سُلالةُ البيد

سُلالةُ البيد

بُلِينا‭ ‬بالحنينِ‭ ‬لهذه‭ ‬البيداءِ،

مَشّاؤونَ‭ ‬للنارِ‭ ‬البعيدةِ‭ ‬في‭ ‬القُرى،

ها‭ ‬إنَّنا‭ ‬والركبُ‭ ‬يا‭ ‬لَيْلى،

تَهَيَّأْنا‭ ‬بِزادٍ‭ ‬مِنْ‭ ‬طويلِ‭ ‬الصبرِ،

ما‭ ‬يَكْفي‭ ‬لِخَلَّةِ‭ ‬عابِرِي‭ ‬ليلٍ‭ ‬قصيرٍ،

واتَّخَذْنا‭ ‬مِنْ‭ ‬مَراثينا‭ ‬رِماحًا،

واتَّخَذْنا‭ ‬مِنْ‭ ‬مدائحِنا‭ ‬عِتاقَ‭ ‬الخيلْ

‮ ‬

سَنَطْوي‭ ‬البرزخَ‭ ‬المُمْتَدَّ‭ ‬بين‭ ‬سُيوفِنا‭ ‬والليلْ

 

تَرَكْنا‭ ‬أهلَنا،

كانوا‭ ‬غُفاةً‭ ‬هُجَّعًا،

سِرْنا‭ ‬وودَّعْنا‭ ‬نُجَيْماتٍ‭ ‬أخيراتٍ‭ ‬

على‭ ‬سَقْفِ‭ ‬الحِمى،

والأرضُ‭ ‬كانت‭ ‬مُهْرَةً‭ ‬دَكْناءَ‭ ‬

تَعْدو‭ ‬في‭ ‬مَهاوي‭ ‬السَّيْلْ

‮ ‬

خَرَجْنا‭ ‬أمّةً،‭ ‬نُجُبًا،‭ ‬

أولي‭ ‬بأَسٍ،‭ ‬غِلاظًا،‭ ‬

نَرْفَعُ‭ ‬الدنيا‭ ‬بِسَيْفَيْنِ

 

طويلا‭ ‬كان‭ ‬مَسْرانا،‭ ‬

نَسِينا‭ ‬غَيْمَنا‭ ‬في‭ ‬ضفةٍ‭ ‬لَمْ‭ ‬نَأْتِ‭ ‬منها،

واسْتَدَرْنا‭ ‬نَحْو‭ ‬بَرْقٍ‭ ‬آفلٍ،

حتى‭ ‬إذا‭ ‬انْشَقَّ‭ ‬الصدى‭ ‬ظَمأً،

هَبَطْنا‭ ‬مَوْضِعًا‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬جُرْفَيْنِ

‮ ‬

وشاهدْنا‭ ‬مِنَ‭ ‬الغرْبانِ‭ ‬تَحْتَ‭ ‬النَّجْم‭ ‬صَفَّيْنِ

تَوَسَّدْنا‭ ‬نَحيبًا‭ ‬كامِنًا‭ ‬في‭ ‬القاعِ،

هَلْ‭ ‬كان‭ ‬الحَصى‭ ‬خَلْقًا‭ ‬بدائيًّا؟

وهَلْ‭ ‬كان‭ ‬الندى‭ ‬دَمْعًا‭ ‬قديمًا؟

مَنْ‭ ‬تَسَلَّلَ‭ ‬بالبُروقِ‭ ‬إلى‭ ‬مَراقِدنا،

لِيَغْشانا‭ ‬نُعاسُ‭ ‬البدْءِ؟‭ ‬

هَلْ‭ ‬كنّا‭ ‬فَراشًا‭ ‬حينما‭ ‬لُذْنا‭ ‬به‭ ‬صَرْعى؟

 

دَخَلْنا‭ ‬في‭ ‬سُباتٍ‭ ‬سَرْمديِّ،‮ ‬

كَمْ‭ ‬لَبِثْا؟

قِيلَ‭: ‬يَوْمًا،

قِيلَ‭: ‬أعوامًا،

ولكنّا‭ ‬صَحَوْنا‭ ‬كائناتٍ‭ ‬نُزَّعًا‭ ‬جَوْعى

 

تَناهَشْنا،‭ ‬أكَلْنا‭ ‬بَعْضَنا

حتى‭ ‬تَسَلَّقْنا‭ ‬جبالَ‭ ‬اللحْمْ

 

شَرِبْنا‭ ‬وارتَوَيْنا،

لَمْ‭ ‬نَزَلْ‭ ‬حتى‭ ‬مَشَيْنا‭ ‬ألْفَ‭ ‬عامٍ

في‭ ‬بحارِ‭ ‬الدمْ

 

سَلَكْنا‭ ‬بَطْنَ‭ ‬مُنْحَدَرٍ‭ ‬ضَبابيٍّ،

وجئنا‭ ‬نَحْو‭ ‬هاويةٍ

تَمُورُ‭ ‬كأنها‭ ‬الأفعى

 

أحاطَتْنا‭ ‬الضواري‭ ‬مِنْ‭ ‬نواحي‭ ‬الأرضِ،

ضَحَّيْنا‭ ‬بِرَهْطٍ‭ ‬هائلٍ،

حتى‭ ‬نَجَوْنا‭ ‬عُصْبَةً،‭ ‬نُجَباءَ،‭ ‬أسيادًا‭. ‬

مَضَيْنا،‭ ‬والطريقُ‭ ‬إلى‭ ‬الديارِ‭ ‬يطولُ،

كانت‭ ‬خَلْفَنا‭ ‬تَلِغُ‭ ‬الوحوشُ‭ ‬بهامِدِ‭ ‬الأجسادِ،

واجْتَزْنا‭ ‬خَواءً‭ ‬حالِكَ‭ ‬القَسَماتِ،

مُنْبَسِطًا‭ ‬كما‭ ‬يَتَمَدَّدُ‭ ‬المَرْعى

 

أتينا‭ ‬بَلْقَعًا‭ ‬جَرْداءَ

يعْوي‭ ‬في‭ ‬ذُراها‭ ‬البُومُ‭ ‬أحقابًا،‭ ‬

وكانت‭ ‬تَرْتَمي‭ ‬نارٌ‭ ‬على‭ ‬أطرافِها‭ ‬العمياءِ،

لا‭ ‬يَرْوى‭ ‬نوازِعَها‭ ‬سوى‭ ‬الدمِ‭ ‬دافِقًا‭ ‬عَذْبًا،

فألقَيْنا‭ ‬بها‭ ‬خَلْقًا‭ ‬عظيمًا،

واحْتَرَبْنا‭ ‬صاغـــرينَ‭ ‬لِحكْمةِ‭ ‬النيرانْ

 

تَلَفَّتْنا‭ ‬

وكنا‭ ‬خائفَيْنِ‭ ‬اثْنَيْنِ،

لَمْ‭ ‬نَلْمَحْ‭ ‬سوانا‭ ‬في‭ ‬البسيطةِ

حينما‭ ‬رَفَّتْ‭ ‬لنا‭ ‬جِنِّيةُ‭ ‬الوديانِ،

كانت‭ ‬مِثْل‭ ‬فاكهةٍ‭ ‬مُحَرَّمَةٍ،

تَشِعُّ‭ ‬بِفِتْنةِ‭ ‬الأنثى،

شَمَمْنا‭ ‬عِطْرَها‭ ‬المَسْحورَ‭ ‬عن‭ ‬بُعْدٍ،

تَعَرَّيْنا،

كَشَفْنا‭ ‬سَوْأَةَ‭ ‬القُربى،

خَرَجْنا‭ ‬مِنْ‭ ‬أسامينا

ومِنْ‭ ‬أسطورةِ‭ ‬الإنسانْ

 

ركَضْنا‭ ‬واقْتَتَلْنا‭ ‬أَلْفَ‭ ‬عامٍ‭ ‬تحت‭ ‬رُكْبَتِها،

تَعارَكْنا‭ ‬كشيطانَيْنِ‭ ‬جَبَّارَيْنِ،

أفْزَعْنا‭ ‬وحوشَ‭ ‬القَفْرِ،

أَفْزَعْنا‭ ‬طيورَ‭ ‬البرِّ‭ ‬في‭ ‬أوكارِها،

والماءَ‭ ‬في‭ ‬الغدْرانْ

 

نَظَرْتُ‭ ‬إلى‭ ‬شقيقي‭ ‬مَيِّتًا،

وهَتَفْتُ‭ ‬مُنْتَصِرًا‭:‬

سأسْقي‭ ‬جوعَها‭ ‬نَهْرَيْنِ‭ ‬مِنْ‭ ‬ماءِ‭ ‬السلالةِ،‭ ‬

ما‭ ‬يفي‭ ‬ظَمَأَ‭ ‬الهَواجِرِ‭ ‬في‭ ‬حُشاشَتِها،

لأُنْجِبَ‭ ‬مِنْ‭ ‬ترائبِها‭ ‬أُسوداً،‭ ‬سادَةً،‭ ‬نُجُباً،

وتَمْنَحَني‭ ‬الخليقةُ‭ ‬شارةَ‭ ‬الغُفْرانْ

وهأنذا‭ ‬بلا‭ ‬أَهْلٍ

يَرُدُّون‭ ‬المُؤجَّلَ‭ ‬مِنْ‭ ‬تحايانا،

بلا‭ ‬نَسْلٍ،

بلا‭ ‬أسْلافْ

 

تواريخي‭ ‬فناءٌ‭ ‬فائضٌ‭ ‬عن‭ ‬حاجةِ‭ ‬الأطرافْ

 

بُلينا،‭ ‬فامْضِ‭ ‬بي‭ ‬يا‭ ‬حارسَ‭ ‬الصّفْصافْ‭!