«رؤيا» صلاح عبدالصبور
«رؤيا» هو عنوان إحدى قصائد الشاعر صلاح عبدالصبور، والعنوان في حد ذاته لافت للانتباه، فالشاعر يستخدم كلمة «رؤيا» وليست «رؤية»، والفارق بين الكلمتين فارق كبير، هو فارق بين الحسي والمعنوي، أو ما بين الجسدي والروحي، أو فارق بين رؤية العين ورؤيا البصيرة. هكذا تنتسب الرؤيا إلى عالم غير حسي، عالم قد نراه في أحلامنا التي لا يمكن أن نَصِفها بصفة الحسية، فهي خيالات صادرة في الغالب عن اللاوعي، ولذلك فهي لا منطق لها إلا منطق آليات الحلم، كما وصفها وفسَّرها عالم التحليل النفسي الأشهر سيجموند فرويد في كتابه «تفسير الأحلام»، الذي ترجمه إلى اللغة العربية مصطفى صفوان منذ سنوات غير قليلة.
ويوازي معنى «الرؤيا» في اقترانها باللاشعور، ومن ثم منطق الأحلام الذي يمنح من اللاشعور ويعبر عنه، عَالم التصوف حيث الرؤى الصوفية التي تنطلق بعيدًا عن الحواس، متطهرة منها إلى أن تصفو تدريجيًّا، وتشف إلى ما لا يمكن أن يتصوره الغارق في الحس، فتقترب من الكشف الصوفي أو التجلي الذي ينكشف فيه عن بصيرتها الحجاب، فترى ما لا يراه البشر العاديون، وتسمع من الأصوات ما لا يسمعه البشر العاديون وترتحل مُتنقِّلة عبر المسافات التي لا يرتحل إليها البشر العاديون.
الحلم والحدس
وهكذا فمجال الرؤيا هو الحلم أو الحدس، هو عالم البصيرة في مقابل عالم البصر، ولذلك فإننا لا بد أن نتفهم عنوان قصيدة صلاح عبدالصبور «رؤيا» من هذا المنظور ونقرأها على أنها نوع من الحلم، أو نوع من التجليات غير الواقعية لتحولات نفس تتحرر من العالم المادي الذي يحيط بها أو يُحاصرها فتنطلق في فضاءات النفس التي تغدو سماوات لعوالم بلا نهاية في سديم، هو نوع من الحلم الذي يجعلنا نقرأ القصيدة بوصفها حُلمًا من الأحلام التي حدَّثنا عنها سيجموند فرويد. لكن فلنقرأ أولًا مطلع القصيدة لكي نرى:
«في كل مساء؛
حين تدق الساعة نصف الليل،
وتذوي الأصوات
أتداخل في جلدي أتشرَّب أنفاسي
وأُنادم ظلي فوق الحائط
أتجول في تاريخي، أتنزه في تذكاراتي
أتحد بجسمي المُتفتت في أجزاء اليوم الميت
تستيقظ أيامي المدفونة في جسمي المتفتت
أتشابك طفلًا وصبيًّا وحكيمًا محزونًا
يتآلف ضحكي وبكائي مثل قرار وجواب
أجدِلُ حبلًا من زهوي وضياعي
لأُعلِّقه في سقف الليل الأزرق
أتسلقه حتى أتمدد في وجه قباب المدن الصخرية
أتعانق والدنيا في منتصف الليل».
ومن السهل أن نلاحظ أن المقطع كله يتحرك في المساء أو تحديدًا في الليل، وفي منتصفه على وجه الدقة أي الساعة الثانية عشرة حين ينتصف الليل وتهدأ كل الأصوات وتسكن حركة الكائنات، فلا يغدو يَقظًا إلا من يريد التوحد في الواحد الذي هو إياه، وذلك بما يعني الغوص في الداخل عميقًا، حيث توجد الأبعاد اللانهائية من اللاوعي الذي يمتد كالمحيط على امتداد اللاشعور الإنساني. أعني اللاشعور الذي يدخل بالإنسان إلى عالم يشبه عالم الحلم على وجه التحديد، حيث لا معنى منطقيًّا لمفردات الحلم أو علاقات المُدركات فيه. وما دمنا قد دخلنا عالم الحلم فقد دخلنا في عالم مغاير للقوانين والقواعد؛ حيث يغيب المنطق والواقع ويحل محلهما اللاشعور بآلياته التي تعتمد على كل ما يغاير الواقع والوعي الذي ينطوي على رقيب يُمثِّل الوعي الذي يكبح اللاوعي. هكذا يرى الحالم جسده منفصلًا عنه يتداخل في جلده ويشرب أنفاسه، بل يزيد الأمر على ذلك، فينادم الجسد ظله فوق الحائط كما لو كان الجسد يتحول إلى ذات وموضوع؛ ذات ناظرة متأملة، وموضوع منظور إليه ومُتأمَّل فيه. وطبيعي مع هذا الانفصال غير المعقول الذي يتبع منطق الحلم وآلياته أن يدخل الشاعر هنا في طقس تجلياته وتحولاته، فيتجول حرًّا في تاريخه كما لو كان يتنزه في تذكاراته أو ذكرياته أو حتى ماضيه. هكذا ينقسم الجسم إلى ذات وموضوع في الحلم، كما يتحول في الوقت نفسه إلى كيان هش قابل للتفتت في أجزاء اليوم. لكن اليوم هنا يوم ميت، والموت إشارة إلى غياب الحياة عن الجسد، أو لِنَقُل هو الموت الأصغر الذي يعانيه جسد الإنسان في حالة النوم، حيث يسكن الوعي، ويغيب العقل فيصحو اللاوعي، وتنبعث أعاجيب الذاكرة، فتُرينا الأيام المدفونة في تلافيفها، والماضي الذي يُستعاد عن طريق التحولات الكنائية أو الاستعارية، فنرى الحالم أو صاحب الرؤيا طفلًا وصبيًّا وحكيمًا محزونًا.
عالم اللاوعي
ولكن منطق الحلم لا يترك عبارة الحكيم المحزون تمر دون شرح، فكأنه يُبسِّطها لنا ولكن على سبيل الإشارة إلى التضاد الذي يحكم حياة الحالم بين ما يراه في اليقظة وما يراه في الحلم. وهي ثنائية ضدية تذكرنا بمثيلاتها من الثنائيات التي تجمع بين الطفل المَرِح والصبي اللاهي من ناحية، والحكيم العاقل والحزين بسبب علمه بالمصير من ناحية موازية. وعندئذ تتجاوب الثنائيات كما يتجاوب الضحك والبكاء، أو يتجاوب القرار والجواب في الغناء والموسيقى. ولكن عالم الحلم وتحولاته يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، فيجد الحالم حبلًا يصعد به إلى أعماق اللاوعي كأنه يريد أن يصل إلى سقف الليل الأزرق، بل كأنه يريد أن يتسلق سقف هذا الليل كي يتمدد كالسحاب في وجه قباب المدن الصخرية، أو في سماوات المدن الصخرية بلا فارق. عندئذ يتعانق والدنيا في منتصف الليل، فتبدأ رحلته الخيالية في عالم اللاوعي أو في عالم الحلم أو في عالم الرؤيا على السواء:
«حين تدق الساعة دقتها الأولى
تبدأ رحلتي الليلية
أتخير ركنًا من أركان الأرض الستة
كي أنفذ منه غريبًا مجهولًا
يتكشف وجهي، وتسيل غضون جبيني
تتماوج فيه عينان مُعذبتان مسامحتان
يتحول جسمي دخانًا ونداوة
ترقد أعضائي في ظل نجوم الليل الوهاجّة والمنطفأة
تتآكلها الظلمة والأنداء، لتنحل صفاء وهيولى
أتمزق ريحًا طيبة تحمل حبات الخصب المختبئة
تخفيها تحت سراويل العشاق.
وفي أذرعة الأغصان
أتفتتُ أحيانًا موسيقى سحرية
هائمة في أنحاء الوديان
أتحول حين يتم تمامي - زمنًا
تتنقل فيه نجوم الليل
تتجول دقات الساعات
كل صباح، يفتح باب الكون الشرقي
وتخرج منه الشمس اللهبية
وتذوِّب أعضائي، ثم تُجمِّدها
تلقى نورًا يكشف عُريي
تتخلع عن عورتي النجمات
أتجمع فأرًا، أهوى من عليائي،
إذ تنقطع حبالي الليلة
يلقى بي في مخزن عاديات
كي أتأمل بعيون مرتبكة
من تحت الأرفف أقدام المارة في الطُّرقات».
هكذا نجاوز منتصف الليل إلى الساعة الأولى بعد هذا المنتصف، الأمر الذي يعني أننا نجاوز سطح اللاوعي إلى أعماقه، فنغوص بعيدًا وعميقًا في طبقات اللاوعي، حيث ننطلق مع الحلم في رحلة لا يحكمها سوى المبدأ نفسه الذي يحكم الصوفي في تجليات رحلته إلى لحظات التجلي أو الكشف. ولكن اللاوعي هنا ليس صوفيًّا بقدر ما هو وعي ينظر عميقًا في حضوره ويغوص في أعماق هذا الحضور، ليكشف عن طبقاته السفلية مقتربًا مما كان يسميه أدونيس الشاعر المعاصر لصلاح عبدالصبور: «أندلس الأعماق». ولكن «أندلس الأعماق» عند صلاح عبدالصبور لا تتكشف إلا من خلال درجات، هى درجات اللاوعي الذي يبدأ رحلته في حضوره الذي لا يُرى إلا في الحلم، وعلى نحو يفارق المنطق المعروف لعقل الإنسان.
الرحلة الليلية
هكذا تبدأ الرحلة الليلية للحالم أو الرائي الذي يتخير ركنًا من أركان الأرض الستة. ربما لتؤكد الأسطر في وعينا مدى البُعد الساحق الذي ينفصل به الوعي عن اللاوعي. في فضاء لا نهائي، مجهول وغريب وعجيب منطويًا على أبعاده الذاتية التي لا تجعل من أركان الأرض أربعة أركان، بل تجعل منها ستة أركان، وذلك على نحو يؤكد فيها غربة هذا اللاوعي المرتحل والمجهول في نفس الوقت. أعنى اللاوعي الذي نغوص بإرادته الذاتية في الحلم إلى طبقات لا يعرفها، ولم يكن فيها من قبل، ويغدو فيها غريبًا مجهولًا. هكذا ينكشف وجه الحالم في اللاوعي وتتساقط قطرات العَرق على جبينه، كأنه يعاني مما يشبه حرارة السعير، فيغدو حضوره حضورًا هلاميًّا طائرًا في هيولى فضاء اللاوعي، فيتحول كيانه إلى دخان ونداوة. ويبدو الأمر كما لو كان جسده يتبدد في سماوات اللاوعي وتلافيف فضاءاته، ويظل كذلك إلى أن يرقد جسده في ظل نجوم الليل التي تتراوح ما بين الوهج والانطفاء، تتآكلها الظلمة والأنداء، فتنحل صفاءً بلا أرق أو ألم أو رغبة أو تطلع إلى شيء، فلا شيء يوجد فيها أو حولها إلا السلام الصافي للظلمة والبرودة الناعمة للأنداء، واللاشكل الذي تتحول إليه الأشياء عندما تغدو مجرد هيولي بلا أشكال كأنها ما قبل العلة الأولى للوجود في اللحظة الزمانية التي يتحلل فيها وجود الحالم، فيتحول إلى ريح طيبة، تحمل حبات الخصب المُتناثِرة في حيوات البشر وفي عوالمهم الإنسانية كما في العوالم الحيوانية والنباتية من حولهم في الكون. أما الكون نفسه فتنبعث فيه موسيقى سحرية، لكن على نحوٍ متقطع غير دائم أو ثابت، وإنما في تجاوب لا ينتظم في حركته الممتدة في أنحاء الأرض سهولًا وجبالًا، طرقًا معلومة وأنفاقًا مجهولة. لكن هذه الموسيقى لا تتوقف، فهي موسيقى الخلق التي تتحول بها الهيولي إلى أشكال ذات ملامح وتفاصيل وسمات إنسانية أو حيوانية أو نباتية.
هكذا نغوص في عالم الحلم بكل تحولاته ومجازاته واستعاراته ورموزه، باحثين عن «أندلس الأعماق» إلى أن يقترب نور الفجر ويبدأ الوعي في استعادة يقظته، لكنه يبدأ هذه اليقظة مراوِحًا بين الوعي واللاوعي كما لو كان يوجد في اللحظة الغسقية من الزمن حيث يتوازى النور والظلمة قبيل الصباح ومشرق النور، أو ما بين آخر النهار وأول الليل، وذلك في لحظات زمنية تفتح باب الكون الشرقي كي تخرج منه الشمس اللهبية. ولكن هذه الشمس التي هي رمز آخر من رموز الوعي أو العقل أو المنطق في المعجم الصوفي لصلاح عبدالصبور، تشع ضوءًا يتصاعد إلى أن يصبح وَقدًا ونورًا يكشف عن حقيقة الوعي الحالم ويخرجه من حلمه كما لو كان يلقى عليه نورًا يكشف عن عُريه، فيتقلص هذا الوعي، في لحظة من لحظات الصحو، كما لو كانت ذات الشاعر خجلة من أحلامها، أو كما لو كان الحالم يتحول فأرًا مذعورًا من شمس الحقيقة النهارية التي توجعه مع صعودها إلى كبد السماء، فتمارس عليه نوعًا من السِّحر الذي يجعل منه فأرًا يهوى من عليائه، خصوصًا بعد أن انقطعت علاقاته الحالمة مع الليل الذي انطلق فيه الوعي إلى ما لا حدود له من الأحلام والأماني. ولا يتبقى من هذا الوعي الحالم أو الذات التي تنطوي عليه سوى ما يشبه الفأر الذي يتهاوى من الأعلى إلى الأدنى بعد أن تنقطع حبال الأوهام والأحلام والرؤى الحالمة. عندئذ لا يجد الفأر لنفسه مكانًا سوى أن يوضع في مخزن من مخازن البيع والتجارة، ولا يجد له عملًا سوى أن يرقب أقدام المارة في الطرقات من موضعه الذي يختبئ فيه بعد أن تحول إلى كائن، هو رمز من رموز الجُبن التي تنطوي على نوع من التضاد أو المفارقة، فالفأر كائن صغير يحفر لنفسه مكانًا يوارى جسده الضئيل، لكنه من ناحية أخرى قادر على أن يستشعر الخطر، فيحذِّر الآخرين منه حين يجري فارًّا من السفينة حين يستشعر خطرًا يهددها، فيفر تاركًا السفينة ومن فيها. صحيح أنه لا ينقذهم ولكن مجرد ظهوره في سفينة وفراره منها، هو إنذار لمن في هذه السفينة بالخطر الوشيك الذي يهددها.
ثنائيات ضدية
وهكذا تنتهي هذه القصيدة الغريبة لصلاح عبدالصبور. وهي قصيدة ينبغي ألا نتلقاها إلا بمعناها الرمزي الذي يجعل منها «رؤيا» بالمعنى الذي يحيلنا إلى الحلم، ويجعل منها حلمًا من الأحلام التي ينبغي أن نُفسِّرها بمنطق الحلم، مُستعينين على هذا التفسير بآليات التحول والاستعارة والرمزية التي تحدث عنها سيجموند فرويد في كتابه عن «تفسير الأحلام». وما يؤكد هذا النوع من التفسير الذي يصل بين عنوان القصيدة ومعنى الحلم ليس البُعد الصوفي وحده. صحيح أنها قصيدة ليلية تبدأ منذ المساء الذي ينقلب إلى ليل، وليل ينقلب إلى ظلمة، وظلمة تفتح الأبواب للاوعي ليمضي مُطلقًا العنان لحركته بعد منتصف الليل، فيتحول الكائن الذي يتحدث في القصيدة من هيئة شاعر يستغرق كل مساء في تأملاته الذاتية إلى أن يدخل في عالم اللاوعي الذي تقوده تحولاته في عالم الأحلام إلى رموز ومجازات تنبني على ثنائيات ضدية لا ينحل تضادها بالإيجاب، بل يتحول إلى ما يشبه المفاجأة عندما تصبح الذات المُتأمِّلة فأرًا تنقطع حباله الليلية فيجد له مكانًا في عالم النهار، فيختبأ في مخزن قديم لأشياء قديمة غير مستعملة، ولا يحتاج إليها أحد فلا يبقى له سوى أن يتأمل بعيون مُرتبكة أقدام المارة في الطرقات. وهي نهاية تُذكِّرني بقصيدة كتبها سعدى يوسف بعنوان «القنفذ»، يقول فيها:
«يكمن في قارّته القديمة
مُنكمشًا بين تراب الشمس والعُشب المسائي
وحيدًا
بطنه الأبيض مشدود كجلد القوس
والعينان تشتفّان صوت النمل
والرجفة في الماء الذي يخترق الجذع
وتشتفّان ما يلمسه الطفل إذا جُنّ
وما يلبسه الليل إذا جَنّ
وما تأتى به الأشجار أو تأتيه».
فالقنفذ في هذه القصيدة ليس سوى كائن آخر يشبه الفأر الحَذِر الذي يتحول إليه الرائي في قصيدة صلاح عبدالصبور، عندما يترك اللاوعي إلى الوعي فيتحول إلى ما يشبه الفأر الذي ينظر في حذر وخوف إلى المارين في الطرقات كأنه يراقبهم كما تفعل فئران السفينة عندما تختفي عن أعين الركاب، لكن دون أن تتوقف عن مراقبتهم وتحذيرهم إذا استدعى الأمر. وقنفذ سعدي يوسف ليس سوى صورة أخرى لفأر صلاح عبدالصبور في قصيدة «رؤيا». ففأر صلاح عبدالصبور يحمل الخصائص التي ينطوي عليها قنفذ سعدي يوسف، كلاهما يرقب كل شيء بحذر ومكــــر، ولا يفـــوته شيء مما يــــــراه. وإذا شـــــئنا التخــــصيص وتوقـــفــــنا عند فـــأر صــــــــلاح عبدالصبور، فإن هذا الفأر هو ذلك الكائن الصغير الذي يرقب بعينيه الماكرتين كل ما يحدث في العالم، مراقبة تتولى دور الرقيب والنذير على السواء.
لكن يبقى السؤال: هل هذه القصيدة هي مجرد حلم من أحلام صلاح عبدالصبور؟ أم هي إشارة رمزية منه إلى دور الشاعر في الوجود، والقدرة السحرية لهذا الشاعر عندما يستخدم الخيال لوصل ما لا يتصل وإقامة علاقات بين ما لا علاقة بينه، وذلك في عالم غير واقعي يموج بالرمز ويستغرق في اللاوعي الحالم، ذلك اللاوعي الذي يؤكد أن الشاعر واعٍ بأسرار الكون والبشر والحياة نفسها التي تتجدد مع حبات الخصب المُنتثرة في هذا الكون، تخفيها سراويل العشاق، وأذرع الأغصان والأوراق، لكي تتفتت موسيقى سحرية تتجدد في عوالم الحياة والأحياء، ولكن هذه الرؤيا مهما تباعدت عن عوالم الحياة والأحياء فهي ترقبهم ولا تغفل عيناها عنهم لكي تنبئهم بلحظات الخطر التي لا نجاة منها إلا برؤى أمثال هذا الشاعر التي هي يُمن وبركة، وعين يقظة تؤرقها سلامة الكون والكائنات وتجانسها فيما يشبه الموسيقى الهائمة في أنحاء الوديان والطرقات >