«الكيت كات»... (مالك الحزين) بين الرواية والفيلم

«الكيت كات»... (مالك الحزين) بين الرواية والفيلم

يعد فيلم «الكيت كات» نموذجًا جيدًا، بل متميزًا في مجال كانت السينما المصرية تعانيه، ألا وهو ترجمة العمل الأدبي إلى رؤية سينمائية. فقد كان تطويع البعد الروائي الأدبي لمصلحة المشهد السينمائي مرتبكًا دائمًا، فالكاميرا في سعيها لتحقيق الرواية الأدبية وتجسيدها سينمائيًا وترجمتها حرفيًا، تجعل السينمائي ينسى شروط أدواته التعبيرية وإمكاناتها الموضوعية، وبالتالي يحاول تحويل عنق الكاميرا لمصلحة المشهد الأدبي، على حساب المشهد السينمائي. وقد ينجح السينمائي أحيانًا في نقل الرواية وترجمتها، إلا أنه يخفق كثيرًا بسبب الشرط الموضوعي لحجم اتساع المشهد الذي تمتلكه السينما، وبالتالي فقدان اللغة السينمائية أو ارتباكها، مما يجعل الفيلم يتخبط كثيرًا في لهاثه وراء العمل الأدبي.

أما فيلم «الكيت كات»، فقد أخرجه داود عبدالسيد من وحي رواية «مالك الحزين» للروائي إبراهيم أصلان، واستطاع أن يصنع فيلمًا متميزًا عن عمل أدبي متميز، دون تفريغه من محتواه، كما نجح عبدالسيد في أن يتمثّل الرواية ويعيد صياغتها، بعد أن أعطى لنفسه الحق كفنان صاحب رؤية في التعديل والحذف والإضافة والتغيير والدمج والتحوير، حيث إن الرواية تحتوي على عدد هائل من الشخصيات، ومجمل أحداثها يدور في أقل من أربع وعشرين ساعة، وليس من السهل - طبعًا - نقل كل هذا في فيلم واحد، لذلك انتقى عبدالسيد بعضًا من الشخصيات وقدّم من خلالها موضوعًا مختلفًا عن موضوع الرواية الرئيسي.
فقد جعل من الشيخ حسني وابنه يوسف شخصيتين محوريتين تدور في فلكهما بقية الشخصيات، وصاغ من تلك العلاقة التي تجمعهما رؤية لعالم «الكيت كات»، بينما لا توجد شخصيات رئيسية أو حدث رئيسي في الرواية، إنما هي مجموعة من الأحداث والتفاصيل التي تنتظم في منظومة أو نسق واحد يحتل رؤية الروائي نفسها، ومن بين صفحات الرواية تخرج شخصيات الفيلم وأحداثه.
فالفيلم والرواية يتعرضان لعالم «الكيت كات» ولشخوصه وشكل الحياة اليومية الممتدة منذ عمق التاريخ، للمكان الذي يتعرض للبيع والتفكك في نسق القيم الاجتماعية المتجسدة في الممارسات والسلوكيات اليومية، من قبل فرسان الانفتاح الجدد، والخارجين عن هذا النسق.

 إضافة مركزية
إن الإضافة المركزية التي أتى بها داود عبدالسيد، هو أنه قدّم لنا عمله في لحظات أساسية منه، باعتباره احتفالًا بالحياة واحتفاء بمسراتها وتشبثًا بها، ومن أهم التحويرات التي مست فيلم «الكيت كات»، مقارنة مع الرواية، هو أن المخرج جعل يوسف النجار ابنًا للشيخ حسني، وجعل من أم يوسف النجار (في الرواية) أمًّا للشيخ حسني وجدّة ليوسف (في الفيلم)، كما جعل الشيخ حسني يتقبل وسامًا من الرئيس جمال عبدالناصر لا من الملك فاروق (كما في الرواية)، كما أن تحويرًا مهمًا قد لحق صورة الشيخ حسني، إذ قدّمتها الرواية بهذا الشكل: «لحية طويلة بقّعها البياض، قامة نحيلة، رأس حليق»، أما الفيلم فيقدم لنا صورة شيخ وسيم ودود.
ثم إن الفيلم لا يبتدئ بموت العم مجاهد (كما في الرواية)، بل بقصة المستحمة الرائعة الجمال، ويؤخر حدث الموت والتأبين إلى المشاهد الأخيرة في الفيلم. أما ما حذف من الوقائع فهو كثير بالنظر إلى الغنى والكثافة اللذين تتسم بهما الرواية، ومن بين عديد الشخصيات التي تم حذفها في الفيلم نذكر: الأسطى قدري الإنجليزي - فاروق وشوقي - العم عمران... وهذا راجع - بطبيعة الحال - إلى البنية الفنية للفيلم السينمائي، والتي لا يمكنها أن تسع لكل هذا العدد الهائل من الشخصيات في الرواية.
فإذا كانت مساحة الرواية شاسعة، وتمتد لعدد هائل من الصفحات، وهذا ما يعطيها مجالًا أوسع لتحرُّك عدد كبير من الشخصيات، فإن الفيلم السينمائي مساحته الزمنية محدودة، وهذا ما يعيق التوظيف السينمائي لعدد كبير من الشخصيات.

بؤرة أساسية
من التغييرات الأخرى التي عرفها الفيلم، إعطاء الأولوية في التمثيل ودور البطولة لشخصيات مختارة من طرف المخرج، علمًا بأن الرواية لا تحمل في طياتها أدوارًا رئيسية وأخرى ثانوية، لأن الرواية عبارة عن مقاطع متعددة ومنفصلة عن بعضها البعض، تحمل عددًا كبيرًا من الشخصيات والأمكنة، لهذا كان من الصعب اختيار شخصيات رئيسية دون الأخرى، لكن في الفيلم السينمائي نجد أن الشيخ حسني (محمود عبدالعزيز)، تقمص دور البطولة في الفيلم، ودارت أغلب الأحداث حوله، حيث شكّل البؤرة الأساسية التي تتفرع منها الأحداث الأخرى، كما نجد أن المخرج اهتم كثيرًا برصد علاقة الحب بين كل من يوسف النجار وفاطمة، وجعلهما أيضًا من الشخصيات الأساسية في الفيلم، وأعطى مساحة أكبر لبروز شخصية الهرم تاجر المخدرات، مقارنة بالرواية التي تقل فيها تدخلات هذه الشخصية.
كل هذه التوظيفات راجعة بالأساس إلى الطبيعة البنائية للفيلم السينمائي، الذي يوجه أساسًا إلى جمهور مشاهد، وإلى متلقّ متفاعل مع ما يشاهده بحاسة البصر، وهذا ما يقتضي التركيز على عنصر الجاذبية الفيلمية التي تقوم على أساس الإمتاع، إلى جانب العنصر الجمالي والفني، عن طريق بناء حبكة سينمائية متناسبة مع انتظارات المشاهد وذوقه واختياراته.

ورطة فنية
هذه الحبكة التي لم تكن لتتحقق لو اعتمدنا على نقل الرواية كما هي في الأصل إلى السينما، لأن الرواية أصلًا هي رواية مشاهد ومقاطع متعددة غير مترابطة وغير متسلسلة زمنيًا، بينما يميل المشاهد إلى الأفلام المبنية على ترابط زمني وحبكة سينمائية قوامها التشويق والإثارة، وهذا ما يجعل المخرج السينمائي في ورطة فنية تتعلق بكيفية تحويل إبداع أدبي كتابي إلى إبداع سينمائي معروض. 
ومن عناصر الاختلاف الأخرى بين الرواية والفيلم: الترتيب الزمني للأحداث، حيث نجد أن الترتيب الذي اعتمده المخرج عبدالسيد مخالف لترتيب المقاطع الروائية التي اعتمدها إبراهيم أصلان في روايته، فبينما نجد أن مستهل الرواية هو الحديث عن شخصية يوسف النجار وهو يجتمع بأمه في الغرفة، نرى أن الفيلم ابتدأ أحداثه باجتماع الشلة في دكان الشيخ حسني في ليلة سمر وطرب وحكاية، إضافة إلى أن عديد الأحداث الروائية تعرّض لعمليات تقديم وتأخير في الفيلم، فأخّر حدث موت العم مجاهد وليلة التأبين، وأخّر كذلك حادث غرق الشيخ حسني في البحر، بينما قدم حدث اجتماع الشلة في الدكان.
هذا الاختلاف في تراتبية الأحداث، وظّف في الفيلم لغاية جمالية تخدم بناء الحبكة السينمائية التي صاغها عبدالسيد، وفق رؤيته الإبداعية والفنية.

تحوير الأحداث
من عناصر الإبداع الفني للمخرج في فيلمه تحوير الأحداث، عن طريق عنصري الإضافة والإهمال، فنجد أن عديد الأحداث التي كانت قائمة في الرواية أهملت وغُيّب دورها في الفيلم السينمائي، نظرًا لعدم توافقها مع المخطط الإبداعي لعبدالسيد، ومن ركائز المواضيع التي عالجتها الرواية وأهملها الفيلم، الحديث عن دور فضاء المقهى في توجيه مسار الأحداث. 
فإذا تأملنا رواية «مالك الحزين» سنجد أن هذا الفضاء هو المحور المركزي لانسياب الأحداث وتفرّعها، فقد كان مقرًا لاجتماع والتقاء الشلة أو الجماعة للحديث والسمر والحكي والتواصل ومناقشة أخبار الحي.
وهذا ما خلق - كما أشرنا سابقًا - علاقة حميمية وترابطًا وثيقًا بين الشلة والمقهى، فأصبح بمنزلة الكيان الذي سكن ذواتهم، وقد ظهر ذلك جليًّا في محاولاتهم الجادة والمستمرة للوقوف ضد مخطط بيع المقهى للمعلم صبحي (الذي كان ينوي تهديمه وتحويل البناية إلى محال تجارية).
أما إذا انتقلنا إلى الفيلم السينمائي، فنجد أن هذا الفضاء غيّب كثيرًا ولم يحضر إلا في مشاهد ثانوية ضئيلة كانت ترصد اجتماع الشيخ حسني بالشلة (المعلم رمضان، المعلم صبحي، المعلم عطية، عبدالله القهوجي)، قصد تناول أحاديث هزلية ساخرة لا وظائف أساسية لها في الفيلم. وبطبيعة الحال فإن لهذا الإهمال أو التغييب سرّا ما سأؤجل الحديث عنه لاحقًا حينما أتعرض للقضية الكبرى التي برز الاختلاف فيها بين الرواية والفيلم، ألا وهي قضية «الفضاء والتشخيص».

عنصر فعّال
من القضايا الأخرى التي تم إهمالها، أو لنقل تغييرها وفق متطلبات الفيلم، قضية بيع المقهى التي تشكّل عنصرًا فعالًا ومحركًا للأحداث في الرواية، بينما الفيلم لم يتعرض لهذه القضية إلا في كلمات وإشارات قصيرة تلفظت بها بعض الشخصيات (المعلم عطية، المعلم صبحي)، بينما اختلق المخرج موضوعًا محوريًّا آخر متوازيًا مع هذا الحدث، إنه موضوع بيع البيت، أي أن المخرج عوضًا عن أن يقتبس موضوع بيع المقهى الأصلي (في الرواية)، أضاف موضوعًا جديدًا يتناسب مع البنية الدرامية للفيلم، فالشيخ حسني باع بيته للمعلم صبحي عن طريق وساطة الهرم تاجر المخدرات، وهذا ما تسبب في حملة معارضة واحتجاج شديدة من طرف ابنه يوسف النجار، الذي كان يرغب في رهن البيت واستغلال مصاريفه للهجرة إلى الخارج.
وبما أن اهتمام المخرج كان منصبًّا على التشخيص، كما سنرى فيما بعد، فإنه اختلق موضوعًا يكون قريبًا من شخصياته الرئيسية (الشيخ حسني، يوسف النجار)، وهذا ما جعله يختار محور البيت الذي تشترك في الإقامة فيه الشخصيتان الرئيسيتان، عوضًا عن محور المقهى الذي تحكّم في بنية الرواية، والذي تشترك بالاجتماع فيه كل شلة الحي، وهذا ما يجعل تحويل مركزية هذا الفضاء إلى الفيلم شيئًا صعبًا، نظرًا لحاجاته إلى بطولة شخصيات عديدة، وهذا ما يعجز عنه الفيلم السينمائي. 
وغيب كذلك الموقف المعارض لبيع المقهى، الذي يمثله عدد من الشخصيات: عبدالله القهوجي، المعلم عطية، شوقي فاروق، نظرًا لأن الحديث عن هذا الموضوع، كما أشرنا، لم يشكل ذروة اهتمام المخرج عبدالسيد، واهتم فقط ببعض التلميحات الصغيرة عنه.
كما أن الدكان «فضاء اجتماع الشلة» الذي أراد المعلم صبحي شراءه برفقة البيت من الشيخ حسني «في الفيلم»، هو في ملكية الأسطى سيد لا الشيخ حسني «في الرواية»، وهذا أيضًا تحوير فني هدفه خدمة الموضوع، وإبراز الشخصيات التي تلعب دور البطولة في الفيلم.

تركيبة إبداعية
في مقابل ذلك، نجد أن المخرج عزز فيلمه بمجموعة من الإضافات، التي لا وجود لها في الأصل الأدبي، وذلك من أجل خلق تركيبة جمالية إبداعية جديدة تنهل من رؤية المخرج السينمائي، تضاف إلى الإبداع الأول (الأدبي).
بنى عبدالسيد بعضًا من العلاقات العاطفية التي لا نجد لها حضورًا في الرواية، ومن بين هذه العلاقات المختلقة نجد: علاقة الشيخ حسني بعواطف الأرملة أم البنات (أم روايح زوجة سليمان الصائغ)، فهي علاقة مغيّبة في الرواية، لكنّ المخرج أضافها بقصد خدمة الجو الهزلي الذي يلازم تحرّكات الشيخ حسني، لهذا خلق له المخرج بعد موت زوجته محبوبة يغازلها، ويداعبها بالكلام الجميل، وتعده بمواعيد غرامية بعد خروج بناتها من المنزل. 
غير أن التحوير الأساسي والمركزي في الفيلم تجلّى في تحويل الاهتمام من جانب الفضاء والمكان في الرواية إلى العنصر التشخيصي في الفيلم. فإذا كانت رواية «مالك الحزين» هي رواية مكان بامتيازـ كما رأينا في تحليلها، وإذا كان إبراهيم أصلان مجّد الفضاء وخلق بينه وبين شخصيات عمله ألفة وعلاقة حميمية، تعكس ارتباطه وانجذابه الكبير به، فإن عبدالسيد لم يهتم كثيرًا بهذا الجانب، وركّز على عنصر التشخيص والأداء.
وكما رأينا سابقًا، فإن الرواية تحمل في طياتها مجموعة من المقاطع والتفاصيل المستقلة عن بعضها البعض، والتي تترابط سياقيًّا بمجموعة من الأدوات الفنية كالاسترجاع والاستباق، وفيها خلق أصلان تواصلًا حميميًّا بين الشخوص والفضاءات، وبصم روايته بذكر عدد كبير من الأمكنة التي شكلت مجالًا حميميًّا بالنسبة للكاتب، فجعل فضاء المقهى النقطة المحورية التي تنساب منها الأحداث، واهتم بذكر كل التفاصيل التي كانت تميّز هذا الفضاء، وكذلك رصد مجموعة من الأمكنة التي كانت لها أدوار ووظائف مختلفة في الرواية، فالبيت الذي كان يقيم فيه يوسف وفاطمة علاقتهما، شكّل رمزًا للتمرد والتحرر والمغامرة والهروب من الواقع، والدكان الذي كانت تجتمع فيه الشلة شكّل مجمعًا للتواصل ومقرًا للسمر والحكي والهزل، ليعوضوا به الفضاء الضائع (المقهى الذي اشتراه المعلم صبحي)، والبحر كان مصدر الحكايا والحِكَم التي كان ينقلها الشيخ حسني للشيخ عبيد، والزقاق كان يوحي بطبيعة الحياة الشعبية للشلة وبمجموعة من التناقضات الاجتماعية والطبقية والفكرية التي تميّز قاطنيه... كل هذه الأمكنة وغيرها كان لها حضور قوي في الرواية، حضور عكس الاهتمام الكبير للمؤلف بها، وعكس بعدها الطاغي والمحوري في الأحداث.

خطة فنية جديدة
أما الفيلم السينمائي، فقد اختار فيه المخرج عبدالسيد، خطة فنية جديدة، ومهارة إبداعية مغايرة عما جاء في الرواية. فالمخرج اهتم كثيرًا بالجانب التشخيصي، وأحله محل عنصر الفضاء الذي طغى في الرواية.
إن التشخيص والتمثيل هو الذي حظي بنصيب الأسد في اهتمامات عبدالسيد، لكونه كان عازمًا على تحويل الفيلم من إبداع مكان إلى إبداع شخصيات، لأن الفيلم السينمائي يقتضي التجسيد وتفعيل الأدوار، وهذا التجسيد لا يمكن أن يكون من دون اختيار أدوار رئيسية وثانوية لشخصيات محددة في الرواية، ومادامت الرواية تحمل عددًا كبيرًا من الشخصيات، فإن المخرج كان لزامًا عليه اختيار الأدوار التي تتناسب مع رؤيته الفنية فقط، لأن الفيلم لا يمكن أن يسع لحضور كل هذه الشخصيات. 
وإذا كان أصلان قد غيّب أدوار البطولة عن شخصيات عمله، فإن عبدالسيد قسّم أدوار فيلمه لأدوار رئيسية وأخرى ثانوية، حيت تقمّص الشيخ حسني دور البطولة في الفيلم، وتبعه ابنه يوسف النجار وعشيقته فاطمة والهرم تاجر المخدرات، ونجد كذلك حضورًا متوسطًا لبعض الشخصيات: الشيخ عبيد، المعلم صبحي، العم مجاهد، فتحية، المعلم عطية، سليمان الصائغ، ثم نجد حضورًا ثانويًّا لبعض الشخصيات التي ليس لها دور كبير في الأحداث: المعلم رمضان، روايح زوجة سليمان، أم الشيخ حسني، عواطف، عبدالله القهوجي.

دواعٍ فنية وإبداعية
إن هذا الاختيار وهذا التقسيم كانت له دواعيه الفنية والإبداعية، لأن الرواية في الأصل غير قابلة للتحويل والاستنساخ المباشر لأحداثها، وإلا كنّا أمام فيلم مبهم غامض، أحداثه متفرقة ومنفصلة عن بعضها البعض، غير خاضعة لترابط وتماسك زمني تراتبي، وهذا يستلزم متلقيًا ومشاهدًا مثقفًا وواعيًا وذا تجربة بأساليب الفن السينمائي.
إن همّ المخرج في هذا الفيلم هو همٌّ سينمائي جماهيري بقدر ما هو هم فني جمالي، أي أن الفيلم كان يتوخى تحقيق المعادلة الصعبة: الفنية العالية والإبداع التقني، والنجاح الجماهيري، ولتحقيق هذه الغاية كان لزامًا على عبدالسيد اختيار بؤرة حكائية متسلسلة زمنيًّا وتراتبيًا، وحبكة فيلمية تزيد من وتيرة التشويق والإثارة، وهذا ما فرض عليه بطبيعة الحال اختيار أدوار تؤدي وظائف معيّنة، تتناسب مع توجّه الفيلم وتتوافق مع حبكته وبنائه السردي، فكان أن اختار أدوارًا رئيسية وأخرى ثانوية تخدم مسار الحكاية الفيلمية، عززها باختيار فضاءات معيّنة دون الأخرى، ثم أضاف إلى فيلمه بعض العناصر وحذف أخرى، وذلك من أجل خدمة القصدية السينمائية التي توخاها، ومن أجل تجاوز البناء الجاف الذي تقوم عليه الرواية، وتعويضه برؤية فنية من إبداعه، تعكس توجهاته وآراءه وأفكاره وفلسفته ورؤيته للعمل الفني >