ضد المكتبة... شعار من أجلها

ضد المكتبة... شعار من أجلها

فكرة المكتبة الشخصية فكرة جليلة، لكنَّها محل تأمُّل عند خليل صويلح في كتابه «ضد المكتبة» الذي مزج فيه صداقته وخصومته مع المكتبة. تدور في داخلك أسئلة وأنت تتأمّل عنوان كتابه: هل هو هجاء وحرب على الكتب؟ هل هو خضوع للجهل المستشري والأمية بأن نستغني عن الكتب؟ كيف يقف المؤلف موقف الضد، وهو الروائي والصحافي والشاعر والقارئ الذي يعتـــرف بأُلفة الكتاب والافتتان بمؤلفه؟ هل لاختيار هذا العنوان دور في استفزاز القارئ وجذبه لقراءة المضمون؟
أم أنَّ هذا العنوان هو في مصلحة المكتبة، لكن من خلال فكرة وطريقة لم نألفها بعدُ؟
امتدح القدماء الكتاب كأداة من أدوات الحضارة الجديدة، كما في كتابات الجاحظ، وفي أبيات كلثوم بن عمرو العتابي حينما أنسنهم وجعلهم ندماء، والمتنبي وشطره الشَّهير.
إلا أنَّ الأمر عند صويلح مختلف جدًّا، فهو لا يهجو ولا يمدح، رغم أنه يذهب إلى دعوة «اللا مكتبة»، ويبرر ذلك بأنه ضد حالات معيّنة، بدءًا من تجربته الشخصية مع مكتبته التي تخلَّص من معظمها إمَّا بالاستبدال أو بالإهداء أو بالتوزيع أو بالإهمال في أماكن نُقِل منها، لكونها فائضة عن الحاجة، أو أنه اشتراها في فترة يسدُّ بها حرجه في الوسط الثقافي من بعض العناوين المؤدلجة على حدِّ تعبيره.
فمن قبو بسقف واطئ إلى ملحق صغير في بناية قديمة ارتحلت كتبه في صناديق ثقيلة أرهقت كتف عامل النقل بصعود السلالم العالية، أخذ صويلح يقف مع تأملاته بجدٍّ بأنَّ هناك كتبًا لن يعود إليها مجدَّدًا، ويتساءل: ما جدوى كل هذه الرفوف من المجلدات الضخمة التي تخص تراث الأسلاف؟ وهل يحتاج إليها المرء فعلًا في عمله اليوم، بعد أن باتت متوافرة في مواقع إلكترونية؟ وهل ينبغي الحفاظ على الكتاب دومًا؟ أليست هناك شيخوخة للمكتبة؟ علمًا بأن هناك كتبًا أقرب ما تكون إلى ذبيحة لغوية بأحشاء مكشوفة ورائحة عطنة، تدعوك إلى النفور من محتوياتها، بمجرد تصفُّحها على عجل.
ويعلل صويلح بأن فكرة ضد المكتبة نوع من تهجين الفوضى بقصد الإحساس بالخفة وخفق الأجنحة، فهناك مكتبة مختزلة تتجول في الرأس، وهناك دكان «جوجل» المفتوح ليلَ نهارَ، مثل صيدلية مناوبة لمقاومة شهوة القراءة، ففكرته تعني في المقام الأول إلغاء الشكل الفلكلوري للمكتبة، كمظهر استعلائي، لا يختلف كصورة رمزية عن «فاترينة الكريستال».
يتناول في معظم كتابه تجارب الآخرين، فيعرض الكثير من الكتب الأدبية، وخاصة الروايات، بطريقة ملخصَّة، وكأنه يعزز الفكرة السابقة في التخلّص من الكتب بقراءتها والتعرف إلى محتواها، والكتابة عنها بدلًا من وجودها الشكلي على الرفِّ مجلَّلةً بالغبار، وهو يقتنص أهم الأفكار والمقولات في نظرة الآخرين للقراءة والكتابة. فكتابه مزيج بين نظرته الشخصية ونظرات الآخرين، ليقدم لنا مادّةً مركَّزة في إقناعنا بفكرة عنوانه الغريب.
ينوِّع المؤلف في أسلوبه الكتابي بين طريقة السارد والشاعر والصحفي والقارئ العفوي، فبحكم اشتغاله في الرواية والشعر والصحافة، تظهر هذه الأساليب في كتابه بحيث يدخل القارئ معه في جوّ من الشد والجذب والاستفزاز والإثارة والمتعة والفضول والسؤال والبحث >