مجلة العربي منارة الفكر والثقافة العربية

مجلة العربي منارة الفكر والثقافة العربية

وإذ‭ ‬أتحدث،‭ ‬وأنا‭ ‬من‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬مع‭ ‬«العربي‭ ‬الصغير»‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬الذين‭ ‬عايشوا‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬رحلتها‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬والذين‭ ‬ساهمت‭ ‬«العربي»‭ ‬في‭ ‬إثراء‭ ‬ثقافتهم‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬يدينون‭ ‬لها‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬خزين‭ ‬أفكارهم‭ ‬وتوجهات‭ ‬فكرهم،‭ ‬جاءت‭ ‬فكرة‭ ‬ملف‭ ‬شهادات‭ ‬في‭ ‬ستينية‭ ‬العربي‭ ‬لتدفعني‭ ‬للتأمل‭ ‬في‭ ‬رحلتي‭ ‬معها‭ ‬عبر‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان،‭ ‬ومر‭ ‬شريط‭ ‬الأحداث‭ ‬يتهادى،‭ ‬مشاهد‭ ‬وذكريات،‭ ‬فأتذكر‭ ‬محطاتي‭ ‬وانطباعاتي‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬واقفاً‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬موانئها،‭ ‬متأملاً‭ ‬في‭ ‬امتداد‭ ‬أفقها‭ ‬البعيد،‭ ‬فجاء‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬ليحكي‭ ‬هذه‭ ‬الشهادة‭.‬

 

ظلت‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬عبر‭ ‬ستة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬عمرها‭ ‬المديد،‭ ‬حاضرة‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬وهي‭ - ‬أجزم‭ - ‬أنها‭ ‬المجلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬جمهورها‭ ‬المواظب‭ ‬على‭ ‬اقتنائها‭ ‬بشغف،‭ ‬ليقرأ‭ ‬موسوعة‭ ‬«العربي»‭ ‬الشهرية،‭ ‬من‭ ‬الغلاف‭ ‬إلى‭ ‬الغلاف،‭ ‬ثم‭ ‬لتأخذ‭ ‬مكانها‭ ‬مع‭ ‬شقيقاتها‭ ‬في‭ ‬ركن‭ ‬عزيز‭ ‬من‭ ‬مكتبته،‭ ‬ليعود‭ ‬إليها‭ ‬كمصدر‭ ‬معرفي‭ ‬موثوق‭ ‬وسجلّ‭ ‬حيّ‭ ‬لحقبة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‭.‬

وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬بيت‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬يقرأ،‭ ‬لم‭ ‬يخلُ‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬أو‭ ‬أعداد‭ ‬منها‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬ثقافاتهم،‭ ‬وقد‭ ‬لاحظت‭ ‬أنها‭ ‬دومًا‭ ‬لها‭ ‬ركن‭ ‬في‭ ‬عشرات‭ ‬الأكشاك‭ ‬والمكتبات‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬عواصم‭ ‬ومدن‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬تتراكم‭ ‬عليه‭ ‬منها،‭ ‬عشرات‭ ‬المجلات،‭ ‬وإذا‭ ‬تأخرنا‭ ‬في‭ ‬اقتنائها‭ ‬فإنها‭ ‬تنفد،‭ ‬لإحساس‭ ‬مقتنيها‭ ‬بأنها‭ ‬ركن‭ ‬أساس‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية‭ ‬الرصينة‭ ‬والراقية‭.‬

أصبحت‭ ‬«العربي»‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الذوق‭ ‬والوجدان،‭ ‬لشريحة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬لا‭ ‬يستغنون‭ ‬عن‭ ‬زاد‭ ‬ثقافي‭ ‬شهري،‭ ‬ويتشوقون‭ ‬إليه،‭ ‬يحبونه،‭ ‬ويأنسون‭ ‬إليه‭ ‬كغناء‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬وتغريد‭ ‬فيروز‭. ‬رافقوا‭ ‬رحلتها‭ ‬شبابًا،‭ ‬ثم‭ ‬آباءً،‭ ‬فأساتذة‭ ‬ومثقفين،‭ ‬ونقلوا‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أجيال‭ ‬من‭ ‬أبنائهم‭ ‬وطلبتهم،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يعاصر‭ ‬«الميديا»‭ ‬اليوم،‭ ‬يقبل‭ ‬عليها‭ ‬بشغف،‭ ‬ولا‭ ‬يتأتى‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬تعبّر‭ ‬وتلمس‭ ‬بحق‭ ‬أعماق‭ ‬الوجدان‭ ‬العربي،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬يومًا،‭ ‬أبدًا،‭ ‬موضة‭ ‬لتضيء‭ ‬ثم‭ ‬لتنطفئ،‭ ‬بل‭ ‬استمرت‭ ‬منارة‭ ‬يهتدي‭ ‬بها‭ ‬جمهور‭ ‬عريض‭ ‬من‭ ‬العرب،‭ ‬عاشت‭ ‬معه‭ ‬وشكّلت‭ ‬وجدانه،‭ ‬بزاد‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬الرصينة‭ ‬تناغم‭ ‬مع‭ ‬الوجدان‭ ‬العربي،‭ ‬الأصيل‭ ‬العميق‭ ‬الامتداد‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬العربية،‭ ‬برسالة‭ ‬صادقة؛‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حاضرها‭ ‬امتدادًا‭ ‬لماضيها‭ ‬التليد،‭ ‬ولتحيي‭ ‬الطموح‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عرض‭ ‬نفائس‭ ‬ثقافة‭ ‬الماضي‭ ‬برؤية‭ ‬معاصرة،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬إضاءات‭ ‬خيرة‭ ‬مفكري‭ ‬وكتّاب‭ ‬وعلماء‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬الحاضر،‭ ‬لتصنع‭ ‬مستقبلاً‭ ‬زاهرًا‭ ‬لها‭ ‬بسلاح‭ ‬الثقافة‭ ‬والفكر‭.‬

ورغم‭ ‬التغيرات‭ ‬التي‭ ‬عصفت‭ ‬بالعالم،‭ ‬والعالم‭ ‬العربي،‭ ‬وما‭ ‬أصاب‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المكتوبة‭ ‬من‭ ‬تراجع،‭ ‬أمام‭ ‬الانتشار‭ ‬الواسع‭ ‬للقنوات‭ ‬الفضائية،‭ ‬ثم‭ ‬الإنترنت‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬التواصل‭ ‬المباشر،‭ ‬فإن‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬احتفظت‭ ‬بمكانة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬كثيرين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الشهادة‭ ‬محاولة‭ ‬للتفسير؛‭ ‬كيف‭ ‬بقيت‭ ‬أثيرة‭ ‬لدى‭ ‬جمهورها‭ ‬طوال‭ ‬تلك‭ ‬العقود،‭ ‬ولعل‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الحقيقة‭ ‬أنها‭ ‬رسالة‭ ‬تنوير‭ ‬وإيمان‭ ‬بأن‭ ‬الثقافة‭ ‬والفكر‭ ‬هما‭ ‬تذوق‭ ‬رائع‭ ‬لجماليات‭ ‬الحياة،‭ ‬ورقيّ‭ ‬بالإنسان،‭ ‬وأعظم‭ ‬استثمار‭ ‬للأمة‭ ‬به،‭ ‬وهكذا‭ ‬تصنع‭ ‬حضارة‭ ‬الأمم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أحسته‭ ‬جماهير‭ ‬هذه‭ ‬المجلة،‭ ‬فالتصقت‭ ‬بها‭. ‬

 

رسالة‭ ‬المجلة

منذ‭ ‬بدايتها،‭ ‬كانت‭ ‬رسالة‭ ‬المجلة‭ ‬أن‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬أهم‭ ‬أسباب‭ ‬نهضة‭ ‬الأمم،‭ ‬وسر‭ ‬نجاحها،‭ ‬لتكون‭ ‬أمة‭ ‬متحضرة،‭ ‬بكل‭ ‬المعايير،‭ ‬علميًا‭ ‬وصناعًيا‭ ‬واجتماعيًا‭. ‬

إن‭ ‬الإيمان‭ ‬بأن‭ ‬الثقافة‭ ‬والفكر‭ ‬هما‭ ‬روح‭ ‬النهضة،‭ ‬كان‭ ‬نظرة‭ ‬ثاقبة‭ ‬تستشرف‭ ‬أفق‭ ‬المستقبل،‭ ‬ورأينا‭ ‬أمامنا‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬العالم‭ ‬المتقدم‭ ‬أن‭ ‬دولًا‭ ‬انهارت‭ ‬تمامًا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خسرت‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬بفعل‭ ‬تبني‭ ‬ثقافة‭ ‬خاطئة،‭ ‬كألمانيا‭ ‬واليابان‭. ‬وكيف‭ ‬أعادت‭ ‬بناء‭ ‬نفسها،‭ ‬عندما‭ ‬غيّرت‭ ‬فكرها‭ ‬وثقافتها‭ ‬لتصبح‭ ‬مثالاً‭ ‬للأمم‭ ‬الناجحة‭. ‬

وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬الفرد،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬لبنة‭ ‬المجتمع‭ ‬الأساسية،‭ ‬فقد‭ ‬اختلفت‭ ‬المدارس‭ ‬النفسية‭ ‬عن‭ ‬الدافع‭ ‬الرئيس‭ ‬المحرك‭ ‬لسلوك‭ ‬الإنسان،‭ ‬وبعد‭ ‬جدال‭ ‬طويل‭ ‬استمر‭ ‬عقودًا،‭ ‬تشير‭ ‬آخر‭ ‬الدراسات‭ ‬النفسية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة،‭ ‬هما‭ ‬محرك‭ ‬الإنسان‭ ‬الأساس‭ ‬يسير‭ ‬به‭ ‬نحو‭ ‬القمة،‭ ‬أو‭ ‬يهبط‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬القاع‭.‬

واختصر‭ ‬ذلك‭ ‬بمبدأ‭ ‬وقانون‭ ‬عام‭ ‬يقول‭: ‬«أنتَ‭ ‬ما‭ ‬أنتَ‭ ‬تفكر‭ ‬فيه»‭. ‬هكذا‭ ‬يكون‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬محور‭ ‬بناء‭ ‬الفرد‭ ‬والمجتمع‭. ‬

في‭ ‬ملف‭ ‬ذكرى‭ ‬التأسيس‭ ‬كتب‭ ‬كثيرون‭ ‬عن‭ ‬ظروف‭ ‬التأسيس،‭ ‬وفي‭ ‬المقال‭ ‬الرائع‭ ‬للأستاذ‭ ‬سعود‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬البابطين،‭ ‬في‭ ‬العدد‭ ‬717‭ )‬أغسطس‭ ‬2018) ‬أنارنا‭ ‬الشاعر‭ ‬والمفكر‭ ‬الكبير‭ ‬عن‭ ‬ظروف‭ ‬تأسيس‭ ‬المجلة‭ ‬ممن‭ ‬عاصر‭ ‬ذلك‭ ‬الحدث‭ ‬والجهود‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬بذلت‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك،‭ ‬ثم‭ ‬يشير‭ ‬المقال‭ ‬الذي‭ ‬يشرح‭ ‬إرهاصات‭ ‬التأسيس‭ ‬إلى‭ ‬اختيار‭ ‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬المجلة،‭ ‬والعاملين‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬البارزين‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬واختيار‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬زكي‭ ‬ليكون‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬لها،‭ ‬وكان‭ ‬اختيارًا‭ ‬موفقًا‭ ‬تمامًا‭ ‬ليحقق‭ ‬أهداف‭ ‬تأسيس‭ ‬المجلة‭. ‬

 

المرحوم‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬زكي

حددنا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬استمرار‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬وكونها‭ ‬في‭ ‬نظرنا‭ ‬منارة‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬وطوال‭ ‬عقود،‭ ‬وانتشارها‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬عظمة‭ ‬رسالة‭ ‬المجلة،‭ ‬والرؤية‭ ‬الواضحة،‭ ‬والجهد‭ ‬الصادق‭ ‬للقائمين‭ ‬على‭ ‬تأسيسها،‭ ‬ثم‭ ‬حُسن‭ ‬اختيار‭ ‬العاملين،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم،‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬زكي‭.‬

د‭. ‬زكي‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬القامات‭ ‬العلمية‭ ‬والأدبية‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬أحد‭ ‬معاصري‭ ‬النهضة‭ ‬المصرية،‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وزامل‭ ‬روادها‭ ‬وساهم‭ ‬فيها‭ ‬بفعالية،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬للمجلة‭ ‬حاملاً‭ ‬كل‭ ‬تاريخه‭ ‬الحافل‭ ‬بعظيم‭ ‬الإنجازات،‭ ‬مرحبًا‭ ‬بالفرصة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬جاءته‭ ‬على‭ ‬موعد،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬بلغ‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬ما‭ ‬بلغ،‭ ‬ليوصل‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬وهو‭ ‬أكثر‭ ‬العارفين‭ ‬بقيمتها،‭ ‬وهنا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬وقفة‭ ‬قصيرة‭ ‬مع‭ ‬تاريخه‭ ‬وإنجازاته‭.‬

ولد‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬زكي‭ ‬عام‭ ‬1894‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬السويس،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الأوائل‭ ‬على‭ ‬القطر‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬الشهادة‭ ‬الإعدادية‭ )‬المتوسطة‭‬)،‭ ‬ثم‭ ‬تخرّج‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬المعلمين‭ ‬عام‭ ‬1914‭ ‬وعيّن‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬السعيدية،‭ ‬ليزامل‭ ‬من‭ ‬سيصبحون‭ ‬كبار‭ ‬مفكري‭ ‬مصر،‭ ‬العقاد‭ ‬والمازني‭ ‬وأحمد‭ ‬حسن‭ ‬الزيات،‭ ‬لتصقل‭ ‬مواهبه‭ ‬الأدبية‭.‬

ولم‭ ‬يكتف‭ ‬بالأدب،‭ ‬بل‭ ‬اتجه‭ ‬ليدرس‭ ‬الكيمياء‭ ‬في‭ ‬إنجلترا‭ ‬عام‭ ‬1919،‭ ‬وهناك‭ ‬زامل‭ ‬من‭ ‬سيصبح‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬علماء‭ ‬مصر‭ ‬والعالم،‭ ‬وهو‭ ‬د‭. ‬علي‭ ‬مصطفى‭ ‬مشرّفة،‭ ‬وارتبط‭ ‬معه‭ ‬بصداقة‭ ‬قوية،‭ ‬ليتعاونا‭ ‬مستقبلاً‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬المشاريع‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والوطن‭ ‬العربي‭.‬

 

موسوعة‭ ‬ثقافية‭ ‬

لم‭ ‬تمض‭ ‬إلا‭ ‬خمس‭ ‬سنوات،‭ ‬حتى‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬البكالوريوس،‭ ‬ودكتوراه‭ ‬الفلسفة‭ ‬في‭ ‬الكيمياء‭ )‬في‭ ‬وقت‭ ‬قياسي‭( ‬عام‭ ‬1924،‭ ‬ثم‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬دكتوراه‭ ‬العلوم‭ ‬في‭ ‬الكيمياء‭ )‬أعلى‭ ‬شهادة‭ ‬علمية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬اختصاص‭( ‬عام‭ ‬1929،‭ ‬ليعود‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬ويعمل‭ ‬في‭ ‬الجامعة،‭ ‬وليحصل‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الأستاذية‭ ‬عام‭ ‬1930،‭ ‬ولعل‭ ‬أهم‭ ‬أعماله‭ ‬الكبرى‭ ‬تأسيس‭ ‬المجمع‭ ‬المصري‭ ‬للثقافة‭ ‬العلمية‭ ‬1929،‭ ‬والجمعية‭ ‬الكيميائية‭ ‬المصرية‭ ‬عام‭ ‬1938،‭ ‬والمركز‭ ‬القومي‭ ‬للبحوث‭ ‬عام‭ ‬1947‭.‬

