حروب المياه
بينما تحظى المخاطر الآنية بكل الاهتمام والتركيز، لا تجد الأصوات المحذرة من المخاطر الصامتة المساحة الكافية للتعبير عن نفسها، ربما لأنها تتعلق بالمستقبل، ولكن ما الذي يمكن قوله إذا كان هذا المستقبل قريباً جداً وأقرب مما نتوقع؟
في دولة الكويت، عقد في بداية الشهر الماضي المؤتمر العربي الثالث للمياه، تم فيه مناقشة القضايا المتعلقة بالأمن المائي العربي وارتباطه بالأمن القومي العربي، وقد قرعت في هذا المؤتمر عشرات الأجراس، من أبرزها أن المنطقة العربية لديها 1 في المئة فقط من مصادر المياه العذبة على مستوى العالم، و40 في المئة من سكانها يعيشون في مناطق الشح المائي المطلق، كما توجد 14 دولة عربية من بين 19 دولة تعد هي الأكثر معاناة من ندرة المياه على مستوى العالم، وأخيراً 80 في المئة من المياه العربية تأتي من خارج العالم العربي.
هذا الوضع يزداد تفاقماً عندما نعلم أن الوضع المائي في بلداننا يتجه نحو التدهور, في ظل ندرة سقوط الأمطار وتكرار دورات الجفاف ووجود معدلات نمو سكاني تصل إلى 2.5 في المئة، فضلاً عن وجود أوضاع جيوسياسية لا فكاك منها تقضي باشتراك الدول العربية بالمجاري المائية مع غيرها من الدول غير العربية.
وقد تمت الإشارة في هذا المؤتمر إلى لمحات مبشرة مثل تطلُّع الدول الخليجية إلى التكامل المائي بعد نجاحها في تحقيق الربط الكهربائي الذي أثبث جدواه عندما تمت الاستعانة به وقت الحاجة، خاصة أن الدول الخليجية تعاني الشح المائي وتعتمد بشكل أساسي على تقطير مياه البحر.
هذه الأجراس التي تقرع متى يا ترى ستجد الاهتمام المطلوب لكي يكون الأمن المائي حاضراً بشكل رئيس في كل البرامج والاستراتيجيات باعتباره الركن الأول من الأركان الرئيسة للأمن القومي العربي؟، ويا حبذا لو انطلقت البداية من استغلال ما يتم هدره قبل التفكير بأي شيء آخر, كون العالم العربي لا يستغل من موارده المائية البالغة حوالي 340 مليار متر مكعب سوى 50 في المئة, والباقي يذهب هدراً.
لقد قرأت من قبل أن الحروب المقبلة ستكون بسبب المياه، وفي ظل المعطيات الحالية التي تهدد الأمن المائي في أكثر من دولة عربية تتكثف فيها الكثير من الغيوم السوداء التي لا تبشر بالخير. والأمل كل الأمل أن تتدخل الحكمة لتجنيب المنطقة الانزلاق نحو كوارث جديدة نحن في غنى عنها■