مجلة العربي وطن ثقافي وفكر مستنير

مجلة العربي  وطن ثقافي وفكر مستنير

ظهرت مجلة العربي في زمن كان أهله يتوقون إلى الوحدة العربية في شتى أقطار  الوطن العربي. واستطاعت هذه المجلة أن تلبي الطموح الوحدوي الثقافي، على الأقل، الذي كانت تسعى إليه الأمة العربية في أواخر خمسينيات القرن الماضي، بعد أن أنهكتها حقبة الاستعمار  والتشتت.
في تلك المرحلة كانت الأقطار  العربية في حالة من النهوض الثقافي الجديد، فنشط الأدب إلى حد ما، كالشعر  والرواية والقصة، كما بزغ نجم بعض المفكرين والمجددين في الفكر  العربي. وواكب تلك المرحلة ظهور  بعض المطبوعات والمؤلفات العربية ولكن بشكل خافت. 
ونستذكر  هنا دور حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر  الصباح، حفظه الله، حين كان آنذاك رئيس دائرة المطبوعات والنشر، فقد حشد كل الجهود الممكنة لإصدار مجلة العربي، إذ تم تكليف الأديب الراحل أحمد السقاف، وكذلك بدر خالد البدر، يرحمهما الله، بتأسيس هذه المجلة والسفر  إلى الأقطار العربية لاختيار  كادر لها. ولأن الكويت منذ نشأتها ذات روح عربية، فقد سلمت رئاسة التحرير  لأصحاب الخبرة الصحافية، فكان أول رئيس تحرير  لها المرحوم د. أحمد زكي من مصر.

إن التأسيس الصحيح والمخلص لمجلة العربي، هو الذي أوصلها إلى عقدها السادس بقوة واقتدار، فقد أولت المجلة اهتماماً بالقضايا العربية، وأبرزت ثقافتنا بوجهها الناصع في وقت كان الوطن العربي يحتاج إلى إظهار هذه الصورة عقب أزمان مرت عليه جعلته في موقع متأخر، بعد أن تقدم العالم الآخر علمياً وثقافياً بشكل هائل، فحاولت المجلة استرداد المجد الثقافي العربي الذي شكّل يوماً ما حضارة عظيمة انتشرت في شتى الآفاق.
وقد استطاعت «العربي» أن ترسم خريطة جديدة أشبه بوطن ثقافي التقى فوق رقعته ملايين المثقفين العرب، كان وطناً من فكر مستنير يستمد جذوره من أصالة اللغة العربية وثقافتها، وجمعت المجلة بين العمل الصحافي والأدبي ببراعة، فيجد القارئ فيها ضالته مهما تنوعت ذائقته. وجاء ذلك من خلال التنوع في الأبواب، من الاستطلاعات الصحفية إلى المادة العلمية فالأدبية، وكل ذلك وفق حرص شديد على اللغة العربية.
كثير منا عرف العالم من خلال مجلة العربي، فقبل ظهور ثورة الاتصالات الحديثة والقنوات التلفزيونية والإنترنت، كانت مجلة العربي نافذة القراء إلى أقصى بقاع العالم، تنقل لنا ثقافاتهم وجغرافيتهم وجمالية أماكنهم. في ذاك الزمن كنا غرباء عن بعضنا بعضاً، لم تكن هناك شاشات نرى العالم من خلالها، فجعلت المجلة من صفحاتها نوافذ نطل منها على الكون الفسيح.
والأجمل من ذلك، أنه حتى بعد ظهور وسائل الاتصال الحديثة، فقد حافظت «العربي» على دورها ومكانتها، وظلت هي المطبوعة الأشمل التي تقدم النخبة، وتعاقبت الكوادر على مجلة العربي، لكنها كانت في كل مرة تزداد نضارة وحضوراً. 
حققت مجلة العربي المعادلة الأكثر صعوبة، فقد تمسكت بمضمونها الوفي إلى مرحلة التأسيس، ولكنها لم تقف عند تلك العتبات، بل دخلت طرف المعادلة الثاني وهو العصر الجديد، فأصبحت المجلة مزيجاً رائعاً ما بين جذور الخمسينيات وأغصان الألفية الثالثة بما تحمله من تطورات بشرية وتقنية، فأصبحت تلبي ذائقة الأجيال دون أن تهمّش ماضيهم وأصالتهم المعرفية.
هذا العطاء المخلص لمجلة العربي من قبل وزارة الإعلام الكويتية، ومن قبل القائمين على المجلة، جعلها قادرة على إصدار مطبوعات رديفة، بعضها للصغار والآخر يتعلق بالعلوم، كما جعلها قادرة على إقامة ندوة سنوية حظيت بشهرة واسعة، وكان لي شرف المشاركة في عدد من هذه الندوات. كما أن أحد رؤساء تحريرها الدكتور محمد غانم الرميحي هو عضو مجلس أمناء مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية، وهذا يعني أن منهجنا مع المجلة واحد في نشر الثقافة العربية، وأفكارنا متقاربة.
لذلك فإن تهنئتي لمجلة العربي بعقدها السادس، تتضمن أمنيات بأن تستمر في عطائها الذي دأبت عليه لتبقى في صدارة الإعلام الثقافي الذي نعتز ونفخر به، ولتبقى الوجه الحقيقي لعروبة الكويت■