إلى أن نلتقي أنور الياسين

إلى أن نلتقي

تصنيع العباقرة

لم يكن المؤلف الأيرلندي جورج برنارد شو يحمل موقفا "وديا" تجاه النساء، فهو "اقترب" مرة واحدة في حياته من إحدى صديقات والدته، وأقسم بعدها ألا يقاربهن مرة أخرى، وحافظ على ذلك القسم حتى النزع الأخير. لذلك عندما كتبت إليه إحدى الفتيات رسالة تقول فيها إنها جميلة جدا، بل إن جمالها يقترب من الكمال، وهي تريد الزواج منه كي تنجب أطفالا يحملون جمال أمهم وعبقرية أبيهم، رد برنارد شو على الرسالة متسائلا: "ولكن ماذا يا سيدتي لو أن الأطفال الموعودين جاءوا يحملون جمال أبيهم وعقل أمهم؟" ولم يكن برنارد شو جميلا بأية حال.

ورغم أن هذه الواقعة تبدو أقرب إلى الطرفة، إلا أن صناعة كاملة تقوم في الغرب اليوم وتزعم أنها قادرة على تحقيق حلم الفتاة بإنجاب سلالة من العباقرة لا يعوزها الجمال، ففي أمريكا مثلا، قدمت إحدى الشركات نفسها إلى الزبائن عبر إعلان يقول "هل تريد لأطفالك أن يكونوا من العباقرة؟ إذن لا تتردد في الاتصال بنا، فنحن نزودك بحيوانات الإخصاب لمجموعات من المبدعين والعباقرة في حقول القانون والفن والعلوم الرياضية والطبيعية وكذلك في جميع الألعاب الرياضية، كما نزودك بشهادة منشأ لهذه الحيوانات تبين سيرة أصحابها إنجازاتهم" وتعرض الشركة في الوقت ذاته على من يتوسم في نفسه العبقرية أن تشتري "اللقاح" منه مقابل مبلغ لا يقل عن ألف دولار للقاح الواحد.

أما في بريطانيا فإن شركة "سيريوس" التى أعلنت عن قيامها الشهر الماضي لا تتورط في مسائل التلقيح الميكانيكي أو العشوائي وتطلب من زبائنها ان يختاروا الشريك المناسب لإنتاج العباقرة الموعودين من بين أعضائها "المثقفين" وقد حددت رسم العضوية بمبلغ 495 جنيها إسترلينيا، وخلال الشهر الأول فقط تلقت ما يزيد على ألف طلب للعضوية بين أصحابها قضاة وعلماء نفس ومحاضرون في الجامعات وموسيقيون من الجنسين.. يحلم كل منهم بإنجاب العبقري الموعود.

ومن المعروف أن هناك بنوكا في الغرب تحتفظ باللقاح ضمن خزائن فولاذية محصنة بحيث يصعب على اللصوص السطو عليها (!)، وبالتأكيد فإن زبائن هذه البنوك أو تلك الشركات ليسوا من سلالة برنارد شو بل هم أقرب إلى أن يكونوا من سلالة "ماكدونالد" عبقري الهامبرغر أو من سلالـة الكابتن ساندرز مخترع دجاج "كنتاكي" إذ إن هؤلاء الزبائن يعتقدون أن العبقرية يمكن أن تصل إلى أولادهم عبر وجبة سريعة لا تحتاج لأكثر من حفنة من الدولارات، وتشكل استثمارا ناجحا للمستقبل، خاصة إذا كان العبقري الطالع هو من نوع مارادونا أو محمد علي كلاي أو مارلون براندو، وكل منهم يحصد الملايين إذا حرك قدمه أو قبضته أو رسم على وجهه تكشيرة "العراب" (!).

ورغم أن محاولة الغرب "تصنيع العباقـرة" ما زالت حتى اليوم تدخل في باب تجارة الأوهام، إلا أن شيئا واحدا يبدو مؤكدا وهو أن الذين يقومون بتأسيـس هذه الشركات هم فعلا من "العباقرة" القادرين على جمع الأموال عبر تسويق الأوهام. أما الزبائن فلا شك أن أولادهم سوف يملكون ما يكفي من الذكاء لاكتشاف مدى عبقرية آبائهم (!).

 

أنور الياسين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات