حسن طلب والانعتاق من لذَّة اللغة

حسن طلب والانعتاق من لذَّة اللغة

كثيرون من محبِّي اللغة العربية، ومجيديها، وأصحابِ النبرةِ العالية في الحديث بها - وعنها - حجَّموا الإبداع في الفخيم والمعجميِّ منها، فنتج عن ذلك التقوقعُ في قالبٍ محدد، لغويٍ تارةً، وموسيقيٍ تارة أخرى. 

 

كما‭ ‬رفضوا‭ ‬حتى‭ ‬مجردَ‭ ‬التفكيرِ‭ ‬في‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الغرفة،‭ ‬حتّى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الظرفُ‭ ‬الأدبيُّ‭ ‬أو‭ ‬الحياتيُّ‭ ‬لا‭ ‬يستدعي‭ ‬هذه‭ ‬الفخامةَ‭ ‬وهذا‭ ‬الجرسَ،‭ ‬فانغلقوا‭ ‬على‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وأغلقوا‭ ‬أبواباً‭ ‬فاعلةً،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬اليسير‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يلِجوها،‭ ‬فاتحين‭ ‬بها‭ ‬آفاقاً‭ ‬ومنعطفاتٍ‭ ‬شتَّى،‭ ‬ومحدثينَ‭ ‬بها‭ ‬عصفاً،‭ ‬وتوالداً‭ ‬لأجيالٍ‭ ‬لغويةٍ‭ ‬جديدةٍ‭ ‬تنتمي‭ ‬للغة‭ ‬الأم،‭ ‬متواصلاتٍ‭ ‬بحبلها‭ ‬السُّرِّيِّ،‭ ‬حاملاتٍ‭ ‬جيناتها‭ ‬الأساسية،‭ ‬ولكنها‭ ‬أكثر‭ ‬شباباً،‭ ‬وتجدداً‭ ‬وطاقةً،‭ ‬وخلايا،‭ ‬وحيويةً،‭ ‬ليصبَّ‭ ‬كلُّ‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬خدمةِ‭ ‬الفكرةِ‭ ‬والطرح‭. ‬

وكثيرون‭ ‬أيضاً‭ ‬لم‭ ‬ينفتحوا‭ ‬على‭ ‬اللغةِ‭ ‬الفخمةِ‭ ‬والمعجميةِ،‭ ‬فتبسطوا‭ ‬حد‭ ‬الخلل،‭ ‬وراحوا‭ ‬يبنونَ‭ ‬إبداعهم‭ ‬بشيءٍ‭ ‬من‭ ‬يسيرِ‭ ‬اللغة،‭ ‬ومحدوديةِ‭ ‬الإتقانِ،‭ ‬وانتفاءِ‭ ‬الجرسِ‭ ‬والموسيقى،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬الإيقاعُ‭ ‬الداخلي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ملموساً،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬كليهما‭ ‬أضرَّ‭ ‬وأضير‭. ‬

أما‭ ‬الذين‭ ‬تعاملوا‭ ‬مع‭ ‬اللغة،‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬الأداةُ،‭ ‬والبَوصلةُ،‭ ‬والدفَّةُ،‭ ‬وقصَّاص‭ ‬الأثرِ،‭ ‬وعجلةُ‭ ‬القيادة،‭ ‬ليصلوا‭ ‬بكل‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬الهدفِ‭ ‬الأخيرِ‭ ‬مباشرةً،‭ ‬وعلموا‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬الإطار‭ (‬الكاوتشوك‭) ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬السيارة،‭ ‬بل‭ ‬الهواءُ‭ ‬الذي‭ ‬يملأ‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬استطاعوا‭ ‬أن‭ ‬يمتطوا‭ ‬فرسَ‭ ‬اللغةِ،‭ ‬فكانوا‭ ‬أسرعَ‭ ‬وصولاً،‭ ‬وأصدقَ‭ ‬عاطفةً،‭ ‬وأعظم‭ ‬احتكاكاً‭ ‬وتوهُّجاً،‭ ‬فلمسوا‭ ‬الواقعَ‭ ‬المعيشَ‭ ‬والإنسانيَ،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينفصلَ‭ ‬المتلقي‭ ‬عنهم،‭ ‬أو‭ ‬ينفصلوا‭ ‬هم‭ ‬عن‭ ‬المتلقي،‭ ‬وباختصار‭ ‬هي‭ ‬الضرورة‭ ‬الملحة‭ ‬لإسقاط‭ ‬النص‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭. ‬

على‭ ‬أن‭ ‬الضررَ‭ ‬الذي‭ ‬أعنيه؛‭ ‬لا‭ ‬يتحمَّل‭ ‬تبعاتهِ‭ ‬المبدعُ‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكنَّ‭ ‬أصحابَ‭ ‬القرارِ‭ ‬المنوطَ‭ ‬بهم‭ ‬إدارةُ‭ ‬غرفة‭ ‬اللغة،‭ ‬لا‭ ‬يقلِّون‭ ‬مسؤولية‭ ‬عن‭ ‬هذا،‭ ‬فهناك‭ ‬مسؤولية‭ ‬استدعاء‭ ‬التراث،‭ ‬حسب‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬درويش‭ ‬حينما‭ ‬طالب‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬الكلاسيكية،‭ ‬ولكن‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬‮«‬تبسيط‭ ‬التراث‭ ‬القديم‮»‬،‭ ‬لأنه‭ ‬حسب‭ ‬قوله‭ ‬‮«‬الكتلة‭ ‬تستعصي‭ ‬قليلاً‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬الرافعة‮»‬‭. ‬

‭ ‬وأيضاً‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬مسرحاً‭ ‬كبيراً‭ ‬مثل‭ ‬مسرح‭ ‬الكوميدي‭ ‬فرانسيس‭ ‬فى‭ ‬فرنسا‭ ‬وهي‭ ‬عاصمة‭ ‬كبرى‭ ‬من‭ ‬عواصم‭ ‬الثقافة‭ ‬العالمية‭ ‬لا‭ ‬يعرض‭ ‬إلا‭ ‬إنتاج‭ ‬الكلاسيكيين،‭ ‬أمثال‭ ‬موليير،‭ ‬وراسين،‭ ‬وكورْنِييْ،‭ ‬ولامارتين‭.‬

‭ ‬وبالطبع‭ ‬يعرض‭ ‬التراث‭ ‬بلغته‭ ‬القديمة‭ ‬بشيءٍ‭ ‬من‭ ‬التبسيطِ‭ ‬والمعاصرةِ،‭ ‬فيربط‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬بمن‭ ‬سبقه‭ ‬وبلغته‭ ‬وتراثه‭... ‬حتى‭ ‬عند‭ ‬الكتابة‭ ‬النقدية‭ ‬عنها‭ ‬لابد‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬صلاح‭ ‬فضل‭ ‬‮«‬كما‭ ‬يقتضي‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬توسعاً‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬المصطلحات‭ ‬العلمية،‭ ‬وتوخياً‭ ‬لتبسيطها‭ ‬وتقريبها‭ ‬مما‭ ‬عهدناه،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يصطدم‭ ‬القارئ‭ ‬بمصطلح‭ ‬مستوحَش‭ ‬يتأبى‭ ‬على‭ ‬الفهم‭ ‬والقبول‮»‬‭. ‬

‭ ‬ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬بالضرورة‭ - ‬وفقهاً‭ - ‬أن‭ ‬العربيةَ‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬يوماً‭ ‬عن‭ ‬تطوير‭ ‬نفسها،‭ ‬وكذلك‭ ‬الشعر‭ ‬فهو‭ ‬متجدد‭ ‬دائماً،‭ ‬فهل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬العربية‭ ‬عند‭ ‬امرئ‭ ‬القيس‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬العربية‭ ‬عند‭ ‬المتنبي؟‭ ‬أو‭ ‬إن‭ ‬العربية‭ ‬عند‭ ‬الحُطيئةِ‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬العربيةُ‭ ‬عند‭ ‬أبي‭ ‬تمام،‭ ‬بل‭ ‬هل‭ ‬العربية‭ ‬عند‭ ‬شوقي‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬عند‭ ‬البحتري‭ ‬أو‭ ‬ابن‭ ‬زيدون،‭ ‬اللذين‭ ‬عارضهما‭ ‬شوقي‭ ‬في‭ ‬السينية‭ ‬والنونية‭ ‬على‭ ‬التوالي؟‭ ‬

أقول‭ ‬هذا‭ ‬كله،‭ ‬متجهاً‭ ‬إلى‭ ‬الشاعر‭ ‬الدكتور‭ ‬حسن‭ ‬طلب،‭ ‬فأجد‭ ‬في‭ ‬ديوانه‭ ‬كل‭ ‬مستويات‭ ‬اللغة،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬المعجمي‭ ‬الجاف،‭ ‬إلى‭ ‬المعجمي‭ ‬الطيع،‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬الآنية،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬الشارع‭.‬

حسن‭ ‬طلب‭ ‬كان‭ ‬ومازال‭ ‬تشغله‭ ‬اللغة،‭ ‬ربما‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬شغلت‭ ‬جميع‭ ‬شعراء‭ ‬عصره‭ ‬مجتمعين،‭ ‬على‭ ‬أنني‭ ‬أختلف‭ ‬مع‭ ‬الذين‭ ‬يقولون‭ ‬إن‭ ‬حسن‭ ‬طلب‭ ‬ينفذ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الشعر‭ ‬والإبداع‭ ‬إلى‭ ‬اللغة،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يفعل‭ ‬هذا‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكنه‭ ‬ينفذ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اللغة‭ ‬إلى‭ ‬الشعر‭ ‬والإبداع‭ ‬أيضاً،‭ ‬فهما‭ ‬يشغلان‭ ‬فكره‭ ‬معاً‭ ‬وفي‭ ‬نسق‭ ‬واحد‭ ‬وبوتقة‭ ‬واحدة‭. ‬

فهو‭ ‬المغني‭:‬

سقوني‭ ‬سلافة‭ ‬ثغرٍ‭ ‬بإبريقِ‭ ‬عينِ‭ ‬

سقوني‭... ‬وقالوا‭ ‬

متى‭ ‬كان‭ ‬ينفع‭ ‬وقت‭ ‬الشراب‭ ‬المقالُ

سقوني‭... ‬وقالوا‭ ‬لا‭ ‬تُغنِّ

وهل‭ ‬أستطيع‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬أغني‭!‬

وهل‭ ‬كان‭ ‬غير‭ ‬الغناء‭ ‬يترجِم‭ ‬عنّيِ‭!‬

نعم‭ ‬حسن‭ ‬طلب‭ ‬يغني،‭ ‬يغني‭ ‬مرة‭ ‬لذاته،‭ ‬ومرة‭ ‬للمتلقي،‭ ‬ومرة‭ ‬حتى‭ ‬للأشياء،‭ ‬مستخدماً‭ ‬مستوياتٍ‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬تناسب‭ ‬متى‭ ‬يغني‭ ‬وتناسب‭ ‬من‭ ‬يغني‭ ‬لهم‭.‬

هو‭ ‬يخلق‭ ‬حالاتٍ‭ ‬متعددةً،‭ ‬منطلقاً‭ ‬ربما‭ ‬من‭ ‬مفردة‭ ‬واحدة‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬عنه‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالحكم‭ ‬العلامي‭: ‬‮«‬إنه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقيم‭ ‬كوناً‭ ‬شعرياً‭ ‬بمفردة‭ ‬واحدة،‭ ‬نعم‭ ‬هو‭ ‬ذا،‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬حادث‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬‮«‬آية‭ ‬جيم‮»‬‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬وفي‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬قصائد‭ ‬‮«‬سيرة‭ ‬البنفسج‮»‬‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬مفردةُ‭ ‬البنفسج‭ ‬مادةَ‭ ‬فعلها‭ ‬الشعري،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬زرعها‭ ‬هكذا‭ ‬لتصبح‭ ‬مُحدِّدةً‭ ‬للمسار‮»‬‭. ‬

حسن‭ ‬طلب‭ ‬يستدعي‭ ‬مخزوناً‭ ‬ثقافياً‭ ‬هائلاً،‭ ‬من‭ ‬اللغة،‭ ‬والفلسفة،‭ ‬والتاريخ،‭ ‬والأديان،‭ ‬وعلم‭ ‬الجمال،‭ ‬والحضارات،‭ ‬ليكتب‭ ‬قصيدة‭.‬

وهو‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬يكتب‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬اللاوعي،‭ ‬يأخذه‭ ‬التاريخ‭ ‬أو‭ ‬المرموز‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬شاء‭: ‬

تبرَّجت‭ ‬القصيدة‭ ‬لي

وكلمني‭ ‬الزبرجد‭... ‬قال‭ ‬من‭ ‬تهوى‭ ‬

فقلتُ‭ ‬غَوايةٌ

في‭ ‬غير‭ ‬وقتِ‭ ‬الغيِّ‭ ‬تذهبُ‭ ‬بي‭... ‬فأذهب‭!‬

قال‭: ‬من‭ ‬أغواكَ؟

قلتُ‭ ‬الشادنُ‭ ‬الأحوى‭!‬

فضمَّ‭ ‬يديَّ‭.. ‬دسَّ‭ ‬تميمةً‭ ‬في‭ ‬الكفِّ

أطلعني‭ ‬على‭ ‬رمزٍ‭ ‬لمرموزين‭.. ‬أقرأني‭ ‬سلام‭ ‬الحرفِ

قال‭: ‬ألا‭ ‬لأمرٍ‭ ‬تَطَّبيكَ‭ ‬الآن‭ ‬أشكاٌل‭ ‬بلا‭ ‬فحوى‭ ‬

فكنْ‭ ‬أقوى‭!‬

ورُدَّ‭ ‬على‭ ‬البنفسج‭ ‬ما‭ ‬اطَّباك‭ ‬به‭ ‬البنفسجُ‭ ‬لا‭ ‬يراودْك‭ ‬البنفسجُ‭ ‬بالشذا‭ ‬

هل‭ ‬هي‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬تتلبس‭ ‬حسن‭ ‬طلب،‭ ‬كما‭ ‬يتلبس‭ ‬الجنُّ‭ ‬الإنسانَ،‭ ‬فينطق‭ ‬لا‭ ‬بلسانه،‭ ‬ويتحرك‭ ‬لا‭ ‬بقدميه،‭ ‬ويغيب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬المجهِدةِ،‭ ‬أو‭ ‬يخضع‭ ‬لثقل‭ ‬الوحي‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يئن‭ ‬منه‭ ‬الأنبياء‭ ‬عند‭ ‬تلقيه؟‭!‬

أقول‭ ‬هذا،‭ ‬وحسن‭ ‬طلب‭ ‬ماثلٌ‭ ‬أمام‭ ‬عيني،‭ ‬ليس‭ ‬الآن‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكنه‭ ‬ماثل‭ ‬أمام‭ ‬عيني،‭ ‬وهو‭ ‬يعالج‭ ‬القصيدة‭ ‬وتعالجه،‭ ‬وجبينه‭ ‬يتصبب‭ ‬عرقاً،‭ ‬ربما‭ ‬يشبه‭ ‬مع‭ ‬الفارق‭ ‬هذا‭ ‬المريض‭ ‬المصاب‭ ‬بنونات‭ ‬من‭ ‬الصداع‭ ‬النصفي‭ ‬في‭ ‬أعلي‭ ‬درجاته،‭ ‬أو‭ ‬المصروعَ‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬قوة،‭ ‬تجاه‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يصدر‭ ‬عنه،‭ ‬لكن‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬طِلب‭ ‬وبين‭ ‬هذا،‭ ‬أن‭ ‬طِلب‭ ‬بعد‭ ‬إفاقته‭ ‬يتذكر‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نطق‭ ‬به‭ ‬وما‭ ‬أوحى‭ ‬الجني‭ ‬والحالةَ‭ ‬التي‭ ‬تلبسته‭ ‬فيعتدل‭ ‬ليشرب‭ ‬فنجاناً‭ ‬من‭ ‬القهوة‭ ‬ويخط‭ ‬على‭ ‬الأوراق‭ ‬كامل‭ ‬المشهد‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬حسن‭ ‬طلب‭ ‬كان‭ ‬يقاوم‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬وهذا‭ ‬التعب‭ ‬الشديد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ينتابه‭ ‬فتراه‭ ‬يقول‭: ‬

ذلك‭ ‬وقت‭ ‬أستطيع‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬أصرخ‭ ‬نادماً

إليكَ‭ ‬–‭ ‬ويكَ‭ ‬عني

أيها‭ ‬البنفسجُ‭ ‬الملوثُ‭ ‬

أيتها‭ ‬اللغةْ‭ ‬

كُفِّي‭ ‬عني

بأنصاف‭ ‬الكؤوس‭ ‬الفارغة

وأخرجيني‭ ‬من‭ ‬فُسَيْفِسائك‭ ‬المراوغة‭ ‬

نَعم‭ ‬اللغةُ‭ ‬مراوغة‭ ‬عند‭ ‬حسن‭ ‬طلب،‭ ‬تُلْمِحَ‭ ‬تارة،‭ ‬وتتكشفُ‭ ‬تارة،‭ ‬وتبدو‭ ‬كظلٍّ‭ ‬تارة،‭ ‬وتشفُّ‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭.‬

لكن‭ ‬السؤال‭: ‬هل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬توضأ‭ ‬حسن‭ ‬طلب‭ ‬باللغة‭ ‬وارتدى‭ ‬ثياب‭ ‬الكتابة،‭ ‬وتطيب‭ ‬بالفلسفة‭ ‬وعلم‭ ‬الجمال،‭ ‬كان‭ ‬أحياناً‭ ‬ينطلق‭ ‬إلى‭ ‬التنظير،‭ ‬وإلى‭ ‬النقد،‭ ‬وهل‭ ‬كان‭ ‬فعله‭ ‬هذا‭ ‬متعمداً،‭ ‬أم‭ ‬ضمن‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬تلبسته؟‭! ‬وهو‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬القصيدة‭ ‬في‭ ‬يديه‭ ‬تتحول‭:‬

أجل‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬دفع‭ ‬القصيدة‭ ‬في‭ ‬تحولها

إذا‭ ‬بلغت‭ ‬أدانيها‭ ‬أقاصيها

أطاعت‭ ‬أمر‭ ‬عاصيها‭!‬

وسمت‭ ‬في‭ ‬خصائصها

سمت‭ ‬لخلودها

لم‭ ‬يبق‭ ‬منها‭ ‬غير‭ ‬هيكلها

فلا‭ ‬ثبت‭ ‬اليراع‭ ‬بإصبعي

إن‭ ‬كنتُ‭ ‬قد‭ ‬أقحمت‭ ‬فيها

لفظةً‭ ‬هجناءَ‭ ‬

أو‭ ‬أنزلتها

في‭ ‬غيرِ‭ ‬مُنْزَلها

الأهم‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬ينزلها‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬مُنزَلها‭ ‬وليس‭ ‬مَنزِلها،‭ ‬في‭ ‬تصوير‭ ‬يتفرد‭ ‬به‭ ‬حسن‭ ‬طلب،‭ ‬وكأنه‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬يرتب‭ ‬الكلمات‭ ‬والقصيدة‭ ‬ترتيباً‭ ‬يعدل‭ ‬ترتيب‭ ‬الخلق‭ ‬من‭ ‬اللاشيء،‭ ‬فيعيد‭ ‬القصيدة‭ ‬
إلى‭ ‬سيرتها‭ ‬الأولي‭ ‬في‭ ‬إهابها‭ ‬وإطارها‭ ‬وصندوقها‭ ‬البنفسجي‭ ‬أو‭ ‬المُطَعَّمِ‭ ‬بالزبرجد‭.‬

والسؤال‭ ‬التالي‭: ‬هل‭ ‬كان‭ ‬يعالج‭ ‬نفسه‭ ‬بشعره؟‭! ‬وهل‭ ‬كان‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬حالاته‭ ‬السابقة،‭ ‬في‭ ‬حالته‭ ‬الآنية؟

قرأت‭ ‬من‭ ‬‮«‬آيةٍ‭ ‬جيمٍ‮»‬

بعضَ‭ ‬مازلتُ‭ ‬أعي

وبين‭ ‬أضلعي‭ ‬دفنته‭!‬

قلتُ‭: ‬وداعاً‭ ‬أيها‭ ‬الطفلُ‭ ‬الذي‭: ‬قد‭ ‬كنتُ‭ ‬كنتُه‭!‬

وأيضاً‭ ‬وقف‭ ‬حسن‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القصيدة،‭ ‬ليرسل‭ ‬رسالة‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬متعلقةً‭ ‬بالشكل،‭ ‬فالشكل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أبداً‭ ‬أن‭ ‬يحجر‭ ‬على‭ ‬إبداع،‭ ‬أو‭ ‬يزيِّن‭ ‬إبداعاً‭ ‬آخر،‭ ‬بينما‭ ‬الإبداع‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يزيِّنُ‭ ‬الشكل‭. ‬يقول‭ ‬عيد‭ ‬عبدالحليم‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬قانون‭ ‬للإبداع‭ ‬سوى‭ ‬الإبداع،‭ ‬وأرى‭ ‬أن‭ ‬النص‭ ‬الشعري‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستوعب‭ ‬أشكالاً‭ ‬مختلفة،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬النمطية‭ ‬التي‭ ‬يروِّج‭ ‬لها‭ ‬البعض،‭ ‬رهان‭ ‬الشعر‭ ‬أن‭ ‬يقترب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الحسِّ‭ ‬الإنساني‭.‬

‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬حسن‭ ‬طلب‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يوصل‭ ‬رسالة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬المبدع‭ ‬حر‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الشكل‭ ‬الذي‭ ‬ينطلق‭ ‬منه،‭ ‬وبالطبع‭ ‬أنا‭ ‬متوافق‭ ‬معه‭ ‬تماما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬حينما‭ ‬يقول‭:‬

في‭ ‬قصيدته‭ ‬‮«‬الجيم‭ ‬تجمَحُ‮»‬‭ ‬

أجل‭...‬

للشاعر‭ ‬العادي‭ ‬أن‭ ‬يختار‭ ‬قافية‭ ‬

ويسرفَ‭ ‬في‭ ‬تسوُّلها

ولي‭ ‬أن‭ ‬أستقلَّ

بما‭ ‬يجلُّ‭ ‬جلاله

عن‭ ‬رفضها‭ ‬أو‭ ‬تقبُّلها

ولي‭ ‬أن‭ ‬أستعيذَ‭ ‬بوردة‭ ‬أخرى

تترجم‭ ‬آيةً‭ ‬كبرى

انظر‭ ‬كيف‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬القافية‭ ‬المتَسوَّلَةُ؟‭! ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يعيدني‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬خصصتُ‭ ‬بها‭ ‬ديوان‭ ‬‮«‬رطب‭ ‬الصيف‮»‬‭ ‬للشاعر‭ ‬عبدالحكم‭ ‬العلامي،‭ ‬وقلت‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬إنَّ‭ ‬بعض‭ ‬الشعراء‭ ‬العموديين‭ ‬أو‭ ‬الخليليين‭ ‬هم‭ ‬أشد‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬القصيدة‭ ‬الخليلية‭ ‬من‭ ‬القائلين‭ ‬بموتها‭... ‬إلخ‮»‬،‭ ‬وآفتنا‭ ‬هي‭ ‬الأحكام‭ ‬المطلقة‭,‬‭ ‬يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬يسري‭ ‬عبدالله‭ ‬‮«‬لإيقاظ‭ ‬العقل‭ ‬العربي‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الأحكام‭ ‬المطلقة،‭ ‬التي‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬يقينية‭ ‬ثابتة،‭ ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬قابل‭ ‬للمراجعة،‭ ‬والعالم‭ ‬نسبي،‭ ‬وهو‭ ‬ابن‭ ‬للتحول‭ ‬والتغير‭ ‬المستمر،‭ ‬ويتصل‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن‭ ‬اتصالاً‭ ‬وثيقاً‭ ‬توسيع‭ ‬نوافذ‭ ‬الحريات‭ ‬البحثية‭ ‬والفكرية‮»‬‭. ‬وربما‭ ‬هنا‭ ‬نستدعي‭ ‬فكر‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬وتبنيه‭ ‬منهج‭ ‬الشك‭ ‬عند‭ ‬ديكارت‭.‬

‭ ‬عالم‭ ‬حسن‭ ‬طلب‭ ‬عالم‭ ‬فوضويٌ،‭ ‬مرتبٌ،‭ ‬يرتفع‭ ‬بك‭ ‬فجأة،‭ ‬ويهبط‭ ‬بك‭ ‬أيضاً‭ ‬فجأة،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينبهك‭ ‬إلى‭ ‬ربط‭ ‬حزام‭ ‬الأمان،‭ ‬فيظل‭ ‬قلبك‭ ‬طوال‭ ‬الرحلة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬بين،‭ ‬لكنك‭ ‬حينما‭ ‬تصل‭,‬‭ ‬وقليلون‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يصلون،‭ ‬يكتشفون‭ ‬روعة‭ ‬الرحلة،‭ ‬بل‭ ‬ويتبادلونها‭ ‬في‭ ‬مجالسهم،‭ ‬ومع‭ ‬تابعيهم،‭ ‬ومُريديهم‭.‬

حسن‭ ‬طلب‭ ‬أدرك‭ ‬تماماً‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬مستويات،‭ ‬وأن‭ ‬المتلقين‭ ‬مستوياتٌ‭ ‬أيضا،‭ ‬بل‭ ‬وإن‭ ‬الأحداث‭ ‬مستويات،‭ ‬الشاهد‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬حسن‭ ‬طلب‭ ‬حينما‭ ‬نشر‭ ‬بعض‭ ‬قصائدَ،‭ ‬أو‭ ‬مقاطعَ‭ ‬من‭ ‬ديوانه‭ ‬تحت‭ ‬الطبع‭ ‬‮«‬سِفر‭ ‬الشهداء‮»‬‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬قوسين‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬المحبب‭ ‬إلى‭ ‬قلبي‭ ‬ربما‭ ‬لأن‭ ‬العنوان‭ ‬يتشابه‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬منه‭ ‬مع‭ ‬عنوان‭ ‬ديواني‭  ‬‮«‬سفر‭ ‬التَّوسُّلِ‮»‬‭. ‬الصادر‭ ‬سنة‭ ‬2013‭ ‬م‮»‬،‭ ‬فحينما‭ ‬يتحدث‭ ‬حسن‭ ‬طلب‭ ‬عما‭ ‬سمي‭ ‬‮«‬بثورة‭ ‬يناير‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬عاش‭ ‬هذا‭ ‬وتفاعل‭ ‬معه،‭ ‬وغضب،‭ ‬وانفعل،‭ ‬وصفق،‭ ‬وقام،‭ ‬وقعد،‭ ‬بين‭ ‬جمهور‭ ‬أكثره‭ ‬من‭ ‬العامة،‭ ‬وبعضه‭ ‬من‭ ‬المثقفين،‭ ‬وبعضه‭ ‬من‭ ‬النخبة،‭ ‬والأمر‭ ‬يذهب‭ ‬ويعود،‭ ‬ثم‭ ‬يذهب‭ ‬ولا‭ ‬يعود،‭ ‬والتخبط‭ ‬سيد‭ ‬الموقف،‭ ‬والمتربصون‭ ‬المتربصون،‭ ‬فماذا‭ ‬كان‭ ‬عليه،‭ ‬وأيَّةُ‭ ‬لغةٍ‭ ‬كان‭ ‬بإمكانها‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬الغرض،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬طبقنا‭ ‬فقه‭ ‬إسقاط‭ ‬النص‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬الواقع؟‭! ‬هو‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬كما‭ ‬يلي‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭: ‬

لو‭ ‬رؤيةٌ‭ ‬ناقدةٌ

توجِّهُ‭ ‬الثوارَ‭ ‬في‭ ‬الميدانِ

كي‭ ‬لا‭ ‬يخطَفَ‭ ‬الثورةَ‭ ‬من‭ ‬أصحابِها‭: ‬أعداؤها

أي‭ ‬لغة‭ ‬ــ‭ ‬وأنا‭ ‬بالطبع‭ ‬أقصد‭ ‬اللغة‭ ‬ومكوناتها،‭ ‬وعناصرها،‭ ‬وأدواتها‭ - ‬كانت‭ ‬تصلح‭ ‬في‭ ‬رصد‭ ‬هذا‭ ‬المشهد؟‭ ‬إلا‭ ‬لغة‭ ‬كهذه‭ ‬أو‭ ‬قريبة‭ ‬منها؟‭! ‬

يقول‭ ‬الناقد‭ ‬عبدالرزاق‭ ‬عودة‭ ‬الغالبي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬المهم‭ ‬‮«‬الذرائعية‭ ‬في‭ ‬التطبيق‮»‬‭ ‬والذي‭ ‬أصدرته‭ ‬مؤسسة‭ ‬الكرمة‭ ‬ضمن‭ ‬مشروعها‭ ‬الطموح‭ (‬عام‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‭ ‬يوليو‭ ‬2017‭ ‬ذ‭ ‬يونيو‭ ‬2018‭ ‬م‭): ‬‮«‬فن‭ ‬الشّعرَ‭ ‬مِنَ‭ ‬الفُنون‭ ‬العربيّة‭ ‬الأولى‭ ‬عند‭ ‬العرب،‭ ‬وقد‭ ‬ظهر‭ ‬هذا‭ ‬الفنُ‭ ‬في‭ ‬التّاريخ‭ ‬الأدبيّ‭ ‬العربيّ‭ ‬منذُ‭ ‬قديمِ‭ ‬العصور،‭ ‬إلى‭ ‬أنْ‭ ‬أصبحَ‭ ‬وثيقةً‭ ‬يمكنُ‭ ‬مِن‭ ‬خلالها‭ ‬التعرّفُ‭ ‬على‭ ‬أوضاعِ‭ ‬العرب،‭ ‬وثقافتِهم،‭ ‬وأحوالهم،‭ ‬وتاريخهم،‭ ‬فقد‭ ‬حاول‭ ‬العرب‭ ‬تمييز‭ ‬الشّعر‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الخطاب‭ ‬المُختلف‮»‬‭. ‬

أصابني‭ ‬الإجهاد،‭ ‬وأنا‭ ‬أركض‭ ‬في‭ ‬مساحات‭ ‬ضيقة‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬الصديق‭ ‬والشاعر‭ ‬سفيان‭ ‬صلاح‭ ‬‮«‬فما‭ ‬بالي‭ ‬إذا‭ ‬أردتُ‭ ‬أن‭ ‬أركض‭ ‬في‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة،‭ ‬يتملكها‭ ‬حسن‭ ‬طلب‮»‬‭.‬

ولا‭ ‬أغادر‭ ‬مبحثي‭ ‬هذا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أذكر‭ ‬وصيته‭ ‬حين‭ ‬قال‭:‬

تركت‭ ‬فيكم‭ ‬كِلمتي‭ ‬تلكَ‭...‬

وصيتي‭ ‬لكمْ

يا‭ ‬من‭ ‬تشيعونني‭ ‬

أن‭ ‬تجعلوها‭ ‬شاهد‭ ‬الضريح‭ ‬

وأيضاً‭ ‬وصيته‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية‭ ‬لأم‭ ‬علىٍّ‭:‬

يا‭ ‬أمَّ‭ ‬عليّْ

ما‭ ‬هذا‭ ‬بأوان‭ ‬بكاءٍ‭.. ‬ليسَ‭ ‬ولا‭ ‬بأوانِ‭ ‬حدادٍ‭ ‬أو‭ ‬نعيْ

لو‭ ‬كان‭ ‬علىّْ

قد‭ ‬شبَّ‭ ‬الآن‭ ‬عن‭ ‬الطوقِ‭... ‬وما‭ ‬زال‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬كنتُ‭ ‬أربيهِ

وكان‭ ‬نجا‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬النكباتِ‭ ‬المتتالية‭.. ‬وصار‭ ‬فتىً

فعليه‭ ‬أن‭ ‬يطلب‭ ‬ثأر‭ ‬أبيهِ‭... ‬إلخ‭ ‬

وما‭ ‬ذكرتُ‭ ‬هذه‭ ‬الوصية‭ ‬المؤلمةَ‭ ‬هنا‭ ‬وفي‭ ‬خاتمة‭ ‬المبحث،‭ ‬إلا‭ ‬لرغبتي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ميثاقَ‭ ‬شرف،‭ ‬للجيل‭ ‬القادم‭ ‬ليصبح‭ ‬جيلاً‭ ‬يملك‭ ‬مقدراته‭ ‬في‭ ‬يده‭ ‬■