أرقام محمود المراغي

أرقام

بئر التسليح
العالم لعبته السلاح، فمنذ أن أصبح التسليح تجارة وصناعة، ومنذ أن أصبح عائده جزءا مهما من اقتصاديات الدول.. يضيف لها ويحذف.. منذ ذلك الوقت صار الخلط شديدا بين التجارة والسياسة.. وبين السياسة والحرب، ولم يعد معروفا في كل حالة: هل استدعت الحروب زيادة استهلاك السلاح.. أم أن استهلاك. السلاح، كهدف للصناع والتجار.. المنتجين والسماسرة، هو الذي يقف وراء الحروب؟

في كل الأحوال، فقد نمت تجارة السلاح، وأصبحت المعاهد العلمية معنية برصد اتجاهاتها، وتوقفت هذه المعاهد أمام العالم الثالث، ذلك الذي يعاني من الفقر والعوز.

في إحصاءات أخيرة لمعهد سيبرى (ستكهولم) ورد أن واردات العالم الثالث من السلاح قد قفزت لأكثر من ستة عشر ضعفا بين عامي (1950) و (1990) كانت هذه الواردات (مقومة بأسعار عام 90): (8) مليارات دولار في الفترة الواقعة بين (1950- 1955).. ولكن في نهاية فترة الدراسة (86- 90) أصبح الرقم (131) مليار دولار.

داخل المجموعة نجد القفزات واضحة: الشرق الأقصى إلى سبعة أضعاف ما كان عليه الاستيراد في الفترة الأولى.. جنوب آسيا إلى نحو ثلاثين ضعفا.. أما الشرق الأوسط فقد نمت وارداته من (1.4) مليار دولار في الفترة الأولى إلى (50.6) مليار دولار في الفترة الأخيرة. فإذا أضيف له الشمال الإفريقي فإن الرقم الأول لا يتحرك كثيرا.. بينما يفوق الرقم الثاني إلى (55) مليار دولار.

الأرقام، وفي ظروف دول فقيرة في طور النمو تستلفت النظر.. وتطرح السؤال: من أين.. وإلى أين.. ولماذا؟

السبعة الكبار

في سوق السلاح سبعة كبار، خمسة منهم هم أصحاب المقاعد الدائمة في مجلس الأمن.

وفي سوق السلاح، وبينما دخلت الصين في النصف الثاني من حقبة السبعينيات فإن دولا أربعا كان لها السبق منذ الخمسينيات وهي بالترتيب- في ذلك الوقت- بريطانيا، ثم فرنسا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية، ثم الاتحاد السوفييتي.

تلك كانت البداية، ولكن بدراسة التدفقات الواردة للشرق الأوسط وطوال الفترة (40 عاما) نجد أن نصيب الأسد قد حظيت به دولتان وبأهمية نسبية متقاربة: الولايات المتحدة والتي باعت لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحوالي (96) مليار دولار.. بينما باع الاتحاد السوفييتي بـ (114) مليار دولار.. أي أن دولتين فقط احتكرتا 84%. من سوق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مدار الأربعين عاما.

السباق بدا واضحا بين موسكو وواشنطن، وبينما كانت الفترة الذهبية للأخيرة 76- 80 (29 مليار دولار) كانت هي نفسها الفترة الذهبية لموسكو أيضا، حيث باعت بما قيمته (28) مليار دولار، واحتفظت بالمعدل نفسه في السنوات الخمس التالية أيضا. وبينما كانت بريطانيا على رأس موردي الأسلحة في بداية الخمسينيات، أصبحت في النصف الثاني من الثمانينيات في المرتبة الخامسة بعد: الاتحاد السوفييتي، الولايات المتحدة، فرنسا، والصين.

الشرق الأوسط وقراءة ثانية

بقراءة عكسية للأرقام نستطيع أن ندرك مغزى ما يجري في الشرق الأوسط. كانت السبعينيات بداية الطفرة، وكانت الثمانينيات شيئا آخر اكتظت فيه الترسانات بالأسلحة.

كانت مشتريات المنطقة (70- 75): (52) مليار دولار، فأصبحت في السنوات الخمس التالية: (72) مليار دولار، ثم قفزت إلى ثمانين مليارا (80- 85)، وعادت فتراجعت في السنوات الخمس التالية (للشرق الأوسط وشمال إفريقيا) إلى (55) مليار دولار.

يعكس ذلك واقع ما جرى على الساحتين السياسية والاقتصادية.. ففي النصف الأول من السبعينيات حدثت المواجهة العربية- الإسرائيلية من خلال حرب أكتوبر التي فتحت مخزني السلاح: الأمريكي والسوفييتي على مصراعيهما.. أيضا، وخلال هذه الفترة ارتفعت أسعار النفط إلى أربعة أضعافها مما أغرى العديد من الدول لتبني قوة دفاعية، كما أغرى الكثير من موردي الأسلحة لاستخدام عوائد النفط في عمليات تصدير السلاح للمنطقة. قفز العنصران بكمية ونوعية السلاح المصدر إلى المنطقة، واستمر التصاعد حتى بلغ أوجه في النصف الأول من الثمانينيات حيث دارت رحى حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، وحيث ساد التوتر في المنطقة بأسرها.

في هذه الفترة تبادلت المنطقتان (الخليج- وشمال إفريقيا) الأهمية، فأخذت الأولى مجال السبق وأصبحت نسبة النمو فيها في مجال شراء الأسلحة أكثر من الشمال الإفريقي بعد أن كان الوضع عكسيا في الفترة السابقة (76-80). و.. تمر السنوات وتتبدل الظروف السياسية وتتوقف حرب الخليج الأولى، فيترك ذلك انعكاسه على تدفق السلاح الذي تراجع بعض الشيء.. ولكن، إلى حين، فقد نشبت حرب الخليج الثانية (العراق- الكويت) وأصبح التصاعد منطقيا، حتى أن طلبات الأسلحة بين أغسطس (90) ويوليو (92)، أي خلال عامين، قد تراوحت- في بعض التقديرات ما بين (35- 45) مليار دولار، كما بلغت التعاقدات الأمريكية مع دول المنطقة خلال هذين العامين: (17) مليار دولار، إنها الحرب، بما تتركه من آثار.

الخطر الثالث

يلفت النظر أن نمو تجارة السلاح قد ارتبط بنمو الأخطار. في البداية: كانت إسرائيل هي الخطر الرئيسي، بعدها- وفي الثمانينيات- أصبحت إيران.. ولكن، ما أن جاء أغسطس 1990 حتى أصبح واضحا أن الخطر الإقليمي قد يكون له مصدر آخر مثلما جرى بين العراق والكويت.

بطبيعة الحال، فقد شهدت هذه السنوات (50- 90) بؤر صراع أخرى. كانت هناك الحرب اللبنانية- الإسرائيلية.. والحرب اللبنانية- اللبنانية، وصراع الصحراء الكبرى في الشمال الإفريقي، وحرب ليبيا في تشاد، والصراع في جنوب السودان.. و.. أخيراً في الصومال.

السلاح يتدفق، والسؤال: أين يقع ذلك التدفق على خريطة الأمن القومي العربي؟

الواضح أن تدفق السلاح ليس مرادفا لتحقيق الأمن القومي.. فما زال ذلك الأمن مهددا، وما زال التوتر سائدا، وما زالت قضية الاستقلال تحيط بها الأخطار. هل هو إنفاق بلا عائد؟.. بئر بلا قرار؟.

الأمر أكثر تعقيدا، وقضيـة الأمن أكثر اتساعا، وشمولا.

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




الدبابة ابرامز (م 1 أ2) الأمريكية ارتفعت مبيعاتها بعد أن أثبتت وجودها أثناء حرب تحرير الكويت