جزيرة سنقنيب المرجانية درة على خاصرة البحر الأحمر

جزيرة سنقنيب المرجانية  درة على خاصرة البحر الأحمر

عالم البحار مثير، مدهش، ومرعب، لكنه في كل الأحوال مدعاة للتأمل والتفكر في عظمة الخالق، وفيه ما ينفرد به البحر الأحمر - الذي انشق منذ ملايين السنين وسماه القدامى  ببحر «الفرما» أو «القلزم» - من خصوصية وأهمية، نظراً لموقعه الجيوسياسي، وكممر مائي خطير يربط الشرق بالغرب، وثرائه الضخم بالأحياء المائية من الشعاب المرجانية، والحدائق والمتنزهات البحرية المتنوعة تنوعاً بالغ الإثارة والروعة والإدهاش، أجلّه ما يجده الزائر في جزيرة المرجان «سنقنيب»، التي  أُعلن ضمها  أخيراً مع خليج دونقناب إلى قائمة التراث العالمي، مما يعزز قيمتيهما العالية والعالمية، ومدى أهميتهما في حياة الناس على مدى التاريخ الإنساني.

مثلما‭ ‬أوجد‭ ‬الله‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬وزينها‭ ‬لخلقه،‭ ‬طبعه‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬وزانها‭ ‬به،‭ ‬وكذلك‭ ‬دسه‭ ‬في‭ ‬البحار‭ ‬فغدت‭ ‬زينة‭ ‬لمرتاديها،‭ ‬ومتعة‭ ‬للناظرين،‭ ‬ومدعاة‭ ‬للاستغراق‭ ‬في‭ ‬التأمل،‭ ‬وراحة‭ ‬للنفس‭ ‬من‭ ‬رهق‭ ‬التطلع‭ ‬في‭ ‬القبح‭.‬

وطبيعي‭ ‬جداً‭ ‬أن‭ ‬نتبصر‭ ‬هذا‭ ‬الوجود‭ ‬الفريد‭ ‬في‭ ‬مخلوق‭ ‬من‭ ‬مخلوقات‭ ‬الله‭ ‬المتحركة‭ ‬والساكنة،‭ ‬أو‭ ‬نتلمسه‭ ‬في‭ ‬مناظر‭ ‬الطبيعة‭ ‬الخلابة‭ ‬الساحرة،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬لوحة‭ ‬من‭ ‬اللوحات‭ ‬الجمالية‭ ‬الباهرة،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬طبيعي‭ ‬ونادر‭ ‬وإعجاز‭ ‬إلهي‭ ‬بحق،‭ ‬أن‭ ‬يتنامى‭ ‬الجمال‭ ‬ويزدهر‭ ‬بشتى‭ ‬صوره‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬مياه‭ ‬البحر،‭ ‬لا‭ ‬تبطش‭ ‬به‭ ‬الأمواج‭ ‬العاتية‭ ‬المجنونة،‭ ‬ولا‭ ‬تذوبه‭ ‬تيارات‭ ‬المياه‭ ‬المتكسرة‭ ‬صعوداً‭ ‬وهبوطاً،‭ ‬ولا‭ ‬تعبث‭ ‬به‭ ‬يد‭ ‬الزمان‭ ‬وإن‭ ‬طالت،‭ ‬فهذه‭ ‬هي‭ ‬المعجزة‭. ‬

وهذا‭ ‬يتحقق‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬أبحر‭ ‬ورسا‭ ‬يتأمل‭ ‬الدرة‭ ‬التي‭ ‬يحتضنها‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬على‭ ‬خاصرته‭ ‬اليسرى‭ (‬الغربية‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬حقيقتها‭ ‬جزيرة‭ ‬سنقنيب‭ ‬المرجانية،‭ ‬إحدى‭ ‬الهبات‭ ‬الإلهية‭ ‬التي‭ ‬تباهي‭ ‬بها‭ ‬ولاية‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬بل‭ ‬السودان‭ ‬كله‭. ‬فهي‭ ‬غابة‭ ‬بحرية‭ ‬من‭ ‬السحر‭ ‬والجاذبية،‭ ‬يلمسها‭ ‬الزائر‭ ‬للوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬عندما‭ ‬يقف‭ ‬ناظراً‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬سطح‭ ‬هيكلها‭ ‬المرجاني،‭ ‬حينما‭ ‬يستحيل‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يراها‭ ‬في‭ ‬الأعماق،‭ ‬ولكن‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬له‭ ‬ذلك،‭ ‬يدرك‭ ‬أنها‭ ‬جنة‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬فالذين‭ ‬غاصوا‭ ‬في‭ ‬أعماقها‭ ‬وعادوا‭ ‬إلينا‭ ‬بمكنوزاتها‭ ‬المعبأة‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬تصويرية،‭ ‬أكدوا‭ ‬أنهم‭ ‬رأوا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تراه‭ ‬الأعين،‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬يخطر‭ ‬على‭ ‬بالٍ،‭ ‬وأثبتوا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الجوف‭ ‬أجمل‭ ‬وأروع‭ ‬مما‭ ‬يدركه‭ ‬خيال‭ ‬المرء،‭ ‬لكونه‭ ‬عالماً‭ ‬من‭ ‬الأحياء‭ ‬البحرية،‭ ‬يتسم‭ ‬بالتباين‭ ‬والحيوية‭ ‬والإثارة،‭ ‬وبالفرادة‭ ‬الجمالية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬لها‭ ‬ضريب‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬البسيطة‭. ‬

ولا‭ ‬غرو‭ ‬إن‭ ‬كتب‭ ‬د‭. ‬جاري‭ ‬ديفز‭ ‬الخبير‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المتنزهات‭ ‬البحرية،‭ ‬والموفد‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الفائت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الدولي‭ ‬لحفظ‭ ‬الطبيعة‭ ‬والموارد‭ ‬الطبيعية‭ (‬IUCN‭) - ‬لدعم‭ ‬مشروع‭ ‬متنزه‭ ‬سنقنيب‭ ‬البحري،‭ ‬تقريراً‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬نهايته‭:‬‭ ‬‮«‬ستكون‭ ‬جزيرة‭ ‬سنقنيب‭ ‬منطقة‭ ‬يود‭ ‬كل‭ ‬الناس‭ ‬زيارتها‭ ‬والتمتع‭ ‬بها‭ ‬كمثال‭ ‬نادر‭ ‬لجمال‭ ‬الطبيعة‭ ‬وروعتها،‭ ‬حيث‭ ‬يتعلمون‭ ‬كيف‭ ‬يعمل‭ ‬النظام‭ ‬البيئي‭ ‬للشعاب‭ ‬المرجانية‮»‬‭. ‬

وبالطبع‭ ‬ما‭ ‬تراه‭ ‬أعين‭ ‬العلماء‭ ‬والخبراء‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬العوالم‭ ‬ليس‭ ‬كما‭ ‬تراه‭ ‬أعيننا‭. ‬

ومن‭ ‬مقتضى‭ ‬الواقع،‭ ‬وضعت‭ ‬لجنة‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭ ‬التابعة‭ ‬لمنظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتربية‭ ‬والعلم‭ ‬والثقافة‭ (‬يونيسكو‭) ‬يدها‭ ‬عليها‭ ‬مع‭ ‬خليج‭ ‬دونقناب،‭ ‬وضمتهما‭ ‬معاً‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬التراث‭ ‬العالمي،‭ ‬لكونهما‭ ‬ذوا‭ ‬قيمة‭ ‬عالمية‭ ‬استثنائية‭ ‬باذخة‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬حمايتها‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭. ‬

‭ ‬

موقع‭ ‬واسم‭ ‬سنقنيب‭ ‬

جزيرة‭ ‬سنقنيب‭ ‬التي‭ ‬تسنى‭ ‬لي‭ ‬زيارتها‭ ‬مرات‭ ‬عدة،‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬يتبادر‭ ‬إلى‭ ‬الذهن‭ ‬وأنت‭ ‬تسمع‭ ‬اسمها،‭ ‬أن‭ ‬اسماً‭ ‬غريباً‭ ‬يطرق‭ ‬مسامعك،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬أجنبياً،‭ ‬لجزيرة‭ ‬ترابية‭ ‬اتخذت‭ ‬من‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬موقعاً‭ ‬قريباً‭ ‬أو‭ ‬التصقت‭ ‬به،‭ ‬تحفها‭ ‬الخضرة‭ ‬وحدائق‭ ‬الأزهار‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جانب،‭ ‬وذات‭ ‬ألق‭ ‬سياحي‭ ‬غني‭ ‬بالرفاهية،‭ ‬مما‭ ‬يستدعي‭ ‬زيارتها‭ ‬والوقوف‭ ‬على‭ ‬سحرها‭. ‬

ولكن‭ ‬حالما‭ ‬أعددنا‭ ‬العدة‭ ‬لزيارتها‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬سانحة،‭ ‬انطُمس‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عالقاً‭ ‬في‭ ‬مخيلتنا،‭ ‬وأدركنا‭ ‬أننا‭ ‬موعودون‭ ‬بمغامرة‭ ‬من‭ ‬المغامرات‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بالخيال‭ ‬أو‭ ‬أحلام‭ ‬اليقظة‭... ‬رحلة‭ ‬مغايرة‭ ‬لغيرها‭ ‬من‭ ‬الرحلات‭ ‬قاطبة،‭ ‬لمنطقة‭ ‬غير‭ ‬ذات‭ ‬زرع،‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬وطئتها‭ ‬الأقدام‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض‭... ‬رحلة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬لمنطقة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬فريد،‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬فيها‭ ‬غريب‭ ‬وعجيب،‭ ‬وله‭ ‬خواص‭ ‬معينة،‭ ‬لا‭ ‬تظفر‭ ‬بالوصول‭ ‬إليها‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬محظوظاً‭ ‬أو‭ ‬لديك‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬ما‭ ‬يحقق‭ ‬مبتغاك،‭ ‬لاسيما‭ ‬وهي‭ ‬جزيرة‭ ‬من‭ ‬المرجان‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬المياه‭ ‬الإقليمية‭ ‬السودانية،‭ ‬تقبع‭ ‬بالكاد‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الساحل‭ ‬الغربي‭ ‬للبحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬سبعة‭ ‬وعشرين‭ ‬كيلومتراً‭ ‬شمال‭ ‬شرق‭ ‬مدينة‭ ‬بورتسودان،‭ ‬بين‭ ‬خطي‭ ‬طول‭ ‬37‭.‬26‭ ‬درجة‭ ‬شرقاً،‭ ‬وعرض‭ ‬19‭.‬42‭ ‬شمالاً،‭ ‬وهي‭ ‬جنوب‭ ‬غرب‭ ‬مدينة‭ ‬جدة‭ ‬السعودية،‭ ‬وتبعد‭ ‬عنها‭ ‬حوالي‭ ‬مائة‭ ‬وأربعين‭ ‬كيلومتراً،‭ ‬ويبلغ‭ ‬طول‭ ‬الجزيرة‭ ‬الكلي‭ ‬نحو‭ ‬ستة‭ ‬كيلومترات‭ ‬من‭ ‬الشمال‭ ‬للجنوب،‭ ‬فيما‭ ‬يصل‭ ‬عرضها‭ ‬إلى‭ ‬كيلومترين‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬للغرب،‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬وسماً‭ ‬وضيئاً‭ ‬لعالم‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭.‬

أما‭ ‬اسمها‭ ‬فلا‭ ‬هو‭ ‬عربي،‭ ‬ولا‭ ‬أجنبي،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬عامية‭ ‬أهل‭ ‬السودان‭ ‬حتى،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬اسم‭ ‬بيجاوي‭ ‬قح،‭ ‬ولأهل‭ ‬البجا‭ ‬لغتهم‭ ‬الخاصة،‭ ‬وهي‭ ‬لغة‭ ‬موغلة‭ ‬في‭ ‬القِدم‭ ‬وضاربة‭ ‬الجذور،‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يتحدثون‭ ‬ويهتمون‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭. ‬

وذكر‭ ‬لي‭ ‬المؤرخ‭ ‬البيجاوي‭ ‬جعفر‭ ‬بامكار‭ ‬أن‭ ‬‮«‬اسم‭ ‬سنقنيب‭ ‬ينسب‭ ‬إلى‭ ‬شجرة‭ ‬تسمى‭ ‬بالبيجاوية‭ ‬سنغانبي،‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬مدينتي‭ ‬سنكات‭ ‬وجبيت‭ ‬الجبليتين‭ ‬الواقعتين‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬كيلومتر‭ ‬جنوب‭ ‬مدينة‭ ‬بورتسودان،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬تكوينها‭ ‬تشبه‭ ‬الشعاب‭ ‬المرجانية،‭ ‬فمن‭ ‬هذا‭ ‬التكوين‭ ‬جاء‭ ‬الاسم،‭ ‬وبعد‭ ‬تحريفه‭ ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬الجزيرة،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التسمية‭ ‬تمت‭ ‬إبان‭ ‬العهد‭ ‬التركي‮»‬‭.‬

 

الطريق‭ ‬إلى‭ ‬سنقنيب

الطريق‭ ‬إلى‭ ‬جزيرة‭ ‬سنقنيب‭ ‬في‭ ‬ظاهره‭ ‬مفتوح‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يستغل‭ ‬وسيلة‭ ‬نقل‭ ‬بحرية،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬باطنه‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬والضوابط‭ ‬التي‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إليها،‭ ‬لكن‭ ‬إذا‭ ‬اتبع‭ ‬الزائر‭ ‬الإجراءات‭ ‬الرسمية،‭ ‬فهو‭ ‬ليس‭ ‬صعباً‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬السهولة،‭ ‬وهو‭ ‬طريق‭ ‬واحد‭ ‬متعارف‭ ‬عليه‭ ‬رسمياً‭ ‬منذ‭ ‬أمد‭ ‬بعيد‭. ‬

وفي‭ ‬العادة‭ ‬يبدأ‭ ‬الإبحار‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬ميناء‭ ‬بورتسودان،‭ ‬إما‭ ‬بواسطة‭ ‬الجرار‭ (‬الطـق‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬ظلت‭ ‬تسيره‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬الإدارة‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬الموانئ‭ ‬كل‭ ‬أسبوعين‭ ‬لتغيير‭ ‬العاملين‭ ‬بالفنار‭ ‬من‭ ‬فنيين‭ ‬وشرطة‭ ‬حراسة‭ ‬وخلافه،‭ ‬وتزويدهم‭ ‬بالمياه‭ ‬العذبة‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬اليومية‭ ‬والضرورية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يتيح‭ ‬الفرصة‭ ‬للمحظوظين‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الولاية‭ ‬وغيرهم‭ ‬لزيارتها‭ ‬بعد‭ ‬استخراج‭ ‬التصريح‭ ‬من‭ ‬سلطات‭ ‬البحرية‭ ‬الملكية‭ ‬مجاناً‭ ‬خدمة‭ ‬للناس،‭ ‬وإما‭ ‬باستئجار‭ ‬اليخوت‭ ‬والزوارق‭ ‬الخاصة‭ ‬بعد‭ ‬استخراج‭ ‬التصاريح‭ ‬التي‭ ‬تخول‭ ‬زيارتها‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬السياحة‭ ‬بولاية‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬وهذا‭ ‬الإجراء‭ ‬روتيني‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬السوداني‭ ‬والأجنبي‭ ‬معاً‭ ‬من‭ ‬هواة‭ ‬السياحة‭ ‬البحرية،‭ ‬ورياضة‭ ‬الغوص‭ ‬تحت‭ ‬الماء‭. ‬

ودائماً‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬الإبحار‭ ‬بالجرار‭ ‬إلى‭ ‬الجزيرة‭ ‬قبل‭ ‬العاشرة‭ ‬صباحاً،‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬العاملون‭ ‬في‭ ‬الفنار‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬أدوارهم‭ ‬العملية‭ ‬وأعمال‭ ‬الصيانة‭ ‬بتؤدة،‭ ‬ولتحقيق‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬الاستمتاع‭ ‬للزوار‭ ‬من‭ ‬الجنسين،‭ ‬صغاراً‭ ‬وكباراً،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعودوا‭ ‬أدراجهم‭ ‬عند‭ ‬مغيب‭ ‬الشمس‭. ‬علماً‭ ‬بأن‭ ‬الرحلة‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الجرار‭ ‬في‭ ‬حقيقتها‭ ‬ليست‭ ‬بالأمر‭ ‬الشاق،‭ ‬وليس‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬أهوال‭ ‬وشدائد‭ ‬البحر‭ ‬ما‭ ‬يخيف‭ ‬المرء،‭ ‬ولكن‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬مصحوبة‭ ‬بالدوار‭ ‬البحري‭ ‬والغثيان،‭ ‬وشيء‭ ‬من‭ ‬الوجل‭ ‬لغير‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬ركوب‭ ‬البحر،‭ ‬أو‭ ‬المصابين‭ ‬بفوبيا‭ ‬البحـار،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬رسخ‭ ‬في‭ ‬أذهانهم‭ ‬مثلي‭ ‬قول‭ ‬ابن‭ ‬الرومي‭ ‬‮«‬لا‭ ‬أركب‭ ‬البحر‭ ‬إني‭ ‬أخاف‭ ‬منه‭ ‬المعاطب‮»‬‭. ‬

عدا‭ ‬هذا‭ ‬فلا‭ ‬شيء‭ ‬يقلق‭ ‬الزائر،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬البحر‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬حالته‭ ‬سكوناً‭ ‬ونعومة،‭ ‬حيث‭ ‬يبدأ‭ ‬الجرار‭ ‬يمخر‭ ‬عباب‭ ‬المياه،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬يبتعد‭ ‬عن‭ ‬رصيف‭ ‬الميناء‭ ‬بأميال‭ ‬عدة،‭ ‬يمكن‭ ‬للناظر‭ ‬أن‭ ‬يشاهد‭ ‬فنار‭ ‬سنقنيب‭ ‬الشهير‭ ‬يلمع‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬كمقذوف‭ ‬بحري‭ ‬صغير‭ ‬منطلقاً‭ ‬من‭ ‬أعماق‭ ‬البحر،‭ ‬ثم‭ ‬يبدأ‭ ‬يكبر‭ ‬رويداً‭ ‬رويداً‭ ‬كلما‭ ‬قصرت‭ ‬المسافة،‭ ‬كأنه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يعانق‭ ‬السماء‭.‬

‭ ‬وإذا‭ ‬صار‭ ‬الجرار‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬عشرات‭ ‬الأمتار‭ ‬من‭ ‬الموقع‭ ‬يتبدى‭ ‬الفنار‭ ‬في‭ ‬صورته‭ ‬الحقيقية،‭ ‬ويتراءى‭ ‬للجميع‭ ‬بياض‭ ‬سطح‭ ‬الجزيرة‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬حقول‭ ‬القطن‭ ‬تنتظر‭ ‬حصادها‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬المياه‭ ‬الزرقاء،‭ ‬وكلما‭ ‬كانت‭ ‬التيارات‭ ‬المائية‭ ‬ساكنة،‭ ‬والشمس‭ ‬أكثر‭ ‬سطوعاً،‭ ‬بدت‭ ‬تلك‭ ‬الحقول‭ ‬أكثر‭ ‬نصاعة‭ ‬وإبهاراً،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬يعرقل‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الرحلات‭ ‬إلا‭ ‬سوء‭ ‬الأحوال‭ ‬الجوية،‭ ‬واضطراب‭ ‬أمواج‭ ‬البحر‭. ‬

 

فنار‭ ‬سنقنيب

فنار‭ ‬سنقنيب‭ ‬الذي‭ ‬وصفه‭ ‬الشاعر‭ ‬النور‭ ‬عثمان‭ ‬أبكر‭ ‬في‭ ‬قصيدته‭ ‬صحو‭ ‬الكلمات‭ ‬المنسية‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬مصباح‭ ‬اللؤلؤ‮»‬‭ ‬يعد‭ ‬معلماً‭ ‬بارزاً‭ ‬من‭ ‬معالم‭ ‬السودان‭ ‬البحرية‭. 

فعندما‭ ‬تم‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬تشييد‭ ‬ميناء‭ ‬بورتسودان‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬دعت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬فنار‭ ‬يرشد‭ ‬ويوجه‭ ‬السفن‭ ‬المتجهة‭ ‬من‭ ‬وإلى‭ ‬الميناء‭ ‬ضماناً‭ ‬لسلامتها‭ ‬من‭ ‬الارتطام‭ ‬بالصخور‭ ‬المرجانية،‭ ‬وبعد‭ ‬دراسات‭ ‬مستفيضة‭ ‬اختيرت‭ ‬جزيرة‭ ‬سنقنيب‭ ‬المرجانية‭ ‬كأنسب‭ ‬موقع‭ ‬لتشييده‭. ‬

وفي‭ ‬العام‭ ‬1897‭ ‬تم‭ ‬بناء‭ ‬منصة‭ ‬أو‭ ‬رصيف‭ ‬من‭ ‬الأسمنت‭ ‬والخرسانة‭ ‬بمساحة‭ ‬ثمانمائة‭ ‬متر‭ ‬مربع،‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الشعاب‭ ‬المرجانية،‭ ‬وشُيد‭ ‬عليها‭ ‬برج‭ ‬الفنار‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬أسطواني‭ ‬بارتفاع‭ ‬بلغ‭ ‬طوله‭ ‬165‭ ‬قدماً،‭ ‬وفي‭ ‬أعلى‭ ‬قمته‭ ‬مصباح‭ ‬تنبعث‭ ‬منه‭ ‬ومضات‭ ‬ضوئية‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬كل‭ ‬5‭ ‬ثوانٍ‭ ‬ومضة‭ ‬يصل‭ ‬مداها‭ ‬إلى‭ ‬19‭ ‬ميلاً‭ ‬لتكون‭ ‬دليلاً‭ ‬تحذيرياً‭ ‬خِيراً‭ ‬لإرشاد‭ ‬السفن‭. ‬

وكان‭ ‬في‭ ‬البدء‭ ‬يتم‭ ‬إنارة‭ ‬الفنار‭ ‬ليلاً‭ ‬بالكيروسين‭ (‬الجاز‭ ‬الأبيض‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬الطاقة‭ ‬الحديثة‭ ‬والمولدات‭ ‬الكهربائية،‭ ‬عملت‭ ‬إدارة‭ ‬هيئة‭ ‬الموانئ‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬على‭ ‬كهربة‭ ‬نظام‭ ‬التشغيل‭ ‬والإنارة،‭ ‬وتم‭ ‬أخيراً‭ ‬تزويد‭ ‬المحطة‭ ‬بوسائل‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬لاستخدامها‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬دعت‭ ‬الضرورة‭. ‬

ولأن‭ ‬الفنار‭ ‬كان‭ ‬ولايزال‭ ‬يعمل‭ ‬بالطاقة‭ ‬البشرية،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تشييد‭ ‬غرف‭ ‬للعاملين‭ ‬فيه‭ ‬ومعمل‭ ‬حقلي‭ ‬لطلاب‭ ‬علوم‭ ‬البحار،‭ ‬واستراحات‭ ‬لاستقبال‭ ‬زوار‭ ‬الجزيرة،‭ ‬ثم‭ ‬ألحق‭ ‬المبنى‭ ‬بسقالتين‭ ‬من‭ ‬الخشب‭ ‬على‭ ‬جانبي‭ ‬المنصة،‭ ‬إحداهما‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الشرقية‭ ‬بطول‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬ثمانين‭ ‬متراً‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬البحيرة،‭ ‬تقابلها‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الغربية‭ ‬بالطول‭ ‬ذاته‭ ‬تقريباً،‭ ‬وتوصل‭ ‬إلى‭ ‬المياه‭ ‬العميقة،‭ ‬أما‭ ‬عرضهما‭ ‬فيبلغ‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬لمرور‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشخاص‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬واحد‭. ‬

وقد‭ ‬ساهم‭ ‬الفنار‭ ‬الذي‭ ‬اشترك‭ ‬في‭ ‬بنائه‭ ‬الأتراك‭ ‬في‭ ‬شهرة‭ ‬هذه‭ ‬الجزيرة‭ ‬المرجانية‭ ‬الساحرة‭ ‬كشاهد‭ ‬من‭ ‬شواهد‭ ‬الهندسة‭ ‬المعمارية‭ ‬في‭ ‬السودان‭.‬

 

حدائق‭ ‬الأسماك

بعدما‭ ‬يرسو‭ ‬الجرار‭ (‬الطق‭) ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الشرقية،‭ ‬فأول‭ ‬ما‭ ‬يسترعي‭ ‬انتباه‭ ‬الزائر‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬مفصول‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬الأرض،‭ ‬وأن‭ ‬زرقة‭ ‬المياه‭  ‬تلتحم‭  ‬بزرقة‭ ‬السماء،‭ ‬لا‭ ‬يفصل‭ ‬بينهما‭ ‬سوى‭ ‬خيط‭ ‬رفيع‭ ‬أوهى‭ ‬من‭ ‬خيط‭ ‬بيت‭ ‬العنكبوت،‭ ‬وأنه‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬خشبة‭ ‬مسرح‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬محدودة‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬البحر،‭ ‬مكشوفاً‭ ‬لا‭ ‬يغطيه‭ ‬سقف،‭ ‬ولا‭ ‬تحده‭ ‬حواجز،‭ ‬مما‭ ‬يضفي‭ ‬على‭ ‬المكان‭ ‬سحراً‭ ‬وروعة‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يلفت‭ ‬نظر‭ ‬الزائر‭ ‬إلى‭ ‬سنقنيب‭ ‬عندما‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬السقالة‭ ‬أو‭ ‬المنصة‭  ‬وينظر‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬المياه‭ ‬الزرقاء‭ ‬الصافية،‭ ‬يرى‭ ‬حزم‭ ‬الأسماك‭ ‬الملونة‭ ‬الزاهية‭ ‬ذات‭ ‬الأحجام‭ ‬والأشكال‭ ‬المتباينة،‭ ‬التي‭ ‬تغدو‭ ‬وتروح‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الهيكل‭ ‬المرجاني‭ ‬سابحة‭ ‬في‭ ‬نشاط‭ ‬وانبساط،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬أحواض‭ ‬زجاجية‭.‬

‭ ‬وأشد‭ ‬ما‭ ‬يجذب‭ ‬أعين‭ ‬الناظرين،‭ ‬ويذهل‭ ‬العقول،‭ ‬بهاء‭ ‬الألوان‭ ‬والنقوش‭ ‬الطبيعية‭ (‬الزركشة‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬كل‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الأسماك،‭ ‬والحيوية‭ ‬والقوة‭ ‬الخارقة‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬مجتمعة،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬غازلها‭ ‬أحدهم‭ ‬بإلقاء‭ ‬بقايا‭ ‬ما‭ ‬يحمل‭ ‬من‭ ‬الأطعمة،‭ ‬أو‭ ‬شرائح‭ ‬الأرغفة،‭ ‬إذ‭ ‬تتخطفها‭ ‬وهي‭ ‬تتصارع‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬تغالبها‭ ‬الفوضى‭ ‬والانسجام‭ ‬والغرابة‭ ‬والطرافة،‭ ‬بل‭ ‬تكاد‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭ ‬لتقتنص‭ ‬نصيبها‭ ‬من‭ ‬الزاد،‭ ‬وبعدما‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬رزقها‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تهرب‭ ‬وتغوص‭ ‬أنى‭ ‬شاءت،‭ ‬لتأتي‭ ‬غيرها‭ ‬في‭ ‬تماوج‭ ‬لتمارس‭ ‬اللعبة‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬إبداعٍ‭ ‬متناهٍ،‭ ‬وجمال‭ ‬رهيب،‭ ‬قل‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬له‭ ‬نظيراً‭. ‬

وللأسماك‭ ‬المتنوعة‭ ‬التي‭ ‬ظللنا‭ ‬نرقبها‭ ‬طوال‭ ‬ساعات‭ ‬وجودنا‭ ‬في‭ ‬سنقنيب،‭ ‬وهي‭ ‬تحوم‭ ‬قريباً‭ ‬من‭ ‬سطح‭ ‬الماء،‭ ‬أسماء‭ ‬متعددة‭ ‬لعائلات‭ ‬وطوائف‭ ‬مختلفة،‭ ‬ولكل‭ ‬نوع‭ ‬طرق‭ ‬وأساليب‭ ‬حياة‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬النوع‭ ‬الآخر،‭ ‬منها‭ ‬أسماك‭ ‬الزينة،‭ ‬وعائلات‭ ‬الكشر‭ ‬والناجل‭ ‬Groupers،‭ ‬وهي‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬ساعات‭ ‬النهار‭ ‬وتأوب‭ ‬إلى‭ ‬مخادعها‭ ‬عندما‭ ‬يحل‭ ‬الليل،‭ ‬وهي‭ ‬تتغذى‭ ‬على‭ ‬الأسماك‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وقديماً‭ ‬قيل‭ ‬‮«‬السمك‭ ‬الكبار‭ ‬يبتلع‭ ‬السمك‭ ‬الصغار‮»‬،‭ ‬والبراكودا‭ ‬Barracuda  ‬التي‭ ‬تُعرف‭ ‬لدينا‭ ‬بالعقام،‭ ‬وهي‭ ‬تتحرك‭ ‬في‭ ‬أسراب‭ ‬لتحمي‭ ‬نفسها،‭ ‬وعائلة‭ ‬أسماك‭ ‬البهار‭ ‬Snappers،‭ ‬وهي‭ ‬تقل‭ ‬في‭ ‬الضوء‭ ‬وتكثر‭ ‬في‭ ‬الظلام،‭ ‬وعائلة‭ ‬الشعور‭ ‬Emperors،‭ ‬والهريد‭ ‬أو‭ ‬السمكة‭ ‬الببغائية‭ ‬Parrot‭ ‬Fishes،‭ ‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬الببغاء‭ ‬بألوانها‭ ‬الزاهية‭ ‬البديعة،‭ ‬وهي‭ ‬الأخرى‭ ‬تنشط‭ ‬في‭ ‬النهار‭ ‬لتنام‭ ‬في‭ ‬الليل،‭ ‬وتحيط‭ ‬نفسها‭ ‬بمادة‭ ‬مخاطية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬حمايتها‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬تقلق‭ ‬راحتها،‭  ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الإستاكوزا‭ (‬جراد‭ ‬البحر‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تظهر‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬حلول‭ ‬الليل‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬تزدحم‭ ‬المنطقة‭ ‬بسمك‭ ‬قمل‭ ‬القرش‭ ‬أو‭ ‬السمكة‭ ‬اللاصقة‭ (‬الريمورا‭) ‬Remora،‭ ‬وتعرف‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬القيدة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬الطوائف‭ ‬المزعجة،‭ ‬إذ‭ ‬تلتصق‭ ‬بجلود‭ ‬أسماك‭ ‬القرش،‭ ‬كما‭ ‬تلتصق‭ ‬بأجسام‭ ‬الغواصين،‭ ‬لكي‭ ‬تعبر‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬وتتغذى‭ ‬على‭ ‬فتات‭ ‬غذاء‭ ‬القروش‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬بدأت‭ ‬أسماك‭ ‬نجم‭ ‬البحر‭ ‬Sea‭ ‬Stars‭ ‬ذات‭ ‬الأرجل‭ ‬الخمس‭ ‬تعلن‭ ‬عن‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬الجزيرة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬إذ‭ ‬يتغذى‭ ‬بعضها‭ ‬على‭ ‬المحاريات‭ ‬والشعاب‭ ‬المرجانية،‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬عليها‭ ‬خطورة‭ ‬كبيرة،‭ ‬ويتسبب‭ ‬في‭ ‬دمارها‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬تعج‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواع‭ ‬الأسماك،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬أنواعاً‭ ‬أخرى‭ ‬بمسميات‭ ‬ما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬سلطان،‭ ‬غائبة‭ ‬عن‭ ‬أنظارنا،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬موجودة‭ ‬بكثافة،‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يختبئ‭ ‬بين‭ ‬شقوق‭ ‬الهيكل‭ ‬المرجاني،‭ ‬مثل‭ ‬السمكة‭ ‬الصخرية‭  ‬السامة‭  Stone‭ ‬Fishes،‭ ‬التي‭ ‬تعرف‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬بحر‭ ‬كروب‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬الأنواع‭ ‬الأكثر‭ ‬دمامة‭ ‬وخطورة،‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬الضحلة‭ ‬وتتلون‭ ‬بلون‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬توجد‭ ‬فيه‭ ‬للتمويه‭ ‬والخداع،‭ ‬ودجاجة‭ ‬البحر‭ ‬أو‭ ‬سمكة‭ ‬الأسد‭ ‬Lion‭ ‬fishes‭ ‬ذات‭ ‬الألوان‭ ‬الفائقة‭ ‬الروعة‭ ‬والجمال‭ ‬والزعانف‭ ‬الشوكية‭ ‬السامة،‭ ‬ومنها‭ ‬أيضاً‭ ‬ما‭ ‬يختفي‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬النهار‭ ‬ويظهر‭ ‬في‭ ‬عتمة‭ ‬الليل،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يسبح‭ ‬في‭ ‬السطح،‭ ‬وإنما‭  ‬يغوص‭ ‬في‭ ‬الأعماق،‭ ‬ومنها‭  ‬ما‭ ‬لديه‭ ‬خاصية‭ ‬التكيف‭ ‬على‭ ‬الظهور‭ ‬والاختفاء‭ ‬في‭ ‬الفصول‭ ‬والمواسم‭. ‬وحول‭ ‬هذا،‭ ‬يقول‭ ‬هاشم‭ ‬محمد‭ ‬أحمد‭ ‬أحد‭ ‬ضباط‭ ‬الفنارات،‭ ‬والذي‭ ‬ظل‭ ‬يعمل‭ ‬بفنار‭ ‬سنقنيب‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاماً‭ ‬‮«‬عندما‭ ‬يطل‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء‭ ‬توجد‭ ‬حزم‭ ‬أسماك‭ ‬الساردين‭ ‬بغزارة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬تطاردها‭ ‬أسراب‭ ‬أسماك‭ ‬البياض‭ ‬Jacks،‭ ‬التي‭ ‬تقتات‭ ‬عليها،‭ ‬والطريف‭ ‬أن‭ ‬طيور‭ ‬النورس‭ ‬التي‭ ‬تتقاطر‭ ‬على‭ ‬سنقنيب‭ ‬شتاء‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬تنتظر‭ ‬رزقها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬ومن‭ ‬على‭ ‬السقالتين،‭ ‬ولما‭ ‬ينتفض‭ ‬البياض‭ ‬وينقض‭ ‬مهاجماً‭ ‬الساردين‭ ‬بضراوة،‭ ‬يطفو‭ ‬بعضه‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للنجاة،‭ ‬ليجد‭ ‬النورس‭ ‬في‭ ‬انتظاره‭ ‬فيلتهمه‭ ‬في‭ ‬طرفة‭ ‬عين‮»‬‭. ‬

وهذا‭ ‬الصراع‭ ‬الدراماتيكي‭ ‬البالغ‭ ‬الفتنة‭ ‬والإثارة‭ ‬يتجدد‭ ‬كل‭ ‬لحظة،‭ ‬وبطرق‭ ‬مختلفة‭ ‬عجيبة‭ ‬يحار‭ ‬منها‭ ‬المرء‭ ‬كآية‭ ‬من‭ ‬آيات‭ ‬الكون‭ ‬الباهرة‭ ‬التي‭ ‬تتجلى‭ ‬فيها‭ ‬قدرة‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ودلائل‭ ‬عظمته،‭ ‬وأنه‭ ‬يبسط‭ ‬الرزق‭ ‬لمن‭ ‬يشاء،‭ ‬وهو‭ ‬القائل‭ ‬جل‭ ‬شأنه‭ ‬‭{‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬هُوَ‭ ‬الرَّزَّاقُ‭ ‬ذُو‭ ‬الْقُوَّةِ‭ ‬الْمَتِينُ‭}‬‭ (‬سورة‭ ‬الذاريات‭ -‬الآية‭ ‬58‭)‬،‭ ‬وقوله‭ ‬تعالى‭ ‬‭{‬‭ ‬وَلَهُمْ‭ ‬رِزْقُهُمْ‭ ‬فِيهَا‭ ‬بُكْرَةً‭ ‬وَعَشِيًّا‭ ‬‭}‬‭ (‬سورة‭ ‬مريم‭ - ‬الآية‭ ‬62‭). ‬

عندما‭ ‬زرت‭ ‬الجزيرة‭ ‬البديعة‭ ‬أول‭ ‬مرة،‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬بالي‭ ‬أني‭ ‬سأجدها‭ ‬بهذه‭ ‬الروعة‭ ‬والصفاء،‭ ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬الانطباع‭ ‬الأولي‭ ‬ظل‭ ‬يتجدد‭ ‬متسامياً‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬رحلة،‭ ‬ولم‭ ‬أستطع‭ ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬إعجابي‭ ‬كلما‭ ‬وقفت‭ ‬شاهداً‭ ‬متبتلاً‭ ‬أمام‭ ‬جبروت‭ ‬الجمال‭ ‬الطبيعي‭ ‬الإلهي،‭ ‬وأجد‭ ‬نفسي‭ ‬محنياً‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬إلى‭ ‬أسفل‭ ‬متفرساً‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬الحوض‭ ‬الزجاجي‭ ‬العريض‭ ‬ومياهه‭ ‬الزرقاء‭ ‬الصافية،‭ ‬وعندئذٍ‭ ‬يتأكد‭ ‬أننا‭ ‬أسرى‭ ‬الدهشة‭ ‬والانبهار،‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬غير‭ ‬عالمنا‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه،‭ ‬عالم‭ ‬سرمدي‭ ‬يفجر‭ ‬ينابيع‭ ‬الإبداع‭. ‬

وفي‭ ‬تلك‭ ‬الأثناء‭ ‬كم‭ ‬جالت‭ ‬بخاطري‭ ‬أبيات‭ ‬من‭ ‬‮«‬حديقة‭ ‬الأسماك‮»‬‭ ‬لشاعرنا‭ ‬الكبير‭ ‬محمد‭ ‬المهدي‭ ‬المجذوب‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬متى‭ ‬وأين‭ ‬وفي‭ ‬أي‭ ‬موقف‭ ‬كتبها،‭ ‬لكنه‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭:‬

 

يزور‭ ‬حديقة‭ ‬الأسماك‭ ‬والأظلال‭ ‬تخلعها

عليه‭ ‬الدوحة‭ ‬الخضراء

شباك‭ ‬تحسن‭ ‬الإصغاء

ويهرب‭ ‬في‭ ‬مرايا‭ ‬الشمس‭ ‬تمسك‭ ‬حوله‭ ‬الأشياء‭ ‬

وأبصر‭ ‬وجهي‭ ‬المفضوح‭ ‬منفياً‭ ‬مع‭ ‬الصحراء

فيا‭ ‬نفسي‭ ‬متى‭ ‬أنسى‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬ينس‭ ‬في‭ ‬جسدي

عواء‭ ‬الليل‭ ‬والأسماك‭ ‬في‭ ‬الغدران‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬صباح‭ ‬الشوق‭ ‬والندم؟

 

عالم‭ ‬المراجين‭ ‬وتكوين‭ ‬سنقنيب

    ‬عندما‭ ‬صعدت‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬قمة‭ ‬الفنار،‭ ‬أشد‭ ‬ما‭ ‬راعني‭ ‬هو‭ ‬مناظر‭ ‬الحقول‭ ‬القطنية‭ ‬البيضاء‭ (‬الهيكل‭ ‬المرجاني‭) ‬وعليها‭ ‬بعض‭ ‬البقع‭  ‬والنتوءات‭ ‬الداكنة‭ ‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬البثور‭ ‬والمغطاة‭ ‬تماماً‭ ‬بمياه‭ ‬البحر‭ ‬الزرقاء،‭ ‬فتساءلت‭: ‬أحتى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬يعتورها‭ ‬من‭ ‬الضُر‭ ‬ما‭ ‬يعتري‭ ‬القطن‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬نباتية؟

‭ ‬ولكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬أتت‭ ‬الإجابة‭ ‬خلافاً‭ ‬لما‭ ‬توقعت‭ ‬بأنها‭ ‬ليست‭ ‬بقعاً‭ ‬ولا‭ ‬خلافه،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬بعض‭ ‬الشعاب‭ ‬المرجانية‭ ‬التي‭ ‬تنبض‭ ‬بالحياة‭ ‬وتتدفق‭ ‬حيوية،‭ ‬وكميات‭ ‬من‭ ‬الطحالب‭ ‬التي‭ ‬نمت‭ ‬بفعل‭ ‬الطبيعة‭ ‬وترسبت‭ ‬بمرور‭ ‬الزمن‭ ‬فوق‭ ‬الهيكل‭ ‬المرجاني،‭ ‬وهي‭ ‬موئل‭ ‬بيئي‭ ‬ملائم‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الأحياء‭ ‬البحرية‭ ‬التي‭ ‬تتكافل‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭. ‬‭{‬أَفَحَسِبْتُمْ‭ ‬أَنَّمَا‭ ‬خَلَقْنَاكُمْ‭ ‬عَبَثًا‭ ‬وَأَنَّكُمْ‭ ‬إِلَيْنَا‭ ‬لَا‭ ‬تُرْجَعُونَ‭ ‬فَتَعَالَى‭ ‬اللَّهُ‭ ‬الْمَلِكُ‭ ‬الْحَقُّ‭ ‬لَا‭ ‬إِلَهَ‭ ‬إِلَّا‭ ‬هُوَ‭ ‬رَبُّ‭ ‬الْعَرْشِ‭ ‬الْكَرِيمِ‭}‬‭ (‬سورة‭ ‬المؤمنون‭ -‬الآية‭ ‬114‭-‬116‭).‬

وابيضاض‭ ‬الشعاب‭ ‬المرجانية‭ ‬ليس‭ ‬دليل‭ ‬عافية،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬مواتها‭ ‬ودمارها‭.‬

لكن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬شاهدته‭ ‬من‭ ‬بدائع‭ ‬الطبيعة،‭ ‬وما‭ ‬نلته‭ ‬من‭ ‬معلومات‭ ‬لم‭ ‬تشبع‭ ‬نهمي،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬دافعاً‭ ‬قوياً‭ ‬لإدراك‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬البحري‭ ‬الغريب‭ ‬الذي‭ ‬يندس‭ ‬في‭ ‬جوف‭ ‬العالم،‭ ‬واستجلاء‭ ‬كنهه‭ ‬وواقعه‭ ‬البسيط‭ ‬والمعقد‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭. ‬

ومما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬التجول‭ ‬السريع‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأماكن‭ ‬الغرائبية‭ ‬برغم‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬بهجة‭ ‬للعين،‭ ‬وسرور‭ ‬للنفس،‭ ‬وروحانيات،‭ ‬فإنه‭ ‬لن‭ ‬يحقق‭ ‬هدفاً‭ ‬معرفياً‭ ‬متكاملاً،‭ ‬وإن‭ ‬ما‭ ‬شاهدناه‭ ‬بأم‭ ‬أعيننا‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬‮«‬سنقنيب‮»‬‭ ‬يبدد‭ ‬الوحشة‭ ‬ويقتل‭ ‬الملل‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬بقي‭ ‬فيها‭ ‬المرء‭ ‬طوال‭ ‬حياته،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬مقدمة‭ ‬ومناظر‭ ‬فقط‭ ‬‮«‬لفيلم‭ ‬طويل‭ ‬عريض‮»‬‭ ‬لعالم‭ ‬أبهى‭ ‬وأعظم‭ ‬كامن‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭. ‬

ولكي‭ ‬تكتمل‭ ‬الرؤية‭ ‬وتتحقق‭ ‬المعرفة،‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬وسيلة‭ ‬للغوص‭ ‬في‭ ‬الأعماق،‭ ‬وقديماً‭ ‬قيل‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬من‭ ‬رأى‭ ‬كمن‭ ‬سمع‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬لقلة‭ ‬الحيلة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬النزول‭ ‬إلى‭ ‬بحر‭ ‬مالح،‭ ‬والسباحة‭ ‬في‭ ‬أغوار‭ ‬سنقنيب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الرغبة‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬إلحاحاً‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أتبين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬خافي،‭ ‬لذا‭ ‬توجهت‭ ‬بعد‭ ‬العودة‭ ‬من‭ ‬سطح‭ ‬المنصة‭ ‬إلى‭ ‬كلية‭ ‬علوم‭ ‬البحار‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬ببورتسودان،‭ ‬والتقيت‭ ‬عميد‭ ‬الكلية‭ ‬
د‭. ‬معمر‭ ‬الطيب‭ ‬علي،‭ ‬المتخصص‭ ‬في‭ ‬الشعاب‭ ‬المرجانية،‭ ‬وأحد‭ ‬الذين‭ ‬غاصوا‭ ‬في‭ ‬أعماقها،‭ ‬وأدركوا‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الجوف‭ ‬من‭ ‬أسرار‭ ‬وحقائق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدراسات‭ ‬والأبحاث‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬زودني‭ ‬بالمعلومات‭ ‬والصور،‭ ‬التي‭ ‬تبدي‭ ‬جمال‭ ‬العالم‭ ‬الباطني‭ ‬للشعاب‭ ‬المرجانية‭ ‬في‭ ‬‮«‬سنقنيب‮»‬،‭ ‬ومدى‭ ‬تفردها‭ ‬وثرائها‭ ‬الفاحش‭ ‬بالأحياء‭ ‬البحرية،‭ ‬تحدث‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬الشعاب‭ ‬المرجانية‭ ‬في‭ ‬سلسلتها‭ ‬التطورية‭ ‬تنقسم‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أقسام‭ ‬أساسية،‭ ‬هي‭: ‬الشعاب‭ ‬المرجانية‭ ‬الطرفية،‭ ‬أو‭ ‬الحيدية‭ ‬Fringing‭ ‬Reef،‭ ‬وهي‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬الساحل‭ ‬ولا‭ ‬تتعدى‭ ‬كيلومترين‭ ‬كأقصى‭ ‬حد،‭ ‬ثم‭ ‬الشعاب‭ ‬الحاجزية‭ ‬Barrier‭ ‬Reef،‭ ‬وهي‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬الساحل‭ ‬لمسافة‭ ‬عشرة‭ ‬كيلومترات‭. ‬وهذان‭ ‬القسمان‭ ‬يوجدان‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الساحل‭ ‬السوداني‭ ‬للبحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬ويستفاد‭ ‬منهما‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬كمصدات‭ ‬للأمواج‭ ‬البحرية‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬القسم‭ ‬الثالث‭ ‬وهو‭ ‬الشعاب‭ ‬المستديرة‭ ‬أو‭ ‬الدائرية،‭ ‬أو‭ ‬الحلقية‭ ‬وتسمى‭ ‬الأتولات‭ ‬Ottols،‭ ‬فهذا‭ ‬ما‭ ‬تنفرد‭ ‬به‭ ‬شعاب‭ ‬جزيرة‭ ‬سنقنيب‭ ‬دون‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬سائر‭ ‬جزر‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬التركيبة‭ ‬الجيولوجية‭ ‬لها‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬التراكيب‭ ‬الموجودة‭ ‬فيه‮»‬‭.‬

لكن‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تفرد‭ ‬جزيرة‭ ‬سنقنيب،‭ ‬فإن‭ ‬تكوينها‭ ‬تاريخياً‭ ‬غير‭ ‬معروف،‭ ‬ونظراً‭ ‬لبطء‭ ‬نمو‭ ‬حيوان‭ ‬المرجان،‭ ‬يرجح‭ ‬العلماء‭ ‬أنه‭ ‬تكوين‭ ‬قديم‭ ‬جداً‭ ‬ربما‭ ‬قدم‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬نفسه،‭ ‬الذي‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬شروخ‭ ‬في‭ ‬القشرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬حيث‭ ‬تمتد‭ ‬جذورها‭ ‬إلى‭ ‬ملايين‭ ‬السنين‭ ‬بفضل‭ ‬الترسبات‭ ‬الجيرية‭ ‬لهياكل‭ ‬المرجان‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تنمو‭ ‬وتموت‭ ‬مكونة‭ ‬طبقات‭ ‬متراكمة،‭ ‬طبقة‭ ‬فوق‭ ‬أخرى،‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬على‭ ‬الشكل‭ ‬الدائري‭ ‬الذي‭ ‬يُرى‭ ‬حالياً‭. ‬

وهي‭ ‬تبرز‭ ‬لسطح‭ ‬البحر‭ ‬من‭ ‬عمق‭ ‬مقداره‭ ‬ثمانمائة‭ ‬متر،‭ ‬وتتميز‭ ‬شعابها‭ ‬المرجانية‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬بانحدارها‭ ‬الحاد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الجوانب،‭ ‬وتوجد‭ ‬في‭ ‬داخلها‭ ‬خلجان‭ ‬مختلفة‭ ‬ذات‭ ‬بيئات‭ ‬بحرية‭ ‬متنوعة،‭ ‬وتضم‭ ‬الأطراف‭ ‬الخارجية‭ ‬لها‭ ‬ثلاث‭ ‬بحيرات‭ ‬تتراوح‭ ‬أعماقها‭ ‬من‭ ‬خمس‭ ‬إلى‭ ‬ثماني‭ ‬وعشرين‭ ‬قامة‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬البيولوجية،‭ ‬فإنها‭ ‬تتميز‭ ‬بوجود‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬عشرة‭ ‬منطقة‭ (‬كهف‭)‬،‭ ‬تمثل‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشعاب‭ ‬المرجانية‭ ‬النموذجية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أنها‭ ‬تتميز‭ ‬بالتباين‭ ‬النوعي‭ ‬المتفرد‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬محدودة‭ ‬نسبياً،‭ ‬لكونها‭ ‬ليست‭ ‬متأثرة‭ ‬بالتهديدات‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬تطول‭ ‬الشعاب‭ ‬المرجانية،‭ ‬مثل‭ ‬التلوث‭ ‬البحري‭ ‬وتلوث‭ ‬الساحل‭ ‬الناتج‭ ‬من‭ ‬مخلفات‭ ‬المصانع‭ ‬وتشغيل‭ ‬الموانئ‭ ‬وخلافه‭. 

ربما‭ ‬يسأل‭ ‬سائل‭: ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الشعاب‭ ‬المرجانية‭ ‬التي‭ ‬تكوِّن‭ ‬الجزيرة،‭ ‬وتعتبر‭ ‬موطناً‭ ‬من‭ ‬مواطن‭ ‬الجمال‭ ‬البحري،‭ ‬ولكثير‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الكائنات‭ ‬البحرية؟

‭ ‬وهي،‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬المصادر‭ ‬العلمية،‭ ‬مستعمرات‭ ‬لكائنات‭ ‬بحرية‭ ‬دقيقة‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬البوليبات‮»‬،‭ ‬تحتوي‭ ‬كل‭ ‬مستعمرة‭ ‬على‭ ‬آلاف‭ ‬مؤلفة‭ ‬منها،‭ ‬ويتكون‭ ‬هيكل‭ ‬البوليب‭ ‬من‭ ‬الحجر‭ ‬الجيري‭ (‬كربونات‭ ‬الكالسيوم‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬ينتج‭ ‬من‭ ‬تناوله‭ ‬لمواد‭ ‬الكالسيوم‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬البحر،‭ ‬بجانب‭ ‬الطحالب‭ ‬التي‭ ‬تمده‭ ‬بالطاقة‭ ‬الضرورية‭ ‬لذلك‭.‬

وتظل‭ ‬المستعمرة‭ ‬المرجانية‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬الشعاب‭ ‬تنمو‭ ‬وتتكاثر‭ ‬باستمرار‭ ‬في‭ ‬بطء‭ ‬شديد،‭ ‬ويزداد‭ ‬حجمها‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬رأسي،‭ ‬حتى‭ ‬تكاد‭ ‬تلامس‭ ‬سطح‭ ‬الماء‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬قائم‭ ‬في‭ ‬سنقنيب،‭ ‬فيما‭ ‬تظل‭ ‬تنمو‭ ‬متمددة‭ ‬أفقياً‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬أميال‭ ‬عدة‭ ‬داخل‭ ‬البحر‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬ساحل‭ ‬السودان‭. ‬

وعندما‭ ‬تموت‭ ‬هذه‭ ‬الكائنات،‭ ‬تخلّف‭ ‬هياكلها‭ ‬الجيرية‭ ‬البيضاء‭ ‬لتبدأ‭ ‬حيوانات‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬هياكل‭ ‬خاصة‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الأعلى‭ ‬وهكذا،‭ ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬على‭ ‬الشكل‭ ‬الذي‭ ‬يراه‭ ‬المرء‭ ‬في‭ ‬الظاهر‭.‬

وتختلف‭ ‬أنواع‭ ‬وألوان‭ ‬وأشكال‭ ‬كل‭ ‬مستعمرة‭ ‬باختلاف‭ ‬أنواع‭ ‬المراجين‭ ‬المكونة‭ ‬لها‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تزخر‭ ‬به‭ ‬‮«‬سنقنيب‮»‬،‭ ‬فعندما‭ ‬زارها‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬والخبراء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬علوم‭ ‬البحار‭ ‬على‭ ‬رأسهم‭ ‬العالم‭ ‬الألماني‭ ‬د‭. ‬شرويدر،‭ ‬والفريد‭ ‬كروب،‭ ‬امتلأوا‭ ‬إعجاباً‭ ‬بهذا‭ ‬التباين،‭ ‬وأجروا‭ ‬فيها‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬والأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬لاستكناه‭ ‬أسرارها،‭ ‬واكتشفوا‭ - ‬كما‭ ‬حدثنا‭ ‬د‭. ‬معمر‭-  ‬أنها‭ ‬تحوي‭ ‬124‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الشعاب‭ ‬المرجانية،‭ ‬وجميعها‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬واحد،‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬تنوع‭ ‬كبير‭ ‬وظاهرة‭ ‬غريبة‭ ‬ليست‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬‮«‬سنقنيب‮»‬‭.    

وفي‭ ‬العادة‭ ‬تمارس‭ ‬المراجين‭ ‬دورتها‭ ‬الحياتية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الدهور‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬قد‭ ‬يتجاوز‭ ‬الثلاثين‭ ‬متراً‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي‭ ‬داخل‭ ‬هياكلها‭ ‬الجيرية،‭ ‬متعاقبة‭ ‬أجيالاً‭ ‬إثر‭ ‬أجيال،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تكون‭ ‬ريانة‭ ‬وفي‭ ‬أبهى‭ ‬حللها‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬العمق،‭ ‬ملونة‭ ‬بألوان‭ ‬بهية‭ ‬مختلفة‭ ‬تزيد‭ ‬على‭  ‬ألوان‭ ‬الطيف‭ ‬المنظورة،‭ ‬وقد‭ ‬تبدت‭ ‬لنا‭ ‬هذه‭  ‬الصور‭ ‬الجمالية‭ ‬الصارخة‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأفلام‭ ‬الوثائقية‭ ‬والألبومات‭ ‬التي‭ ‬عرضها‭ ‬علينا‭ ‬داخل‭ ‬وزارة‭ ‬البيئة‭ ‬والسياحة‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬المصور‭ ‬أحمد‭ ‬جبران،‭ ‬ونصر‭ ‬الدين‭ ‬أحمد‭ ‬العوض،‭ ‬مدير‭ ‬عام‭ ‬الوزارة،‭ ‬مما‭ ‬جعلنا‭ ‬نبقى‭ ‬في‭ ‬معيتهما‭ ‬ونغوص‭ ‬معهما‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬الجزيرة‭ ‬المرجانية‭. ‬

 

حقول‭ ‬الجمال

ما‭ ‬إن‭ ‬سبحنا‭ ‬في‭ ‬اليم‭ ‬وغصنا‭ ‬في‭ ‬لُجّه‭ ‬حتى‭ ‬تراءت‭ ‬لنا‭ ‬الدنيا‭ ‬الجديدة،‭ ‬وهي‭ ‬تسفر‭ ‬عن‭ ‬حقل‭ ‬نضيد‭ ‬من‭ ‬حقول‭ ‬الروعة‭ ‬والبهاء،‭ ‬كنا‭ ‬نشاهد‭ ‬تحت‭ ‬الماء‭ ‬عالماً‭ ‬مليئاً‭ ‬بالمتناقضات‭ ‬والتباينات‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الجمال‭ ‬والقبح،‭ ‬والرهبة‭ ‬والخشوع،‭ ‬والرعب‭ ‬والسكينة،‭ ‬والصراع‭ ‬والانسجام،‭ ‬ولكن‭ ‬مبلغ‭ ‬الأمر‭ ‬أنه‭ ‬عالم‭ ‬يستدعي‭ ‬التأمل‭ ‬والبحث‭ ‬والدراسة‭.‬

وظللنا‭ ‬نتنقل‭ ‬بين‭ ‬خلجان‭ ‬سنقنيب‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬إلى‭ ‬منطقة،‭ ‬ومن‭ ‬كهف‭ ‬إلى‭ ‬كهف،‭ ‬حيث‭ ‬الحد‭ ‬الفاصل‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الحقيقة‭ ‬والخيال،‭ ‬والمعقول‭ ‬واللامعقول،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬صفاء‭ ‬مياهها‭ ‬يعطي‭ ‬مدى‭ ‬رؤية‭ ‬أوسع‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬35‭ ‬متراً،‭ ‬وشهدنا‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬تضج‭ ‬بالحياة،‭ ‬وأن‭ ‬تباينها‭ ‬خلق‭ ‬تنوعاً‭ ‬بيئياً‭ ‬فريداً،‭ ‬ونوعاً‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬البيئي‭ ‬المدهش،‭ ‬وأدركنا‭ ‬كيف‭ ‬استوفت‭ ‬حدائق‭ ‬المرجان‭ ‬كل‭ ‬معاني‭ ‬السحر‭ ‬والبهاء‭ ‬بتفرعها،‭ ‬مثل‭ ‬النبات‭ ‬والأعشاب‭ ‬والأشواك،‭ ‬والأشجار‭ ‬والجذوع،‭ ‬وتشابكها‭ ‬مثل‭ ‬بيوت‭ ‬العناكب،‭ ‬وخلايا‭ ‬النحل،‭ ‬وقرون‭ ‬التيتل،‭ ‬وعش‭ ‬الغراب،‭ ‬أو‭ ‬تفتحها‭ ‬كحدائق‭ ‬الأزهار‭ ‬والأوراق‭ ‬النباتية،‭ ‬أو‭ ‬مثل‭ ‬أكوم‭ ‬القطن،‭ ‬وشرائح‭ ‬الإسفنج‭ ‬بجانب‭ ‬أخرى‭ ‬مطرزة‭ ‬بالألوان‭ ‬كقطع‭ ‬الأقمشة،‭ ‬وهي‭ ‬بأشكالها‭ ‬البديعة‭ ‬وألوانها‭ ‬الزاهية‭ ‬وجمالها‭ ‬المثير‭ ‬الذي‭ ‬لمسناه‭ ‬في‭ ‬الشعاب‭ ‬اللينة‭ ‬والصلبة‭ ‬وشعاب‭ ‬الأكروبورا‭ ‬وتاج‭ ‬الشوك،‭ ‬وشقائق‭ ‬النعمان‭ ‬بأنواعها‭ ‬وأشكالها‭ ‬المختلفة،‭ ‬كلها‭ ‬شكلت‭ ‬تنوعاً‭ ‬إحيائياً‭ ‬طبيعياً،‭ ‬ومشهداً‭ ‬جمالياً‭ ‬رهيباً‭ ‬يفوق‭ ‬الوصف‭ ‬والخيال،‭ ‬وهي‭ ‬حقيقة‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬شاهدته‭ ‬عيناي‭. ‬

وكل‭ ‬المراجين‭ ‬التي‭ ‬يزخر‭ ‬بها‭ ‬بحر‭ ‬سنقنيب‭ ‬متناسقة‭ ‬ومنسجمة‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬مكونة‭ ‬لوحة‭ ‬فانتازية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬عظيم‭.‬

ومن‭ ‬أعجب‭ ‬ما‭ ‬شاهدناه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخلجان‭ ‬اكتظاظها‭ ‬بعديد‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الأسماك‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬الأعماق،‭ ‬وتنتشر‭ ‬في‭ ‬زخارف‭ ‬بديعة،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬تكوينها‭ ‬الطبيعي‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬الأسماك‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬قريبا‭ ‬من‭ ‬سطح‭ ‬المياه‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬النوع،‭ ‬الشكل،‭ ‬اللون،‭ ‬والحجم‭. ‬

وبينما‭ ‬نحن‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحال‭ ‬محبوسي‭ ‬الأنفاس‭ ‬مشدوهين،‭ ‬أطل‭ ‬علينا‭ ‬فجأة‭ ‬
د‭. ‬شيخ‭ ‬الدين‭ ‬محمد،‭ ‬وهو‭ ‬أستاذ‭ ‬مشارك‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬المصائد‭ ‬بكلية‭ ‬علوم‭ ‬البحار،‭ ‬برفقة‭ ‬الباحث‭ ‬الأمين‭ ‬محمد‭ ‬الأمين‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬بحوث‭ ‬الأسماك،‭ ‬ليغوصا‭ ‬معنا‭ ‬في‭ ‬باطن‭ ‬البحر،‭ ‬ويحدثانا‭ ‬عن‭ ‬أنواع‭ ‬وأسماء‭ ‬حشود‭ ‬الأسماك‭ ‬التي‭ ‬تزدحم‭ ‬بها‭ ‬كهوف‭ ‬سنقنيب‭ ‬وطرائق‭ ‬حياتها،‭ ‬ونحن‭ ‬نرقب‭ ‬تحركاتها‭ ‬بين‭ ‬المواقع‭ ‬جماعات‭ ‬وفرادى،‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يتغذى‭ ‬على‭ ‬الطحالب‭ ‬والشعاب‭ ‬المرجانية،‭ ‬وفيها‭ ‬ما‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬رزقه‭ ‬بين‭ ‬تعرجاتها،‭ ‬وفيها‭ ‬ما‭ ‬يرنو‭ ‬إلى‭ ‬الآخر‭ ‬بتوجس،‭ ‬وفيها‭ ‬المتحفز‭ ‬الذي‭ ‬يترصد‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الفرائس،‭ ‬فيما‭ ‬تتحرك‭ ‬أسراب‭ ‬أخرى‭ ‬متراصة‭ ‬مترابطة،‭ ‬منها‭ ‬التي‭ ‬تحنو‭ ‬على‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬عائلات‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭ ‬كالمنظفات‭ ‬Cleaners،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مزخرف‭ ‬وجميل‭ ‬رائع،‭ ‬وهادئ‭ ‬وديع،‭ ‬وخائف‭ ‬حذر،‭ ‬وقبيح‭ ‬مرعب،‭ ‬وغير‭ ‬ذياك‭ ‬اللئيم‭ ‬المفترس،‭ ‬واللذيذ‭ ‬الشهي‭ ‬الطعم،‭ ‬وما‭ ‬يغري‭ ‬صائدو‭ ‬الأسماك‭ ‬بترصده‭ ‬ونصب‭ ‬شباكهم‭ ‬وفخاخهم‭ (‬شخاوي‭) ‬Traps‭ ‬حوله،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قيّم‭ ‬وغالي‭ ‬سعره‭ ‬مرتفع‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬شرائه‭ ‬إلا‭ ‬الأغنياء،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الطوائف‭ ‬والعائلات‭ ‬المختلفة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬جميعاً‭ ‬تتفق‭ ‬في‭ ‬سمة‭ ‬واحدة‭ ‬غريزية،‭ ‬هي‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البقاء،‭ ‬وأخرى‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التباين‭ ‬ذا‭ ‬الألق‭ ‬الأخاذ‭ ‬خلق‭ ‬عالماً‭ ‬متفرداً‭ ‬مزدهياً‭ ‬بالسحر‭ ‬والجمال،‭ ‬وحدائق‭ ‬متحركة‭ ‬من‭ ‬الألوان‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البقعة‭ ‬المحدودة،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬سنقنيب‭ ‬اهتم‭ ‬العلماء‭ ‬بدراستها‭ ‬وبحثها‭ - ‬على‭  ‬ذكر‭ ‬
د‭. ‬معمر‭-  ‬وتوالت‭ ‬تقاريرهم‭ ‬تمتدحها،‭ ‬مؤكدين‭ ‬أن‭ ‬فيها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬250‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الأسماك،‭ ‬بينها‭ ‬كميات‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬القروش‭ ‬المستوطنة‭ ‬وأشهرها‭ ‬القرش‭ ‬أبو‭ ‬مطرقة‭  Hummer‭ ‬Head‭ ‬Shark،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الأنواع‭ ‬الخطرة‭ ‬جداً،‭ ‬والقرش‭ ‬الحوت‭ ‬Whale‭ ‬Shark،‭ ‬الذي‭ ‬يتغذى‭ ‬على‭ ‬الهائمات‭ ‬البحرية،‭  ‬والقرش‭ ‬ذو‭ ‬الحواف‭ ‬البيضاء‭ ‬White‭ ‬Tip‭ ‬Sharks،‭ ‬والقرش‭ ‬النمر‭ ‬Tiger‭ ‬Sharks،‭ ‬والقرش‭ ‬كلب‭ ‬البحر‭ ‬المعروف‭ ‬لدينا‭ ‬بــ‭ ‬‮«‬كلب‭ ‬السمك‮»‬‭ ‬DogFishes،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أعداد‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬أسماك‭ ‬الزينة،‭ ‬مثل‭ ‬أبو‭ ‬الدفدف‭ ‬والأسماك‭ ‬الملائكية،‭ ‬الفراشية‭ ‬والمهرج،‭ ‬وكذلك‭ ‬أسماك‭ ‬الراكون،‭ ‬القدرنيب،‭ ‬الجراح،‭ ‬الهامور،‭ ‬السيجان،‭ ‬الأسموط،‭ ‬أو‭ ‬العصموت،‭  ‬أبو‭ ‬سوط،‭ ‬أبو‭ ‬شراع‭ ‬Sail‭ ‬Fishes،‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬العميقة،‭ ‬وأسماك‭ ‬جاجلوم،‭ ‬أبو‭ ‬جلمبو‭ ‬أو‭ ‬السرطان‭ ‬الناسك،‭ ‬أبو‭ ‬صندوق‭ ‬أو‭ ‬التامبيرا،‭ ‬الدولفين،‭ ‬السنجاب،‭ ‬أبو‭ ‬جبة‭ ‬المعروف‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬نابليون‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الأسماك‭ ‬الغالية‭ ‬الثمن،‭ ‬بجانب‭ ‬الشعور‭ ‬أبو‭ ‬عين،‭ ‬والحوت،‭  ‬وحمار‭ ‬الحوت،‭ ‬وفكي‭ ‬شرم‭ ‬Trigger‭ ‬Fishes،‭  ‬أو‭ ‬الخنزيرة‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬بين‭ ‬الشعاب‭ ‬وتتغذى‭ ‬عليها،‭ ‬وكذلك‭  ‬الأخطبوط‭  ‬الذي‭ ‬يتلون‭ ‬حسب‭ ‬البيئة،‭ ‬والسلاحف‭ ‬البحرية‭ ‬Sea‭ ‬Turtles،‭ ‬والقشريات‭ ‬والرخويات‭ ‬مثل‭ ‬الراقصة‭ ‬الإسبانية،‭ ‬والطحالب‭ ‬البحرية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الكائنات‭ ‬النادرة‭ ‬الوجود‭. ‬وجميعها‭ ‬تتنافس‭ ‬وتتغذى‭ ‬على‭ ‬العوالق‭ ‬والنباتات‭ ‬وعلى‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحياة،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬المولى‭ ‬جلَّت‭ ‬قدرته‭ ‬وعظم‭ ‬سلطانه‭ ‬قد‭ ‬خص‭ ‬كل‭ ‬نوع‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬له‭ ‬الرزق‭ ‬ومقومات‭ ‬البقاء،‭ ‬كما‭ ‬اختصه‭ ‬بحيل‭ ‬ووسائل‭ ‬تكفل‭ ‬له‭ ‬الحماية،‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬سواء‭ ‬بالزوغان‭ ‬أو‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬أسراب،‭ ‬أو‭ ‬الإفراز‭ ‬والسموم،‭ ‬أو‭ ‬السرعة،‭ ‬أو‭ ‬المهارة‭ ‬في‭ ‬التمويه،‭ ‬أو‭ ‬التخفي،‭ ‬أو‭ ‬التحرّب،‭ ‬أي‭ ‬التلون‭ ‬كالحرباء،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأساليب‭ ‬الدفاعية‭. ‬ولعل‭ ‬تضافر‭ ‬قوة‭ ‬الإرادة‭ ‬مع‭ ‬الذكاء‭ ‬الفطري‭ ‬والمكر‭ ‬لكل‭ ‬نوع‭ ‬أضفى‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬الإحيائي‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الإجلال‭ ‬والتميز‭ ‬والإثارة‭.‬

  ‬مع‭ ‬أننا‭ ‬قضينا‭ ‬في‭ ‬‮«‬سنقنيب‮»‬‭ ‬أوقاتاً‭ ‬مذهلة‭ ‬وممتعة‭ ‬ومثيرة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬بدت‭ ‬لحيظات‭ ‬كانت‭ ‬ذات‭ ‬فوائد‭ ‬علمية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وسياحية‭ ‬وروحية‭ ‬عميقة،‭ ‬بل‭ ‬فتحت‭ ‬أبواباً‭ ‬كبيرة‭ ‬للتفكر‭ ‬ولإيمان‭ ‬عميق‭ ‬جديد،‭ ‬كما‭ ‬اكتشفنا‭ ‬ونحن‭ ‬نغوص‭ ‬بين‭ ‬الحدائق‭ ‬الطبيعية‭ (‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأفلام‭ ‬والصور‭) ‬السحر‭ ‬الذي‭ ‬يجذب‭ ‬الناس‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬شتى‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم،‭ ‬وكنا‭ ‬نتمنى‭ ‬لو‭ ‬امتد‭ ‬بنا‭ ‬الزمن‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدنيا‭ ‬الرهيبة‭ ‬الضاجة‭ ‬بالحياة‭.‬

 

فردوس‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر

نظراً‭ ‬للفوائد‭ ‬والقيم‭ ‬الفريدة‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬‮«‬سنقنيب‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬ذاعت‭ ‬شهرتها‭ ‬وازداد‭ ‬رواجها،‭ ‬وغدت‭ ‬حقلاً‭ ‬علمياً‭ ‬مهماً‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬معاهد‭ ‬الغطس‭ ‬العالمية،‭ ‬وتوالت‭ ‬زياراتهم‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعداد‭ ‬مشاريع‭ ‬التخرج‭ ‬للدارسين،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬حدثنا‭ ‬به‭ ‬مدير‭ ‬عام‭ ‬وزارة‭ ‬البيئة‭ ‬والسياحة‭ ‬نصر‭ ‬الدين‭ ‬العوض‭. ‬وفي‭ ‬الراهن‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬وأكثر‭ ‬الحقول‭ ‬العلمية‭ ‬خصوبة‭ ‬لطلاب‭ ‬كلية‭ ‬علوم‭ ‬البحار‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬ولغيرهم‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬والدارسين‭. ‬

كما‭ ‬اتخذت‭ ‬شهرة‭ ‬وموقعاً‭ ‬متميزاً‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬السياحة‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬لكونها‭ ‬تتفرد‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬نموذج‭ ‬وجودي‭ ‬باذخ‭ ‬لمناطق‭ ‬الغطس‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهي‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬لسياحة‭ ‬الغوص‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬غاص‭ ‬المرء‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬12‭ ‬متراً،‭ ‬فيمكن‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬حياة‭ ‬بحرية‭ ‬كاملة،‭ ‬كما‭ ‬تمثل‭ ‬مع‭ ‬خليج‭ ‬دونقناب‭ ‬وجزيرة‭ ‬مكور‭ ‬وشعاب‭ ‬الرومي‭ ‬وتر‭ ‬مثلث‭ ‬السياحة‭ ‬في‭ ‬الولاية‭. ‬وتستقبل‭ ‬المنطقة‭ ‬خلال‭ ‬الموسم‭ ‬السياحي‭ ‬الذي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يبدأ‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬سبتمبر‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬مايو‭ ‬حوالي‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬سائح‮»‬‭.‬

وسنقنيب‭ ‬التي‭ ‬استهوت‭ ‬العلماء‭ ‬والباحثين،‭ ‬ظلت‭ ‬هي‭ ‬أيضاً‭ ‬نموذجاً‭ ‬تهفو‭ ‬إليه‭ ‬النفوس،‭ ‬ويجتذب‭ ‬السياح،‭ ‬حيث‭ ‬يستطيع‭ ‬هواة‭ ‬السباحة‭ ‬والغطس‭ ‬والغوص‭ ‬والتصوير‭ ‬تحت‭ ‬الماء،‭ ‬أن‭ ‬يمارسوا‭ ‬هواياتهم‭ ‬ونشاطاتهم‭ ‬فيها‭ ‬بكل‭ ‬سهولة‭ ‬ويسر،‭ ‬لاسيما‭ ‬وهي‭ ‬الدرة‭ ‬النادرة‭ ‬النفيسة‭ ‬التي‭ ‬حظيت‭ ‬بزيارات‭ ‬زمرة‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬والمشاهير‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬منهم،‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬ذكر‭ ‬لنا‭ ‬كابتن‭ ‬عبد‭ ‬الحليم‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬الحليم‭ ‬الشهير‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬كابتن‭ ‬حليم‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬أسس‭ ‬لسياحة‭ ‬الغطس‭ ‬والتصوير‭ ‬تحت‭ ‬الماء‭ ‬في‭ ‬بورتسودان‭ ‬عام‭ ‬1970‭: ‬‮«‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬قدَم‭ ‬الكابتن‭ ‬هانس‭ ‬هاس‭ ‬إلى‭ ‬سنقنيب‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بتصوير‭ ‬فيلمه‭ ‬‮«‬تحت‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‮»‬،‭ ‬وزارها‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬صانع‭ ‬الأفلام‭ ‬الوثائقية‭ ‬‮«‬أسرار‭ ‬البحار‮»‬‭ ‬القبطان‭ ‬الفرنسي‭ ‬جاك‭ ‬إيف‭ ‬كوستو،‭  ‬الذي‭ ‬أبدى‭ ‬إعجابه‭ ‬بها‭ ‬وقال‭ ‬‮«‬إن‭ ‬سنقنيب‭ ‬هي‭ ‬فردوس‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‮»‬،‭ ‬وشهدت‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬السبعينيات‭ ‬مقدم‭ ‬الأمير‭ ‬فيليب‭ ‬الثاني‭ ‬دوق‭ ‬أدنبره،‭ ‬الذي‭ ‬أعجب‭ ‬بها‭ ‬وبتنوعها‭ ‬البيئي‭ ‬إعجاباً‭ ‬بالغاً،‭ ‬واقترح‭ ‬أن‭ ‬تُعلن‭ ‬كمحمية‭ ‬بحرية،‭ ‬وزارها‭ ‬أيضاً‭ ‬المؤلف‭ ‬المشهور‭ ‬الدكتور‭ ‬بيتر‭ ‬فاين‮»‬‭. ‬

كما‭ ‬استقبلت‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬عام‭ ‬2016
د‭. ‬طالب‭ ‬الرفاعي،‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬لمنظمة‭ ‬السياحة‭ ‬العالمية،‭ ‬يرافقه‭ ‬وزير‭ ‬السياحة‭ ‬والآثار‭ ‬والحياة‭ ‬البرية‭ ‬السودانية‭ ‬د‭. ‬محمد‭ ‬مصطفى‭ ‬أبو‭ ‬زيد،‭ ‬ووالي‭ ‬ولاية‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬علي‭ ‬حامد،‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين‭ ‬والكتاب‭ ‬والأدباء‭.‬

 

محمية‭ ‬سنقنيب‭ ‬البحرية

المحمية‭ ‬البحرية،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الأدبيات‭ ‬البحرية،‭ ‬منطقة‭ ‬تُحمى‭ ‬فيها‭ ‬الأحياء‭ ‬البحرية‭ ‬حماية‭ ‬تامة،‭ ‬بحيث‭ ‬يستطيع‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬اجتماعياً‭ ‬أو‭ ‬اقتصادياً‭ ‬أو‭ ‬علمياً‭.‬

‭ ‬وعلى‭ ‬إثر‭ ‬إنشاء‭ ‬برنامج‭ ‬بيئة‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وخليج‭ ‬عدن‭ ‬‮«‬بيرسقا‮»‬‭ ‬The‭ ‬Programme‭ ‬for‭ ‬the‭ ‬Environment‭ ‬of‭ ‬the‭ ‬Red‭ ‬Sea‭ ‬and‭ ‬Gulf‭ ‬of‭ ‬Aden،‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬البحرية‭ ‬والمناطق‭ ‬الساحلية،‭ ‬بموجب‭ ‬اتفاقية‭ ‬جدة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1982،‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬في‭ ‬عضويتها‭ ‬الدول‭ ‬السبع‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬السودان،‭ ‬عندما‭ ‬أدرك‭ ‬المهتمون‭ ‬أن‭ ‬متنزه‭ ‬سنقنيب‭ ‬البحري‭ ‬القومي‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬تلك‭ ‬القيم‭ ‬الثلاث،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬فائدة‭ ‬عظيمة‭ ‬لقطاع‭ ‬عريض‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬تقدمت‭ ‬اللجنة‭ ‬الاستشارية‭ ‬لحماية‭ ‬البيئة‭ ‬البحرية‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬معهد‭ ‬علوم‭ ‬البحار‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الدولي‭ ‬لحفظ‭ ‬الطبيعة‭ ‬والموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬بدراسة‭ ‬الجدوى‭ ‬والخطة‭ ‬رقم‭ ‬1259‭/‬1979‭ ‬الخاصة‭ ‬بإنشاء‭ ‬مشروع‭ ‬متنزه‭ ‬سنقنيب‭ ‬القومي‭ ‬البحري،‭ ‬ثم‭ ‬قُدِم‭ ‬المشروع‭ ‬لبرنامج‭ ‬بيئة‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وخليج‭ ‬عدن‭ ‬وحظي‭ ‬بالقبول،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬تقديمه‭ ‬أيضاً‭ ‬للجنة‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭ ‬التابعة‭ ‬لمنظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتربية‭ ‬والعلوم‭ ‬والثقافة‭ (‬يونيسكو‭) ‬كمنطقة‭ ‬تحظى‭ ‬بقيم‭ ‬ومواصفات‭ ‬عالمية‭ ‬غير‭ ‬عادية‭. ‬

وقد‭ ‬دعم‭ ‬الاتحاد‭ ‬الدولي‭ ‬لحفظ‭ ‬الطبيعة‭ ‬والموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬الفكرة‭ ‬بإيفاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬د‭. ‬جاري‭ ‬ديفز،‭ ‬حيث‭ ‬كتب‭ ‬تقريراً‭ ‬للاتحاد‭ ‬الدولي‭ ‬بصورة‭ ‬للجنة‭ ‬السودانية‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬‮«‬إنشاء‭ ‬متنزه‭ ‬سنقنيب‭ ‬القومي‭ ‬البحري‭ ‬سيعمل‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬الشعاب‭ ‬المرجانية‭ ‬النادرة‭ ‬الفريدة‭ ‬بالطرق‭ ‬والوسائل‭ ‬التي‭ ‬تحفظها‭ ‬من‭ ‬الدمار‭ ‬لمتعة‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬ولن‭ ‬يتم‭ ‬إنشاء‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬المتنزه‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬الخصائص‭ ‬الأساسية‭ ‬للشعاب‭ ‬المرجانية‭ ‬أو‭ ‬السماح‭ ‬باستعمال‭ ‬أي‭ ‬مورد‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬المتنزه‮»‬‭.‬

إن‭ ‬متنزه‭ ‬سنقنيب‭ ‬المحمي،‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬بطريقة‭ ‬طبيعية،‭ ‬سيمد‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وخارجه‭ ‬بقيم‭ ‬كثيرة،‭ ‬وسيكون‭ ‬مقياساً‭ ‬في‭ ‬مقارنة‭ ‬الشعاب‭ ‬المرجانية‭ ‬الأخرى‭ ‬بها،‭ ‬ومستودعاً‭ ‬لمواد‭ ‬جينية‭. ‬والشعاب‭ ‬المستديرة‭ ‬السليمة‭ ‬الخالية‭ ‬من‭ ‬التلوث‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬سنقنيب‭ ‬ستكون‭ ‬مصدراً‭ ‬لتزويد‭ ‬المناطق‭ ‬المجاورة‭ ‬بالموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تأثرها‭ ‬بالتلوث‭ ‬أو‭ ‬الاستنزاف‭ ‬بوساطة‭ ‬المصائد،‭ ‬وفي‭ ‬مطلع‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬أعلن‭ ‬السودان‭ ‬أن‭ ‬جزيرة‭ ‬سنقنيب‭ ‬متنزهاً‭ ‬قومياً‭ ‬بحرياً،‭ ‬مما‭ ‬يضمن‭ ‬للمنطقة‭ ‬الحماية‭ ‬الكافية‭ ‬من‭ ‬النشاط‭ ‬الإنساني‭ ‬المدمر،‭ ‬والمحافظة‭ ‬عليها‭ ‬وعلى‭ ‬قيمها‭ ‬المادية‭ ‬والمعنوية‭.‬

 

سنقنيب‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬العالمي

أما‭ ‬بشأن‭ ‬إعلان‭ ‬سنقنيب‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬التراث‭ ‬العالمي،‭ ‬فقد‭ ‬دار‭ ‬سجال‭ ‬كثيف‭ ‬وساخن‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سبعة‭ ‬أعوام،‭ ‬وتم‭ ‬فتح‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬بوساطة‭ ‬اللجنة‭ ‬التي‭ ‬شُكلت‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭ ‬برئاسة‭ ‬د‭. ‬الحاج‭ ‬أبو‭ ‬جبر‭ ‬الحاج،‭ ‬مدير‭ ‬كرسي‭ ‬اليونيسكو‭ ‬لعلوم‭ ‬البحار‭ ‬والأحياء‭ ‬البحرية،‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬المختصين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وبمشاركة‭ ‬المركز‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي‭ ‬للتراث‭ ‬العالمي،‭ ‬وبعد‭ ‬دراسات‭ ‬عديدة‭ ‬داخل‭ ‬البحر‭ ‬وخارجه،‭ ‬ومداولات‭ ‬كثيفة،‭ ‬لم‭ ‬تلبث‭ ‬أن‭ ‬أثبتت‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬سنقنيب‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬مصاف‭ ‬المحميات‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تتمتع‭ ‬بحماية‭ ‬دولية،‭ ‬فمن‭ ‬ثمّ‭ ‬تم‭ ‬إدراجها‭ ‬وخليج‭ ‬دونقناب‭ ‬الذي‭ ‬يقبع‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬120‭ ‬كيلومتراً‭ ‬شمال‭ ‬مدينة‭ ‬بورتسودان‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬الإرث‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬اجتماعات‭ ‬الدورة‭ ‬الـ‭ ‬40‭ ‬للجنة‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭ ‬التي‭ ‬عُقدت‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬اسطنبول‭ ‬التركية‭ ‬في‭ ‬17‭ ‬يوليو‭ ‬عام‭ ‬2016،‭  ‬ويحفظ‭ ‬التاريخ‭ ‬للرباعي‭ ‬السوداني‭ ‬البروفيسور‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬دفع‭ ‬الله‭ ‬الحاج،‭ ‬ود‭. ‬ضرار‭ ‬حسن‭ ‬نصر،‭ ‬ود‭. ‬محمد‭ ‬الأمين‭ ‬حمزة،‭ ‬
ود‭.‬أبو‭ ‬جبر،‭ ‬ومعهم‭ ‬الخبير‭ ‬الأمريكي‭ ‬د‭.‬جاري‭ ‬ديفز،‭ ‬أنهم‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬نادوا‭ ‬بالاهتمام‭ ‬وحماية‭ ‬سنقنيب‭ ‬إقليمياً‭ ‬ودولياً‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نبأ‭ ‬ضم‭ ‬سنقنيب‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭ ‬حظي‭ ‬باهتمام‭ ‬متعاظم‭ ‬وفرحة‭ ‬لدى‭ ‬كثيرين‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬وخارج‭ ‬السودان،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الإعلان‭ ‬تأخر‭ ‬كثيراً،‭ ‬وفق‭ ‬قول‭ ‬عميد‭ ‬كلية‭ ‬علوم‭ ‬البحار،‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬حدا‭ ‬بالأديب‭ ‬البروفيسور‭ ‬أحمد‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬أحمد،‭ ‬مستشار‭ ‬مدير‭ ‬جامعة‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬للبحث‭ ‬العلمي‭ ‬والعلاقات‭ ‬الخارجية،‭ ‬أن‭ ‬يصرخ‭ ‬في‭ ‬قصيدته‭ ‬‮«‬مناخات‭ ‬البحر‭ ‬والجبل‮»‬،‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬يا‭ ‬سنقنيب‭ ‬تبسمي‭- ‬لو‭ ‬أنصفوا‭- ‬لركعوا‭ ‬مكان‭ ‬سجودنا‮»‬‭.‬

مهما‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬أمر،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬شاهدناه‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬سنقنيب‭ ‬المرجانية‭ ‬حقق‭ ‬لنا‭ ‬فوائد‭ ‬جمة،‭ ‬وأضفى‭ ‬على‭ ‬ذواتنا‭ ‬متعة‭ ‬نفسية‭ ‬وروحية‭ ‬وجمالية،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أضاف‭ ‬للبحر‭ ‬الأحمر‭ ‬خصيصة‭ ‬جديدة‭ ‬لمجموع‭ ‬خصائصه‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬أصلاً،‭ ‬بضم‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬تكويناته‭ ‬الأزلية‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬التراث‭ ‬العالمي،‭ ‬لتصبح‭ ‬‮«‬جزيرة‭ ‬سنقنيب‭ ‬وخليج‭ ‬دونقناب‮»‬‭ ‬أول‭ ‬محمية‭ ‬طبيعية‭ ‬عالمية‭ ‬في‭ ‬حوضه‭ ‬المهم،‭  ‬وما‭ ‬كان‭ ‬يتحقق‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نسبر‭ ‬أغوار‭ ‬أحدهما‭ ‬وعالمه‭ ‬الخيالي‭ ‬الساحر‭ ‬لولا‭ ‬رحابة‭ ‬وتعاون‭ ‬كلية‭ ‬علوم‭ ‬البحار‭ ‬بأقسامها‭ ‬المختلفة،‭ ‬ومركز‭ ‬بحوث‭ ‬الأسماك،‭ ‬ووزارة‭ ‬البيئة‭ ‬والسياحة‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬الذين‭ ‬أعربوا‭ ‬عن‭ ‬استعدادهم‭ ‬للذهاب‭ ‬بنا‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬جمالية‭ ‬أخرى‭ ‬للشطر‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬المحمية‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬مكور‭ (‬خليج‭ ‬دونقاب‭) ‬

أسماك‭ ‬زينة

فكي‭ ‬شرم‭ ‬تتغذى‭ ‬على‭ ‬الشعاب‭ ‬المرجانية