علمًا‭ ‬بأنه‭ ‬ظل‭ ‬يتابع‭ ‬ما‭ ‬أسسه‭ ‬لفترات‭ ‬طويلة،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬مؤسسات‭ ‬يشار‭ ‬إليها‭ ‬بالبنان،‭ ‬واستمرت‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭. ‬كما‭ ‬عيّن‭ ‬رئيسًا‭ ‬لجامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬1952‭ ‬حتى‭ ‬تقاعده،‭ ‬ثم‭ ‬تولى‭ ‬رئاسة‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬عام‭ ‬1958‭ ‬حتى‭ ‬وفاته‭ - ‬رحمه‭ ‬الله‭ - ‬عام‭ ‬1975‭.‬

كان‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬عضوًا‭ ‬في‭ ‬مجامع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬وبغداد‭ ‬ودمشق‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬نرى‭ ‬أنه‭ ‬صاغ‭ ‬المستقبل‭ ‬العلمي‭ ‬لمصر،‭ ‬الدولة‭ ‬الرائدة‭ ‬عربيًا،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬نعرف‭ ‬جميعًا‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬جميعها‭ ‬قدّرت‭ ‬الريادة‭ ‬المصرية،‭ ‬وسارت‭ ‬على‭ ‬نهجها‭ ‬في‭ ‬المناحي‭ ‬العلمية،‭ ‬فيكون‭ ‬تأثيره‭ ‬قد‭ ‬امتد‭ ‬إلى‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬وبناء‭ ‬الجانب‭ ‬العلمي‭ ‬العربي،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ - ‬رحمه‭ ‬الله‭ - ‬كان‭ ‬له‭ ‬باع‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬الأدبي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬موسوعيته‭ ‬الثقافية‭ ‬العامة‭. ‬

 

إمكانات‭ ‬هائلة

بهذه‭ ‬الإمكانات‭ ‬الهائلة‭ ‬لهذا‭ ‬الرجل،‭ ‬اختارت‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬هذا‭ ‬العملاق‭ ‬ليدير‭ ‬ويصوغ‭ ‬رسالة‭ ‬محبة‭ ‬واعتزاز‭ ‬وتنوير‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬التي‭ ‬ظل‭ ‬سناها‭ ‬متوهجًا‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬رغم‭ ‬تبدّل‭ ‬الأحوال‭ ‬وتغيّر‭ ‬الأجيال،‭ ‬علمًا‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬رأس‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬الهلال‭ ‬العريقة‭ (‬1946‭ - ‬1950‭)‬‭. ‬لم‭ ‬يبحث‭ ‬يومًا‭ ‬عن‭ ‬الشهرة،‭ ‬كما‭ ‬تميز‭ ‬باعتدال‭ ‬مواقفه‭ ‬ومبدئيتها‭. ‬وكان‭ ‬وفيًّا‭ ‬للعروبة‭ ‬والإسلام،‭ ‬وعمل‭ ‬الكثير‭ ‬في‭ ‬خدمتهما‭.‬

ولعل‭ ‬كثيرين‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬ممن‭ ‬تابعوا‭ ‬مسلسل‭ ‬«رجل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الزمان»‭ ‬للمخرجة‭ ‬المتميزة‭ ‬والمبدعة‭ ‬إنعام‭ ‬محمد‭ ‬علي،‭ ‬الذي‭ ‬تناول‭ ‬سيرة‭ ‬حياة‭ ‬العالِم‭ ‬المصري‭ ‬العالمي‭ ‬الكبير‭ ‬علي‭ ‬مشرفة،‭ ‬حيث‭ ‬يرينا‭ ‬المسلسل‭ ‬أن‭ ‬صديقه‭ ‬القريب‭ ‬كان‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬زكي‭. ‬وبالتأكيد‭ ‬لم‭ ‬ينتبه‭ ‬كثيرون‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الصديق‭ ‬هو‭ ‬بعينه‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬زكي‭ ‬صاحب‭ ‬الإنجازات‭ ‬العلمية‭ ‬الكبرى،‭ ‬حيث‭ ‬شاهدنا‭ ‬نحن‭ ‬العارفين‭ ‬بهذا‭ ‬الرجل،‭ ‬في‭ ‬لقطات‭ ‬قليلة،‭ ‬مدى‭ ‬وفاء‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬لصديقه،‭ ‬وكم‭ ‬كانت‭ ‬كبيرة‭ ‬هي‭ ‬دماثة‭ ‬أخلاقه،‭ ‬وحكمته،‭ ‬وبُعد‭ ‬نظره‭.‬

ومن‭ ‬منبر‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬الغراء‭ ‬أدعو‭ ‬وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬تتناول‭ ‬المخرجة‭ ‬المبدعة‭ ‬إنعام‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬سيرة‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬زكي‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬تلفزيوني،‭ ‬فمن‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يطلع‭ ‬المشاهد‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬إنجازاته‭ ‬وحياته‭ ‬المبدعة‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬ليرى‭ ‬حياة‭ ‬ومنجزات‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الثراء‭ ‬لرجل‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬رجال‭ ‬الأمة‭ ‬وأكثرهم‭ ‬تأثيرًا‭ ‬في‭ ‬جوانبها‭ ‬العلمية‭ ‬والثقافية‭.‬

 

منارة‭ ‬الثقافة‭ ‬والفكر‭ ‬العربي‭ 

بعد‭ ‬توافر‭ ‬الإمكانات‭ ‬والخبرة‭ ‬التي‭ ‬تحدثنا‭ ‬عنها،‭ ‬من‭ ‬إمكانات‭ ‬مادية‭ ‬وكادر‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الخبرة،‭ ‬أظهرت‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬كأرقى‭ ‬مجلة‭ ‬عربية‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المحتوى‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي‭ ‬الذي‭ ‬أخذ‭ ‬الطابع‭ ‬الموسوعي،‭ ‬أو‭ ‬الجانب‭ ‬الفني،‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬تناظر،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬تتفوق‭ ‬بمحتواها‭ ‬الفكري‭ ‬وأسلوب‭ ‬إخراجها‭ ‬على‭ ‬المجلات‭ ‬الأجنبية‭ ‬العالمية،‭ ‬كالريدر‭ ‬دايجست،‭ ‬أو‭ ‬الإيكونومست‭ ‬لايف،‭ ‬أو‭ ‬التايمز‭. 

وتلقت‭ ‬المجلة‭ ‬أكبر‭ ‬احترام‭ ‬وتقدير‭ ‬ومحبة‭ ‬من‭ ‬قرائها،‭ ‬الذين‭ ‬فتحت‭ ‬المجال‭ ‬لهم‭ ‬ليدلوا‭ ‬بآرائهم،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬الـ‭ ‬«فيد‭ ‬باك»‭ )‬التغذية‭ ‬الراجعة)‭. ‬

جلبت‭ ‬المجلة‭ ‬انتباه‭ ‬القرّاء‭ ‬بطريقة‭ ‬إخراجها‭ ‬وألوانها‭ ‬الطبيعية،‭ ‬باستخدام‭ ‬أرقى‭ ‬مكائن‭ ‬الطباعة‭ ‬الملونة‭ ‬والطباعة‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬المشمع،‭ ‬مع‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بسعر‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬ثمن‭ ‬أبسط‭ ‬وجبة‭ ‬لأي‭ ‬مواطن‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭. ‬

وثبتت‭ ‬الأسعار‭ ‬لكل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬الغلاف‭ ‬الخارجي‭ ‬للمجلة،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬دومًا‭ ‬جذابًا‭ ‬ومعبّرًا‭ ‬وحضاريًا‭ ‬حسب‭ ‬الاستطلاع‭ ‬الشهري‭ ‬للمجلة‭.‬

‭ ‬وهكذا‭ ‬وصلت‭ ‬المجلة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬أصقاع‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭. ‬وفي‭ ‬خلال‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬اجتاز‭ ‬توزيع‭ ‬المجلة‭ ‬120‭ ‬ألف‭ ‬نسخة‭. ‬

وإذا‭ ‬عرفنا‭ ‬أن‭ ‬المجلة‭ ‬كانت‭ ‬تتداول‭ ‬من‭ ‬صغير‭ ‬الأسرة‭ ‬إلى‭ ‬كبيرها‭ ‬وفي‭ ‬المكتبات‭ ‬والمدارس،‭ ‬فإن‭ ‬قراءها‭ ‬سيعدون‭ ‬بالملايين‭. ‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬الفهرسة‭ ‬والتبويب،‭ ‬كان‭ ‬رائعًا‭ ‬ورياديًا‭ ‬لموسوعية‭ ‬مواد‭ ‬المجلة،‭ ‬فاتبعت‭ ‬المجلة‭ ‬نظامًا‭ ‬يشبه‭ ‬نظام‭ ‬التبويب‭ ‬في‭ ‬المجلات‭ ‬العلمية،‭ ‬حيث‭ ‬يجد‭ ‬القارئ‭ ‬ضالته،‭ ‬ويعطي‭ ‬لطيف‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬الكتّاب‭ ‬مساحات‭ ‬تدعوهم‭ ‬وتشجعهم‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭.‬

 

أرقى‭ ‬ألوان‭ ‬المعرفة

لم‭ ‬تقتصر‭ ‬المجلة‭ ‬على‭ ‬كتّاب‭ ‬معينين،‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المجلات‭. ‬وفي‭ ‬رأيي‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الأهمية،‭ ‬بحيث‭ ‬أصبح‭ ‬لها‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬الكتّاب،‭ ‬وبالذات‭ ‬من‭ ‬الأكاديميين،‭ ‬ليرفدوا‭ ‬المجلة‭ ‬بكتاباتهم‭ ‬لتوسّع‭ ‬الطيف‭ ‬العلمي‭ ‬والفكري‭ ‬والثقافي‭ ‬للمجلة‭.‬

وهكذا‭ ‬قدمت‭ ‬المجلة‭ ‬الفرصة‭ ‬لعدد‭ ‬يتزايد‭ ‬من‭ ‬الكتّاب‭ ‬جيلاً‭ ‬بعد‭ ‬جيل‭. ‬إن‭ ‬ولادة‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬إضافة‭ ‬غنية‭ ‬وتطور‭ ‬فكري‭ ‬لأي‭ ‬أمة‭.‬

لم‭ ‬تهتم‭ ‬المجلة‭ ‬بالأحداث‭ ‬العابرة،‭ ‬بل‭ ‬اهتمت‭ ‬بإيصال‭ ‬أرقى‭ ‬ألوان‭ ‬الفكر‭ ‬والفلسفة‭ ‬والتاريخ‭ ‬والاجتماع‭ ‬وعلم‭ ‬النفس‭ ‬والأدب‭ ‬والمعرفة‭ ‬العلمية‭ ‬والتراث‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬بكل‭ ‬الثراء‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬يمثّله‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الكتّاب‭ ‬العرب‭ ‬الملتزمين‭ ‬بأمانة‭ ‬القلم‭ ‬وشرف‭ ‬الكلمة‭ ‬والموقف‭. ‬

كذلك‭ ‬اهتمت‭ ‬بشتى‭ ‬العلوم‭ ‬الطبيعية‭ ‬والطب‭ ‬والأسرة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬والآداب‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية‭ ‬من‭ ‬شعر‭ ‬وقصة‭ ‬ونقد،‭ ‬وفتحت‭ ‬الأبواب‭ ‬لكل‭ ‬المثقفين،‭ ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬الشرط‭ ‬الموضوعية‭ ‬بأعلى‭ ‬درجاتها،‭ ‬مع‭ ‬سلامة‭ ‬اللغة‭ ‬والأسلوب،‭ ‬حيث‭ ‬تصل‭ ‬فكرة‭ ‬المقال‭ ‬إلى‭ ‬المثقف‭ ‬المتوسط،‭ ‬كما‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬ذوي‭ ‬الثقافة‭ ‬العالية‭. ‬واشترطت‭ ‬أصالة‭ ‬الفكرة‭ ‬ومدى‭ ‬خدمتها‭ ‬للمشروع‭ ‬الثقافي‭.‬

 

جامعة‭ ‬مفتوحة

إن‭ ‬الإلمام‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬قدمته‭ ‬«العربي»‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحصر،‭ ‬فحجمه‭ ‬كبير‭ ‬جدًا،‭ ‬فهو‭ ‬انعكاس‭ ‬لفكر‭ ‬وثقافة‭ ‬أمة،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬أعظم‭ ‬ما‭ ‬أنجزته‭ ‬«العربي»‭ ‬كمنارة‭ ‬للفكر‭ ‬والثقافة،‭ ‬ولكن‭ ‬أختصر‭ ‬القول‭ ‬بأنها‭ ‬كانت‭ ‬لجمهورها‭ ‬العريض‭ ‬جامعة‭ ‬مفتوحة‭ ‬رفعت‭ ‬من‭ ‬المستوى‭ ‬الثقافي‭ ‬والعلمي‭ ‬لملايين‭ ‬القرّاء‭ ‬العرب،‭ ‬وساهمت‭ ‬بجدية‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬مثقف‭ ‬عربي‭ ‬وكاتب‭ ‬عربي‭ ‬أثرت‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬واختياراته‭ ‬المقبلة،‭ ‬واستحقت‭ ‬بجدارة‭ ‬أن‭ ‬تعترف‭ ‬بها‭ ‬«اليونسكو»‭ ‬مصدرًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬للفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬العربية‭. ‬

وكانت‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬توجّه‭ ‬طائفة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الطيف‭ ‬العربي‭ ‬نحو‭ ‬متابعة‭ ‬دراساتهم‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬بما‭ ‬منحتهم‭ ‬من‭ ‬قاعدة‭ ‬ثقافية‭ ‬أساسية،‭ ‬شكلت‭ ‬نقطة‭ ‬انطلاق‭ ‬لهم‭ ‬نحو‭ ‬مستقبل‭ ‬واعد‭.  

لقد‭ ‬شجعت‭ ‬المجلة‭ ‬المثقف‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬الالتحاق‭ ‬بركب‭ ‬العلم‭ ‬المعاصر،‭ ‬منورة‭ ‬فكره،‭ ‬ومعززة‭ ‬فيه‭ ‬اعتزازه‭ ‬بتراثه‭ ‬مع‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالمعاصرة‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬العالم‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الموسوعة‭ ‬التي‭ ‬تراكمت‭ ‬عددًا‭ ‬فوق‭ ‬عدد،‭ ‬أصبحت‭ ‬مرجعًا‭ ‬لقرّائها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يعنّ‭ ‬لهم،‭ ‬بل‭ ‬استمر‭ ‬تأثيرها‭ ‬في‭ ‬أجيال‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬مصدرًا‭ ‬ثريًا‭ ‬للفكر‭ ‬والثقافة‭.‬

واستطاعت‭ ‬أن‭ ‬تطور‭ ‬كل‭ ‬مواضيعها‭ ‬لتكون‭ ‬معاصرة‭ ‬تبعًا‭ ‬لما‭ ‬تتطور‭ ‬إليه‭ ‬الحياة،‭ ‬ووقفت‭ ‬ناقدة‭ ‬لكل‭ ‬الظواهر‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬طفت‭ ‬كالزبد‭ ‬على‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬أيديولوجيات‭ ‬مسمومة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضمير‭ ‬كتّابها‭ ‬العرب‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬زكي‭ ‬ومن‭ ‬تبعه‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬التحرير‭ ‬الأفاضل،‭ ‬الذين‭ ‬تعاقبوا‭ ‬على‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬من‭ ‬قامات‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة،‭ ‬مدركين‭ ‬عِظَم‭ ‬الأمانة‭ ‬التي‭ ‬يحملونها،‭ ‬عاشوا‭ ‬هواجس‭ ‬أمتهم‭ ‬ونصحوا‭ ‬لها‭. ‬وأعطوا‭ ‬وقتهم‭ ‬وحياتهم‭ ‬كلها‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬لحظة،‭ ‬كي‭ ‬تستمر‭ ‬المجلة‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬رسالتها‭ ‬التنويرية،‭ ‬ولتبقى‭ ‬منارة‭ ‬للفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬العربية‭ ■