السينما العربية وتحدياتها

السينما العربية وتحدياتها

أقدمت مع مجموعة متميزة من الأصدقاء والمهتمين بالسينما على تأسيس نادي الكويت للسينما في عام 1976... كنا من عشاق السينما ورواد دورها، وكان بيننا من تخصص في الإنتاج والإخراج والتصوير السينمائي، ومن عمل في التلفزيون والمسرح، ومن كانوا روّاداً في العمل السينمائي، مثل الأستاذ محمد السنعوسي والمخرج خالد الصديق والمرحوم عبدالوهاب السلطان والمرحوم بدر المضف. وكان هناك عشاق السينما ومتذوقوها، من بينهم الشيخ حمد صباح الأحمد الصباح، والمرحوم عيسى العصفور، والمرحوم غازي السلطان والمرحوم سامي البدر... ويضاف إليهم عدد من المثقفين، منهم الدكتور حسن الإبراهيم والدكتور محمد غانم الرميحي ومحمد شملان الحساوي والدكتور نجم عبدالكريم. كل هؤلاء بدأوا بالتعرف على السينما من خلال الشاشات، التي انتشرت في عدد من بيوت الكويت منذ أربعينيات القرن الماضي. بطبيعة الحال عرضت الأفلام الأجنبية والعربية، وتفاعل الكويتيون مع تلك الأفلام وأدمنوا على مشاهدتها بما دفع عدد من رجال الأعمال، مثل المرحوم خالد الشريعان والسيد عبدالله الحسيني وعدد آخر، لفتح مجال لجلب الأفلام وتأجيرها على العائلات الكويتية لعرضها. كانت تلك البيوت مفتوحة لعيال الفرجان والأزقة لحضور العروض السينمائية، وكان هؤلاء يتربعون على الأرض في ليالي الصيف دون حراك متابعين لمشاهد تلك الأفلام.

البدايات
كانت الأفلام العربية هي الغالبية في تلك العروض، وكانت حينها بالأسود والأبيض، ومعلوم أن بدايات السينما العربية كانت في مصر، ويذكر أن أول فيلم تسجيلي مصري تم في عام 1907. لكن علاقة مصر بالسينما بدأت منذ بداية الأعمال السينمائية في العالم، فقد عرض أول فيلم سينمائي في العاصمة الفرنسية باريس في «الجراند كافيه» ديسمبر 1895، وهو فيلم صامت من إنتاج الأخوين «لومير». وعرض أول فيلم في الإسكندرية في يناير 1896، أي بعد العرض في باريس بشهر. افتتحت أول دار عرض سينمائي بالإسكندرية في منتصف يناير 1897، حيث كانت الأفلام إخبارية وتسجيلية ولم يتم إنتاج فيلم روائي إلا في عام 1917، وكان إنتاجاً إيطالياً مصرياً... تم في ذلك العام إنتاج فيلم «الأزهار القاتلة» وفيلم «شرف البدوي»، حيث مثل فيهما المخرج محمد كريم، الذي يعد أول ممثل سينمائي مصري.
 يشير عدد من النقاد السينمائيين المصريين إلى أن بداية السينما المصرية الحقيقية كانت في عام 1927 عندما تم عرض فيلمين شهيرين هما «قبلة في الصحراء» و«ليلى»، وهذا الأخير قامت بدور البطولة فيه الممثلة «عزيزة أمير»، التي تعد أول مصرية تعمل في التمثيل السينمائي. بعد ذلك توالت عملية إنتاج الأفلام، حيث أنتج فيلم «أولاد الذوات» من بطولة يوسف وهبي وأمينة رزق، ثم أنتج فيلم «أنشودة الفؤاد» الذي يعد أول فيلم غنائي مصري من بطولة المطربة نادرة، كما أنتج فيلم غنائي آخر من بطولة محمد عبدالوهاب وهو «الوردة البيضاء».

الانتشار
تمكنت السينما المصرية من غزو الأسواق الخارجية، خصوصاً الأسواق العربية، حيث عرض أول فيلم مصري في الخارج وهو فيلم «وداد» من بطولة أم كلثوم، وساهم في تعضيد السينما المصرية وقدراتها التصويرية إنشاء «استديو مصر» عام 1935، ومثل هذا الاستديو بداية حقيقية لصناعة سينمائية مصرية قادرة على الاستمرار، وهو عمل أقدم عليه القطاع الخاص المصري آنذاك. وكان استديو مصر مركزاً مهماً للإشعاع الفني والثقافي ومحوراً أساسياً للحركة السينمائية حتى تعثرت أعماله مع بداية الحرب العالمية الثانية في عام 1939 بالرغم من إنتاج فيلم «العزيمة» في ذلك العام، وهو من الأفلام المصرية الخالدة، بيد أن نهاية الحرب العالمية الثانية حركت مياه السينما المصرية مرة أخرى والتي تمكنت من إنتاج 16 فيلماً في عام 1944، ثم ارتفع الإنتاج إلى 67 فيلماً عام 1946. وقد برز في هذه الفترة مخرجون مهمون، منهم أحمد بدر خان وهنري بركات وحسن الإمام وإبراهيم عمارة وأحمد كامل مرسي وحلمي رفلة وكمال الشيخ وحسن الصيفي وصلاح أبوسيف وكامل التلمساني وعز الدين ذو الفقار... وتمكنت السينما بعد ذلك من إبراز مواهب تمثيلية، منها ليلى مراد وشادية وفاتن حمامة وماجدة الصباحي ومريم فخر الدين وتحية كاريوكا ويحيى شاهين وإستفان روستي وأنور وجدي وغيرهم.

قضايا
تطرقت الأفلام السينمائية للعديد من المواضيع الحياتية المهمة في المجتمعات الإنسانية، ولم تتوقف تلك الأفلام سواء أنتجت في هوليوود أو بوليوود، مروراً بالأفلام المنتجة في بلدان أوربية، مثل إيطاليا أو فرنسا أو إسبانيا أو حتى تلك التي أنتجت في روسيا وبلدان أوربا الشرقية في حقبة الاشتراكية، لم تتوقف عن طرح مواضيع الصراع السياسي أو الحرب أو قضايا الحب والزواج والطلاق والتحديات المعيشية. لذلك لم تعد السينما أداة للترفيه فقط، بل تحولت ومنذ زمن طويل إلى آلية لطرح مسائل إنسانية عديدة وربما وسيلة للوعظ الاجتماعي، أحياناً. 
في أواسط الأربعينيات من القرن الماضي، وعندما كانت السينما من أنشطة القطاع الخاص بشكل تام، طرحت مسائل مثل الفساد والغلاء والقهر المعيشي في أفلام عديدة. بل إن أفلاماً تعرضت لسلوكيات الملك فاروق آنذاك، ومنها فيلم «ناشين»، الذي تعرض للحجب من قبل الرقابة حتى تم تعديل نهايته وتم إنتاج ذلك الفيلم في عام 1939. هناك، أيضاً، أفلام تعرضت للعلاقات بين الإقطاع والفلاحين واستغلال المرأة في الريف المصري من قبل المتنفذين المتعددين. وخلال السنوات التي تلت ثورة يوليو 1952 تناولت الأفلام مسائل مهمة، أزعجت القيادة السياسية آنذاك، وتم التحفظ على بعض تلك الأفلام أو اضطر المخرجون والمنتجون لتعديل مساراتها، لكي تتمكن دور العرض من إتاحتها للجمهور. عدد من السينمائيين تناول قضايا من خلال آليات الرمزية كما فعل يوسف شاهين في فيلم «الأرض» والذي تضمن إشارات لتفريط السلطة بمصر في حرب 1967.

الريادة
كانت مصر الدولة الرائدة في العالم العربي في الإنتاج السينمائي، حيث تمكنت من إنتاج ما يقارب 60 فيلماً في العام الواحد خلال عقدي الخمسينيات والستينيات، وإن انخفض ذلك إلى دون الأربعين فيلم في العقود التالية. بيد أن بلداناً عربية أخرى تمكنت من تطوير أدواتها السينمائية وأنتجت أفلاماً جيدة شاركت في مهرجانات سينمائية عربية ودولية. أهم البلدان العربية التي تمكنت من الإنتاج السينمائي لبنان وسورية وتونس والمغرب، وإن تمكنت العراق من إنتاج عدد محدد من الأفلام الروائية بشكل متقطع، لكن المسألة ليست فقط في أعداد الأفلام. ولكن هناك الجودة التي تميزت بها تلك الأفلام وقد حددت دراسات متخصصة بأن الأفلام السورية والمصرية التي أنتجت من شركات القطاع العام في البلدين، ومنها أفلام مثل المومياء والحرام والناصر صلاح الدين والبوسطجي والزوجة الثانية والقاهرة 30 وشيء من الخوف وميرامار، من أفضل ما أنتجته مؤسسة القطاع العام في مصر. إن من الأمور المثيرة للاستغراب أن السينما السورية، التي تنتمي للقطاع العام، تمكنت من إنتاج أفلام مثيرة للجدل تناولت قضايا حساسة ذات صلة بالقضايا الوطنية والاجتماعية، وقد أنتجت السينما السورية خلال عقد السبعينيات من القرن الماضي عدداً من الأفلام المتميزة، مثل «رجال تحت الشمس» و«العار» و«الفهد» و«السكين» و«المخدوعون» و«بقايا صور»، وعدد من تلك الأفلام تطرقت للقضية الفلسطينية وإشكالاتها.

محددات
لا شك في أن السينما العربية واجهت مشكلات عديدة، مثل تكاليف الإنتاج ومحددات الرقابة والبيئة السياسية الحاكمة. معلوم أن السينما العالمية تمكنت من تحقيق إيرادات مهمة قاربت المئة مليار دولار سنوياً خلال السنوات القليلة الماضية. جزء مهم من تلك الإيرادات تحصده استديوهات هوليوود وجزء آخر لصالح الاستديوهات الهندية، ويتوزع ما يتبقى على السينمات في بلدان أوربية أو الصين أو روسيا واليابان... خلال عام 2017 أنتجت مصر 45 فيلماً حصدت إيرادات قدرها 285 مليار جنيه تعادل 17 مليون دولار تقريباً، ولابد أن هذا المستوى من الإيرادات يعتبر متواضعاً قياساً بما تجنيه السينما العالمية. من جانب آخر تظل تكاليف الإنتاج مرتفعة للعديد من المنتجين في مصر أو سورية أو المغرب، وهي بلدان مازالت تفتقر إلى مؤسسات سينمائية متمكنة مالياً ومتسلحة بأفضل أدوات التكنولوجيا الحديثة المستخدمة في التصوير والصوت. كما أن افتقار الدول العربية إلى الاستديوهات الملائمة لإنتاج الأفلام يظل من أهم العراقيل. يضاف إلى ذلك أن عدد دور العرض السينمائي قد تراجع خلال السنوات الأخيرة في بلدان أساسية، منها مصر وسورية والعراق، وظلت دور العرض مغلقة في بلد مثل السعودية منذ سبعينيات القرن الماضي.
  ربما مثل التحدي الاقتصادي أهم التحديات التي تواجه السينما العربية. وغني عن البيان أن هذا التحدي لا يقتصر على التكاليف وأدوات التمويل المتاحة، ولكن يشمل إمكانات التوزيع ودور العرض. ويضاف إلى ذلك أن التطورات التقنية في مجال الترفيه في الوقت الراهن تنضوي تحت التحدي الاقتصادي، أيضاً. هناك الإمكانات الواسعة المتاحة أمام المستهلكين للترفيه لمشاهدة الأفلام والمسلسلات والأغاني من خلال أنظمة الإنترنت أو الشبكة العنكبوتية ومنها «اليوتيوب» You Tube حيث تتوافر الملايين من الأشرطة الفيلمية والتي تشمل القديم والجديد من الأفلام السينمائية. يضاف إلى ذلك أن القنوات التلفزيونية المشفرة أصبحت تتيح للمشاهدين إمكانات التمتع بالأفلام السينمائية، بما في ذلك تلك الصادرة حديثاً. وكما هو معروف فإن المشاهدة قد لا تكلف الكثير للمتابعين، وهناك عمليات القرصنة التي تمكن من الحصول على أقراص للأفلام الجديدة بتكاليف متهاودة دون الترخيص من الجهات المنتجة بما يمثل تعدياً صارخاً على حقوق الملكية الفكرية.

تحديات الإنتاج
لكن إذا ما وضعنا التحديات الآنفة الذكر جانباً وركزنا على مسألة التكاليف الإنتاجية، فإن السينما العربية تواجه تحديات تقليدية أساسية تتطلب معالجات. ونتج عن تخلي القطاع العام عن الإنتاج السينمائي في مصر تدهوراً في المستويات للأفلام في حقبة السبعينيات، بعد أن قامت الحكومة بتصفية مؤسسة السينما والتوقف عن الإنتاج السينمائي وإتاحة الفرص أمام شركات القطاع الخاص. وقد تم تأسيس هيئة للسينما والمسرح والموسيقى اضطلعت بمسؤولية الإشراف على الأعمال التي تنجز من قبل الأفراد والشركات الخاصة. لكن هذه الهيئة التي تأسست في عام 1971 قامت بتمويل الشركات الخاصة، بقروض محدودة، بما أدى إلى انخفاض عدد من الأفلام المنتجة إلى ما تراوح بين 40 و50 فيلماً سنوياً، في حين انخفضت دور العرض إلى 190 داراً. خلال هذه الحقبة كانت الأفلام متواضعة المستوى وأطلق عليها أفلام المقاولات. وظلت دول الخليج سوقاً أساسية للأفلام العربية، الأفلام المصرية بشكل أساسي، ولحسن الحظ أن هذه السوق كانت المؤشر المتميز للطلب، فقد أدى تدني الاهتمام بالأفلام الهزيلة إلى تغيّر في الصناعة وتوقف إنتاج أفلام المقاولات بعد حرب الخليج الثانية وبروز منتجين ومخرجين أكثر جدية واهتماماً بالجودة والمواضيع التي تنتج على أساسها الأفلام. في مصر برز في تسعينيات القرن الماضي رضوان الكاشف وأسامة فوزي وسعيد حامد.

سينما الخليج
اهتمت دول الخليج منذ بداية التسعينيات بتطوير إمكانات الإنتاج أمام عدد من المخرجين الشباب والذين تلقوا تعليماً مهنياً في جامعات الولايات المتحدة أو بريطانيا وفرنسا. بطبيعة الحالم لم تتوافر الأموال الكافية أمام هؤلاء لخلق صناعة سينما حقيقية في دول الخليج، وركز عديد منهم على الأفلام التسجيلية أو الأفلام الروائية القصيرة. هؤلاء أتيح لهم المشاركة في عدد من المهرجانات التي أقيمت في أبوظبي ودبي وقطر، وحصل بعضهم على جوائز متميزة مقابل أعمالهم، بما مثل تشجيعاً قيماً من الحكومات في بلدان المنطقة. بلدان الخليج لاتزال تفتقر إلى البنية المؤسسية التي يمكن أن ترعى عمليات الإنتاج السينمائي. كما أن هذه البلدان لا يتوافر فيها دعم حكومي منظم لإنتاج الأفلام. وكما أشرنا هناك محاولات فردية من أهمها ما قام به خالد الصديق في عام 1973 عندما أنتج فيلم «بس يا بحر»، الذي كان فيلماً متميزاً تناول فترة ما قبل النفط ومعاناة الناس في عمليات الغوص على المحار والبحث عن اللؤلؤ. كذلك هناك محاولات كويتية أخرى لمحمد السنعوسي مثل فيلم «العاصفة» ومشاركته في إنتاج فيلم «الرسالة» مع المرحوم مصطفى العقاد بنسختين، إنجليزية وعربية.

آفاق جديدة
هل يمكن أن نعول على التطورات الجارية في السعودية والانفتاح على الفنون لتطوير صناعة سينما خليجية ناهضة؟ وكما أشرنا، فإن من عناصر النجاح توافر دور العرض المناسبة، وقد انتشرت هذه الدور الحديثة في الكويت والبحرين وقطر والإمارات، حيث لا يخلو أي مجمع تجاري ضخم من عدد من دور السينما. وعندما تقوم السعودية بالانفتاح على السينما وتنشئ دور السينما في العديد من المدن وهي البلاد التي تضم 30 مليوناً من البشر، سعوديين ووافدين، فإن ذلك يؤشر لإمكانات النجاح. وقد يتمكن المنتجون من الشروع بأخذ المخاطر المحسوبة وإنتاج عدد من الأفلام التي تتعرض لقضايا خليجية اجتماعية، وغيرها. لابد من توفير الأطر الإنتاجية المناسبة، مثل شركات إنتاج برؤوس أموال ملائمة، كما يجب أن تسعى البنوك لدراسة عدد من هذه المشاريع السينمائية وبحث إمكانات توفير التمويل المناسب. من جانب آخر قد يكون من المفيد أن تتمكن بلدان المنطقة من توفير أدوات التمويل والدعم لفترة زمنية معينة أو الدخول في شراكات مع القطاع الخاص وتأسيس شركات إنتاج ذات إمكانات مناسبة.

آليات مفيدة
ربما هناك عدد من المبدعين في مجال السينما في بلدان الخليج، ومنهم من برز خلال سنوات العقدين الماضيين في السعودية والبحرين والإمارات وقطر وعمان والكويت. يمكن أن نذكر من هؤلاء بسام الذواوي من البحرين، وعبدالله بوشهري ووليد العوضي من الكويت، وهيفاء المنصور من السعودية، وغيرهم. كما أن المهرجانات التي أصبحت دورية، مثل مهرجان دبي السينمائي، تمثل نقلة نوعية في الاهتمام بالسينما بما يتيح عرضاً لأعمال سينمائية خليجية، وهذا يساهم في تعزيز عمليات الإنتاج وإثارة التحديات المهنية بين العاملين في هذا المجال. المهرجانات السينمائية العربية سواء مهرجان القاهرة أو دبي أو الإسكندرية وغيرها في بلدان عربية تعرض أفلاماً عربية وأجنبية، وذلك من الأمور الطبيعية، حيث يفترض أن يتمكن الفنانون والمهتمون من التعرف على الأعمال الجديدة مهما كانت مصادرها للتعلم والتمتع في آن. لكن يجب أن نولي هذه المهرجانات اهتماماً خاصاً بالإنتاجات العربية، والخليجية بشكل محدد، من أجل زيادة الوعي وإتاحة الفرص أمام الضيوف من عرب وأجانب لتحديد معالم التطور أو نواحي القصور في هذه الأعمال السينمائية. ومعلوم أن هذه المهرجانات يجب أن توفر منصات للحوار والبحث الثقافي ونقد الأعمال سواء ما يتعلق بالإخراج أو التمثيل أو السيناريو أو التصوير وغيرها من مواضيع ذات صلة.
إن تصور أن يتمتع فيلم عربي بإيرادات مهمة كما يحصل لأفلام هوليوود يظل من الخيال، لكن إمكان تحسين الإيرادات من خلال آليات تسويقية عصرية يجب أن يكون قيد الاعتبار. حقق فيلم «الخلية» أعلى الإيرادات بين الأفلام المصرية التي عرضت في عام 2017، حيث بلغت تلك الإيرادات 53.9 مليون جنيه مصري، أو ما يعادل 3.2 ملايين دولار. لابد أن هذه الإيرادات لا تقارن بإيرادات أي فيلم أمريكي يعتبر من أعلى عشرة أفلام حظيت بإقبال مهم خلال عام 2017. وتمكن فيلم «Domestic» وترتيبه العاشر من جني 219.4 مليون دولار، في حين تمكن فيلم «Beauty and the Beast»، أو الجملية والوحش، من تحقيق إيرادات قيمتها 1.26 مليار دولار. غني عن البيان أن هناك فروقات مهمة بين أسواق السينما الأمريكية وأسواق السينما المصرية، كما أن التفوق في توظيف أدوات عديدة للعرض مثل اليوتيوب أو الأقراص المدمجة ودور العرض العالمية والمحلية يمنح السينما الأمريكية قدرات مهمة للحصول على إيرادات مهمة. هذا فضلاً عن التمتع بشعبية واسعة للممثلين في السينما الأمريكية. ما يمكن أن يسعى له العاملون في السينما العربية هو اكتشاف آليات وأدوات جديدة تعينهم على الإنتاج والتسويق وإدارة العاملين في السينما، وخصوصا النجوم الكبار الذين يتقاضون أجوراً خيالية وميزات لا تعد ولا تحصى، ثم هناك الإمكانات لضبط العلاقات بين صناع السينما في مختلف البلدان العربية، خصوصاً بين الخليجيين والمصريين واللبنانيين والسوريين من أجل العمل على الاستفادة من الميزات النسبية التي يتمتع بها كل طرف في جهود مشتركة. أي أن هناك إمكانات للإنتاج المشترك كما حصل بين صناع السينما في المغرب ولبنان وتونس مع الفرنسيين، بما أدى إلى إنتاج أفلام متميزة إلى حد ما.
جانب التكاليف والإيرادات مهم جدا في صناعة السينما، لكن تبقى هناك جوانب أخرى مثل القضايا التي يتم التطرق لها والسيناريوهات وكتابها ومسائل الرقابة الحكومية والمواقف المجتمعية ومنظمات القيم. تظل تلك الجوانب من محددات ومعوقات الإنتاج السينمائي لكن تظل هناك إرادة المبدعين وقدرتهم على إقناع السلطات والتيارات المجتمعية بأهمية أعمالهم ودورها في تعزيز الوعي والإصلاح. ويمكن لصناع السينما في منطقة الخليج أن يوظفوا عديداً من الأعمال الروائية والتي أبدع فيها الكتاب والشباب في هذه المنطقة من العالم خلال السنوات المنصرمة. عديد من تلك الروايات تطرق لقضايا وأحداث برزت في التاريخ المعاصر في بلدان المنطقة. وهناك أعمال يمكن أن تتحول إلى أفلام عابرة للحدود العربية وقد سمح بمشاركة عاملين في السينما من مختلف البلدان العربية بما يمكن من التلاقح بين خبرات وإبداعات الممثلين والمخرجين وكتاب السيناريو. إن صناعة السينما قد تكون من أصعب الصناعات وقد تكون مخاطرها الاقتصادية عالية، ولكنها أصبحت ضرورية وأساسية في مختلف المجتمعات الإنسانية وإن تبدلت أدواتها وآلياتها■