفستا‮»‬‭ ‬بأنّ‭ ‬واجبات‭ ‬الإنسان‭ ‬ثلاثة‭: ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬العدو‭ ‬صديقاً،‭ ‬والخبيث‭ ‬طيباً،‭ ‬والجاهل‭ ‬عالماً‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬رسخ‭ ‬سيدنا‭ ‬إبراهيم‭ ‬‭ ‬دعائم‭ ‬دين‭ ‬التوحيد،‭ ‬ونشر‭ ‬الدعوة‭ ‬ومَدَّها‭ ‬حتى‭ ‬مصر‭ ‬وشبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬وأتى‭ ‬الأنبياء‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬مؤكدين‭ ‬هذا‭ ‬الدين،‭ ‬آمن‭ ‬اليهود‭ ‬بإله‭ ‬موسى‭ ‬وهارون‭ ‬عليهما‭ ‬السلام‭ ‬‮«‬ياهو‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬يهوه‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬المعنى‭ ‬العبري‭ ‬لاسم‭ ‬الله‭ ‬عزّ‭ ‬وجل‭.‬

وبعد‭ ‬السبي‭ ‬الأكبر‭ ‬لليهود‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬نبوخذ‭ ‬نصّر،‭ ‬تشكلت‭ ‬مجاميع‭ ‬سرية‭ ‬كتبت‭ ‬التوراة‭ ‬للحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الضياع‭.‬

ومثلما‭ ‬أُهين‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الفراعنة،‭ ‬بعد‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬‭ ‬بمدة،‭ ‬أهينوا‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬وترادف‭ ‬اسم‭ ‬الإله‭ ‬‮«‬إيل‮»‬‭ ‬و«أولهيم‮»‬‭ ‬مع‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬ياهو‮»‬،‭ ‬ليكون‭ ‬اسم‭ ‬الإله‭ ‬اليهودي‭ ‬مختلفاً‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬ويهوذا‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬بابل‭ ‬وإفرايم‭. ‬

وبدأت‭ ‬الدعوة‭ ‬اليهودية‭ ‬بالاستتار،‭ ‬لتنحسر‭ ‬وتنحصر‭ ‬ببني‭ ‬إسرائيل‭ ‬وذريتهم‭ ‬فقط‭ ‬دون‭ ‬العالمين،‭ ‬وتكون‭ ‬أشبه‭ ‬بالدين‭ ‬الخاص‭ ‬لشعبٍ‭ ‬ادّعى‭ ‬أنه‭ ‬شعب‭ ‬الله‭ ‬المختار‭. ‬

وقد‭ ‬ضاعت‭ ‬منهم‭ ‬الوصايا‭ ‬والمبادئ‭ ‬الأساسية‭ ‬للشريعة،‭ ‬واستُبْدِلَت‭ ‬بشعارات‭ ‬وضعية،‭ ‬غاية‭ ‬منتهاها‭ ‬مصلحة‭ ‬المنتمي‭ ‬اليهودي،‭ ‬فانتشرت‭ ‬الحِيَل‭ ‬الشرعية‭ ‬وبُرِّرَ‭ ‬ارتكاب‭ ‬المحرمات‭ ‬لديهم،‭ ‬شريطة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مع‭ ‬مَنْ‭ ‬يكونون‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬مِلَّتِهِم‭ ‬أو‭ ‬دينهم،‭ ‬فمارسوا‭ ‬الربا‭ ‬والغشّ‭ ‬والزنا‭ ‬والسرقة،‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬الخديعة‭ ‬ديدنهم‭. ‬فجاء‭ ‬المسيح‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬مريم‭ ‬،‭ ‬مصلحاً‭ ‬وهادياً‭ ‬ودليلاً‭ ‬إلى‭ ‬سبيل‭ ‬الحقّ‭ ‬الذي‭ ‬هجره‭ ‬بنو‭ ‬إسرائيل،‭ ‬فرفضوا‭ ‬تعاليمه‭ ‬وتآمروا‭ ‬عليه‭ ‬ليُحكم‭ ‬عليه‭ ‬بالموت‭ ‬صلباً،‭ ‬فأنجاه‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬كيد‭ ‬الظالمين‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬الإسلام‭ ‬حَدَثاً،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬أصلاً‭. ‬يقول‭ ‬الله‭ ‬عزّ‭ ‬وجلّ‭: ‬‭{‬مَا‭ ‬كَانَ‭ ‬إِبْرَاهِيمُ‭ ‬يَهُودِيًّا‭ ‬وَلَا‭ ‬نَصْرَانِيًّا‭ ‬وَلَكِنْ‭ ‬كَانَ‭ ‬حَنِيفًا‭ ‬مُسْلِمًا‭ ‬وَمَا‭ ‬كَانَ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْمُشْرِكِينَ‭}‬‭ (‬سورة‭ ‬آل‭ ‬عمران‭ - ‬الآية‭ ‬67‭)‬،‭ ‬ويقول‭ ‬سبحانه‭: ‬‭{‬وَمَا‭ ‬جَعَلَ‭ ‬عَلَيْكُمْ‭ ‬فِي‭ ‬الدِّينِ‭ ‬مِنْ‭ ‬حَرَجٍ‭ ‬مِلَّةَ‭ ‬أَبِيكُمْ‭ ‬إِبْرَاهِيمَ‭ ‬هُوَ‭ ‬سَمَّاكُمُ‭ ‬الْمُسْلِمِينَ‭ ‬مِنْ‭ ‬قَبْلُ‭}‬‭. (‬سورة‭ ‬الحج‭ - ‬الآية‭ ‬78‭).‬

والآيتان‭ ‬واضحتان،‭ ‬بأنّ‭ ‬الإسلام‭ ‬هو‭ ‬دين‭ ‬الحقّ‭ ‬الذي‭ ‬أكّده‭ ‬الرسل‭ ‬والأنبياء‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬الفترات‭ ‬واستمرار‭ ‬الحياة‭. ‬أما‭ ‬الفترات،‭ ‬حسب‭ ‬التقسيم‭ ‬الثيو‭ - ‬تاريخي،‭ ‬فهي‭ ‬فترات‭ ‬الرسالات‭: ‬آدم،‭ ‬نوح،‭ ‬إبراهيم،‭ ‬موسى،‭ ‬عيسى،‭ ‬محمد،‭ ‬عليهم‭ ‬وعلى‭ ‬نبينا‭ ‬أفضل‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭.‬

 

اختلاف‭ ‬المسمى

بين‭ ‬هذه‭ ‬الفترات،‭ ‬ورغم‭ ‬استمرار‭ ‬النبوّة‭ ‬والأنبياء،‭ ‬دخل‭ ‬الشك‭ ‬والضلال‭ ‬والانحراف‭ ‬والتمرد‭ ‬والطغيان،‭ ‬حتى‭ ‬ختم‭ ‬الله‭ ‬رسالته‭ ‬بالقرآن‭ ‬الكريم‭. ‬ونؤكّد‭ ‬هنا‭ ‬أنّ‭ ‬كل‭ ‬دين‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬رسول‭ ‬هو‭ ‬دين‭ ‬‮«‬الإسلام‮»‬،‭ ‬إنّما‭ ‬اختلف‭ ‬المسمى‭ ‬باختلاف‭ ‬اللغات،‭ ‬وما‭ ‬خاضه‭ ‬المصطلح‭ ‬بين‭ ‬التعميم‭ ‬والتخصيص،‭ ‬وبين‭ ‬تعريف‭ ‬الأتباع‭ ‬وتسمية‭ ‬الخصوم‭.‬

فإذا‭ ‬كان‭ ‬إبراهيم‭ ‬‭ ‬حنيفاً‭ ‬مسلماً،‭ ‬فإنّ‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬أنّ‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يتبع‭ ‬تعاليم‭ ‬الأديان‭ ‬المتفرعة‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬العقائد‭ ‬والمبادئ‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬‮«‬حنيفيون‭ ‬مسلمون‮»‬‭. ‬إنّ‭ ‬الإسلام‭ ‬عقيدة‭ ‬واحدة‭ ‬ممتدة‭ ‬من‭ ‬سيدنا‭ ‬آدم‭ ‬‭ ‬إلى‭ ‬سيدنا‭ ‬محمد‭ ‬،‭ ‬والاختلاف‭ ‬بين‭ ‬ديانات‭ ‬التوحيد‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬العقائد،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬اختلاف‭ ‬في‭ ‬الشرائع‭. ‬

والشريعة‭ ‬هنا‭ ‬هي‭ ‬مجموعة‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تنظم‭ ‬حياة‭ ‬الأفراد‭ ‬والمجتمع،‭ ‬أصولها‭ ‬ثابتة‭ ‬وقائمة‭ ‬على‭ ‬الفطرة‭ ‬والأخلاق،‭ ‬وفروعها‭ ‬متغيرة‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬وسير‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬إعمار‭ ‬الأرض‭ ‬وصون‭ ‬كرامة‭ ‬الإنسان‭.‬

إنّ‭ ‬أكثر‭ ‬الاختلافات‭ ‬بين‭ ‬الديانات‭ ‬والمذاهب‭ ‬والمشارب‭ ‬الفكرية‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اجتهادات‭ ‬الفقهاء‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬ما‭ ‬وفي‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬حول‭ ‬القوانين‭ ‬والأساليب‭ ‬المعالجة‭ ‬لمسائل‭ ‬ما،‭ ‬وهي‭ ‬آراء‭ ‬إنسانية‭ ‬قابلة‭ ‬للتغيير‭ ‬أو‭ ‬التعديل‭ ‬أو‭ ‬التوقيف‭ ‬أو‭ ‬الإلغاء‭.‬

وهذا‭ ‬عكس‭ ‬الحدود،‭ ‬وهي‭ ‬الأوامر‭ ‬الإلهية‭ ‬الحتمية،‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬طاعتها‭ ‬والأخذ‭ ‬بها‭ ‬برضا‭ ‬واقتناع،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬نقاش‭ ‬أو‭ ‬جدال،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬النص‭ ‬الإلهي‭ ‬واضحاً‭ ‬للجميع،‭ ‬قطعي‭ ‬الدلالة‭ ‬وقطعي‭ ‬الثبوت‭.‬

ويُسَجِّل‭ ‬التاريخ‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العصور‭ ‬نجاحات‭ ‬السياسيين‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الدين‭ ‬سيفاً‭ ‬لترسيخ‭ ‬حكمهم،‭ ‬فما‭ ‬إن‭ ‬يكسبوا‭ ‬ودّ‭ ‬العامة‭ ‬والسواد‭ ‬الأعظم‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صنائعهم‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الدين،‭ ‬حتى‭ ‬يقوموا‭ ‬بتأسيس‭ ‬دكتاتورياتهم‭ ‬وتثبيت‭ ‬المُلك‭ ‬العضود‭.‬

ولا‭ ‬أدلّ‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬مثلاً‭ ‬من‭ ‬ملكيات‭ ‬أوربا‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى،‭ ‬وظهور‭ ‬نظرية‭ ‬‮«‬السيفين‮»‬،‭ ‬سيف‭ ‬المُلْك‭ ‬وسيف‭ ‬الدين،‭ ‬ما‭ ‬لقيصر‭ ‬لقيصر‭ ‬وما‭ ‬لله‭ ‬لله‭.‬

هنالك‭ ‬حظي‭ ‬قيصر‭ ‬والأرستقراطيون‭ ‬بالمال‭ ‬والجاه‭ ‬والسلطة،‭ ‬وحظي‭ ‬رجال‭ ‬الكنيسة‭ ‬بالمال‭ ‬والتقديس‭ ‬وشيء‭ ‬من‭ ‬السلطة،‭ ‬وأصبح‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬السيفين‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬السيطرة‭ ‬وتسيير‭ ‬السلطات‭ ‬واستخدامها‭ ‬لمصلحته‭. ‬كان‭ ‬عصراً‭ ‬من‭ ‬الطغيان،‭ ‬عانت‭ ‬فيه‭ ‬الشعوب‭ ‬الأوربية‭ ‬الأمرّيْن،‭ ‬جوع‭ ‬وفقر‭ ‬وخوف‭ ‬وذلّ‭ ‬ومرض‭ ‬وجهد‭ ‬لا‭ ‬ينقطع،‭ ‬بينما‭ ‬عاش‭ ‬المترفون‭ ‬من‭ ‬الساسة‭ ‬ورجال‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬نعيم‭ ‬عامر،‭ ‬يحتسون‭ ‬السعادة‭ ‬ويتنفسون‭ ‬الرخاء‭.‬

إنّ‭ ‬الشعوب‭ ‬وإن‭ ‬طال‭ ‬صبرها،‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬فيه‭ ‬تصحو‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬تعديل‭ ‬أوضاعها‭. ‬ولكنّ‭ ‬الخوف،‭ ‬كل‭ ‬الخوف،‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬الشعوب‭ ‬على‭ ‬حكامها‭ ‬ذات‭ ‬غلظة‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الهدم‭ ‬وتعطل‭ ‬البناء‭. ‬

والثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬نموذجاً‭ ‬للتغير‭ ‬السياسي‭ ‬والقانوني‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬لم‭ ‬تتعافَ‭ ‬من‭ ‬دمويتها‭ ‬ولم‭ ‬تنشف‭ ‬دماؤها‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬ولم‭ ‬يأتِ‭ ‬ثباتها‭ ‬والإصلاح‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تشتت‭ ‬الصف‭ ‬الأول‭ ‬فيها‭ ‬بين‭ ‬مقصلة‭ ‬ومشنقة‭ ‬ورصاصة‭ ‬بندقية‭ ‬وطعنة‭ ‬خنجر‭ ‬أو‭ ‬ضربة‭ ‬سيف‭. ‬

هكذا‭ ‬الثورات،‭ ‬تأكل‭ ‬أبناءها،‭ ‬وتهدم‭ ‬أساسات‭ ‬زعموا‭ ‬أنها‭ ‬أساسات‭ ‬عهد‭ ‬الظلم‭ ‬والظلام،‭ ‬بقصد‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬إطلالة‭ ‬النور‭ ‬وشمس‭ ‬الحرية‭.‬

لكن‭ ‬المتابع‭ ‬لتلك‭ ‬الثورات‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬سوى‭ ‬ظلمات‭ ‬كالسحب‭ ‬أقضت‭ ‬مضاجع‭ ‬الشعوب،‭ ‬وفوضى‭ ‬أضرمت‭ ‬نار‭ ‬الحروب‭. ‬وحين‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬بناء‭ ‬جديد‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬إلا‭ ‬هدماً‭ ‬وخراباً،‭ ‬وحين‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬تجديد‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬إلا‭ ‬رجعية‭. ‬

لبس‭ ‬القادة‭ ‬الجدد‭ ‬قديم‭ ‬ملابس‭ ‬السابقين،‭ ‬وبأحذيتهم‭ ‬البالية‭ ‬داسوا‭ ‬على‭ ‬رقاب‭ ‬الأبرياء،‭ ‬حرقوا‭ ‬الزراعة‭ ‬وعطلوا‭ ‬الصناعة،‭ ‬وعسعس‭ ‬الخوف‭ ‬وما‭ ‬سكن‭ ‬الغضب،‭ ‬وانتشرت‭ ‬الأحقاد‭ ‬ولُفقت‭ ‬التُهم،‭ ‬واندست‭ ‬النفوس‭ ‬الضعيفة‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬الظلم‭ ‬ترهب‭ ‬وتسرق‭ ‬وتنهب‭ ‬وترتشي‭ ‬وتغسل‭ ‬الأموال‭ ‬وتهرب‭.‬

ويكمن‭ ‬الحلّ‭ ‬بالتسامح‭ ‬لإحلال‭ ‬السلام‭ ‬والتعايش‭ ‬الآمن،‭ ‬تلك‭ ‬سياسة‭ ‬الرسل‭ ‬والأنبياء‭... ‬‮«‬اذهبوا‭ ‬فأنتم‭ ‬الطلقاء‮»‬،‭ ‬شعار‭ ‬أطلقه‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬الحرية‭ ‬والتسامح‭ ‬والسلام‭ ‬■