الفطام النفسي مرحلة حرجة في حياة الأبناء هالة حلمي

الفطام النفسي مرحلة حرجة في حياة الأبناء

سن المراهقة مرحلة حرجة وصعبة في حياة الإنسان، ولابد أن يحسن الآباء والتربويون معاملة الأبناء في هذه السن الصعبة، فالمراهق يحتاج إلى نوعية خاصة من التعامل. والأسلوب الخاطئ قد يؤدي إلى تكوين شخصيات غير سوية والعكس فالأسلوب السليم في تعاملنا مع المراهق يجعله ذا شخصية ناجحة وهنا تصبح المراهقة سهلية وقصيرة.

يحدثنا الدكتور طلعت منصور أستاذ ورئيسا قسم الصحة النفسية بجامعة عين شمس حول المراهقة وما ينبغي على الآباء أن يفعلوه تجاه أبنائهم في هذه المرحلة الحساسة.

ما هي المراهقة؟

تمثل المراهقة مرحلة عمرية متميزة في عمر الإنسان، وهي تبدأ بتلك التغيرات الجسمية والجنسية الواضحة في هذه المرحلة، وتتحـدد هذه المرحلة عمريا من سن 11 أو 12 سنة مع اعتبار الفروق التي يمكن أن تكون بين فرد وآخر أو بين البنين والبنات، وتمتد سن المراهقة حتى 18 تقريبا، ويمكن سنة تقريبا، ويمكن تقسيم المراهقة إلى ثلاث مراحل فرعية:

مراهقة مبكرة من حوالي 11 أو 12 سنة إلى سن 14 سنة.

مراهقة وسطى من حوالي 14 سنة إلى 16 سنة.

مراهقة متأخرة من 16 سنة إلى 18 سنة تقريبا.

والمراهقة المتأخرة قد تمتد في نظر بعض الباحثين إلى حوالي سن 22 سنة لتؤلف ما يعرف بمرحلة الشباب.

وللمراهقة طبيعتها فهي مرحلة فاصلة وواصلة ما بين عالم الطفولة وخبراته وبين عالم الكبار ومسئولياتهم. فهي مرحلة انتقالية في مدى حياة الإنسان يحمل فيها المراهق خبرات طفولته ويتهيأ فيها للدخول إلى عالم الكبار وتحمل المسئولية.

ومن أبرز سمات هذه المرحلة تلك التغيرات السريعة والجذرية سواء التغيرات الجسمية الجنسية المتعلقة بعمليات البلوغ وتعمق عمليات البناء والهدم في الجسم "العمليات الأرضية" في هذه المرحلة، وتوجد أيضا تغيرات عقلية، معرفية متميزة من أبرزها: نمو القدرة على التفكير التجريدي أي القدرة على التعامل مع الأشياء بالمجردات والمفاهيم المجردة والفطرية، وذلك هو أرقى مستـويات التفكير الإنسـاني من حيـث مستوى النمو.أيضا نجد تفرع النشاط العقلي في هذه المرحلة أي تمايز طاقات العقل ونشاطاته في قدرات عقلية متميزة وهي سن ظهور القدرات العقلية "القدرة الرياضية" اللغوية الأدبية الفنية إلى أخره.

واستثمار هذا التمايز في النشاط العقلي في حسن توجيه أبنائنا إلى ما يلائمهم من تعليم. وهي أيضا مرحلة تغيرات متميزة في الجانب الوجداني الانفعالي الدافعي، إنها مرحلة التناقض العاطفي وما يمكن أن نلاحظه على المراهق من تقلبات مزاجية (مرح، ضيق، همة، تكاسل، ابتهـاج، حزن، أمل، يأس.." وكذلك هي مرحلة الرومانسية العاطفية حيث يندفع المراهق في عواطف جياشة قوية. أيضا هى مرحلة الأماني والأحلام الزائدة، ونجد كذلك التغيرات الواضحة في الجانب الاجتماعي وأبرزها تلك النزعة الأكيدة إلى الاستقـلاليـة والتخلص أو التحرر من التبعية الطفلية للوالدين، أي نزعة المراهق إلى "الفطام النفسي" من الاعتماد على الوالدين والكبار.

أيضـا مـن المعالم المميزة للتغيرات الاجتماعية في هذه المرحلة النزعة إلى الانتماء إلى جماعة من الأقران أو ما يعرف بجماعة الشلة أو الأصدقاء، ورغبة في أن يكون عضوا له مكانة في تلك الجماعة التي لها تأثير بالغ عليه.

جماعات الأقران أو جماعات الشلة في مرحلة المراهق نعمة ونقمة فهي نعمة لأنها جانب طبيعي من جـوانب النمـو الاجتماعي للمراهق وإحساسه بالانتماء إلى مجموعات من أقرانه يتشاركون الفكر والرأي والمقاصد والأفعال.

بل إن هذه الجماعات مصدر للتعليم الاجتماعي ولتحقيق الذات عند المراهق، وهي أيضا تعبير عن استقلاليته وجماعات الأقران قد تكون نقمة إذا كانت من رفاق السوء مما يموج به هذا العصر ومما هو ظاهر وباطن وخفى من تيارات شتى سواء تيارات فكرية معادية للمجتمعات أو عصابات جريمة أو جماعات الإدمان والمخدرات.

وهنا يقرر الباحثون في مجالات المراهقة والشباب ما يعرف "بمجتمع المراهقين" أو "ثقافة المراهقين" ويقصدون بذلك أن المراهقة أو الشباب قد تؤلف مجتمعا داخل المجتمع أو ثقافة داخل ثقافة المجتمع، بحكم ما تتميز به المراهقة أو الشباب من طبيعة ومن خصائص التغيرات النمائية في هذه المرحلة، والمشكلة هنا إذا حدث تباعد أو انفصال بين مجتمع المراهقين أو ثقافة المراهقين وبين المجتمع ككل وثقافته السائدة. وصحة المراهقة في الوصل لا الفصل بين عالم المراهقة من والدين ومعلمين ومسئولين وغير ذلك.

كما يشجعون على دعوة أصـدقاء المراهق إلى المنزل للتعارف ولإدراك ما في هذا التعارف من آفاق للنمو أو للانحراف.

ونحن نوصى الوالدين والكبار والمسئولين بأن يعيش أبناؤنا في سنوات المراهقة نشاطات وخبرات متنوعة تشدهم إلى خارج ذواتهم في ألعاب رياضية أو نشاطات ترويحية وروحية واجتماعية وثقافية، حيث تتأتى للمراهق خبرات الإعلاء بالطاقة الغريزية الجنسية ويمكنه تنمية كفاءاته الذهنية والوجدانية والاجتماعية والجسمية وهنا المدخل الأكيد للصحة النفسية للمراهق.

فترة المفارقات

  • تتحدث السيدة أنصاف الشيتي مديرة مدرسة من خلال خبرتها وتعايشها مع التلاميذ فتقـول: إن المراهقة هي فترة مفارقات ما بين الطفولة وبين سن الشباب، وهي تبدأ من سن البلوغ حتى سن 16، 17 سنة تقريبا، وتستقر هذه الفترة ببلوغ سن الرشد. وفي هذه الفترة يتصف الأبناء بالأوهام ومنهم من يتقمص شخصية أحد الكبار ويتخذ له مثلا أعلى وفيها يكثر التخبط والتردد ومنهم من يصبح لديه تشبث ويحاول إثبات ذاته ويكون قوي الإرادة.

* من خلال خبرتك هل تختلف المراهقة عند الفتى عنها لدى الفتاة؟

- تماما لأن الولد يختلف عن البنت في كـل شيء، فالولد يتصف بالعنف والبطولة والطموحات ويجذبه عالم الفضاء مثلا وتختلف اهتماماته فيهتم برياضات العنـف مثل الكاراتيه، أما الفتاة فنجـد أنها يظهر في شخصيتها الاهتمام بالأمومة وبتدبير المنزل والاهتمام بالأزياء وتبلور أنوثتها، ومحور عواطفها يدور حول تكوين الأسرة فنجد ميلها نحو الأطفال ومساعدة والدتها فتكون رقيقة المشاعر والعواطف.

وثمة ملحوظة غريبة جدا فنجد الفتاة في هذه السن تصبح غيورة على والدها وعلى كيانها الأسري. ونجد الفتى غيورا على أخواته البنات وأمه.

* كيف يمكـن التعامل مـع هذه السن الصعبة؟

- أن نوجه طاقاتهم إلى النشاطات الفنية والرياضية والثقافية والروحية وتكثيف وتكاتف جهود الأسرة مع المجتمع والمدرسة ووسائل الإعلام، من أجل تقويم ذواتهم وتوجيهها لتكوين شخصيات سوية.

المراقبة ضرورة

  • السيدة سعاد عارف "أم لخمسة أبناء في سن المراهقة".

* من خلال تربيتك لأبنائك كيف نحدد ملامح فترة المراهقة؟

- المراهقة تختلف - من مراهق لآخر- اختلافا بينا وواضحا وكذلك تختلف بين الصبي والفتاة فالصبي يتطلع تطلعا مطلقا لإثبات ذاته بمحاولته السيطرة على أخواته البنات في تصرفاتهن الخارجية خصوصـا، ولا يهتم بتصرفاتهن الداخلية في المنزل، ويكون في المنزل كثير الطلبات وقد ينفرد بنفسه، وإذا كان له أخ أكبر يقلده في تصرفاته، وهذا ليس بصفة عامة. وهناك تطورات جسمية في هذه المرحلة، وقد تظهر بعض الأمراض الطفيفة التي تظهر وتختفي، بعض الأبناء قد يتعلق بالدراسة وبعضهم يكرهها ويرفضها، أو نلاحظ عليه الشرود، أغلب الفتيات يفضلن الانطواء.

وتمتـاز الفتـاة في هذه الفترة بتحولها إلى سيدة منزل ومحاولة تقليـد الأم في كل تصرفاتها وخصوصا في إدارة المطبخ، وتصبح عصبية شديدة الحساسية، كما قد تتضاعف غيرة الفتاة من شقيقتها وهذه ظاهرة ملموسة جدا، وتحاول كل فتاة أن تتفوق على شقيقاتها خصوصا من تصغرها.

وتعامل الأم مع الفتيات في هذه السن يكون صعبا ويحتاج إلى شيء من الصبر والمرونة مع الحزم، خصوصا فيمن يهوين الانطلاق في مجال الأزياء، والبحـث عن كل جديد، والملابس الغربية الشاذة، وفي حالات كثيرة تنجذب الفتاة إلى الاتجاه الديني الصادق وإلى التحشم في الملابس ولا يمكن الحكم في سن المراهقة على الكل بالدرجة نفسها.

* هل يمكن أن تطول فترة المراهقة أو تقصر؟

- لدى ابن طالت فترة مراهقته بالرغم من أنه تعدى العشرين، وقد كان متفوقا دراسيا في الطفولة، وحين بدأت فترة المراهقة تعدل سلوكه ومما هو جدير بالذكر أن بعض الأبناء قد تكون مراهقتهم سهلة أو لا يمرون بهذه الفترة أبدا

* هل اتسم أحد أبنائك أو بناتك بالمراهقة الصعبة ؟ وكيف تعاملت معه أو معها؟

- لاحظت أن مراهقة الصبي الكبير اتسمت بالعصبية المطلقة والتصرفات غير الجادة والأنانية المفرطة. والعلاج كان بالمواجهة المستمرة ومحاربة هذه التصرفات، فالمراهق عنيد والأفضل الإهمال والمراقبة عن بعد.

لا أحد يفهمني!

  • م. العجرودي 15 سنة بالصف الثاني الثانوي.

* ما هي اهتماماتك في هذه السن؟

- أهتم بالمذاكرة، وأحب لعب الكرة وأحب التجوال في النوادي، ولا أجد شيئا أود القيام به متعذرا علي. أتمنى دخول كلية مرموقة مثل كلية الهندسة، ولا أفتقد شيئا معينا.

* ما هي نظرتك للمجتمع؟

نظرتي للمجتمع نظرة عادية، فأحترم من أمامي والجميع حولي أصحابي وتعاملاتي مع أخوتي أعاملهم كأصحاب لي، أما أمي فقد أتحدث إليها أحيانا في مشكلة فلا تفهمني فأنصرف عنها إلى إخوتي. فإخوتي وأصحابي يفهمونني أكثر، وبالنسبة للمدرسين فثمة مشكلة بيني وبينهم أيضا فهم لا يفهموننا ومنهم من يعرضنا للشتائم ويحرجنا بالقول أو بالضرب. لا يوجد أحد يفهمني والجميع على خطأ!

  • ر. العجرودي 17 سنة بالسنة الأولى بالجامعة تقول:

أهتم برياضة التايكوندو، وأتمنى المواظبة عليها بشكل منتظم حيث أتوقف أحيان عن ممارسة هذه اللعبة بسبب الدراسة، وأحب جدا النزهات والخروج إلى النادي، وأتمنى أن أنجح في دراستي وفي حياتي كلها وهذه أمنية صعبة لأن النجاح ليس سهلا. وعن نظرتي للمجتمع فالمجتمع مفروض علي ويجب أن أعيشه، أحيانا كثيرة أشعر بأنه لا يوجد أحد يفهمني وأجد الجميع على خطأ وأيأس من المجتمع.

* هل تجدين مشكلة في التعامل مع أي من أفراد المجتمع؟

- نعم، ففي التعامل مع إخوتي مشاكل كثيرة ومعاملاتنا محدودة إلى حد ما لأننا لا نتفاهم بسهولة، والتعامل مع أصدقائي يشوبه بعض المشاكل لأنني أتصف بالحساسية الشديدة لذلك لا أواظب على صداقة لمدة طويلة.

أما الوالدان فتعاملي معهما قمة المشاكل لأنهما لا يقتربان مني والمفروض أن يكونا صديقين لنا، فلا أستطيع أن أحكي لهما أي مشكلة ومشاكلي أحتفظ بها لنفسي أو أحيانا أحكي لإخوتي.

  • وفي النهاية: تربية الأولاد حق واجب ويبدأ الواجب من طفولتهم ويكمل حقهم في شبابهم أو حتى يصبحوا آباء جددا، فلا ينبغي إهمال تلك المرحلة الحساسة من عمر الأبناء، بل ينبغي الاهتمام الزائد وحسن تربيتهم في هذه الفترة الحرجة، مرحلة "الفطام النفسي".

 

هالة حلمي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات