ملابس الحرفيين في التراث الشعبي

ملابس الحرفيين  في التراث الشعبي

احتلت الحرف والصناعات الشعبية (التقليدية) وأصحابها مكانة خاصة في الحياة والثقافة المصرية منذ أقدم العصور؛ فقد كانت هناك آلهة للحرف والصناعات في مصر  القديمة، مما لا نزال نجد له آثاراً متعددة في ثقافات أهل هذه الحرف على نحو أو آخر  إلى وقت قريب، فكل حرفة تنسب إلى نبي أو إلى ولي يعتقد أنه شيخ هذه الصنعة أو معلمها الأكبر. فينتسب النساجون والخياطون إلى إدريس، والصيادون إلى يونس، والذين يحترفون لحام الحديد ينتسبون إلى «ذي القرنين».

 

‭ ‬تعتبر‭ ‬دراسة‭ ‬الأزياء‭ ‬الشعبية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالحرفيين‭ ‬منذ‭ ‬العصور‭ ‬الفرعونية‭ ‬القديمة‭ ‬مرآة‭ ‬صادقة‭ ‬لجغرافية‭ ‬مصر‭, ‬وكذلك‭ ‬لعادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬وثقافة‭ ‬أهلها‭, ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الأزياء‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نتعرف‭ ‬بصورة‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬الحرفيين‭. ‬فلكل‭ ‬طائفة‭ ‬حرفية‭ ‬تراثها‭ ‬الخاص‭ ‬المميز‭, ‬وهي‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تشارك‭ ‬بقية‭ ‬المجتمع‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬جانباً‭ ‬من‭ ‬تراثه‭ ‬وحياته‭, ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تنفرد‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬بجانب‭ ‬آخر‭ ‬يميز‭ ‬أفرادها‭, ‬ويحرصون‭ ‬على‭  ‬تناقله‭ ‬جيلاً‭ ‬بعد‭ ‬جيل‭. ‬ويشير‭ ‬هنا‭ ‬مثلاً‭ ‬إلى‭ ‬الخبازين‭ ‬والفخارين‭ ‬والنجارين‭, ‬ولكل‭ ‬طائفة‭ ‬عاداتها‭ ‬الخاصة‭ ‬ومفرداتها‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬لغة‭ ‬المجتمع‭ ‬الكبير‭.‬

 

زيّ‭ ‬الخباز

تعتبر‭ ‬مهنة‭ ‬الخباز‭ ‬من‭ ‬المهن‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬يرجع‭ ‬تاريخها‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬الفرعوني‭, ‬وعندما‭ ‬نلقي‭ ‬نظرة‭ ‬على‭ ‬النقوش‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬تركها‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬المعابد‭ ‬والمقابر‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الخباز‭ ‬قد‭ ‬حظي‭ ‬باهتمام‭ ‬كبير‭, ‬فقد‭ ‬استطاع‭ ‬الفنان‭ ‬الشعبي‭ ‬بخطوطه‭ ‬الدقيقة‭ ‬أن‭ ‬يعطي‭ ‬صورة‭ ‬حية‭ ‬واقعية‭ ‬للحركة‭ ‬والانفعال‭ ‬المطلوب‭ ‬لأداء‭ ‬كل‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭, ‬وأمامنا‭ ‬صورة‭ ‬تجمع‭ ‬تسلسلاً‭ ‬لجميع‭ ‬مراحل‭ ‬إعداد‭ ‬الخبز‭ ‬عند‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭. ‬وجميعهم‭ ‬يرتدون‭ ‬النصفية‭ ‬المروحية‭ ‬الأخناتونية‭.‬

وقد‭ ‬اختلفت‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭, ‬فكان‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأفران‭ ‬العمومية‭, ‬يذهب‭ ‬إليها‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬مرتين‭ ‬عادة‭ ‬لإنضاج‭ ‬خبزه‭, ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬موعد‭ ‬الطعام‭, ‬ويقوم‭ ‬الفران‭ ‬بإدخال‭ ‬الخبز‭ ‬إلى‭ ‬الفرن‭ ‬ورص‭ ‬الأرغفة‭ ‬فيه‭ ‬كلما‭ ‬حمله‭ ‬الناس‭ ‬إليه‭, ‬ليرد‭ ‬إليهم‭ ‬تام‭ ‬النضج‭. ‬

وملابس‭ ‬الخباز‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬أثناء‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬ملابس‭ ‬الخباز‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الفرعوني‭. ‬وكان‭ ‬زي‭ ‬الخبازين‭ ‬أثناء‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬جلباب‭ ‬طويل‭ ‬ومن‭ ‬أعلاه‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬بالعباءة‭ ‬التي‭ ‬يلتف‭ ‬بها‭ ‬حول‭ ‬الكتفين‭ ‬والذراعين‭, ‬مفتوحة‭ ‬من‭ ‬الأمام‭ ‬ويظهر‭ ‬الجلباب‭ ‬من‭ ‬أسفلها‭, ‬ويرتدي‭ ‬عمامة‭ ‬كبيرة‭ ‬حول‭ ‬الرأس‭, ‬وفي‭ ‬القدمين‭ ‬يرتدي‭ ‬‮«‬البلغة‮»‬‭, ‬أو‭ ‬يرتدي‭ ‬الخباز‭ ‬شكلا‭ ‬أبسط‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬جلباب‭ ‬طويل‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬القدم‭ ‬وينتهي‭ ‬الذيل‭ ‬باتساع‭ ‬وله‭ ‬فتحة‭ ‬رقبة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬حرف‭ ‬‮«‬V‮»‬‭ ‬وبأكمام‭ ‬طويلة‭ ‬واسعة‭ ‬ترفع‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬عند‭ ‬الكوع‭, ‬وعلى‭ ‬الرأس‭ ‬عمامة‭ ‬كبيرة‭.‬

ومع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬أصبحت‭ ‬ملابس‭ ‬الخباز‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬الريفية‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬الجلباب‭ ‬الإفرنجي‭ ‬وفي‭ ‬القدمين‭ ‬‮«‬شبشب‮»‬‭, ‬أو‭ ‬يرتدي‭ ‬الشاب‭ ‬بنطلونا‭ ‬وقميصا‭. ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬يكون‭ ‬متوارثاً‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬عن‭ ‬والده‭.‬

 

صانع‭ ‬الأواني‭ ‬الفخارية‭ (‬الفخراني‭)‬

كان‭ ‬المصريون‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬اهتمت‭ ‬بصناعة‭ ‬الفخار‭ ‬منذ‭ ‬عصور‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ‭ ‬وبداية‭ ‬وجود‭ ‬المصريين‭ ‬في‭ ‬الدلتا‭ ‬ووادي‭ ‬النيل‭, ‬ووصلوا‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الدقة‭ ‬والكمال‭, ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬الدافع‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬هو‭ ‬حاجتهم‭ ‬الماسة‭ ‬إلى‭ ‬أوان‭ ‬يطهون‭ ‬فيها‭ ‬مأكولاتهم‭, ‬ويحفظون‭ ‬فيها‭ ‬سوائلهم‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬أنواعها‭ ‬ويخزنون‭ ‬فيها‭ ‬الحبوب‭ ‬لصيانتها‭ ‬من‭ ‬التلف‭. ‬ولم‭ ‬تقف‭ ‬استعمالات‭ ‬الفخار‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭, ‬بل‭ ‬استخدمت‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬التوابيت‭; ‬لحفظ‭ ‬جثث‭ ‬الموتى‭ ‬وفى‭ ‬صناعة‭ ‬أدوات‭ ‬الزينة‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أشكال‭ ‬الفخار‭ ‬تختلف‭ ‬حالياً‭ ‬عما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬منذ‭ ‬القدم‭ ‬فإن‭ ‬طريقة‭ ‬العمل‭ ‬مازالت‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬النواحي‭. ‬

وصانع‭ ‬الفخار‭ ‬مشارك‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والدينية‭, ‬فيشكل‭ ‬أشكالاً‭ ‬خاصة‭ ‬لكل‭ ‬المناسبات‭ ‬وفق‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭. ‬فهذا‭ ‬إبريق‭ ‬المولود‭, ‬وهذه‭ ‬مبخرة‭ ‬تمر‭ ‬عليها‭ ‬الأم‭ ‬في‭ ‬السبوع‭, ‬وهذا‭ ‬حصان‭ ‬وهذا‭ ‬ديك‭, ‬وتلك‭ ‬عروس‭ ‬تحمل‭ ‬الفاكهة‭, ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬للبيع‭ ‬في‭ ‬الموالد‭. ‬

وليس‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬مكانة‭ ‬الفخراني‭ ‬في‭ ‬المعتقد‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المصريين‭ ‬القدماء‭ ‬عدوه‭ ‬هو‭ ‬الإله‭ ‬خنوم‭ ‬إله‭ ‬الخلق‭ ‬الذي‭ ‬‮ ‬يجلس‭ ‬على‭ ‬عجلة‭ ‬الفخار‭ ‬ليشكل‭ ‬الإنسان‭. ‬إن‭ ‬الفخراني‭ ‬يتعامل‭ ‬دائماً‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬تشكيل‭ ‬الأواني‭ ‬بحرص‭ ‬وسرية‭, ‬لذا‭ ‬ظلت‭ ‬أسرار‭ ‬المهنة‭ ‬داخل‭ ‬أسرة‭ ‬الفخراني‭ ‬يتوارثها‭ ‬أبناؤه‭... ‬ونادراً‭ ‬ما‭ ‬يتعلم‭ ‬المهنة‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الأسرة‭, ‬فالأسرار‭ ‬لهذه‭ ‬المهنة‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تورث‭.‬

وظهر‭ ‬الفخراني‭ ‬في‭ ‬النقوش‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة‭ ‬يرتدي‭ ‬النصفية‭ ‬‮«‬اللوتسية‭ ‬المقلوبة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تميز‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭. ‬

وإذا‭ ‬انتقلنا‭ ‬من‭ ‬العصر‭ ‬الفرعوني‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬مشاغل‭ ‬الفخار‭ ‬كانت‭ ‬كثيرة‭ ‬للغاية‭ ‬وتوجد‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬لصيقة‭ ‬بمواطن‭ ‬وجود‭ ‬الطبقة‭ ‬الصلصالية‭ ‬التي‭ ‬تغذيها‭, ‬حيث‭ ‬نجد‭ ‬صُناعاً‭ ‬للأواني‭ ‬الفخارية‭ ‬يرتدون‭ ‬زياً‭ ‬متشابهاً‭, ‬فكان‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬‮«‬جلباب‮»‬‭ ‬طويل‭ ‬يصل‭ ‬طوله‭ ‬إلى‭ ‬القدمين‭ ‬ينتهي‭ ‬باتساع‭ ‬في‭ ‬الذيل‭ ‬بأكمام‭ ‬طويلة‭ ‬تنتهي‭ ‬باتساع‭ ‬وترفع‭ ‬إلى‭ ‬الكوع‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يعوق‭ ‬اتساعها‭ ‬حركة‭ ‬العمل‭. ‬ولهذا‭ ‬الجلباب‭ ‬كول‭ ‬تشبه‭ ‬‮«‬الكول‭ ‬شال‮»‬‭ ‬وعلى‭ ‬الرأس‭ ‬‮«‬عمامة‮»‬‭ ‬كبيرة‭, ‬والأقدام‭ ‬حفاة‭. ‬وهذه‭ ‬الصورة‭ ‬تغيرت‭ ‬تماماً‭ ‬في‭ ‬وقتنا‭ ‬الحالي‭, ‬فأصبح‭ ‬أصحاب‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الريفية‭ ‬يتوارثونها‭ ‬أباً‭ ‬عن‭ ‬جد‭, ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يمتلك‭ ‬فاخورة‭ ‬لعمل‭ ‬الأواني‭ ‬الفخارية‭, ‬والمظهر‭ ‬الخارجي‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬‮«‬الجلباب‮»‬‭ ‬البلدي‭ ‬ومعه‭ ‬كوفية‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬الصوف‭ ‬تلف‭ ‬حول‭ ‬الرقبة‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء‭ ‬وعلى‭ ‬الرأس‭ ‬طاقية‭ ‬من‭ ‬الصوف‭ ‬وفي‭ ‬القدم‭ ‬جورب‭ ‬وحذاء‭ ‬من‭ ‬الجلد‭ ‬الأسود‭ ‬ويظهر‭ ‬السروال‭ ‬الطويل‭ ‬أسفل‭ ‬الجلباب‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬زي‭ ‬صانع‭ ‬الأواني‭ ‬الفخارية‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬التاريخية‭ ‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬اختلافاً‭ ‬جوهرياً‭, ‬فقد‭ ‬ارتدى‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الفرعوني‭ ‬النصفية‭ ‬اللوتسية‭ ‬المقلوبة‭ ‬وفي‭ ‬عهد‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬قد‭ ‬ارتدى‭ ‬‮«‬جلبابا‮»‬‭ ‬طويلا‭ ‬بفتحة‭ ‬رقبة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬سبعة‭, ‬وله‭ ‬كول‭ ‬‮«‬تشبه‭ ‬الكول‭ ‬شال‮»‬‭ ‬وعمامة‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬الرأس‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر‭ ‬فقد‭ ‬ارتدى‭ ‬الجلباب‭ ‬البلدي‭ ‬والكوفية‭ ‬والطاقية‭ ‬والحذاء‭ ‬في‭ ‬القدم‭. ‬

 

زيّ‭ ‬غازل‭ ‬الصوف

مارس‭ ‬المصري‭ ‬صناعة‭ ‬الغزل‭ ‬والنسيج‭ ‬منذ‭ ‬أقدم‭ ‬العصور‭, ‬فكانت‭ ‬صناعة‭ ‬النسيج‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬القديمة‭ ‬تمارس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المنازل‭, ‬والمصانع‭, ‬والقصور‭, ‬والمعابد‭, ‬وفي‭ ‬البداية‭ ‬كان‭ ‬يمارسها‭ ‬بعض‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬المنسوجات‭. ‬وكانت‭ ‬مادته‭ ‬الأولية‭ ‬نبات‭ ‬الكتان‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ينمو‭ ‬بكثرة‭ ‬في‭ ‬مصر‭.‬

‭ ‬وكما‭ ‬يتضح‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬والنقوش‭ ‬معاً‭ ‬فإن‭ ‬النساء‭ ‬كن‭ ‬يشكلن‭ ‬الغالبية‭ ‬بين‭ ‬المشتغلين‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬المنسوجات‭, ‬حيث‭ ‬تخصصت‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬الغزل‭ ‬والنسيج‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحيان‭ ‬قبل‭ ‬عصر‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭, ‬وقد‭ ‬برعن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصناعة‭, ‬واشتهرت‭ ‬بها‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬القديمة‭. ‬وكانت‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بالنسيج‭ ‬ترتدي‭ ‬النقبة‭ ‬ذات‭ ‬الحمالة‭ ‬الواحدة‭ ‬المعروفة‭ ‬منذ‭ ‬الدولة‭ ‬القديمة‭, ‬أما‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بالغزل‭ ‬فترتدي‭ ‬النصفية‭ ‬المستطيلة‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬يرجع‭ ‬طرازها‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭ ‬القديمة‭, ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬النسوة‭ ‬يظهرن‭ ‬على‭ ‬النقوش‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬غير‭ ‬أنيقة‭ ‬بهذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الملابس‭. ‬

وفي‭ ‬عهد‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬ظلت‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المشتغلين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصنعة‭, ‬وكانت‭ ‬ملابسها‭ ‬آنذاك‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬جلباب‭ ‬طويل‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬القدمين‭ ‬وينتهي‭ ‬باتساع‭ ‬في‭ ‬الذيل‭, ‬وله‭ ‬فتحة‭ ‬رقبة‭ ‬واسعة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الوسط‭ ‬بحيث‭ ‬تظهر‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الصدر‭, ‬وبأكمام‭ ‬طويلة‭ ‬واسعة‭ ‬جداً‭. ‬وتعلو‭ ‬رأسها‭ ‬‮«‬غطاء‭ ‬الرأس‮»‬‭ ‬تغطي‭ ‬جبينها‭ ‬ويتدلى‭ ‬طرفاها‭ ‬على‭ ‬الكتف‭.‬

وقد‭ ‬اختلفت‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭; ‬فأصبح‭ ‬أغلب‭ ‬من‭ ‬يمارسون‭ ‬هذه‭ ‬الحرفة‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬والشيوخ‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬ويرتدون‭ ‬الجلباب‭ ‬البلدي‭ ‬وأسفله‭ ‬‮«‬الصديري‮»‬‭.‬

 

زيّ‭ ‬النجار

لهذه‭ ‬الحرفة‭ ‬أصول‭ ‬تاريخية‭ ‬ترجع‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬الفرعوني‭, ‬وكانت‭ ‬ملابس‭ ‬تلك‭ ‬الحرفة‭ ‬وقتها‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬النصفية‭ ‬المستطيلة‭ ‬ذات‭ ‬الحزام‭ ‬العريض‭ ‬المرتفع‭ ‬من‭ ‬الخلف‭ ‬والمنخفض‭ ‬من‭ ‬الأمام‭.‬

هناك‭ ‬صورة‭ ‬أخرى‭ ‬لشكل‭ ‬النجار‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬على‭ ‬مصر‭, ‬فكان‭ ‬النجار‭ ‬يرتدي‭ ‬جلباباً‭ ‬يصل‭ ‬طوله‭ ‬إلى‭ ‬منتصف‭ ‬الساقين‭, ‬ويضم‭ ‬الوسط‭ ‬بشريط‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬‮«‬بليزون‮»‬‭ ‬وبأكمام‭ ‬طويلة‭ ‬ترفع‭ ‬إلى‭ ‬الكوع‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تعوق‭ ‬العمل‭, ‬وعلى‭ ‬رأسه‭ ‬عمامة‭ ‬متوسطة‭ ‬الحجم‭ ‬وأقدام‭ ‬حافية‭, ‬أو‭ ‬جلباب‭ ‬قصير‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الركبة‭, ‬له‭ ‬أكمام‭ ‬طويلة‭ ‬ترفع‭ ‬إلى‭ ‬الكوع‭, ‬وحردة‭ ‬الرقبة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬سبعة‭. ‬ويرتدي‭ ‬فوق‭ ‬الجلباب‭ ‬‮«‬صديري‮»‬‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الوسط‭ ‬مفتوحا‭ ‬من‭ ‬الأمام‭ ‬بدون‭ ‬أكمام‭.‬

وهناك‭ ‬صورة‭ ‬مغايرة‭ ‬لشكل‭ ‬النجار‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭, ‬تختلف‭ ‬باختلاف‭ ‬الأعمار‭ ‬بين‭ ‬المسن‭ ‬والشاب‭, ‬فنجد‭ ‬النجار‭ ‬الكهل‭ ‬والمسن‭ ‬في‭ ‬قرى‭ ‬الريف‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬ملابسه‭ ‬الجلباب‭ ‬البلدي‭, ‬أسفله‭ ‬الصديري‭, ‬وفي‭ ‬القدم‭ ‬شبشب‭ ‬نعله‭ ‬من‭ ‬الجلد‭. ‬أما‭ ‬الشاب‭ ‬فيرتدي‭ ‬البنطلون‭ ‬والقميص‭ ‬أو‭ ‬الفانلة‭ ‬الزيّ‭ ‬صانع‭ ‬القفف

تعتبر‭ ‬صناعة‭ ‬القفف‭ ‬من‭ ‬الحرف‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬موجودة‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭, ‬مع‭ ‬الفارق‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الخامات‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬القفف‭, ‬وظهرت‭ ‬صناعة‭ ‬القفف‭ ‬أثناء‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬على‭ ‬مصر‭, ‬وكانت‭ ‬‮«‬القفة‮»‬‭ ‬الخشنة‭ ‬تصنع‭ ‬من‭ ‬سعف‭ ‬النخيل‭ ‬الأخضر‭, ‬أما‭ ‬‮«‬القفة‮»‬‭ ‬بالغة‭ ‬النعومة‭ ‬فتصنع‭ ‬من‭ ‬السعف‭ ‬الصغير‭ ‬الذي‭ ‬يأخذ‭ ‬اللون‭ ‬الأصفر‭ ‬عند‭ ‬تحفيفه‭. ‬وكان‭ ‬صانع‭ ‬‮«‬القفف‮»‬‭ ‬آنذاك‭ ‬يرتدي‭ ‬القميص‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬منتصف‭ ‬الساقين‭, ‬وينتهي‭ ‬باتساع‭ ‬في‭ ‬الذيل‭ ‬بأكمام‭ ‬طويلة‭ ‬ترفع‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الكوع‭, ‬تثبت‭ ‬بشريط‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يعوق‭ ‬اتساع‭ ‬العمل‭, ‬ويلف‭ ‬الوسط‭ ‬بشريط‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬‮«‬بليزون‮»‬‭ ‬ويرتدي‭ ‬أعلاه‭ ‬‮«‬صديري‮»‬‭ ‬قصيرا‭ ‬يصل‭ ‬طوله‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬فوق‭ ‬الوسط‭, ‬مفتوحا‭ ‬من‭ ‬الأمام‭ ‬وبه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأزرار‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الأيمن‭ ‬بجوار‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭, ‬وعلى‭ ‬الرأس‭ ‬عمامة‭ ‬متوسطة‭ ‬الحجم‭, ‬ويظهر‭ ‬من‭ ‬أسفل‭ ‬الجلباب‭ ‬سروال‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الركبة‭ ‬من‭ ‬أسفل‭. ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬اختلف‭ ‬المظهر‭ ‬الخارجي‭ ‬لصانع‭ ‬‮«‬القفف‮»‬‭ ‬اختلافا‭ ‬تاما‭, ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬ارتداء‭ ‬قميص‭ ‬من‭ ‬البفتة‭ ‬البيضاء‭ ‬ومن‭ ‬أعلاه‭ ‬صديري‭ ‬ويلف‭ ‬حول‭ ‬الرقبة‭ ‬شال‭ ‬من‭ ‬الصوف‭ ‬البيج‭, ‬ويضع‭ ‬على‭ ‬رأسه‭ ‬طاقية‭ ‬من‭ ‬الصوف‭ ‬وفي‭ ‬القدم‭ ‬يرتدي‭ ‬الحذاء‭ ‬أو‭ ‬‮«‬البلغة‮»‬‭.‬

وأخيراً‭; ‬كانت‭ ‬أسر‭ ‬بالكامل‭ ‬لأزمان‭ ‬عديدة‭ ‬تمتهن‭ ‬تلك‭ ‬الحرف‭ ‬التقليدية‭ ‬المتوارثة‭ ‬كمورد‭ ‬رزق‭ ‬يومي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البقاء‭, ‬مستخدمةً‭ ‬خامات‭ ‬البيئة‭ ‬منخفضة‭ ‬التكاليف‭, ‬وحرص‭ ‬خلالها‭ ‬الأجداد‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬الخبرة‭ ‬للأبناء‭, ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬فقد‭ ‬رسمت‭ ‬ملابسهم‭ ‬وحددت‭ ‬ملامح‭ ‬من‭ ‬تراث‭ ‬الدولة‭, ‬وقدمت‭ ‬جانباً‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الوطن‭ ‬