الخطأ أساس التسامح

الخطأ أساس التسامح

تساءل ڤولتير في القاموس الفلسفي عن أساس التسامح، قائلاً: «كلنا ضعفاء وميالون للخطأ. لذا دعونا نتسامح مع بعضنا البعض، ونتسامح مع حماقات بعضنا البعض بشكل متبادل. وذلك هو المبدأ الأول لقانون الطبيعة. المبدأ الأول لحقوق الإنسان كافة». وعلق كارل بوبر على هذه المقولة: «تَعلَّمنا من درس ڤولتير أننا قابلون للوقوع في الخطأ. استنتجنا من ذلك أن أيّ موقف هو أفضل من أي موقف آخر، وخاصة أفضل من مواقفنا، وأنه، لكي نكون عقلانيين، ليس علينا فقط أن نكون متسامحين، وغير دوغمائيين، بل أيضاً حياديين كليا، وأن نعترف بأن كل الآراء قابلة للدفاع عنها»، «إنّ علينا، بشكل دائم أن نكون مستعدين لاكتشاف أننا قد أخطأنا»، و«علينا أن نحاول الإصغاء إلى الآخرين، والتعلم من الآخرين وخاصة خصومنا»، و«إنه لمن الجودة بمكان أن يقول المرء: قد أكون أنا على خطأ، وقد تكون أنت على صواب. فإذا قال الطرفان معاً هذا القول، فسيكون هذا على الأرجح، كافياً للوصول إلى تسامح متبادل».

هذا التخطيء للذات قبل تخطيء الآخر، وهذا الإحساس بأن «علينا بشكل دائم أن نكون مستعدين لاكتشاف أننا قد أخطأنا»، هو الذي يمكننا من أن نخالف أنفسنا ونكون على استعداد كي نقبل في أنفسنا آخر.
الخطأ إذن أساس التسامح، فكلنا قابلون لأن نخطئ، ولأن ننادي بارتكاب الخطأ. هذا ما سبق لروزا لوكسمبورج أن سمّته «حق الإنسان في الخطأ» le droit à l’erreur. عليّ إذن كي أكون متسامحاً أن أحْذَر الشعور بأنني أنا من هو على صواب. 
لا ترتد المسألة إذن إلى الوقوف على بعض الحقائق، وغض الطرف عن زلات الآخرين وأخطائهم، وإنما إلى أن نأخذ أخطاءنا نحن أنفسنا على عاتقنا، ألا نتنكر للخطأ، أن نؤمن بـ«الحق في الخطأ». مقابل الأخلاق التي تجعل المثقف خادم الحقيقة، تقوم أخرى تنظر إليه على أنه يمكن أن يكون سيد الخطأ، وتقر بأن مسؤوليتنا الفكرية ليست هي مسؤولية الدفاع عن الحقيقة ورعايتها، كي لا نقول بالتشبث بها وتقمصها، وإنما هي مسؤولية تقصي الأخطاء، مسؤولية الانفصال وأخذ المسافات على حد تعبير نيتشه، وهي مسؤولية مشتركة. على هذا النحو يغدو التسامح هو ما بفضله نبتعد، أنا والآخر، عن أنفسنا بهدف التقائنا معاً وتقبل كل منا لاختلافاته، ودخولنا في حوار ننفصل بواسطته عن ذواتنا وننفلت من الوثوقية ونتحرر من عبودية الحقيقة.
عندئذٍ يغدو السجال العقلي بين الأفراد وتبادل الحوار بينهم هو الطريق الأسمى إلى تحقيق التسامح. هذا ما يؤكده كارل بوبر نفسه، فهو يرى أنه: «عبر تفاهمنا حول الأمور بشكل عقلاني، قد نصل إلى تصحيح بعض أخطائنا، وربما ندنو من الحقيقة». فبما أن التفاهم العقلاني يتم عبر التخاطب والحوار، و«بما أن واحدة من وظائف اللغة الأساسية، من وجهة نظر البحث عن الحقيقة، تكمن في أنها تجعل الأفكار موضوعا ممكنا للنقد، حتى ولو لم يكن ثمة أي شخص آخر حاضراً»، بما أن البلورة الكلامية والتجسد في اللغة من شأنهما أن يُموْضعا المعاني، يغدو الحوار وتبيّن الأخطاء، أخطائي وأخطاء الآخر، هما أساس التفاهم. إن الحوار يحقق مسرحة لغوية تجعل الذوات المتحاورة تتبين نواقصها فتبتعد عن نفسها كي تقترب من الآخر■