البوابة السحرية

البوابة السحرية

لا أذكر من ذلك اليوم المليء بالشغب داخل مكتبة مدرسة الخليل بن أحمد المتوسطة في منطقة كيفان سوى اللحظة التي دخل فيها مدرس حاملًا بيديه وحتى ذقنه كمية من المطبوعات المتساوية في حجمها، وضعها على الطرف الأيمن من القاعة، فجأة توقف الشغب البريء وتقدم مدرس اللغة العربية ليعرّفنا بنشاط اليوم وترك الحديث للمدرس الذي حمل معه جبل المطبوعات المتساوية.
مما قاله ولا زال راسخا في ذاكرتي: «أنتم ككويتيين يجب أن تشعروا بالفخر لأن المطبوعة الأشهر والأكثر انتشارًا في الوطن العربي تصدر من أرضكم، ومن المهم أن تتعرفوا عليها وتداوموا على قراءتها لاكتساب المعارف من مصادر غير الكتب المدرسية»، بعد هذه المقدمة الموجزة بدأت عملية توزيع أعداد المطبوعة الأشهر والأكثر انتشارًا في الوطن العربي، وعندما جاء دوري أمسكت بها وطالعت غلافها للمرة الأولى: «مجلة العربي»، العدد رقم 297 (أغسطس 1983م)، في الأسفل عنوانين فرعيين «مدن على دروب الصحراء» و«طلائع الرفض الإسلامي».
ذهب المدرس الذي جلب لنا «العربي» وبقي معنا مدرس اللغة العربية، المشرف على ساعة القراءة، الذي تعمد الانشغال بأي شيء حتى يمنحنا الوقت لكي نتصفح المجلة، المشاغبة عادت تدريجيًا، ولربما لو أحضروا لنا مجلة العربي الصغير لصمدت الهدنة بيننا وبين هدوء المكتبة، ولكن لم تكن «العربي الصغير» قد صدرت آنذاك كمجلة مستقلة حتى عام 1986م والأعداد الموجودة بين أيدينا خلت من ملحق العربي الصغير، فتاة الغلاف نالها نصيبها التقليدي من العبث المعتاد بإضافة شارب أسفل أنفها، وأعترف بأني وجدت صعوبة بالغة في قراءة مواضيع المجلة، ولكني حرصت على الاحتفاظ بها سليمة لأنني توصلت إلى البوابة التي سأنفذ منها لقراءتها.
عدتُ إلى المنزل ومعي مجلة العربي، وبعد أن فرغت من التزاماتي الدراسية تفرغت للبوابة السحرية التي دلفت منها إلى عالم مجلة العربي الذي لم ينته إلى اليوم، تلك البوابة هي استطلاع ليبيا «مدن على دروب الصحراء»، وقد لقّبتها بالسحرية، لأن باب الاستطلاع في مجلة العربي هو أكثر الأبواب قراءة عن بقية الأبواب الأخرى لتلازمه مع الصور الملونة واللغة العربية المبسطة التي يغلب عليها طابع تسجيل المشاهدات والانطباعات الشخصية للمحرر مع بعض المعلومات التي يصعب الحصول عليها من الكتب.
إن قراءة 20 صفحة من صفحات «العربي» تعد بالنسبة لي إنجازًا لتلميذ يبلغ من العمر 13 عامًا، خاصة أن هذه القراءة تمت خارج المنهج الدراسي, ومن خلالها تعرفت على جزء من أجزاء الصحراء الليبية وتعلمت في مرحلة عمرية مبكرة أن اكتساب المعارف لا يكون فقط في المدرسة، صحيح أن هذه المعلومة معروفة لدي ولكن خوض التجربة له طعم آخر.
لقد احتفظت بالعدد الذي تعرفت فيه على مجلة العربي إلى اليوم، وبقي هو دون غيره يحمل مكانة عزيزة في قلبي حتى بعد أن قدمت للعمل في المجلة منذ عام 1999 ونشرت فيها ما نشرت، واليوم, إذ تكمل مجلة العربي عامها الستين أشعر – كما قال المدرس - بكل الفخر والامتنان بما قامت به دولة الكويت ووزارة الإعلام في دعم ورعاية هذه الحاضنة الثقافية التي حملت رسالة عظيمة في نشر الوعي والمعرفة والقيم الإنسانية لكل أبناء الوطن العربي من الخليج إلى المحيط ولكل الناطقين باللغة العربية ■