«العربي» سفير بلا وصايا ولا كُلْفة

«العربي» سفير بلا وصايا ولا كُلْفة

بحلول‭ ‬ديسمبر‭ ‬المقبل‭ ‬تكون‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬الكويتية‭ ‬قد‭ ‬بلغت‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬ستة‭ ‬عقود‭ ‬كاملة،‭ ‬صدر‭ ‬خلالها‭ ‬سبعمئة‭ ‬وواحد‭ ‬وعشرون‭ ‬عددًا،‭ ‬وبالتالي‭ - ‬حسابيًا‭ - ‬نُسِخت‭ ‬منها‭ ‬عشرات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬النسخ،‭ ‬وزعت‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم،‭ ‬وجابت‭ ‬أقاصيه‭ ‬سفيرًا‭ ‬متجولا‭ ‬للكويت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬البلدان،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬الذيوع‭ ‬والانتشار‭ ‬والإعجاب،‭ ‬لولا‭ ‬دقة‭ ‬الهدف‭ ‬والمنهج‭ ‬الواضح‭ ‬والرؤية‭ ‬المتكاملة‭ ‬التي‭ ‬تستوعب‭ ‬الإنجازات‭ ‬العلمية‭ ‬والفكرية‭ ‬وثقافة‭ ‬الشعوب‭.‬

 

‭ ‬ليس‭ ‬عجيبًا‭ ‬أن‭ ‬تمثّل‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬منعرجًا‭ ‬مهمًا‭ ‬ومؤثرًا‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الصحافة‭ ‬والثقافة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬وتجد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بقعة‭ ‬حلّت‭ ‬بها‭ ‬بيئة‭ ‬ملائمة‭ ‬لاحتضانها،‭ ‬ومرتعًا‭ ‬خصبًا‭ ‬لنموها‭ ‬وازدهارها،‭ ‬ويكون‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬النفوس‭ ‬هوى،‭ ‬وفي‭ ‬الثغور‭ ‬قصص‭ ‬وحكايات‭.‬

كنا‭ ‬صغارًا‭ ‬يافعين‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نعرف‭ ‬القراءة‭ ‬ولا‭ ‬الكتابة،‭ ‬لكننا‭ ‬عرفنا‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬إصدارات‭ ‬كثيرة‭ ‬كان‭ ‬أبي‭ ‬يأتي‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬كل‭ ‬شهر،‭ ‬وكان‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يميزها‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬الإصدارات‭ ‬الغلاف‭ ‬والصور‭ ‬والرسومات‭ ‬التي‭ ‬يحتويها‭ ‬العدد،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جذب‭ ‬انتباهي‭ ‬وأشقائي‭ ‬نحوها‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬وقعت‭ ‬عليها‭ ‬أعيننا،‭ ‬ومسّتها‭ ‬أيدينا،‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬باكر،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ألاحظه‭ ‬حاليًا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬أبنائي،‭ ‬وكان‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬استغرابي‭ ‬وحيرتي‭ ‬لما‭ ‬أرى‭ ‬أعمامي‭ ‬كلاً‭ ‬بيده‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬العدد‭ ‬نفسه،‭ ‬سائلًا‭ ‬نفسي‭: ‬لماذا‭ ‬ثلاث‭ ‬نسخ‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬منزل‭ ‬واحد؟‭... ‬الغلاف،‭ ‬الصور،‭ ‬والعناوين‭ ‬وشكل‭ ‬الكتابة،‭ ‬كانت‭ ‬تبين‭ ‬لي‭ ‬ذلك‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬سواها،‭ ‬ودائمًا‭ ‬ما‭ ‬يستولي‭ ‬عليّ‭ ‬فضول‭ ‬الطفولة‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬كل‭ ‬عدد‭ ‬جديد‭ ‬لأتصفح‭ ‬المجلة‭ ‬صفحة‭ ‬إثر‭ ‬أخرى،‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬علّمني‭ ‬القراءة‭ ‬بالعين‭ ‬قبل‭ ‬الحرف،‭ ‬لأقارن‭ ‬علّني‭ ‬أجد‭ ‬فرقًا‭ ‬بين‭ ‬هاتيك‭ ‬النسخ،‭ ‬يكون‭ ‬مقنعًا‭ ‬لإشباع‭ ‬فضولي‭ ‬ومبررًا‭ ‬لوجود‭ ‬ثلاث‭ ‬منها،‭ ‬خاصة‭ ‬وقد‭ ‬كنت‭ ‬أرى‭ ‬أبي‭ ‬وأعمامي‭ ‬عقب‭ ‬مغيب‭ ‬الشمس‭ ‬يوميًا‭ ‬يقرأون‭ ‬ويتداولون‭ ‬الصحف‭ ‬اليومية‭ ‬وبقية‭ ‬الإصدارات،‭ ‬عدا‭ ‬االعربيب،‭ ‬فكل‭ ‬يطالع‭ ‬نسخته،‭ ‬وكانوا‭ ‬يقرأون‭ ‬موضوعاتها‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يستطيعون،‭ ‬ولم‭ ‬يجتمع‭ ‬منهم‭ ‬اثنان‭ ‬أو‭ ‬ثلاثتهم‭ ‬إلا‭ ‬وتناقشوا‭ ‬فيما‭ ‬قرأوه،‭ ‬يظهر‭ ‬ولعهم‭ ‬بها‭ ‬عندما‭ ‬نأتي‭ ‬ونسأل‭ ‬عن‭ ‬حاجة‭ ‬فلا‭ ‬ينطقون‭ ‬بكلمة،‭ ‬والذي‭ ‬يتطوع‭ ‬بالرد‭ ‬يقول‭: ‬«انتظر‭ ‬حتى‭ ‬أنهي‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع»،‭ ‬وكنا‭ ‬نسمع‭ ‬حديثهم‭ ‬عن‭ ‬موضوعاتها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬كثيرها،‭ ‬وإن‭ ‬فهمنا‭ ‬القليل‭ ‬أدركنا‭ ‬أنه‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬استيعابنا،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬كان‭ ‬حديثهم‭ ‬ينمّ‭ ‬عن‭ ‬قراءتهم‭ ‬لها‭ ‬بإمعان‭ ‬وحب‭ ‬وصل‭ ‬حد‭ ‬الإدمان‭. ‬

 

تثقيف‭ ‬رفيع

لما‭ ‬ألحقنا‭ ‬بالمدرسة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الستينيات‭ ‬وتقدمنا‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬وتفتّح‭ ‬الوعي،‭ ‬قرأت‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬حوته‭ ‬«العربي»‭ ‬بالقدر‭ ‬الذي‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬قدراتي،‭ ‬مما‭ ‬أعانني‭ ‬في‭ ‬موضوعات‭ ‬التعبير‭ ‬التي‭ ‬يطلب‭ ‬منا‭ ‬كتابتها‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬وسعيت‭ ‬مع‭ ‬أشقائي‭ ‬لحل‭ ‬المسابقة‭ ‬والكلمات‭ ‬المتقاطعة،‭ ‬كما‭ ‬كنا‭ ‬نسعى‭ ‬إلى‭ ‬قراءتها‭ ‬وتداولها‭ ‬مع‭ ‬طائفة‭ ‬من‭ ‬الطلاب‭ ‬الذين‭ ‬أبدوا‭ ‬إعجابًا‭ ‬بما‭ ‬تطرحه‭ ‬من‭ ‬مقالات‭ ‬تتسم‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬السهل‭ ‬الممتنع،‭ ‬والتثقيف‭ ‬الرفيع،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬أدركت‭ ‬معنى‭ ‬«العربي»،‭ ‬ولماذا‭ ‬كان‭ ‬أبي‭ ‬وشقيقاه‭ ‬يحرصون‭ ‬على‭ ‬الاشتراك‭ ‬لاقتنائها‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬كنوزهم‭ ‬الثقافية‭ ‬والمعرفية‭ ‬التي‭ ‬حملناها‭ ‬معهم،‭ ‬وورثناها‭ ‬بعدهم،‭ ‬ونورثها‭ ‬لأبنائنا‭ ‬من‭ ‬بعدنا،‭ ‬بإذن‭ ‬الله،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ازداد‭ ‬يقيني‭ ‬بأن‭ ‬المسابقة‭ ‬والكلمات‭ ‬المتقاطعة‭ ‬اللتين‭ ‬كنا‭ ‬نتسابق‭ ‬لحلهما‭ ‬ما‭ ‬كانتا‭ ‬وسيلة‭ ‬لتزجية‭ ‬الفراغ،‭ ‬كما‭ ‬كنا‭ ‬نعتقد‭ ‬في‭ ‬بادئ‭ ‬الأمر،‭ ‬وإنما‭ ‬محفزات‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬المعارف،‭ ‬وصارتا‭ ‬تمثلان‭ ‬لنا‭ ‬قاموسًا‭ ‬معرفيًا‭ ‬عريضًا‭ ‬عرفنا‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬معاني‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬مفردات‭ ‬الفصحى،‭ ‬ومترادفاتها‭ ‬ومعكوساتها،‭ ‬كما‭ ‬عرفنا‭ ‬دولًا‭ ‬وعواصم‭ ‬ومدنًا‭ ‬مختلفة،‭ ‬وأسماء‭ ‬المشاهير‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬القدامى‭ ‬والمحدثين،‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬عربًا‭ ‬أو‭ ‬أعاجم،‭ ‬أو‭ ‬علماء،‭ ‬ومكتشفين،‭ ‬ومفكرين،‭ ‬وأدباء،‭ ‬ورسامين،‭ ‬وممثلين،‭ ‬وخلافه‭. ‬

ولما‭ ‬تقدمنا‭ ‬في‭ ‬العمر‭ ‬وتمدد‭ ‬الوعي،‭ ‬نزعنا‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬معرفتنا‭ ‬واطّلاعنا‭ ‬بالإقبال‭ ‬عليها‭ ‬عن‭ ‬قصد،‭ ‬وحرصت‭ ‬مثل‭ ‬أبي‭ ‬وأعمامي‭ ‬على‭ ‬اقتنائها‭ ‬بقدر‭ ‬حرصي‭ ‬واجتهادي‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬ما‭ ‬فاتني‭ ‬من‭ ‬أعداد‭ ‬ومواضيع‭ ‬لكبار‭ ‬الكتّاب‭ ‬العرب،‭ ‬وتجولت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استطلاعاتها‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬والمدن،‭ ‬ووجدت‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وكلما‭ ‬تعمقت‭ ‬في‭ ‬قراءتها‭ ‬أدركت‭ ‬سر‭ ‬بهائها‭ ‬وخلودها،‭ ‬وتفتحت‭ ‬نفسي‭ ‬للمزيد،‭ ‬ورسخّت‭ ‬فيّ‭ ‬التطلع‭ ‬والشغف‭ ‬للمعرفة‭ ‬والكتابة‭.‬

 

مسافر‭ ‬رفيقه‭ ‬‮«‬العربي‮»‬

كنا‭ ‬جماعة‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬بالقطار‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬لأجل‭ ‬الدراسة،‭ ‬وعند‭ ‬العصر‭ ‬توقف‭ ‬القطار‭ ‬فجأة‭ ‬عن‭ ‬السير،‭ ‬لعطب‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬مجراه‭ ‬بمنطقة‭ ‬خلوية،‭ ‬بلقعٌ‭ ‬أرضها،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬ماء،‭ ‬ولا‭ ‬شجر،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬ينم‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬فيها،‭ ‬وبينما‭ ‬كنا‭ ‬نغدو‭ ‬ونروح‭ ‬بين‭ ‬مقدمة‭ ‬القطار‭ ‬ومؤخرته،‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬من‭ ‬أمرنا‭ ‬وأمر‭ ‬القطار‭ ‬المعطوب،‭ ‬إذا‭ ‬بي‭ ‬ألمح‭ ‬شابًا‭ ‬دون‭ ‬الخامسة‭ ‬والعشرين‭ ‬عامًا‭ ‬مستلقيًا‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬مستظلًا‭ ‬بظل‭ ‬القطار،‭ ‬يحرس‭ ‬كومة‭ ‬من‭ ‬مجلات‭ ‬العربي‭ ‬كأنه‭ ‬يعرضها‭ ‬للبيع‭ ‬في‭ ‬قفار‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬البيع‭ ‬والشراء‭ ‬ولا‭ ‬المعاملات‭ ‬التجارية،‭ ‬كان‭ ‬يقرأ‭ ‬بإمعان‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أعدادها،‭ ‬غير‭ ‬آبه‭ ‬بما‭ ‬حدث،‭ ‬ولا‭ ‬مهموم‭ ‬بالوقت‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬ببطء‭ ‬وثقالة‭ ‬تفرغ‭ ‬من‭ ‬صبرنا،‭ ‬ولفرط‭ ‬اهتمامه‭ ‬بما‭ ‬يطالع‭ ‬لم‭ ‬ينتبه‭ ‬لوجودي‭ ‬بقربه،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬استأذنته‭ ‬بدأت‭ ‬أقلب‭ ‬صفحات‭ ‬المجلات‭ ‬التي‭ ‬بجواره،‭ ‬ورغم‭ ‬أنني‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬قد‭ ‬طالعتها‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬فإنها‭ ‬أخذت‭ ‬تجرفني‭ ‬نحوها‭ ‬بصورة‭ ‬أشهى‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل،‭ ‬وتوسعت‭ ‬حلقة‭ ‬القراء،‭ ‬ثم‭ ‬سألته‭ ‬باستغراب‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬سذاجة‭: ‬«لماذا‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأعداد‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬هل‭ ‬تود‭ ‬بيعها‭ ‬في‭ ‬مصر؟»‭ ‬فأجابني‭ ‬إجابة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬منِّي‭ ‬على‭ ‬ذِكْر،‭ ‬ولن‭ ‬أنساها‭ ‬ما‭ ‬حييت،‭ ‬حيث‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬تجربة‭ ‬السفر‭ ‬عبر‭ ‬القطارات‭ ‬أو‭ ‬المسافات‭ ‬الطويلة‭ ‬علمته‭ ‬التزود‭ ‬بشيء‭ ‬يفيده‭ ‬في‭ ‬أسفاره،‭ ‬ولأنه‭ ‬مسكون‭ ‬بحب‭ ‬الاطلاع،‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬سوى‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬لتصبح‭ ‬رفيقه‭ ‬وزاده‭ ‬الذي‭ ‬يتنقل‭ ‬معه‭ ‬أينما‭ ‬رحل،‭ ‬وحين‭ ‬يطالعها‭ ‬كأنه‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬عوالم‭ ‬أخرى،‭ ‬خاصة‭ ‬وهي‭ ‬مجلة‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬اللغة‭ ‬ورشاقة‭ ‬الأسلوب‭ ‬ووضوح‭ ‬الفكرة،‭ ‬لم‭ ‬تذعن‭ ‬للثقافة‭ ‬المشوهة‭ ‬والمنحرفة،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تخضع‭ ‬لتأثيرات‭ ‬الإيقاع‭ ‬الرتيب‭ ‬الممل،‭ ‬وهي‭ ‬تحقق‭ ‬الفائدة،‭ ‬وتقتل‭ ‬الوحشة‭ ‬وتبدد‭ ‬الملل،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬السفريات‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬مفاجآت‭ ‬غير‭ ‬مرغوبة‭. ‬

لم‭ ‬أندهش‭ ‬حينما‭ ‬شاهدت‭ ‬ذلك‭ ‬الشاب‭ ‬بعد‭ ‬حلول‭ ‬الظلام‭ ‬مستلقيًا‭ ‬على‭ ‬قفاه،‭ ‬مسندًا‭ ‬رأسه‭ ‬إلى‭ ‬القضيب‭ ‬يطالع‭ ‬في‭ ‬مجلاته‭ ‬بإنارة‭ ‬القاطرة‭ ‬الأمامية،‭ ‬وكان‭ ‬يقرأ‭ ‬باهتمام‭ ‬زائد‭ ‬غريب،‭ ‬كأنه‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬امتحان‭ ‬في‭ ‬موضوعاتها،‭ ‬ولو‭ ‬تحرك‭ ‬القطار‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأثناء‭ ‬ومسه‭ ‬في‭ ‬رأسه‭ ‬لما‭ ‬أحس‭ ‬به‭. ‬

 

رحلة‭ ‬شاقة

لم‭ ‬يتوقف‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬تحرك‭ ‬القطار‭ ‬وصعدنا‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬الباخرة‭ ‬المتجهة‭ ‬نحو‭ ‬ميناء‭ ‬أسوان،‭ ‬صعدت‭ ‬معنا‭ ‬كل‭ ‬أعداد‭ ‬«العربي»‭ ‬التي‭ ‬بحوزته،‭ ‬وظل‭ ‬يداوم‭ ‬على‭ ‬قراءتها‭ ‬طول‭ ‬رحلة‭ ‬الإبحار،‭ ‬ولم‭ ‬يبخل‭ ‬على‭ ‬طالبي‭ ‬المعرفة‭ ‬من‭ ‬تزويدهم‭ ‬بها‭ ‬حتى‭ ‬وصولنا‭ ‬إلى‭ ‬الميناء،‭ ‬وتفرقنا‭ ‬أيدي‭ ‬سبأ‭. ‬

وظل‭ ‬حديث‭ ‬الشاب‭ ‬وصورته‭ ‬عالقين‭ ‬بمخيلتي‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬وحفزاني‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬التمسك‭ ‬بالمجلة،‭ ‬وكان‭ ‬سؤالي‭ ‬بعدما‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬الإسكندرية‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬الحصول‭ ‬عليها،‭ ‬وكانت‭ ‬مكتبة‭ ‬العم‭ ‬«أبو‭ ‬ممدوح»‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬محطة‭ ‬الرمل‭ ‬هي‭ ‬الأنسب،‭ ‬لأكون‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬المداومين‭ ‬على‭ ‬قراءتها‭ ‬حتى‭ ‬انتهت‭ ‬فترة‭ ‬دراستي‭ ‬بعد‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬رحلة‭ ‬«العربي»‭ ‬في‭ ‬فيافي‭ ‬السودان‭ ‬وربوعه،‭ ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬البلدان،‭ ‬سهلة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحيان،‭ ‬وإنما‭ ‬رحلات‭ ‬طويلة‭ ‬شاقة‭ ‬محفوفة‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الصعاب،‭ ‬لأجل‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭ ‬بالحضر‭ ‬والأرياف‭ ‬بسعر‭ ‬مناسب،‭ ‬فلم‭ ‬تترك‭ ‬واديًا‭ ‬إلا‭ ‬قطعته،‭ ‬ولا‭ ‬جبلًا‭ ‬إلا‭ ‬صعدته،‭ ‬ولا‭ ‬سهلًا‭ ‬إلا‭ ‬ساحت‭ ‬فيه،‭ ‬ولا‭ ‬بحرًا‭ ‬إلا‭ ‬عبرته،‭ ‬ولا‭ ‬نهرًا‭ ‬إلا‭ ‬تجولت‭ ‬بين‭ ‬شاطئيه،‭ ‬تجوب‭ ‬الأصقاع‭ ‬والقرى‭ ‬القصية،‭ ‬تارة‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬دابة‭ ‬من‭ ‬دواب‭ ‬الأرض،‭ ‬وتارة‭ ‬عبر‭ ‬الأجواء،‭ ‬وأخرى‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬السفن،‭ ‬متغلبة‭ - ‬بصبر‭ ‬بالغ‭ - ‬على‭ ‬كل‭ ‬العوائق‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬مسيرتها،‭ ‬لا‭ ‬تبتغي‭ ‬شيئًا‭ ‬غير‭ ‬صون‭ ‬العربية‭ ‬الفصحى،‭ ‬وخدمة‭ ‬التراث‭ ‬والثقافة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬ورضا‭ ‬الناس‭ ‬عما‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬جوفها‭.‬

 

درة‭ ‬العرب

حدثني‭ ‬أستاذ‭ ‬القانون‭ ‬بالجامعات‭ ‬السودانية‭ ‬د‭. ‬مصطفى‭ ‬كمال‭ ‬الجزولي‭ ‬فقال‭: ‬ابدأت‭ ‬رحلتي‭ ‬مع‭ ‬«العربي»‭ ‬منذ‭ ‬بواكير‭ ‬الصبا،‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬رأسي‭ ‬الدويم‭ ‬بولاية‭ ‬النيل‭ ‬الأبيض‭ - ‬حاليًا‭ - ‬وكنت‭ ‬حينها‭ ‬في‭ ‬الرابعة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمري‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬الثانوية‭ ‬بمدرسة‭ ‬الدويم‭ ‬الريفية،‭ ‬وهي‭ ‬إحدى‭ ‬مدارس‭ ‬بخت‭ ‬الرضا‭ ‬العريق،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المستغرب‭ ‬أن‭ ‬نكتشف‭ ‬أنا‭ ‬ورفقاء‭ ‬دربي‭ ‬وزملائي‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬درّة‭ ‬العرب‭ )‬مجلة‭ ‬العربي)‭ ‬في‭ ‬بلدة‭ ‬تعرف‭ ‬بــ‭ ‬«مدينة‭ ‬العلم‭ ‬والنور»،‭ ‬كانت‭ ‬تأتي‭ ‬إلى‭ ‬مدينتنا‭ ‬لتجدنا‭ ‬مع‭ ‬حشد‭ ‬القراء‭ ‬في‭ ‬انتظارها‭ ‬لتتخطفها‭ ‬الأيادي‭ ‬من‭ ‬مكتبة‭ ‬عمنا‭ ‬الحاج‭ ‬غانم‭ ‬محمد‭ ‬أفندي،‭ ‬وحالما‭ ‬خطفناها‭ ‬نبدأ‭ ‬قراءتها‭ ‬بتمعّن‭ ‬وارتياح،‭ ‬لما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬شهية‭ ‬للثقافة‭ ‬والتثاقف،‭ ‬ثم‭ ‬ندير‭ ‬حوارات‭ ‬طويلة‭ ‬جادة‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬نقرأ،‭ ‬خاصة‭ ‬ونحن‭ ‬مجموعة‭ ‬لجنة‭ ‬الثقافة‭ ‬بالمدرسة،‭ ‬وكنا‭ ‬قد‭ ‬أنشأنا‭ ‬جدارية‭ ‬حائطية‭ ‬بالمدرسة‭ ‬كإصدار‭ ‬ثقافي،‭ ‬مستلهمين‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬نطّلع‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬ومجلات‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬فكانت‭ ‬موضوعاتها‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬مؤثرًا‭ ‬في‭ ‬تكويننا‭ ‬الثقافي‭ ‬والمعرفي‭.‬

وما‭ ‬حفزنا‭ ‬على‭ ‬استمرارية‭ ‬تعاطيها‭ ‬هو‭ ‬الخط‭ ‬الذي‭ ‬تنتهجه‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الموضوع‭ ‬والمحتوى،‭ ‬وتفردها‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الإصدارات‭ ‬الأخرى،‭ ‬وحقيقة‭ ‬كنا‭ ‬مبهورين‭ ‬بها‭ ‬وبطرق‭ ‬عرضها،‭ ‬وبكُتّابها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأرجاء،‭ ‬وهي‭ ‬بحواسها‭ ‬القوية‭ ‬جسدت‭ ‬بالصورة‭ ‬سحر‭ ‬المكان‭ ‬لأماكن‭ ‬ومدن‭ ‬عربية‭ ‬وإسلامية‭ ‬متعددة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬موضوعاتها‭ ‬المتفردة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البحوث‭ ‬النقدية‭ ‬العميقة،‭ ‬وملامسة‭ ‬قضايا‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬المد‭ ‬القومي‭ ‬العربي،‭ ‬والتبشير‭ ‬بوحدة‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭.‬

 

نعم‭ ‬الرفيق

امتدت‭ ‬رحلتي‭ ‬مع‭ ‬«العربي»‭ ‬حتى‭ ‬بعدما‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬الدراسة‭ ‬الجامعية‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬اليونانية‭ ‬أثينا،‭ ‬حيث‭ ‬كنت‭ ‬ومعي‭ ‬بعض‭ ‬رفاقي‭ ‬الطلبة‭ ‬العرب‭ ‬نقطع‭ ‬المسافات‭ ‬لنصل‭ ‬إلى‭ ‬ميدان‭ ‬أمونيا‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬أعدادها،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإصدارات‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬توطدت‭ ‬صلتي‭ ‬بها‭ ‬أكثر،‭ ‬وكانت‭ ‬نِعم‭ ‬الرفيق‭ ‬الذي‭ ‬يؤانسني‭ ‬في‭ ‬غربتي،‭ ‬خاصة‭ ‬وقد‭ ‬كنا‭ ‬مولعين‭ ‬بمتابعة‭ ‬وقراءة‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬بلداننا‭ ‬العربية،‭ ‬وتتبُّع‭ ‬الحركة‭ ‬الثقافية‭ ‬فيها‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬الطويلة‭ ‬عاصرت‭ ‬جميع‭ ‬رؤساء‭ ‬تحرير‭ ‬المجلة،‭ ‬ابتداءً‭ ‬بالأديب‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬زكي‭ ‬عاكف،‭ ‬مؤسس‭ ‬أكاديمية‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ (‬1958‭ ‬‭- ‬1975‭)‬،‭ ‬الأستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬بهاءالدين‭ /‬مصر،‭ (‬1976‭ - ‬1982‭) ‬ود‭. ‬محمد‭ ‬الرميحي‭/ ‬الكويت،‭ (‬1982‭ - ‬1999‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬سليمان‭ ‬العسكري‭/ ‬الكويت،‭ (‬1999‭ - ‬2013‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬عادل‭ ‬سالم‭ ‬العبدالجادر‭/ ‬الكويت،‭ (‬2013‭ ‬‭- ‬حتى‭ ‬الآن‭)‬،‭ ‬وكلهم‭ ‬قدموا‭ ‬عصارة‭ ‬فكرهم‭ ‬وجهدهم‭ ‬وتجاربهم‭ ‬لاستمراريتهاب‭.‬

ويضيف‭ ‬الجزولي‭: ‬«بلا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬الطويلة‭ ‬التي‭ ‬امتدت‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬عامًا‭ ‬شكلت‭ ‬فيها‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬تكويني‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي‭ ‬والسياسي‭ ‬حتى،‭ ‬حيث‭ ‬أتاحت‭ ‬لي‭ ‬الكثير،‭ ‬وأن‭ ‬أنتهج‭ ‬خطًا‭ ‬فكريًا‭ ‬وسياسيًا‭ ‬بالانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الفكر‭ ‬القومي‭ ‬العروبي‭.‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬المفارقات‭ ‬الجميلة‭ ‬أن‭ ‬نحتفل‭ ‬معًا‭ ‬أنا‭ ‬و«العربي»‭ ‬بقدوم‭ ‬ستينيتنا،‭ ‬حيث‭ ‬ولدنا‭ ‬معًا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1958،‭ ‬وهنيئًا‭ ‬لنا‭ ‬هذه‭ ‬الرفقة‭ ‬الطويلة»‭.‬

ويضيف‭ ‬د‭. ‬الجزولي‭: ‬«بمناسبة‭ ‬هذه‭ ‬الستينية‭ ‬أقترح‭ ‬على‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬أمر‭ ‬المجلة‭ ‬أن‭ ‬تصدر‭ ‬بنسخة‭ ‬إلكترونية‭ ‬للعالم‭ ‬الخارجي‭ ‬باللغتين‭ ‬الإنجليزية‭ ‬والفرنسية،‭ ‬لتمتد‭ ‬جسور‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬والثقافات‭ ‬والحضارات‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬صار‭ ‬أضيق‭ ‬من‭ ‬قرية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬شأنًا‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬مجلات‭ ‬العالم،‭ ‬وإن‭ ‬فاقت‭ ‬غيرها‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الجوانب»‭.‬

 

عمارة‭ ‬راسخة

قصص‭ ‬وحكايات‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬مع‭ ‬قرائها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬فجاج‭ ‬المعمورة‭ ‬كثيرة‭ ‬جدًا‭ ‬بكثرة‭ ‬أعدادها‭ ‬ونسخها‭ ‬المطبوعة‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬مولدها‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬وتختلف‭ ‬سيناريوهاتها‭ ‬باختلاف‭ ‬عادات‭ ‬وألسنة‭ ‬وأمزجة‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬لمست‭ ‬أياديهم‭ ‬صفحاتها،‭ ‬لأن‭ ‬الذين‭ ‬فكّروا‭ ‬في‭ ‬إصدارها‭ ‬درسوا‭ ‬وخططوا‭ ‬بذكاء‭ ‬ورؤية‭ ‬ثاقبة،‭ ‬وبذلوا‭ ‬جهدًا‭ ‬فائقًا‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬بناء‭ ‬المدماك‭ ‬الأول‭ ‬لعمارة‭ ‬ثقافية‭ ‬نابضة‭ ‬بالإبداع،‭ ‬وحرصوا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬محط‭ ‬اهتمام‭ ‬الناس‭ ‬وحديثهم‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬حتى‭ ‬مستقبل‭ ‬بعيد،‭ ‬لهم‭ ‬ولنا‭ ‬وللأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬بإذن‭ ‬الله،‭ ‬مثلما‭ ‬كانوا‭ ‬حريصين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬القدوة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬عالم‭ ‬فكري‭ ‬وثقافي‭ ‬خلّاق‭ ‬ومعرفي‭ ‬شامل‭ ‬يغلب‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬سائد‭ ‬في‭ ‬النشر‭.‬

تبدى‭ ‬هذا‭ ‬بجلاء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الموضوعات‭ ‬التي‭ ‬تطرحها،‭ ‬ومن‭ ‬قبل‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الاسم،‭ ‬وكأنى‭ ‬بهم‭ ‬يقولون‭ - ‬هذا‭ ‬منكم‭ ‬وبكم‭ ‬وإليكم‭ - ‬وتطابق‭ ‬الاسم‭ ‬مع‭ ‬المسمى،‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬رنين‭ ‬خاص‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يتردد‭ ‬صداه‭ ‬في‭ ‬الفضاءات،‭ ‬لاسيما‭ ‬وهي‭ ‬مجلة‭ ‬غير‭ ‬منحازة‭ ‬لدولة،‭ ‬أو‭ ‬شعب،‭ ‬أو‭ ‬فئة،‭ ‬وحتى‭ ‬الذين‭ ‬تعاقبوا‭ ‬على‭ ‬رئاسة‭ ‬تحريرها‭ ‬كانوا‭ ‬بالمستوى‭ ‬نفسه،‭ ‬لم‭ ‬يحيدوا‭ ‬عن‭ ‬أهدافها‭ ‬المرسومة،‭ ‬ولم‭ ‬يدخروا‭ ‬جهدًا‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬دفة‭ ‬التطوير‭ ‬الدينامي‭ ‬المطّرد‭ ‬وفق‭ ‬متطلبات‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬والواقع‭ ‬الثقافي‭ ‬الماثل‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الإخراج‭ ‬الفني،‭ ‬وأن‭ ‬يجعلوا‭ ‬منها‭ ‬منبرًا‭ ‬متجددًا‭ ‬من‭ ‬أجّل‭ ‬المنابر‭ ‬الإعلامية‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية‭ ‬والأدبية،‭ ‬وأعظمها‭ ‬تأثيرًا‭ ‬على‭ ‬المتلقي‭.‬

 

قيمة‭ ‬أدبية‭ ‬رفيعة

مذ‭ ‬حطت‭ ‬«العربي»‭ ‬رحالها‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬السودان‭ ‬ذاعت‭ ‬شهرتها،‭ ‬وأدرك‭ ‬غالبية‭ ‬أهله‭ ‬المستنيرون‭ ‬وغيرهم‭ ‬قيمتها‭ ‬الأدبية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وقوة‭ ‬بيانها‭ ‬وسحر‭ ‬متونها،‭ ‬وسيطرت‭ ‬على‭ ‬عقول‭ ‬الكثيرين،‭ ‬وأقبلوا‭ ‬عليها‭ ‬بحب‭ ‬جارف،‭ ‬وتعمقت‭ ‬صلاتهم‭ ‬بها،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬مستشار‭ ‬التعليم‭ ‬الطبي‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬الأديب‭ ‬البروفيسور‭ ‬بشير‭ ‬حمد،‭ ‬يقول‭: ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬«العربي»،‭ ‬فهي‭ ‬عمارة‭ ‬راسخة‭ ‬من‭ ‬عمارات‭ ‬البث‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي،‭ ‬بدأت‭ ‬صلتي‭ ‬بها‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬صدورها‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وعندما‭ ‬جاءت‭ ‬إلى‭ ‬السودان‭ ‬وجدتني‭ ‬طالبًا‭ ‬بكلية‭ ‬الطب‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الخرطوم،‭ ‬وكنا‭ ‬نقرأ‭ ‬وقتذاك‭ ‬مجلتي‭ ‬الرسالة‭ ‬المصرية‭ ‬للأديب‭ ‬الزيات،‭ ‬و«الأديب»‭ ‬البيروتية‭ ‬للكاتب‭ ‬ألبير‭ ‬أديب،‭ ‬لكن‭ ‬«العربي»‭ ‬جاءت‭ ‬بلون‭ ‬وطعم‭ ‬ونكهة‭ ‬مختلفة‭ ‬عما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬حال‭ ‬المجلات‭ ‬الشبيهة،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬شبيه‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬سبقتها‭.‬

وقد‭ ‬تجلى‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬تقوقعها‭ ‬وارتكازها‭ ‬على‭ ‬المحلية،‭ ‬وإنما‭ ‬شملت‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬الإقليم،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬وجدتُ‭ ‬فيها‭ - ‬ومازالت‭ - ‬ما‭ ‬لم‭ ‬أجده‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المجلات،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الموضوعات‭ ‬المتنوعة‭ ‬في‭ ‬الثقافة،‭ ‬والاجتماع،‭ ‬والفلسفة،‭ ‬والهندسة،‭ ‬والطب،‭ ‬بجانب‭ ‬الفنون‭ ‬بكل‭ ‬ضروبها‭ ‬لكُتّاب‭ ‬عرب‭ ‬من‭ ‬شتى‭ ‬الدول،‭ ‬ذوي‭ ‬أفكار‭ ‬وثقافات‭ ‬متباينة،‭ ‬وهذا‭ ‬بالطبع‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تميزها‭ ‬وتفردها‭ ‬اللذين‭ ‬حققت‭ ‬بهما‭ ‬نقلة‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬ذات‭ ‬باع‭ ‬طويل،‭ ‬ولها‭ ‬قاعدة‭ ‬عريضة‭ ‬بين‭ ‬أنماط‭ ‬البشر،‭ ‬وجعلني‭ ‬أستمرئ‭ ‬مطالعتها‭ ‬باستمرار‭.‬

ويمضي‭ ‬البروفيسور‭ ‬حمد‭ ‬قائلًا‭: ‬والحق‭ ‬يُقال‭ ‬عندما‭ ‬أقلب‭ ‬صفحات‭ ‬«العربي»‭ ‬أشعر‭ ‬بأنني‭ ‬أقلب‭ ‬في‭ ‬أيقونة،‭ ‬لأن‭ ‬مستوى‭ ‬إخراجها‭ ‬يوحي‭ ‬بذلك‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الصور‭ ‬الفوتوغرافية‭ ‬أو‭ ‬المرسومة‭ ‬لفنانين‭ ‬متمرسين‭ ‬على‭ ‬الإبداع،‭ ‬نلاحظ‭ ‬هذا‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬ملاءمة‭ ‬الصور‭ ‬والرسومات‭ ‬للموضوع‭ ‬المطروح،‭ ‬مما‭ ‬يشد‭ ‬القارئ‭ ‬نحوها،‭ ‬وحتى‭ ‬المقالات‭ ‬المطروحة‭ ‬على‭ ‬صفحاتها،‭ ‬هي‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬النمطية‭ ‬والتكرار،‭ ‬وليست‭ ‬جافة،‭ ‬ودائمًا‭ ‬ما‭ ‬نجد‭ ‬فيها‭ ‬الطرفة‭ ‬أو‭ ‬النكتة‭ ‬أو‭ ‬الشعر،‭ ‬لذا‭ ‬عندما‭ ‬يتصفحها‭ ‬المرء‭ ‬يجد‭ ‬متعة‭ ‬لا‭ ‬تحد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب،‭ ‬ويود‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬ينته‭ ‬من‭ ‬مطالعتها‭.‬

و«العربي»‭ ‬من‭ ‬المجلات‭ ‬الفخيمة‭ ‬التي‭ ‬لعبت‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬ومؤثرًا‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬كجيل‭ ‬قارئ،‭ ‬لذا‭ ‬أهنئ‭ ‬أسرة‭ ‬المجلة‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين،‭ ‬ونتمنى‭ ‬لها‭ ‬التقدم‭ ‬والازدهار‭.‬

 

سفير‭ ‬بلا‭ ‬وصايا

جاءت‭ ‬«العربي»‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬إلى‭ ‬العاصمة‭ ‬السودانية‭ ‬الخرطوم،‭ ‬ومنها‭ ‬انطلقت‭ ‬إلى‭ ‬المحافظات‭ )‬الولايات‭ ‬حاليًا)‭ ‬ومدن‭ ‬وقرى‭ ‬السودان‭ ‬المختلفة،‭ ‬سفيرًا‭ ‬متجولًا‭ ‬للفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬في‭ ‬أراضيه،‭ ‬بل‭ ‬جاوزت‭ ‬التخوم‭ ‬لتكون‭ ‬سفير‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬المتجول‭ ‬بلا‭ ‬وصايا‭ ‬ولا‭ ‬كُلْفة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭. ‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬الظروف‭ ‬كانت‭ ‬سفيرًا‭ ‬ذا‭ ‬فنتازيا‭ ‬عالية‭ ‬باهرة‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬رسالة‭ ‬مزدوجة‭ )‬خذ‭ ‬وهات)‭‬ ،‭ ‬ وهو‭ ‬الأقدر‭ ‬على‭ ‬الاستكشاف‭ ‬ولفت‭ ‬الانتباه‭ ‬أينما‭ ‬حط‭ ‬رحاله‭.‬

يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬والإعلامي‭ ‬البارز‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬هلاوي‭: ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الستينيات،‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬الثامنة‭ ‬من‭ ‬عمري‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التقريب،‭ ‬وقد‭ ‬وُلِدت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭ ‬الصغيرة‭ )‬كسلا‭( ‬بشرق‭ ‬السودان‭. ‬أحداث‭ ‬وصور‭ ‬عديدة‭ ‬ظلت‭ ‬باقية‭ ‬ومحفورة‭ ‬في‭ ‬وجداني،‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬المهمة‭ ‬الأسبوعية‭ ‬التي‭ ‬درج‭ ‬أن‭ ‬يكلفني‭ ‬بها‭ ‬ذلك‭ ‬الجد‭ ‬الأنيق‭ ‬الورع‭ ‬المولع‭ ‬بالقراءة،‭ ‬والمتمثلة‭ ‬في‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬المكتبة‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬البلدة‭ ‬لصاحبها‭ ‬الحاج‭ ‬إبراهيم‭ ‬داوود،‭ ‬وجلب‭ ‬راتبه‭ ‬الأسبوعي‭ ‬والشهري‭ ‬من‭ ‬المجلات‭ ‬والصحف‭ ‬العربية‭ ‬والأوربية،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬الشيخ‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬المشتركين،‭ ‬لأجل‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬المكتبة‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬يراني‭ ‬حتى‭ ‬يضع‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬رزمة‭ ‬الشيخ‭ ‬بلا‭ ‬تردد‭.‬

وأكثر‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬اهتمامي‭ ‬هو‭ ‬وجود‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المجلات‭ ‬والصحف،‭ ‬حتى‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬أحرص‭ ‬على‭ ‬الجلوس‭ ‬فوق‭ ‬أول‭ ‬حجر‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬الواقع‭ ‬بين‭ ‬المكتبة‭ ‬ومنزل‭ ‬الشيخ،‭ ‬لأضع‭ ‬كل‭ ‬المجلات‭ ‬فوق‭ ‬حِجري،‭ ‬وأقلب‭ ‬بكل‭ ‬مودة‭ ‬وحب‭ ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬كنهه‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬دون‭ ‬سواها‭.‬

كانت‭ ‬تبهرني‭ ‬بخطوطها‭ ‬وصورها‭ ‬وألوانها،‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬حينها‭ ‬أجيد‭ ‬سوى‭ ‬قراءة‭ ‬العناوين‭ ‬البارزة،‭ ‬كانت‭ ‬تستهويني‭ ‬رائحة‭ ‬صفحاتها،‭ ‬حتى‭ ‬أنني‭ ‬كنتُ‭ ‬أميزها‭ ‬بين‭ ‬صفحات‭ ‬كل‭ ‬المجلات‭. ‬وأقسم‭ ‬أن‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬كانت‭ ‬عشقي‭ ‬الأول‭ ‬لعالم‭ ‬المكتبات‭ ‬والقراءة‭ ‬الجادة،‭ ‬لأنها‭ ‬ذات‭ ‬رسالة‭ ‬فريدة،‭ ‬وعلّها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬علمتني‭ ‬ودست‭ ‬في‭ ‬قلبي‭ ‬نبض‭ ‬التعلق‭ ‬بالثقافة‭ ‬والأدب‭.‬

 

عاشق‭ ‬بلا‭ ‬قصد

تمضي‭ ‬الأيام‭ - ‬والحديث‭ ‬لهلاوي‭ - ‬وعلاقتي‭ ‬بمكتبة‭ ‬الحاج‭ ‬داوود‭ ‬تزداد‭ ‬رسوخًا‭ ‬لأجد‭ ‬نفسي‭ ‬وأنا‭ ‬دون‭ ‬العشرين‭ ‬أدخل‭ ‬المكتبة‭ ‬قارئًا‭ ‬معتمدًا،‭ ‬أسال‭ ‬عن‭ ‬العدد‭ ‬الجديد‭ ‬لمجلة‭ ‬العربي‭ ‬مثلي‭ ‬مثل‭ ‬شيخي‭ ‬الذي‭ ‬رحل‭ ‬عن‭ ‬الدنيا‭ ‬مخلفًا‭ ‬أيضًا‭ ‬قارئًا‭ ‬لمختلف‭ ‬الكتب‭ ‬والمجلات‭ ‬في‭ ‬مقدمها‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬عاشقًا‭ ‬دون‭ ‬قصد،‭ ‬ومن‭ ‬بعد‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬لي‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬زاوية‭ ‬أو‭ ‬حجر‭ ‬لأجلس‭ ‬عليه‭.‬

ثم‭ ‬تمضي‭ ‬الأيام‭ ‬وأعداد‭ ‬«العربي»‭ ‬تنمو‭ ‬في‭ ‬بيتنا‭ ‬كما‭ ‬تنمو‭ ‬الأزاهر،‭ ‬وحين‭ ‬قررنا‭ ‬الرحيل‭ ‬من‭ ‬كسلا‭ ‬إلى‭ ‬العاصمة‭ ‬الخرطوم‭ ‬كان‭ ‬هاجسي‭ ‬الأول‭ ‬كيف‭ ‬يمكنني‭ ‬ترحيل‭ ‬مكتبتي،‭ ‬ولم‭ ‬أجد‭ ‬بُدًّا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أهديها‭ ‬إلى‭ ‬صديق‭ ‬أحبه،‭ ‬ظل‭ ‬يشكرني‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الرسائل،‭ ‬ويذكرني‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬مداومًا‭ ‬على‭ ‬امتلاك‭ ‬إصدار‭ ‬«العربي»‭ ‬الشهرية،‭ ‬حافظًا‭ ‬لي‭ ‬ود‭ ‬عشق‭ ‬ورثته‭ ‬وأورثته‭ ‬لأناس‭ ‬بعدي‭.‬

لو‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬الراهن،‭ ‬وما‭ ‬قبل‭ ‬ستين‭ ‬عامًا‭ ‬لوجدنا‭ ‬فوارق‭ ‬وتغيرات‭ ‬شتى‭ ‬عظيمة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬النشر‭ ‬والقراءة‭ ‬والثقافة،‭ ‬لكن‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬تاريخها‭ ‬المديد‭ ‬حافظت‭ ‬على‭ ‬أهدافها‭ ‬وخطها‭ ‬الذي‭ ‬يخدم‭ ‬التراث‭ ‬والثقافة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬ويدرأ‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬العربية‭ ‬الفصحى،‭ ‬وأثبتت‭ ‬جدواها‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الوعي‭ ‬العام،‭ ‬وأنها‭ ‬السفير‭ ‬المتجول‭ ‬المتميز‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬رسالته‭ ‬بمهنية‭ ‬وتجرد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المنعطفات‭.‬

 

سهم‭ ‬التميز

حافظت‭ ‬«العربي»‭ ‬على‭ ‬قرائها،‭ ‬لكونها،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬الإعلامي‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬مالك،‭ ‬مستشار‭ ‬صحيفة‭ ‬صوت‭ ‬برؤوت‭ ‬في‭ ‬بورتسودان‭ - ‬ولاية‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭: ‬كان‭ ‬على‭ ‬رئاسة‭ ‬تحريرها‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬زكي،‭ ‬الذي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬ينادى‭ ‬بــ‭ ‬«الدكاترة»‭ ‬أحمد‭ ‬زكي،‭ ‬لأن‭ ‬حصيلته‭ ‬من‭ ‬درجة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬العلوم‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬منحته‭ ‬ذاك‭ ‬الصيت‭ ‬المدوي،‭ ‬فـ«العربي»‭ ‬حين‭ ‬انطلقت‭ ‬كانت‭ ‬نتيجة‭ ‬لصناعة‭ ‬الكبار،‭ ‬فبدت‭ ‬منذ‭ ‬وهلتها‭ ‬الأولى‭ ‬كبيرة‭. ‬

كانت‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬سفيرًا‭ ‬متجولًا‭ ‬تجاز‭ ‬أوراق‭ ‬اعتماده‭ ‬عاجلًا‭ ‬كلما‭ ‬سُمِع‭ ‬وقع‭ ‬أقدامه‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬محافل‭ ‬العلم‭ ‬وقصور‭ ‬المعرفة‭.‬

كنت‭ ‬أحرص‭ ‬على‭ ‬اقتنائها‭ ‬وأنا‭ ‬صبي‭ ‬يعبر‭ ‬بمرحلته‭ ‬الوسطى‭ ‬من‭ ‬الدراسة،‭ ‬وما‭ ‬زلت‭ ‬أحرص‭ ‬على‭ ‬اقتنائها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬امتدت‭ ‬رحلة‭ ‬العمر‭ ‬وحلّ‭ ‬المشيب،‭ ‬وبرأيي‭ ‬أنها‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬رمى‭ ‬بسهم‭ ‬التميز‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬الصحافة‭ ‬العربية،‭ ‬فهي‭ ‬المجلة‭ ‬الجامعة‭ ‬المتخمة‭ ‬بالمعارف‭ ‬والحاضنة‭ ‬لخصيصة‭ ‬التفوق‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنواتها‭ ‬الستين‭.‬

كانت،‭ ‬وما‭ ‬زالت،‭ ‬تجنح‭ ‬إلى‭ ‬التنوع‭ ‬المقصود‭ ‬بدقة‭ ‬لإحداث‭ ‬الاستجابة‭ ‬المباغتة‭ ‬لمن‭ ‬يتصفحها‭. ‬ومنذ‭ ‬صدورها‭ ‬الأول‭ ‬شُبِهت‭ ‬بالفرس‭ ‬الأصهب‭ ‬بين‭ ‬خيول‭ ‬كل‭ ‬الإصدارات‭ ‬العربية،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬صهيلها‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬المنطقة‭ ‬وما‭ ‬عداها‭. ‬التحية‭ ‬لـ‭ ‬االعربيب‭ ‬بالعربي،‭ ‬وبكل‭ ‬اللغات‭ ‬الحية،‭ ‬والتحية‭ ‬لطاقمها‭ ‬المتنوع‭ ‬الذي‭ ‬عبر‭ ‬بها‭ ‬وترك‭ ‬فيها‭ ‬عبقه،‭ ‬والتحية‭ ‬لطاقمها‭ ‬المقيم،‭ ‬والتحية‭ ‬لكل‭ ‬القامات‭ ‬التي‭ ‬تعاقبت‭ ‬على‭ ‬رئاسة‭ ‬تحريرها،‭ ‬ففي‭ ‬عيدها‭ ‬الستين‭ ‬تظل‭ ‬االعربيب‭ ‬حرفًا‭ ‬يزداد‭ ‬الوثوق‭ ‬به،‭ ‬وقيمة‭ ‬تفتح‭ ‬لها‭ ‬خزانة‭ ‬الوثائق‭.‬

 

كائن‭ ‬محسوس

رسمت‭ ‬«العربي»‭ ‬صورة‭ ‬واقعية‭ ‬زاهية‭ ‬لقرائها،‭ ‬وأصبحت‭ ‬رافدًا‭ ‬مهمًا‭ ‬ومؤثرًا‭ ‬في‭ ‬حيواتهم‭ ‬الثقافية‭ ‬والمعرفية،‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الناس‭ ‬يقبلون‭ ‬على‭ ‬اقتنائها‭ ‬بإفراط‭ ‬ومودة،‭ ‬ويستذخرونها‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭ ‬لتبقى‭ ‬حاضرة‭ ‬بينهم‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الأعوام،‭ ‬يرجعون‭ ‬إليها‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬أرادوا‭.‬

يقول‭ ‬سمير‭ ‬برسي‭ ‬طه،‭ ‬ضابط‭ ‬اتصالات‭ ‬بحرية‭ ‬بميناء‭ ‬بورتسودان‭: ‬درجنا‭ ‬منذ‭ ‬الصغر‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬عطبرة‭ ‬العمالية‭ ‬التي‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬الترفيه‭ ‬المتعددة،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬اهتمامنا‭ ‬منصبًا‭ ‬على‭ ‬«أكشاك»‭ ‬بيع‭ ‬الكتب‭ ‬المستعملة،‭ ‬لنشتري‭ ‬الروايات‭ ‬والقصص‭ ‬والمجلات‭ ‬المصورة‭ ‬بثمن‭ ‬بخس‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬مصروفنا‭ ‬المحدود،‭ ‬ويلبي‭ ‬شغفنا‭ ‬للاطلاع‭ ‬والتسلية‭.‬

وفي‭ ‬إحدى‭ ‬المرات،‭ ‬وأنا‭ ‬أتفرس‭ ‬في‭ ‬محتويات‭ ‬أحد‭ ‬الأكشاك‭ ‬لفت‭ ‬انتباهي‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬بغلافها‭ ‬المصقول‭ ‬وألوانها‭ ‬الزاهية،‭ ‬وكان‭ ‬ثمنها‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬اليد،‭ ‬فاشتريتها‭ ‬بدافع‭ ‬الفضول،‭ ‬ومن‭ ‬واقع‭ ‬صغر‭ ‬سني‭ ‬واهتماماتي‭ ‬وشغفي،‭ ‬تخيرت‭ ‬الأبواب‭ ‬التي‭ ‬تناسبني‭ ‬وتلبي‭ ‬احتياجاتي‭ ‬المعرفية‭ ‬في‭ ‬حينها‭ ‬من‭ ‬قصة‭ ‬قصيرة،‭ ‬وأبواب‭ ‬الطرائف‭ ‬والاستطلاع‭ ‬المصور،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬أعود‭ ‬إليها‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا‭ ‬لأجد‭ ‬نفسي‭ ‬اطلعت‭ ‬على‭ ‬جل‭ ‬ما‭ ‬فيها‭. ‬وصرت‭ ‬رويدًا‭ ‬رويدًا‭ ‬أسعى‭ ‬إليها‭ ‬وأحرص‭ ‬على‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬مواضيعها،‭ ‬ثم‭ ‬تحول‭ ‬اهتمامي‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬اطّلاع‭ ‬إلى‭ ‬حب‭ ‬اقتناء،‭ ‬فأصبحت‭ ‬أحجز‭ ‬نسختي‭ ‬الشهرية‭ ‬من‭ ‬مكتبة‭ ‬«دبورة»،‭ ‬أكبر‭ ‬مكتبات‭ ‬مدينة‭ ‬عطبرة،‭ ‬وأسأل‭ ‬عن‭ ‬مواعيد‭ ‬وصولها‭ ‬بترقب‭ ‬شديد،‭ ‬لتصبح‭ ‬«العربي»‭ ‬اختيارنا‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المجلات‭ ‬المصورة،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬الإضافة‭ ‬الحلوة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬«كتاب‭ ‬العربي»،‭ ‬و«العربي‭ ‬الصغير»،‭ ‬و«العربي‭ ‬العلمي»،‭ ‬وأصبحت‭ ‬المجلة‭ ‬من‭ ‬أيقونات‭ ‬مكتبتنا‭ ‬المتواضعة‭ ‬نعود‭ ‬إليها‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا‭ ‬لنجد‭ ‬شيئًا‭ ‬جديدًا‭ ‬فاتنا‭ ‬الاطلاع‭ ‬عليه،‭ ‬أو‭ ‬لاسترجاع‭ ‬معلومة‭ ‬نحتاج‭ ‬إليها‭.‬

وما‭ ‬زلنا‭ ‬من‭ ‬عشاقها،‭ ‬رغم‭ ‬محدودية‭ ‬توزيعها‭ ‬وانتشار‭ ‬الوسائط‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬لكن‭ ‬«العربي»‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬بين‭ ‬يديك‭ ‬هي‭ ‬كائن‭ ‬محسوس‭ ‬ونبع‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬المتجددة‭. ‬

 

ثمرة‭ ‬فكر‭ ‬ثاقب

لما‭ ‬كانت‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬ثمرة‭ ‬من‭ ‬ثمرات‭ ‬الفكر‭ ‬الثاقب‭ ‬التي‭ ‬جنتها‭ ‬الشعوب،‭ ‬وأفادت‭ ‬منها‭ ‬خيرًا‭ ‬كثيرًا،‭ ‬أصبحت‭ ‬ضرورة‭ ‬وجودها‭ ‬كنسخة‭ ‬ورقية‭ ‬على‭ ‬مسرح‭ ‬الحياة‭ ‬الثقافية‭ ‬مع‭ ‬قدوم‭ ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬أشد‭ ‬إلحاحًا‭ ‬من‭ ‬سابقه،‭ ‬لمست‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬زكريا‭ ‬محمد‭ ‬سيد‭) ‬صاحب‭ ‬مكتبة‭ ‬لتوزيع‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬بالخرطوم‭ ‬بحري)‭  : ‬رحلتي‭ ‬مع‭ ‬«العربي»‭ ‬رحلة‭ ‬تاريخية‭ ‬طويلة،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ترد‭ ‬إلينا‭ ‬في‭ ‬المكتبة‭ ‬منذ‭ ‬الثمانينيات،‭ ‬لقد‭ ‬لفتت‭ ‬انتباهي‭ ‬وأنا‭ ‬صغير،‭ ‬وورثتها‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬التسعينيات‭ ‬عن‭ ‬أبي،‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬المحل‭ ‬وأنا‭ ‬كبير،‭ ‬وما‭ ‬زلت‭ ‬أحتفظ‭ ‬بكمية‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬أعدادها‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬وهنا،‭ ‬أعود‭ ‬إليها‭ ‬كلما‭ ‬وجدت‭ ‬فسحة‭ ‬من‭ ‬الوقت،‭ ‬شدتني‭ ‬موضوعاتها،‭ ‬ولا‭ ‬تشبع‭ ‬النفس‭ ‬من‭ ‬مطالعتها،‭ ‬خاصة‭ ‬«الاستطلاعات»،‭ ‬لأنها‭ ‬تتصل‭ ‬بطبيعة‭ ‬البلدان‭ ‬وحياة‭ ‬الشعوب‭. ‬

«العربي»‭ ‬تحتل‭ ‬مكانة‭ ‬كبيرة،‭ ‬ولها‭ ‬رواج‭ ‬عالٍ،‭ ‬وأعدادها‭ ‬سريعة‭ ‬النفاد،‭ ‬لذا‭ ‬تجد‭ ‬غالبية‭ ‬قرائها‭ ‬يحرصون‭ ‬على‭ ‬الاشتراك‭ ‬أو‭ ‬الدفع‭ ‬المقدم،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تمثّل‭ ‬مرجعية‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬المهتمين‭ ‬والطلاب‭ ‬من‭ ‬الجنسين،‭ ‬خاصة‭ ‬الذين‭ ‬لديهم‭ ‬شغف‭ ‬للاطلاع‭ ‬والتوثيق،‭ ‬تبدى‭ ‬لي‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬السؤال‭ ‬الدائم‭ ‬عن‭ ‬أعداد‭ ‬سابقة‭ ‬للمجلة‭ ‬بأرقامها‭ ‬وتواريخها‭. ‬والغريب‭ ‬أنه‭ ‬حينما‭ ‬أدل‭ ‬البعض‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الوسائط‭ ‬الإلكترونية‭ ‬يستنكرون‭ ‬ذلك،‭ ‬وهذا‭ ‬يبرهن‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬ألفوها‭ ‬مجلة‭ ‬ورقية،‭ ‬وبالطبع‭ ‬هذا‭ ‬يضمن‭ ‬لها‭ ‬الخلود‭ ‬في‭ ‬البيوت‭ ‬ورفوف‭ ‬المكتبات‭ ‬كقيمة‭ ‬أدبية‭ ‬ثقافية‭ ‬تتوارثها‭ ‬الأجيال‭. ‬

يكفي‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬مجلة‭ ‬العربي؛‭ ‬هذه‭ ‬العمارة‭ ‬الفكرية‭ ‬والأدبية‭ ‬والثقافية‭ ‬الباذخة،‭ ‬والتحية‭ ‬والتهنئة‭ ‬منا‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات‭ ‬لكل‭ ‬الذين‭ ‬سعوا‭ ‬في‭ ‬تشييدها‭ ‬وتعميرها،‭ ‬والتحية‭ ‬والتهنئة‭ ‬لأسرة‭ ‬التحرير‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬سني‭ ‬صدورها‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصمود‭ ‬الفولاذي،‭ ‬والتحية‭ ‬والتهنئة‭ ‬لقرائها‭ ‬أينما‭ ‬وجدوا‭ ■