هل أصبح الطفل شاباً؟

هل أصبح الطفل شاباً؟

لو علمنا أن ثاني أسرع مرحلة لنمو جسم الإنسان، هي الانتقال من مرحلة الطفولة المتأخرة إلى الشباب، لأدركنا أهمية فهم مرحلة الشباب!

إن الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب بالنسبة إلى الشاب أو الفتاة، عملية تحدث بسلاسة، إلا أنها لدى أغلب الأهالي عملية فيها كثير من المعاناة، ففي تلك المرحلة تحدث تغيرات فسيولوجية، إضافة إلى التغيرات السيكولوجية على مستوى الفكر، لذا نرى أن الأهل يشتكون من عدم تفهمهم لسلوكيات أبنائهم، وينتابهم القلق من حدوث ما لا يرغبون في حدوثه، ولكي نستطيع أن نفهم ما الذي يحدث بين هاتين المرحلتين، علينا أن نتعرف على الفروق التي تحدث بينهما بشكلٍ مجمل.

مرحلة الطفولة
تتصف مرحلة الطفولة بالضعف والعجز، فكما نعلم، فإن هيكل الطفل ذو تركيبة ضعيفة من عظامٍ وعضلاتٍ، ومن حركات اليدين والرجلين لدى الطفل، كلها تناسب صغر حجمه حتى حين يختار نمط لعبه يكون بناءً على هذا الأساس، لأن هذا ما يلائم مرحلته العمرية.

مرحلة الشباب الفسيولوجية والسيكولوجية
أما مرحلة الشباب فاختلافها عن مرحلة الطفولة من ناحية التكوين الجسدي تكمن في أن الشاب يتمتع بهيكل قوي، وقدرات تخالف بدرجة واضحة قدرات الطفولة، فمن قامة فارعة، إلى عضلات قوية، وعظام صلبة، وجسم يقتحم عالم الرجولة، إلى التكوين الفكري، حيث إن الشاب يصبح صاحب فكرٍ يميل تدريجياً إلى ذهن مقتدح برؤى توافق مرحلة الشباب، من فضول وحب استطلاع، فهو يبدو دائم السؤال والاستفسار في محاولة لإدراك ما يدور حوله، والإلمام بأكبر قدر من المعرفة المكتسبة مجتمعياً، كما أنه ناقد، ينطلق من مثاليات أقرب إلى «الطوباوية»، ويقوم نقده على أساس أن الواقع يجب أن يتطابق مع تفكيره المثالي.
وفي هذا الصدد تقول أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس، د. هبة عيسوي: هناك عديد من الخصائص النفسية تصاحب مرحلة البلوغ عند الشباب، ويجب أن تؤخذ في الحسبان عند التعامل مع الابن، ومنها النمو الفكري، حيث يفسر الشاب المراهق الأمور على هواه، بغضّ النظر عن خطأ أو صحة هذه الأمور.
ولكشف بعض الحقائق يقول صاحب كتاب «الشاب بين العقل والعاطفة»: «إن الشباب يمتازون بمستوى عقلي ممتاز، لكن قدرتهم على التحليل قليلة، فهم يحتاجون إلى خبرة مَن هم أكبر سناً منهم ليعينهم، فغالباً تكون لديهم أهداف، لكن من دون خططٍ واضحة».
ويضيف: «ولا يخفى علينا أن الشاب يمر أيضاً بتغيرات هرمونية ملحوظة، فهناك غدد تكون كامنة تبدأ بالعمل في هذه المرحلة، خاصة الهرمونات الخاصة بالجنس، فتبدأ بالإفراز، مما يؤدي إلى تغيرات مزاجية وفكرية».
وتقول د. عيسوي: «إن النمو الانفعالي مثل زيادة الحساسية والغيرة والرغبة في زيادة مسار الحب قد يوجهها الشاب بطريقة خاطئة إلى صديقته أو مدرّسته».
وهذا يخلق اضطراباً في الشخصية، وارتفاعاً بمستوى توترها، حيث تصبح معرّضة لانفجارات انفعالية متتالية، واختلال علاقاته الاجتماعية مع الأسرة، والتحرك نحو الانفصال بشكلٍ جزئي عن رابطة الأسرة في قراراته. 
إن العنفوان الداخلي والاعتداد بالنفس لدى الشاب يقتضيان منا أن نخاطبه كما نخاطب الكبير، حيث تعتريه رغبة طبيعية لإضفاء طابع الاحترام على شخصيته وتكريمها، ويرغب في أن ينظر إلى شخصه بعين التقدير في الترحاب والسلام، واحترام وجهة نظره في الحديث والنقاش.
وفي هذا الإطار، يقول الطالب فهد (في الصف الحادي عشر): «أشعر بأن أبي لا يفهمني أبداً، ينتقدني ويوبخني أمام أبناء عمي، ويشتكي من سلوكياتي أمام الأقارب والجيران، أنا لا أحب والدي، فهو عصبي المزاج، ولأنه يجري مقارنة بيني وبين ابن عمي الذي يبدو لأبي أنه شاب مطيع، والواقع أنه مثلي، ولكنّ لديه أباً بمنزلة صديق، أرجو أن يكون أبي مثل عمي».

الأسرة بالنسبة للطفل والشاب
إن الأسرة بالنسبة إلى الطفل بيئة طبيعية، يمكنه فيها النضوج الكامل، إلا أنها لا تكفي لنشاط الشباب بعد البلوغ، لاسيما الذكور منهم، حيث يصيبه الضجر من أعمال البيت، فهو يرغب في التجول مع الأصدقاء الحميمين الذين وقع اختياره عليهم، لذا من الصعب جداً فرض السلطة عليه.
ويتوق كذلك إلى مساحة من الحرية التي لا توجد في مرحلة الطفولة، ويجدها ماثلة أمامه في مرحلة الشباب، فيبدأ بالاختلاط بالشباب ممن هم أكبر منه سناً، ويعاشر الكبار، ويختار هوايات خاصة بعيدة كل البعد عن الطفولة.
إن من حق الشاب على والديه وأسرته مراعاة فرحته الغامرة وشعوره الجميل بأنه تجاوز وتحرر من قيد الطفولة، والتحق بركْب الشباب، وأنه لا يريد أن تعود تلك الفترة من حياته، كما أنه لا يتنازل عن مرحلته الحالية - التي تمتاز بالاستقلالية - بأي ثمن، وليس لديه أدنى استعداد أن تُخدش شخصيته وتُجرح كرامته، وهنا على الوالدين أن يحترما ذلك، لأنه بكل بساطة يرى نفسه إنساناً كاملاً.
في صفحة حياتنا من مجلة الغد الإلكترونية، الصادرة في الأردن، ومن خلال استطلاع أجرته منى أبو صبح، يؤكد الطالب علي رضا (في الصف العاشر) أن والديه لا يزالان يتعاملان معه كطفل صغير، وتحرجه والدته أمام أصدقائه؛ سواء بالحديث أو من خلال تصرفاتها، وتنسى أنه كبر وأصبحت لديه شخصية تختلف عما كان في السابق.
ويضيف عليّ أن جميع سلوكياته لا تروق لوالديه؛ ملابسه، وتصفيفة شعره، واستمتاعه بسماع الأغاني الشعبية، وخروجه مع أصدقائه للترفيه، مردفاً: «لا أعلم ماذا يريدان مني؟».

دور الوالدين في بناء شخصية الأبناء
يجب على الوالدين كمربين لشاب وفتاةٍ ذوي كيانٍ مستقل، وشخصية واعية، لهما دور في المجتمع، أن يحرصا كل الحرص على إدراك أن طفل الأمس انتقل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب، فلا تجب مخاطبته بسلوكٍ طفولي، فإن ذلك مؤلمٌ بالنسبة له، وحين يصفانه بعبارة «أنت طفل»، فذلك يقلل من ثقته بنفسه، وحين يوليانه اهتماماً ورقابة يشعر من خلالهما بأنه مازال في نظر والديه أو مربيه طفلاً قاصراً، فذلك يسبب له حالة نفورٍ من أسرته ومجتمعه.
إن الشاب لا يقبل بالضغط والقهر، مهما كانت الجهة التي تمارس هذا الضغط عليه، لأنه في الحقيقة لا يدرك سبباً واضحاً لوجود ضرورة لضغوط الأهل في المتابعة والملاحقة، فرغبة الحرية والاستقلال تستيقظ لديه في هذه الفترة، نزوعاً نحو تأكيد الذات، وهي ليست إفرازاً اجتماعياً أو تصنّعاً يمارسه الشاب، إنما هي ظاهرة فسيولوجية طبيعية، اقتضت الحكمة الإلهية أن تختلط مع فطرة الإنسان، وذلك لأسباب عديدة؛ منها هذا الميل الذي يوسع المحيط الحياتي لهذا الشاب، فيضع في إدراكه مشاهد جديدة يعُده إعداداً سليماً لعضوية المجتمع الذي سيكون أحد أعمدة بنائه إرضاء لهذا الميل الطبيعي، وبعيداً عن الإفراط الذي يقود إلى الغرور، أو التفريط الذي يسلبه ثقته بنفسه. 
ويعد الشاب إعداداً متوافقاً مع مسيرة المجتمع التي ينتمي إليها، فيسير فيها بيسر وسهولة، وأهم عنصر يأخذ بيد الشاب لإرضاء هذا الجانب هما الوالدان.
فعلى الآباء والأمهات أن يتعلموا مسؤولية الأبوّة والأمومة، فإذا وقف الوالدان على الحالة النفسية (التغيرات الطبيعية) لأبنائهم، وقاموا ببناء علاقة الصداقة مع أبنائهم وأظهروا لهم الاهتمام، ومنحوهم الحرية والاستقلالية بالمقدار الصحيح، ووافقوا على إشباع الميول في حدود المصلحة، ولم يضيّقوا الخناق عليهم، ولا أثاروا غيظهم وغضبهم، فإنهم سيكسبون ثقة أولادهم.
وفي المقابل، فإن ذلك يجعل الابن يتقبل الإرشادات والنصائح في جو من الحوار الهادئ، واحترام لأنظمة الأسرة المعمول بها، انطلاقاً من مبدأ احترام الحدود، بعيداً عن اللجاجة والحرية الكاملة في إشباع الميول والغرائز، هذا النمط من الوالدين هو فقط الذي ستسير مراكبه إلى شاطئ الأمان.
أما الأنماط الأخرى من الآباء والأمهات الذين يأتون تحت بند الاستبداد والقسوة، أو الذين يأتون تحت بند الضعف أمام الأولاد، فهذان النمطان لابد أن يكونا سبباً في إفراز عناصر سيئة في المجتمع.
وقد لا يكون الأب بقسوته أو ضعفه ذا نية سيئة، لكنه بسبب الجهل وعدم إدراك لتغيرات المرحلة، يرتكب تلك الأخطاء، وهي الأخطاء ذاتها التي ارتكبها أبوه معه!
فلو حاول عصر مجريات اللاشعور لديه، لتذكّر معضلات تلك المرحلة التي مر بها مع والديه، والتي كانت سبباً في أسلوبه الخاطئ في التفكير!
ولو أخذ بذلك لما تساءل فيما بعد تلك التساؤلات المتكررة: ترى لماذا يفرّ أولادنا منا؟ لماذا لا يرغبون في استشارتنا عند إقدامهم على عمل ما؟
وحتى يجد مَن يجيب عن أسئلته تلك، يكون الشاب قد خطا خطواته في بناء شخصيته وتشكيلها حسبما يريد هو، وباستشارة من وقع اختياره عليهم، والمستشار هو الذي سيحدد شخصيته، وعلى ضوء ذلك يكون عنصر بناء المجتمع أو هدمه.

همسة في أذني الوالدين
إذاً أيها المربي الفاضل، فلتتفهم تقلبات أبنائك ومراحل نموّهم المختلفة، فلا داعي للاعتراض على كل صغيرة وكبيرة، والتشدّد في مواضع لا ضرورة للتشدّد فيها، أو التهاون في مراقبة الأبناء، الشباب بالخصوص، والانشغال عنهم بالركض خلف الكماليات من العيش، ونعني كثرة الأسفار من أجل التجارة أو الاستجمام، بل عليكم فتح مدارككم وتحمّل مسؤولية إنجاب الأبناء، لتكون مخرجات مفيدة للمجتمعات والأوطان■