عزيزي القارئ المحرر

عزيزي القارئ

أغسطس و.. سن الرشد العربي

  • عزيزي القارئ..

"عفا الله عما سلف" هو الشعار الذي رفعه "الزعيم" العراقي عبد الكريم قاسم بعد ثورة 1958 في العراق، ويروي المؤلف حسن العلوي في كتابه عن "عبدالكريم قاسم" أن "الزعيم" كان يكرر هذا الشعار في كثير من خطاباته مما جعله مثلا سائرا بين الناس. ومما جعل الأطفال في الأحياء الشعبية، إذا أخطأ أحدهم، قال "عفا الله عما سلف". وتحول الشعار إلى أوساط اجتماعية واسعة، فكان الرجل إذا أراد تهديد أحد قال "سأقتله والزعيم يعفو عني".

وبالطبع في ظل هذا الشعار أمر "الزعيم" قائده العسكري "حميد حصونة" بالزحف على الكويت في صيف عام 1961.. ثم تم تكريس هذا الشعار باحتلال الكويت في صيف عام 1990 وبقوات عراقية (!) وفي الذكرى الثالثة لأغسطس/ آب الأسود الذي ما زال حاضرا في عيون أمهات كويتيات ينتظرن عودة فلذات الأكباد من معتقلات نظام بغداد، يعود شعار "عفا الله عما سلف" ليحتل الساحة العربية باعتباره المفتاح السحري لعودة التضامن العربي وحماية الأمن القومي العربي(!)، وليس مهما أن نتفق حول هذا الشعار أو نختلف، لأن السؤال الذي طرحه المواطن العربي في 2 أغسطس/ آب 1990، ما زال هو نفسه المطروح اليوم، وهو: حماية الأمن القومي ممن؟ ومن هو عدو هذا الأمن؟.

إن تحديد للعدو اليوم، كما كان قبل ثلاث سنوات، هو الخطوة الأولى نحو تشخيص المرض وتحديد العلاج. ولا يختلف اثنان على أن كارثة احتلال الكويت قد تجاوزت في خسائرها وآثارها جميع ما ألحقه بنا العدو "الخارجي" بما فيها نكبة فلسطين، ودمرت إنجازات قرن كامل من الطموحات العربية في الوحدة والتنمية وبناء الدولة للعربية الحديثة.

بالتأكيد لسنا طلاب ثأر ولا دعاة انتقام، ولكن الأولوية اليوم هي كما كانت تماما قبل ثلاث سنوات: مواجهة عدو "الداخل" لأنه الأكثر خطرا والأشد ضررا، والقضية اليوم لا علاقة لها بالأسماء والأشخاص ولا بالكويت وحدها، فالغزو قد يتكرر وفي مكان آخر، والنظام الذي أنجب من رحمه الأسود أمثال صدام حسين لا يزال يعيش، وهو مازال قادرا، وفي ظل شعار "عفا الله عما سلف" على إنجاب المزيد من الطغاة والمزيد من المقامرين بمصير خير أمة أخرجت للناس.

إن "عزل" هذه الأنظمة هو الخدمة الحقيقية التي يمكن تقديمها لأشقاء يعيشون في ظلها، ومن دون أن تتغير هذه الأنظمة عمليا وليس لفظيا باتجاه المزيد من الديمقراطية، وباتجاه المزيد من الانفتاح والتنمية والحرية، فإن أي محاولة لإضفاء الشرعية العربية والإسلامية عليها سوف تكون طعنة موجهة إلى شعوبها وباقي شعوب العرب والإسلام.

"سأقتله والزعيم يعفو عني" هذا ما ردده الشارع العراقي في ظل الزعيم قاسم، ووقعت مجازر كركوك والموصل وبغداد وسقط الألوف من القتلى.. وعفا الله عما سلف. وكانت تلك المقدمة فحسب لكارثة أغسطس. في سنوات المراهقة، يقول الصينيون: يتساوى الحب مع الحقد لأن كليهما أعمى. وبعد الكارثة، ربما كان من المفيد أن نعيد للحب اعتباره واحترامه فندخل في علاقات ناضجة تثبت أن العربي بلغ سن الرشد.

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات