مشاهدات رلكه وانطباعاته عن الإسلام
يعد الكتّاب الألمان الأكثر إنصافا للعطاء الإسلامي والحضارة الإسلامية، وربما يرجع سبب ذلك إلى أن الألمان لم يحتكوا احتكاكا عسكريا واستعماريا بالعالم الإسلامي، الأمر الذي جعلهم يبحثون في التاريخ الإسلامي دون نوايا استعمارية أو أهداف تنصرية، فتأثر بعضهم بشخصية الرسول الكريمﷺ . وكتبوا عن سيرته العطرة بما في هذه السيرة من قيم التسامح، العدل، الخير، حب الآخرين، البطولة، الرحمة، وغيرها من الصفات التي وصف بها النبي، كما جاءت في سيرته واطلع عليها الأدباء الألمان.
من وحي هذا الإعجاب كتبوا عن حياته، وتحدثوا عنها بإنصاف، وإلى جانب ذلك خدموا التراث العربي خدمة عظيمة بكم من المخطوطات لأمهات كتب التراث التي قاموا بجمعها من مختلف مكتبات أوربا وعملوا على تحقيقها ونشرها.
تأثر عديد من الأدباء الألمان الذين قرأوا الترجمة الألمانية لمعاني القرآن الكريم، وتأثروا أيضا بسيرة النبي الكريم ﷺ مثل رايسكة، الذي عرف بأنه شهيد الأدب العربي, وجوته، الذي كتب ديوانه «الديوان الشرقي للمؤلف الغربي» وتغنى فيه بالشرق الساحر وحضارته.
وتظل كلمة جوته الخالدة التي شرحت الجوهر الحقيقي لرسالة الإسلام التي يحملها لكل الإنسانية، والتي تعني التسليم الخالص لله سبحانه وتعالى، يقول جوته: «إذا كان الإسلام يعني التسليم لله فنحن نحيا ونموت مسلمين». وهو نموذج لهؤلاء الأدباء الألمان الذين أحبوا الإسلام، وتأثروا بالنبي الكريمﷺ .
يأتي الشاعر راينر ماريا رلكه كواحد من أشهر الشعراء الألمان الذين تغنوا بمجد الإسلام وحضارة العرب. هذا الشاعر الحالم الذي غلبت على شعره روح الرومانسية والبساطة واستشراف الرؤى، وكثرة تجواله وأسفاره وأماسيه، استطاع أن يرسم لنا صورة حية لواقع عايشه، هذه الصورة تتجلى في عمق تأثره بما شاهده من آثار إسلامية في كل البلدان التي زارها والتقى أهلها وتأثر بالحياة البسيطة التي تراءت، له فصاغ ما شاهده من خلاله قصائده، ورسائله التي هي الأخرى قطعة أدبية معبرة عن تجربة صادقة عاشها الشاعر.
رأى رلكه الحياة الإسلامية وعاشها عن قرب، ورأى أيضا مظاهر هذه الحضارة وشواهدها العديدة الباقية من خلال رحلاته إلى المشرق العربي، والشمال الإفريقي، وإسبانيا. ولد رلكه في مدينة براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا سنة 1875 لأب عمل ضابطا في الجيش النمساوي، وقد شارك هذا الأب في حملة النمسا ضد إيطاليا سنة 1859 ثم اضطر لترك الجيش بسبب صحته والتحق بإدارة السكة الحديدية.
أما أمه فهي ابنة تاجر كان مستشارا لإمبراطور النمسا، لكن الحياة الزوجية لم تستمر طويلا بينهما، فعاشا حالة انفصال من دون طلاق، وكانت أمه هي صاحبة الفضل الأكبر في تربيته، فقد أنفقت عليه ورعته ودفعته إلى المطالعة، كما نمّت لديه أيضا مواهبه الفنية.
بعد تعليمه الابتدائي التحق رلكه بالمدرسة الثانوية العسكرية بالقرب من مدينة فيينا عاصمة النمسا عام 1886، ثم انتقل منها إلى الكلية الحربية عام 1890 التي لم يمكث فيها سوى عام واحد، حيث لم يكن منسجما مع جو الانضباط، والقسوة التي وجدها بين زملائه والمدرسين، وقد شبه ذلك الإطار بـ «بيت الموتى».
وفي نهاية عام 1894 ظهرت له أول مجموعة شعرية كتبها وكانت بعنوان «الحياة والأغاني»، اهتم فيها رلكه بالقصائد القصيرة ذات الإيقاع الذي يقوم على المحسنات اللفظية.
وفي أوائل سنة 1896 طبع مجلة أدبية اسمها «الشيكوريا البرية»، وهي مجلة صغيرة تقع في 66 صفحة، وقد وزعها مجانا على المستشفيات والنوادي المختلفة، ثم راح بعد ذلك يوزعها بالمجان أيضا على المارة، وقد قدم رلكه لهذه المجلة بكلمة قال فيها: «أنتم تنشرون مطبوعاتكم في طبعات رخيصة الأثمان، وبهذا تسهلون على الغني الشراء، لكنكم لا تساعدون الفقير لأنه بالنسبة إليه كل شيء غالي الثمن، أنا أيضا فقير، لكن هذا الأمل يجعلني غنيا. إن االشيكوريا البريةب ستظهر مرة أو مرتين في العام، فاقطفوها ولتكن مصدر سروركم».
توفي رلكه عام 1927، ومن العجيب أن سبب وفاته هو وخزة الأسل )شوك الورد( من خلال وردة اقتطفها في حديقة إحدى المصحات، حيث كان رلكه يزور أحد أقاربه المرضى، وبسبب هذا الغصن جرح جرحا كان سببا في إصابته بلوكيميا الدم.
اتجاه رلكه إلى الإسلام
عاصر رلكه السنوات العشر الأخيرة من عمر المملكة الأوربية، وكان عليه أن يعيش تلك الفترة التي اقتلعت فيها جذور الإنسان من الإيمان، كما شاهد تحولات عديدة أثرت في حياته واتجاهه الفكري، من حياة مضطربة، متنقلة غير ثابتة، وروح لا تهدأ، تحاول أن تكشف سر هذه الحياة. فبدأ رلكه في رحلة البحث عن طريق يهديه لإجابة شافية يبصر بها الحقيقة، وفي ظل هذه الحقيقة تكون الإجابة عما يطرحه من تساؤلات. تأثر رلكه بجوته في كتاباته عن الشرق وعن نبي الإسلام ﷺ واطلاعه على ديوان جوته، الديوان الشرقي للشاعر الغربي، الذي فتن من خلاله بسحر الشرق وحضارته وآدابه.
ثم استمر في البحث عن جوهر الحياة، فقصد الكاتب الروسي تولستوي والتقى به في مزرعته، حيث كان تولستوي عاكفا هناك يعيش مع الفلاحين في زهد وعزلة.
كان للقاء رلكه بهذا الكاتب العظيم الأثر الكبير في حياته واتجاهه لقراءة الآداب العربية وتأثره بالحضارة الإسلامية ومجد الإسلام.
كان رلكه حينها يبلغ من العمر 24 عاما، وهناك في مزرعة تولستوي رأى الفلاحين وتأثر بتدينهم الشديد، كما تأثر أيضا بزهد حياتهم وبساطة عيشهم، وقد وصف تولستوي هذه الحياة البسيطة لهؤلاء الفلاحين في كثير من أعماله القصصية، مثل قصته القصيرة «الحاج مراد»، وغيرها من الأعمال الأدبية التي كتبها من وحي حياة الفلاحين البسطاء، وظهرت هذه الحياة لرلكه وكأنها تجمع بين وحدانية الله وجمال الطبيعة.
رجع رلكه من هذه الرحلة، التي التقى فيها الكاتب العظيم تولستوي، الذي تأثر هو أيضا بشخصية النبي الكريم ﷺ وعاش بمبادئ الإسلام وتوظيف قيمه في عديد من أعماله الأدبية. وقد كانت بينه وبين الإمام محمد عبده مراسلات عديدة، انقطعت بموت الإمام، فكان من الطبيعي تأثر رلكه بهذه الحياة التي عاشها تولستوي، الأمر الذي جعله ينظم رحلاته للشمال الإفريقي، وكان ذلك أيضا بتشجيع من زوجته التي سبقته إلى زيارة مصر، ووصفت له ما في هذه البلاد من سحر الحضارة وبساطة شعبها، فاستجاب رلكه لذلك، لما في نفسه من ذكريات وأخيلة عن بلاد الإسلام، ولروحه الشاعرة التواقة إلى استكشاف الجمال.
كانت زيارة رلكه الأولى إلى شمال إفريقيا في الفترة من عام 1910 حتى عام 1913، وزار خلالها تونس والجزائر والمغرب ومصر، وفي هذه البلاد كان له أن يعيش الحياة الإسلامية كما وجدها هناك، ويرى الإسلام من خلال الواقع. توصل رلكه إلى حقيقة هذا الدين العظيم، ووجد أن الإسلام كان قريبا من تفكيره، وبخاصة عندما يتكلم عن قبول الحياة وقبول الموت كوحدة واحدة، وعندما يتكلم عن هذا العالم الروحي يرى رلكه أن المسلمين يملكون هذه المعرفة، معرفة وحدانية الله منذ زمن.
صور رلكه ذلك بقوله « لقد جاء محمد كنهر من أم الجبل ينتهي إلى الإله الواحد... » ، إذن هي وحدانية الخالق التي وجدها الشاعر في العقيدة الإسلامية التي تنزه الله سبحانه وتعالى عن الأضداد، وهذا ما بحث عنه الشاعر طويلا ووجده في الإسلام.
وفي رسالة أخرى كتبها رلكه بتاريخ 28/12/1921 وأعطى لها عنوان «حنين إلى الصلاة الإسلامية» يشرح هذا التوجه الذي تبناه وآمن به فكريا. وعن حقيقة الدين وروح الاعتقاد، يقول في هذه الرسالة: «إن مسألة الدين بسيطة جدا، والدين لا يحتاج إلى كثير من المعرفة أو إلى إحساس كبير، إنه لا يوحى، ولا استغناء عنه، إن في الفضاء الكبير الواسع توجيهًا للقلب، فالعربي يتوجه في ساعات معينة نحو الشرق بكل خضوع وخشوع، بل إنه هو الإحساس الباطني في الوجود الكائن وبواسطته نلامس خاشعين خاضعين لروح الله». ويؤكد رلكه هذا المفهوم، وتلك الرؤية التي يراها كشاعر يبصر ما في المدى، وما في هذا العالم الواسع من آيات تؤكد وحدانية الله، وعظم خلقه.
في رسالة أخرى كتبها بتاريخ 13/11/1925 يقول رلكه: «لا يوجد مفهوم العالم الحاضر والعالم الآخر، بل الوحدانية الكبيرة التي تمثلها الملائكة، وملائكة الترانيم الحزينة لا علاقة لها بالسماء المسيحية، بل بصفات الإسلام».
من وحي رحلته إلى الأندلس
كان إعجاب رلكه بالإسلام إعجاب الباحث عن الجمال وعن البعد الروحي في قيمه ومبادئه، فولّى قبلته إلى الأندلس، جنان الله على هذه الأرض، وشعاع الحضارة الإسلامية يخترق هذه القلاع وتلك القصور فتتراءى للشاعر صور أصيلة تذكر فيها مجد الإسلام حاضرة بقوة.
زار رلكه إسبانيا وتجول في مدنها: قرطبة، طليطلة، إشبيلية، ورنده، وشاهد عظمة العمران وروعة الحضارة الإسلامية متمثلة في تراث العرب هناك.
مسجد قرطبة
شاهد مسجد قرطبة، هذه الدرة الفريدة في عقد الأندلس، وأخذ بخلده وتفكيره، فأخذ يتأمل في أثناء التجول بين أعمدة المسجد عظمة البناء، ودقة الصنع، وروح العمارة الإسلامية المتمثلة في هذا الأثر الفريد، وقد أعجب به رلكه، فكان المسجد بمنزلة بوابة الدخول إلى الإسلام.
وقد أحزنه وجود تلك الكنائس بجواره، فكتب في إحدى رسائله واصفا هذا الشعور الغريب الذي أحسه عندما شاهد هذه الكنائس: «انظري إلى هذا المسجد ذ يقصد جامع قرطبة - أي بأس، أي عار في تركه هكذا ينحط وينهار وهذه الكنائس التي تتلوى في داخله، يود المرء أن يجتثها بضربات من المنشط بوصفها عقدا في شعر جميل».
يقول د. عبدالرحمن بدوي تعقيبا على هذه الرسالة التي كتبها رلكه لزوجته، واصفا لها شعوره الغريب وحزنه لمظاهر تشويه جمال المسجد من قبل الإسبان بوجود هذه الكنائس: «واحتجاج رلكه ها هنا على ما أصاب جامع قرطبة العظيم، الذي كان يعد من أروع التحف الفنية الضخمة في العالم كله، على ما أصابه من تخريب وتشويه وانتهاك أثيم من جانب النصارى الإسبان منذ أن استولوا على قرطبة سنة 1226م بقيادة فرديناند الثالث، حتى الوقت الذي زاره فيه رلكه في أوائل ديسمبر سنة 1912، نقول: إن هذا الاحتجاج الصارخ الصادق النبرة الصادر عن شعور بجلال الفن وعظمة الإسلام لهو شهادة ينبغي أن يعتز بها كل مسلم».
لقد كان إعجاب رلكه بالفن الإسلامي متمثلا في مسجد قرطبة عظيما، كما يقول د. عبدالرحمن بدوي «يود رلكه لو تخلص هذا المسجد من كل التشوهات التي صنعها رجال الدين النصارى الذين حولوه إلى كنيسة، فقضى على جمال مخطوطه، وعظمة معماره، وصفاء تقاسيمه المعمارية، وجلال أساطينه».
لقد كان لمسجد قرطبة في نفس رلكه المكانة البارزة، فهو بمنزلة البوابة التي عرف من خلالها الإسلام، فهمّ بدراسة الإسلام والاطلاع عليه، وقرأ القرآن الكريم في كل ما وصل إليه من ترجمات، وتعمق في قراءته، وأحس نحوه بسعادة حقيقية «إنني أقرأ القرآن وفي مواضع عديدة منه أجده يتكلم بصوت منه، أدخل أنا بكل قواي مثل الريح في الأرغون»، فحين أبدى رلكه إعجابه الشديد برسالة الإسلام، قدر صاحب الرسالة الرسول الكريم ﷺ وصوره مثل «نهر يجري جبل من الأصول قد شق طريقا إلى الله الواحد الأحد».
لقد رأى رلكه في النبي محمد ﷺ الصفاء والنقاء الخالصين، والجمال الذي ينشده الشاعر من خلال تأمله، فصوره كنهر يشق طريقه من الينابيع الأصلية في الجبل، ويجري فيضه الثري حتى يصل إلى الله مباشرة كل صباح، وذلك في الصلوات اليومية.
زار رلكه تونس، والجزائر، والمغرب قبل الزيارة التي قام بها لإسبانيا عام 1912.
مدينة القيروان
شاهد رلكه في تونس مدينة القيروان، هذه المدينة العريقة التي بناها القائد الفاتح عقبة بن نافع عام 51 هـ، وأعجب بها، وظهر هذا الإعجاب في رسالة كتبها صور فيها انطباعه عن تلك المدينة الساحرة الحاملة لعبق التاريخ، وأطياف الماضي، كما تراءت للشاعر.
وفي رسالة مؤرخة من القيروان بتاريخ 21 من ديسمبر 1910، يكشف رلكه عن جانب آخر من جوانب الإسلام، هذا الجانب هو جانب التصوف، التقوى، والزهد، وقد وصف د. عبدالرحمن بدوي مدينة القيروان عند زيارة رلكه لها، قائلا: «أنشأها سيدي عقبة، وفيها مسجد جامع عظيم استخدمت في بنائه أعمدة كبيرة من آثار قرطاجنة والمدينة الساحلية الرومانية والفينيقية تحمل سعفا من الخشب الأرز وقبابا بيضاء، ولا يخيل بالمدينة سوى السهول والمقابر، لهذا تبدت له كأن الموتى يحاصرونه».
وما أجمل تصوير د. بدوي لرحلة الشاعر رلكه إلى مصر، عندما قال معبرا عن حال الشاعر في زيارته إلى مصر وتجواله فيها: «ذهب إلى الينبوع الذي تنبثق منه الأسرار، وانطلق إلى دنيا من النور الصافي في تعارض حاد مع الوسط الذي عاش فيه، وبحث عن إحساس جديد قادر على خلق قشعريرة في نفس تخشى الجمود».
هذه الكلمات جاءت وصفا لرحلة الشاعر إلى مصر، تلك الرحلة التي نالت الحظ الأوفر من رحلات رلكه، الذي أمضى عمره راحلا سعيا وراء ما هو أصيل، وبحثا عن الجمال الحقيقي في هذا العالم الفسيح.
زار رلكه مصر بتحريض من زوجته التي أعجبت بها وتحدثت عنها، وأوحت له بطيبة أهلها وبساطة ما رأت، وكشفت لزوجها الشاعر مفاتن الأرض الحافلة بالأسرار وسحر النيل في أثناء جريانه، فتراءت للشاعر صورا وأخيلة استقرت في مخيلته حتى زار مصر في يناير 1911، وفور وصوله إلى الإسكندرية استقل القطار إلى القاهرة وكتب إلى زوجة ناشر كتبه في رسالة مؤرخة في 4 يناير: 1911 «إنه يشعر بأن عالم الشرق بدأ يتفتح له، وإنه لم ينخدع فيما توقعه عن الشرق».
في العاشر من يناير من عام 1911 في الرحلة ذاتها، زار رلكه الصعيد على ظهر باخرة أبحرت به من القاهرة، فتراءت له المظاهر الطبيعية الخلابة، وجمال صنع الله من نخيل شامخ، وحدائق غناء، شاهدها الشاعر فأخذه التأمل إلى سحر هذه البلاد وروعتها، وبعد زيارته للصعيد ومشاهدة الآثار الفرعونية القديمة في الأقصر، ولقائه هناك بأهل الصعيد وما وجده من بشاشة وطيبة وبساطة، أخذه الإعجاب أكثر بتعاليم الإسلام التي أوصت بمعاملة الناس معاملة حسنة، مع إحساسهم بالأمان والتعايش.
عاد رلكه إلى القاهرة ليشاهد آثارها ويلتقي أهلها، ويكون صدق الانطباع مصاحبا له حتى عودته إلى أوربا.
ومن خلال هذه الرحلات تعمق الشاعر في فهم الإسلام واقترب أكثر من ينابيعه الصافية، فدرس الإسلام وأحب فيه كل مظاهر الخير والجمال ودعوة الإسلام إلى التأمل وفرضية التفكير التي أمرنا بها الله تعالى، وجاءت في كثير من آيات القرآن الكريم الذي اطلع رلكه على بعض ترجماته، وقرأ السيرة النبوية ومن فيض إعجابه بصاحب الرسالة النبي الكريمﷺ ،.
كتب الشاعر قصيدته «رسالة محمد» وقد نظمها في المدة من 22 أغسطس إلى 8 سبتمبر 1907، وهي إشارة أيضا إلى تأثره بالقرآن الكريم.
يقول رلكه، والقصيدة من ترجمة د.عبدالرحمن بدوي:
لما تبدى الملك الطاهر
ذو الملامح المعروفة والنور الباهر
تبدى رائعا له في خلوته - خلع
كل كبرياء وخيلاء، وتوسل
إلى «التاجر» وقد اضطرب
باطنه اثر أسفاره - توسل إليه أن يبقى
لم يكن قارئًا - وها هي ذي «كلمة»
كلمة عظيمة حتى على حكيم
لكن الملك وجهه بمهارة
إلى ما كان مسطورا في لوح
ولم ييأس, بل ظل
يردد دائما: اقرأ
فقرأ، حتى انحنى الملك
وأصبح ممن يعرفون كيف يقرأون
ويستمعون ويتمون الرسالة
وهكذا كتب رلكه قصيدته، ولسنا ندري ما الذي دفعه إلى كتابة هذه القصيدة؟
هل كان ذلك من أثر قراءة لسيرة الرسول ﷺ أم كان محاكاة لجوته في «الديوان الشرقي المؤلف الغربي»؟
ليس لدينا بيان عن الدوافع التي تحت تأثيرها نظم رلكه هذه القصيدة، التي صاغ فيها مضمون سورة العلق، وهي تدل على كل حال على مدى تأثره بالإسلام، وحبه وتقديره للنبي الكريم ،ﷺ والروح الإسلامية التي شاهدها في جميع الأمكنة التي زارها، تراءت للشاعر صورا أصيلة انطبعت في ذاكرته، فصاغها في قصائده ورسائله.
لقد تغنى رلكه بالإسلام وحضارته على نحو قلما نجده عند الشعراء الأوربيين■