ذكريات عن مجلة العربي في عيد ميلادها الستين

ذكريات عن مجلة العربي  في عيد ميلادها الستين

عندما بلغ والدي د. محمد عبده غانم، رحمه الله، الستين من عمره، كتب قصيدة تأملية جميلة نشرها في مجلة العربي في أوائل عام 1972، وكان من كتّاب المجلة شعراً ونثراً، ويقول في مطلع القصيدة:

ســتـون،‮ ‬مـا‮ ‬أنـت‮ ‬يـا‭ ‬سـتـون؟‭ ‬إنـذار‮ ‬

أن الردى مـقـبـل والعـيـش إدبـار‮ ‬

وأن‮ «‬تــشــريــن‮» ‬عــن‮ «‬كــانـون‮» ‬حـدثـنـا‮ ‬

مـن بـعـد مـا‮ ‬غاب في‮ «‬نيسان‮»‬‮ «‬أيار‮» ‬

قــرأت عــنــك ولا أدري‮ ‬مــتـى قـرَأت

عـيـنـاي‮ ‬عـنـك،‮ ‬فـإن الذكر أطوار‮ ‬

قـد أعـذر الله مـن مـد السـنـين له‮ ‬

سـتـيـن،‮ ‬والمـد فـيـمـا زاد إيـثار‮ ‬

ولو تــجــلى لي‮ ‬المـحـجـوب مـا‭ ‬فـرحـت‮ ‬

نفسي‮ ‬إذا مد لي‮ ‬في‮ ‬العمر مقدار‮ ‬

أنـى‮ ‬يـكـون‮ ‬الذي‮ ‬يـأتـي‮ ‬الزمـان به‮ ‬

خـيـراً‮ ‬من الذاهب الماضي‮ ‬فأختار؟‮ ‬

لولا‮ ‬الأحـبـة في‮ ‬الدنيا لما بقيت‮ ‬

لي‮ ‬ليـلة مـن نـمـيـر الحـب‮ ‬تمتار‮ ‬

ليــل المــشــيـب بـلا كـأس ولا وتـر‮ ‬

والليـل عـنـد الصـبا‮ ‬كأس وأوتار‮ ‬

 

ولكن‭ ‬الستين‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الأفراد‭ ‬تختلف‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬الستين‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الدول‭ ‬والمؤسسات‭ ‬والمجلات‭. ‬ولــعل‭ ‬أقدم‭ ‬مجلــــة‭ ‬ثقافيــــة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬كفتي‮»‬‭ (‬أي‭ ‬الزهور‭) ‬التشيكية،‭ ‬التي‭ ‬أطلقت‭ ‬عام‭ ‬1834،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬حتى‭ ‬خلال‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭. ‬

وفي‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬أطلقت‭ ‬مجلة‭ ‬الهلال‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬1892‭ ‬كأول‭ ‬مجلة‭ ‬شهرية‭ ‬ثقافية‭ ‬عربية،‭ ‬ومازالت‭ ‬تواصل‭ ‬حضورها‭ ‬بعد‭ ‬126‭ ‬عاماً‭. ‬وفي‭ ‬ديسمبر‭ ‬القادم‭ ‬سنحتفل‭ ‬ببلوغ‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬عيد‭ ‬ميلادها‭ ‬الستين‭ ‬وهي‭ ‬مازالت‭ ‬متألقة،‭ ‬تشكل‭ ‬نقطة‭ ‬مضيئة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭.‬

مازلت‭ ‬أذكر‭ ‬يوم‭ ‬دخل‭ ‬الأستاذ‭ ‬المؤرخ‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬محيرز‭ ‬علينا‭ ‬الفصل‭ ‬في‭ ‬‮«‬كلية‭ ‬عدن‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬يده‭ ‬أول‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬1958،‭ ‬وهو‭ ‬يتحدث‭ ‬عنها‭ ‬بحماسة‭ ‬شديدة‭ ‬ويدعونا‭ ‬إلى‭ ‬قراءتها‭. ‬وكان‭ ‬الأستاذ‭ ‬محيرز‭ ‬يعلّمنا‭ ‬الرياضيات‭ ‬التطبيقية،‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬رجلاً‭ ‬واسع‭ ‬الثقافة،‭ ‬وله‭ ‬اهتمام‭ ‬كبير‭ ‬بالتاريخ،‭ ‬وفي‭ ‬فترة‭ ‬لاحقة‭ ‬أسس‭ ‬المركز‭ ‬اليمني‭ ‬للأبحاث‭ ‬والدراسات‭ ‬والآثار‭ ‬والمتاحف‭ ‬في‭ ‬عدن،‭ ‬وألّف‭ ‬ثلاثة‭ ‬كتب‭ ‬تاريخية‭ ‬عن‭ ‬عدن‭ ‬هي‭: ‬‮«‬صهاريج‭ ‬الطويلة‮»‬،‭ ‬و«صيرة‮»‬،‭ ‬و«كتاب‭ ‬العقبة‮»‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬كتاب‭ ‬عن‭ ‬رحلات‭ ‬الصينيين‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭.‬

وحين‭ ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬والدي‭ ‬قد‭ ‬أحضر‭ ‬العدد‭ ‬الأول‭ ‬إلى‭ ‬المنزل،‭ ‬وكان‭ ‬مهتماً‭ ‬بالمجلة،‭ ‬وظل‭ ‬يحضر‭ ‬لنا‭ ‬أعدادها‭ ‬باستمرار‭. ‬وفيما‭ ‬بعد‭ ‬كان‭ ‬ينشر‭ ‬فيها‭ ‬قصائده،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬رئاسة‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬زكي‭ ‬لتحرير‭ ‬المجلة،‭ ‬ثم‭ ‬فترة‭ ‬الأستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬بهاء‭ ‬الدين‭.‬

وعندما‭ ‬نشرت‭ ‬المجلة‭ ‬قصيدته‭ ‬‮«‬يا‭ ‬فجر‮»‬‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ثم‭ ‬قصيدته‭ ‬‮«‬بلا‭ ‬وكر‮»‬‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬السبعينيات،‭ ‬منع‭ ‬الحكم‭ ‬الشمولي‭ ‬بعدن‭ ‬توزيع‭ ‬هذين‭ ‬العددين‭ ‬من‭ ‬المجلة،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬لفترة،‭ ‬لأنه‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬هاتين‭ ‬القصيدتين‭ ‬تحملان‭ ‬نقداً‭ ‬للنظام‭. ‬ولكن‭ ‬بعض‭ ‬أبناء‭ ‬عدن،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬من‭ ‬النازحين‭ ‬إلى‭ ‬القُطر‭ ‬الشمالي‭ ‬من‭ ‬اليمن‭ ‬قبل‭ ‬الوحدة،‭ ‬حصلوا‭ ‬على‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬ووضعوا‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬بلا‭ ‬وكر‮»‬‭ ‬في‭ ‬‮«‬براويز‮»‬‭ ‬وعلقوها‭ ‬في‭ ‬مجالس‭ ‬بيوتهم‭! ‬

عندما‭ ‬كنت‭ ‬طالباً‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الهندسة‭ ‬بجامعة‭ ‬أبردين‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬كانت‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬زميل‭ ‬لنا،‭ ‬وهو‭ ‬كويتي‭ ‬يدرس‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الطب‭ ‬بالجامعة‭ ‬نفسها،‭ ‬وكان‭ ‬يومها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬دراسته‭ ‬بالكلية،‭ ‬وهو‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬العوضي،‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬رئيساً‭ ‬لجمعية‭ ‬الطلبة‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الجامعة،‭ ‬وصار‭ ‬وزيراً‭ ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬بلده‭. ‬وكان‭ ‬يهدي‭ ‬إلينا‭ ‬بعض‭ ‬أعداد‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬ونستمتع‭ ‬بقراءتها‭ ‬كثيراً،‭ ‬خصوصاً‭ ‬لقلة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يصل‭ ‬إلينا‭ ‬من‭ ‬المطبوعات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭. ‬وكان‭ ‬مما‭ ‬يصلني‭ ‬أحياناً‭ ‬بعض‭ ‬أعداد‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬فتاة‭ ‬الجزيرة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يصدرها‭ ‬في‭ ‬عدن‭ ‬جدي‭ ‬الصحفي‭ ‬المحامي‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬لقمان،‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬رجل‭ ‬النهضة‭ ‬في‭ ‬عدن،‭ ‬وكانت‭ ‬تصلني‭ ‬بواسطة‭ ‬خالي‭ ‬حافظ‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬لقمان،‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يدرس‭ ‬الطب‭ ‬في‭ ‬أبردين‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬نفسها،‭ ‬وكانت‭ ‬شقيقتي‭ ‬عزة‭ ‬غانم‭ ‬طالبة‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬في‭ ‬أبردين‭ (‬والبروفيسورة‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬صنعاء‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭) ‬تشاركني‭ ‬قراءة‭ ‬تلك‭ ‬المطبوعات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬نتنسم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬رائحة‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭.‬

كنت‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬أتناول‭ ‬وجبة‭ ‬الغداء‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬اتحاد‭ ‬الطلبة‭ ‬مع‭ ‬حافظ‭ ‬لقمان،‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬وكان‭ ‬شخصاً‭ ‬مرحاً‭ ‬محبوباً‭ ‬جداً‭ ‬بين‭ ‬طلبة‭ ‬الجامعة،‭ ‬وكونت‭ ‬معه‭ ‬ومع‭ ‬بعض‭ ‬الأصدقاء‭ ‬فريقاً‭ ‬للعبة‭ ‬الكرة‭ ‬الطائرة‭ (‬فولي‭ ‬بول‭) ‬في‭ ‬الجامعة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬ناد‭ ‬لتلك‭ ‬اللعبة‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬بالجامعة،‭ ‬وانتخبت‭ ‬رئيساً‭ ‬للنادي،‭ ‬ولعبنا‭ ‬مباريات‭ ‬عدة‭ ‬مع‭ ‬الجامعات‭ ‬الأسكتلندية‭ ‬الأخرى‭. ‬

وكنت‭ ‬أقرأ‭ ‬على‭ ‬خالي‭ ‬حافظ،‭ ‬وكان‭ ‬يكبرني‭ ‬بعام‭ ‬واحد‭ ‬فقط،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللقاءات‭ ‬على‭ ‬الغداء‭ ‬بعض‭ ‬محاولاتي‭ ‬الشعرية،‭ ‬فاقترح‭ ‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬أرسل‭ ‬بعضها‭ ‬للنشر‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬معجباً‭ ‬بالمجلة،‭ ‬وكان‭ ‬يعرف‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬أحرر‭ ‬مجلة‭ ‬كلية‭ ‬عدن‭. ‬ولكنني‭ ‬آثرت‭ ‬أن‭ ‬أبدأ‭ ‬بنشر‭ ‬قصائدي‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬فتاة‭ ‬الجزيرة‮»‬،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الستينيات،‭ ‬ولم‭ ‬ينشر‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬عقود،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬المجلات‭ ‬والصحف‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭. 

 

استطلاعات‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬المصورة

وبعد‭ ‬ظهورها‭ ‬بفترة‭ ‬وجيزة،‭ ‬أصدرت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬عدداً‭ ‬يحوي‭ ‬استطلاعاً‭ ‬مصوراً‭ ‬عن‭ ‬عدن،‭ ‬وهو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الاستطلاعات‭ ‬المصورة‭ ‬التي‭ ‬اشتهرت‭ ‬بها‭ ‬المجلة،‭ ‬وكان‭ ‬هدفها‭ ‬تعريف‭ ‬قرائها‭ ‬بمختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬وأيضاً‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬وكان‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬بتك‭ ‬الاستطلاعات‭ ‬في‭ ‬العادة‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬المجلة،‭ ‬ولسنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬هو‭ ‬الصحفي‭ ‬سليم‭ ‬زبال،‭ ‬ويساعده‭ ‬المصور‭ ‬أوسكار‭ ‬متري،‭ ‬وقد‭ ‬أثار‭ ‬ذلك‭ ‬العدد‭ ‬اهتماماً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬عدن‭. ‬وكان‭ ‬غلاف‭ ‬العدد‭ ‬عليه‭ ‬صورة‭ ‬بعض‭ ‬الفتيات‭ ‬من‭ ‬طلبة‭ ‬مدارس‭ ‬عدن،‭ ‬وكنت‭ ‬أعرف‭ ‬إحداهن،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬تمتُّ‭ ‬لي‭ ‬بصلة‭ ‬قرابة‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1970‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬أعمل‭ ‬نائباً‭ ‬لوكيل‭ ‬وزارة‭ ‬الأشغال‭ ‬والمواصلات‭ ‬ومديراً‭ ‬للإحصاء‭ ‬والتخطيط‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الوزارة،‭ ‬زارني‭ ‬السيدان‭ ‬سليم‭ ‬زبال‭ ‬وأوسكار‭ ‬متري‭ ‬في‭ ‬مكتبي‭ ‬بالوزارة،‭ ‬وأخبراني‭ ‬أنهما‭ ‬ينويان‭ ‬أن‭ ‬يعدّا‭ ‬تحقيقاً‭ ‬مصوراً‭ ‬عن‭ ‬جزيرة‭ ‬سقطرى‭ ‬الشهيرة‭ ‬بأشجارها‭ ‬ونباتاتها‭ ‬النادرة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬مثل‭ ‬شجرة‭ ‬دم‭ ‬الأخوين‭.‬

رحبت‭ ‬بهما،‭ ‬وقدمت‭ ‬ما‭ ‬طلبا‭ ‬من‭ ‬تسهيلات،‭ ‬وقررت‭ ‬أن‭ ‬أرافقهما‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬النادرة،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬قد‭ ‬زرت‭ ‬تلك‭ ‬الجزيرة‭ ‬الرومانسية‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬وقد‭ ‬قاما‭ ‬بالفعل‭ ‬بالرحلة،‭ ‬ولكن‭ ‬ظروفي‭ ‬لم‭ ‬تسمح‭ ‬لي‭ - ‬مع‭ ‬الأسف‭ - ‬بمرافقتهما‭. ‬

وعندما‭ ‬قدرت‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬السبعينيات‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الشمولي‭ ‬في‭ ‬عدن‭ ‬باليمن‭ ‬الجنوبي،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬أسموه‭ ‬يومها‭ ‬باليمن‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬وكان‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬لن‭ ‬يرعوي‭ ‬عن‭ ‬غيّه‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬المنظور،‭ ‬وسيستمر‭ ‬في‭ ‬إدخال‭ ‬الجنوب‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬دموية‭ ‬داخلية‭ ‬على‭ ‬الكراسي‭ ‬والسلطة‭ ‬وصراعات‭ ‬مسلحة‭ ‬مع‭ ‬جمهورية‭ ‬اليمن‭ ‬في‭ ‬الشمال،‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬أرحل‭ ‬من‭ ‬عدن،‭ ‬وكان‭ ‬أحد‭ ‬خياراتي‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭.‬

ولم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬عن‭ ‬أبوظبي‭ ‬ودبي‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬سمعته‭ ‬من‭ ‬والدتي‭ ‬ووالدي‭ ‬اللذين‭ ‬كانا‭ ‬قد‭ ‬ذهبا‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬إلى‭ ‬شقيقتي‭ ‬الصغرى‭ ‬التي‭ ‬هاجرت‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬الخبير‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬النفط،‭ ‬وما‭ ‬سمعته‭ ‬من‭ ‬خالي‭ ‬الشاعر‭ ‬علي‭ ‬محمد‭ ‬لقمان‭ ‬عن‭ ‬الشارقة‭ ‬التي‭ ‬زارها‭ ‬عام‭ ‬1970،‭ ‬والتقى‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الزيارة‭ ‬بشيخها‭ ‬آنذاك‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬خالد‭ ‬القاسمي،‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬وبعض‭ ‬أدبائها‭. ‬فلجأت‭ ‬إلى‭ ‬أعداد‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬وجدت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬مصور‭ ‬عن‭ ‬أبوظبي‭ ‬ودبي‭ ‬قُبيل‭ ‬تشكيل‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬تكوين‭ ‬صورة‭ ‬واضحة‭ ‬فيها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭ ‬عن‭ ‬المدينتين‭ ‬والإمارتين‭. ‬

وأدركت‭ ‬يومها‭ ‬قيمة‭ ‬تلك‭ ‬التحقيقات‭ ‬المصورة‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬بها‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬العربية‭. ‬وتلك‭ ‬التحقيقات‭ ‬هي‭ ‬اليوم‭ ‬مرجع‭ ‬قيّم‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الخليج‭. ‬

وقد‭ ‬ساعدتني‭ ‬تلك‭ ‬التحقيقات‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬قراري‭ ‬بالهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الإمارات‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬وسعي‭ ‬الهجرة‭ ‬إليها‭.‬

ولم‭ ‬أحتج‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬لأدرك‭ ‬أنني‭ ‬اتخذت‭ ‬القرار‭ ‬الصحيح،‭ ‬وقد‭ ‬رأيت‭ ‬القيادة‭ ‬المتميزة‭ ‬التي‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬بالإمارات‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الرقي،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬ذهبت‭ ‬قيادات‭ ‬اليمن‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬وأيضاً‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬بالوطن‭ ‬إلى‭ ‬هاوية‭ ‬سحيقة‭ ‬من‭ ‬التمزق‭ ‬والفساد،‭ ‬ولكن‭ ‬الشعب‭ ‬اليمني‭ ‬لن‭ ‬يستسلم‭ ‬لهم،‭ ‬لأنه‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬الزبيري‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭:‬

يلفقون‭ ‬قوانين‭ ‬العبيد‭ ‬لنا

ونحن‭ ‬شعب‭ ‬أبيٌّ‭ ‬ماردٌ‭ ‬شرسُ

في‭ ‬عام‭ ‬1982‭ ‬عندما‭ ‬أنشأنا‭ ‬مجلة‭ ‬المنتدى‭ ‬في‭ ‬دبي‭ ‬كأول‭ ‬مجلة‭ ‬ثقافية‭ ‬في‭ ‬الإمارات،‭ ‬جلست‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬أعضاء‭ ‬اللجنة‭ ‬الثقافية‭ ‬المشرفة‭ ‬على‭ ‬المجلة،‭ ‬لنناقش‭ ‬الشكل‭ ‬المقترح‭ ‬لها،‭ ‬وكانت‭ ‬أمامنا‭ ‬نماذج‭ ‬من‭ ‬المجلات‭ ‬المعروفة‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬لنستأنس‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬شكل‭ ‬مجلتنا‭ ‬وحجمها‭ ‬وتبويبها،‭ ‬ووقفنا‭ ‬طويلاً‭ ‬عند‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬النماذج‭ ‬التي‭ ‬أمامنا،‭ ‬ولكن‭ ‬مجلة‭ ‬المنتدى‭ ‬أخذت،‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر،‭ ‬شكلها‭ ‬الخاص‭ ‬بها‭ ‬حسب‭ ‬ظروفها‭ ‬وحاجتها‭.‬

كان‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬عرفت‭ ‬شخصياً‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬الرميحي،‭ ‬الذي‭ ‬التقيته‭ ‬مرات‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬دبي،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يأتي‭ ‬للمحاضرة‭ ‬أو‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬ندوات‭ ‬ومؤتمرات،‭ ‬وأولى‭ ‬تلك‭ ‬المرات‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬ندوة‭ ‬الثقافة‭ ‬والعلوم،‭ ‬حيث‭ ‬ألقى‭ ‬محاضرة‭. ‬

أما‭ ‬علاقتي‭ ‬بالكتابة‭ ‬في‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬فقد‭ ‬توطدت‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬رئاســــــة‭ ‬تحرير‭ ‬الدكتور‭ ‬سليمان‭ ‬العسكري‭ ‬للمجلة،‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬فيها‭ ‬قصائدي‭ ‬وأحياناً‭ ‬مقالاتي‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وآخر،‭ ‬فالمجلة‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تتيح‭ ‬فرصــــة‭ ‬النشر‭ ‬لأكبر‭ ‬عدد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬والأدباء‭.‬

 

التعامل‭ ‬بحرفية‭ ‬واقتدار

ومما‭ ‬أذكره‭ ‬عن‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬أنني‭ ‬أرسلت‭ ‬إليهم‭ ‬قصيدتي‭ ‬‮«‬بخبوخ‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أحب‭ ‬قصائدي‭ ‬إلى‭ ‬نفسي،‭ ‬وحين‭ ‬نشرتها‭ ‬وضعتها‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬حديث‭ ‬الشهر‭ ‬الذي‭ ‬تفتتح‭ ‬به‭ ‬المجلة‭. ‬يومها‭ ‬اتصل‭ ‬بي‭ ‬المحرر‭ ‬الثقافي‭ ‬لإحدى‭ ‬الصحف‭ ‬السيّارة‭ - ‬على‭ ‬غير‭ ‬عادته‭- ‬معبراً‭ ‬عن‭ ‬إعجابه‭ ‬الشديد‭ ‬بتلك‭ ‬القصيدة‭ ‬وجدة‭ ‬أسلوبها‭ ‬وموضوعها،‭ ‬وأضاف‭ ‬أن‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬أدركَتْ‭ ‬قيمة‭ ‬القصيدة‭ ‬بنشرها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الموضع‭. ‬وتأكدتُ‭ ‬أن‭ ‬هيئة‭ ‬التحرير‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬المواد‭ ‬بحرفية‭ ‬واقتدار‭. ‬

وقد‭ ‬دأبت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬ندوات‭ ‬فكرية‭ ‬راقية‭ ‬تستضيف‭ ‬فيها‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬الفكر‭ ‬والأدب‭ ‬والعلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬وأيضاً‭ ‬بعض‭ ‬الأجانب‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭. ‬وقد‭ ‬أكرمتني‭ ‬المجلة‭ ‬بدعوتي‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الندوات‭ ‬الممتعة‭ ‬والمفيدة،‭ ‬وقدمت‭ ‬فيها‭ ‬بحوثاً،‭ ‬ومن‭ ‬تلك‭ ‬الندوات‭ ‬ندوة‭ ‬‮«‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وسائط‭ ‬الاتصال‭ ‬الحديثة‮»‬‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2010،‭ ‬وكان‭ ‬يديرها‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬آنذاك‭ ‬الدكتور‭ ‬سليمان‭ ‬العسكري،‭ ‬وندوة‭ ‬‮«‬العرب‭ ‬يتجهون‭ ‬شرقاً‮»‬‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2011‭ ‬أيضاً‭ ‬تحت‭ ‬إدارة‭ ‬د‭. ‬العسكري،‭ ‬وقدمت‭ ‬فيها‭ ‬بحثاً‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬الآسيوية‭ ‬الثقافية‭ ‬ذ‭ ‬الهند‭ ‬نموذجاً‮»‬‭. ‬وأذكر‭ ‬أن‭ ‬أحداث‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالربيع‭ ‬العربي‭ ‬بدأت‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الندوة،‭ ‬وأثارت‭ ‬نقاشاً‭ ‬جانبياً‭ ‬في‭ ‬ردهات‭ ‬الفندق‭ ‬ومطاعمه‭. ‬وقد‭ ‬أكرمني‭ ‬د‭. ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬تلك‭ ‬التجمعات‭ ‬بالتعريف‭ ‬بي‭ ‬كواحد‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬يترجم‭ ‬الشعر‭ ‬إلى‭ ‬العربية،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬الشعر‭ ‬المعاصر‭ ‬من‭ ‬الهند‭.‬

ومن‭ ‬تلك‭ ‬الندوات‭ ‬القيمة‭ ‬ملتقى‭ ‬العربي‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2014‭ ‬حول‭ ‬‮«‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‮»‬،‭ ‬وقدمت‭ ‬فيه‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬ترجمة‭ ‬الشعر‭ ‬الهندي،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬المكتوب‭ ‬بلغة‭ ‬الماليالم،‭ ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬أصدرت‭ ‬كتباً‭ ‬عدة‭ ‬ترجمت‭ ‬فيها‭ ‬نماذج‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬الهندي‭ ‬المكتوب‭ ‬في‭ ‬نحو‭ ‬12‭ ‬لغة‭. ‬وقد‭ ‬أكرمتني‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬بقراءة‭ ‬قصيدتي‭ ‬‮«‬ألا‭ ‬بذكرك‭ ‬قلبي‭ ‬يطمئن‮»‬‭ ‬التي‭ ‬غناها‭ ‬المغني‭ ‬العالمي‭ ‬سامي‭ ‬يوسف‭ ‬في‭ ‬ختام‭ ‬المؤتمر‭. ‬

وفي‭ ‬مارس‭ ‬2015‭ ‬استُضفت‭ ‬في‭ ‬ملتقى‭ ‬العربي‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬في‭ ‬ندوة‭ ‬حول‭ ‬‮«‬ثقافة‭ ‬التسامح‭ ‬والسلام‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬أدارها‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬الحالي‭ ‬د‭. ‬عادل‭ ‬سالم‭ ‬العبدالجادر‭. ‬ومما‭ ‬أذكره‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الندوة‭ ‬أنني‭ ‬جلست‭ ‬إلى‭ ‬وجبة‭ ‬الغداء‭ - ‬عن‭ ‬غير‭ ‬قصد‭ - ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬كان‭ ‬عليها‭ ‬د‭. ‬العبدالجادر‭ ‬ولفيف‭ ‬من‭ ‬محرري‭ ‬المجلة‭ ‬ومراسليها‭ ‬الرسميين،‭ ‬ليتخلل‭ ‬الغداء‭ ‬نقاش‭ ‬عمل‭ ‬حول‭ ‬المجلة،‭ ‬ولكن‭ ‬الدكتور‭ ‬وزملاءه،‭ ‬لدماثة‭ ‬أخلاقهم،‭ ‬لم‭ ‬يشاؤوا‭ ‬أن‭ ‬يحرجوني‭ ‬ويشعروني‭ ‬بأنهم‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬خاص،‭ ‬ورحّبوا‭ ‬بي،‭ ‬ولم‭ ‬أدرك‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بدأ‭ ‬الغداء،‭ ‬فشاركت‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬نقاشهم‭ ‬حول‭ ‬تطوير‭ ‬المجلة‭. ‬في‭ ‬ندوة‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬ندوة‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وسائط‭ ‬الاتصال‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2010‭ ‬شعرت‭ ‬بأن‭ ‬المجلة‭ ‬كانت‭ ‬تدرس‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬ضرورة‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬مجلة‭ ‬إلكترونية،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬المجلات‭ ‬والصحف‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭. ‬

 

إصدار‭ ‬نسخة‭ ‬إنجليزية

وبالفعل‭ ‬صارت‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬تصدر‭ ‬إلكترونياً‭ ‬مع‭ ‬ملاحقها‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأربع‭ ‬الأخيرة‭ ‬بجانب‭ ‬الطبعة‭ ‬الورقية‭ ‬التي‭ ‬آمل‭ ‬أن‭ ‬تستمر،‭ ‬فـ«العربي‮»‬‭ ‬مجلة‭ ‬العرب‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تصدر‭ ‬منذ‭ ‬أواخر‭ ‬الخمسينيات‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬أمير‭ ‬الكويت‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬السالم‭ ‬الصباح،‭ ‬الذي‭ ‬أرسى‭ ‬نهضة‭ ‬ثقافية‭ ‬كبرى‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬المجلات‭ ‬والدوريات‭ ‬الثقافية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬اقترن‭ ‬اسمها‭ ‬بدولة‭ ‬الكويت‭.‬

وأتذكر‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬أقاربي‭ ‬المثقفين،‭ ‬وهو‭ ‬طبيب‭ ‬استشاري‭ ‬معروف‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬كتب‭ ‬لي‭ ‬منذ‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬أما‭ ‬آن‭ ‬للعربي‭ ‬أن‭ ‬تصدر‭ ‬في‭ ‬طبعة‭ ‬إنجليزية‭ ‬بجانب‭ ‬الطبعة‭ ‬العربية؟‮»‬،‭ ‬وكتبت‭ ‬له‭ ‬يومها‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬ذلك‭ ‬الاقتراح‭ ‬الوجيه‭ ‬مباشرة‭ ‬لرئيس‭ ‬التحرير،‭ ‬ولا‭ ‬أدري‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬فعل‭ ‬أم‭ ‬لا‭. ‬

على‭ ‬كل‭ ‬حال،‭ ‬ربما‭ ‬الوقت‭ ‬لم‭ ‬يفُت‭ ‬بعد،‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬أتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الاقتراح‭ ‬قد‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬بال‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬المجلة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭. ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الإمكان‭ ‬إصدار‭ ‬نسخة‭ ‬إلكترونية‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬ولو‭ ‬لأجزاء‭ ‬من‭ ‬المجلة،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬للآخر‭ ‬الجانب‭ ‬المشرق‭ ‬من‭ ‬حضارتنا‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬وثقافتنا‭ ‬المعاصرة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تساعد‭ ‬في‭ ‬دحض‭ ‬التهم‭ ‬الظالمة‭ ‬التي‭ ‬يحاول‭ ‬الأعداء‭ ‬إلصاقها‭ ‬بنا‭.‬

عندما‭ ‬توقفت‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬لفترة‭ ‬وجيزة‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬1990‭ ‬بسبب‭ ‬الغزو‭ ‬العراقي‭ ‬الغاشم،‭ ‬شعرت‭ ‬وشعر‭ ‬معي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أصدقائي‭ ‬المثقفين‭ ‬بتلك‭ ‬الخسارة‭ ‬الفادحة‭ ‬التي‭ - ‬لحُسن‭ ‬الحظ‭ - ‬لم‭ ‬تستمر‭ ‬طويلاً،‭ ‬فعادت‭ ‬المجلة‭ ‬بشكل‭ ‬ربما‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬السابق‭.‬

‭ ‬وأخيراً‭ ‬أهنئ‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬ببلوغها‭ ‬الستين،‭ ‬وأتمنى‭ ‬لهذه‭ ‬المجلة‭ ‬الراقية‭ ‬العريقة‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬في‭ ‬تأدية‭ ‬رسالتها‭ ‬السامية‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الأمة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ■