سيكولوجية السوبرماركت
لا شك في أن محلات السوبر ماركت ليست مجرد أماكن مليئة بمختلف السلع والمنتجات، ولكنها بفضل علماء النفس والمهندسين والمصممين الذين يتولون تأسيسها، هي أكثر من ذلك بكثير. فهي مصممة بعناية لتدفعنا إلى شراء أكثر مما نقصد شراءه، ويبدو الأمر كما لو أن محلات السوبر ماركت تتعامل مع المنتجات التجارية من ناحية استخدام أغلفتها وطرق عرضها لتجذبنا إليها ونحن ننتقل عبر الممرات المصممة بعناية، بطرق تدفعنا لأن نتحول إلى آلات إنفاق غير واعية.
وتعتبر تجربة دخول أي سوبرماركت للحصول على مجرد علبة حليب، مثلًا، والخروج مع حمولة كبيرة من المشتريات أمرًا شائعًا، وهذا ليس خطأنا، إذ إن محلات السوبر ماركت هي التي تدفعنا للقيام بذلك، أو أنها على الأقل تحاول، بالتأكيد.
يقول باكو أندرهيل Paco Underhill، عالم النفس البيئي ومؤلف كتاب «لماذا نشتري: علم التسوق»: إن تصميم السوبر ماركت لم يتغير بالفعل منذ حوالي 80 عامًا وأن لا شيء فيه جاء عن طريق الصدفة، بل إن كل تفصيل فيه مرسوم لهدف معين. فعملية التسوق في السوبر ماركت، من بدايتها وحتى نهايتها، عملية مدروسة بدقة، إذ يتم تصميم كل ميزة فيه - بدءًا من مخطط الأرضية وتصميم الرفوف إلى الإضاءة والموسيقى والفتيات المنتشرات في الممرات اللواتي تدعوننا لتذوق المنتجات الجديدة - لجذبنا وإبقائنا هناك وقتًا أطول وإغرائنا لإنفاق المزيد من الأموال.
المدخل ومغرياته
في البداية، وفور الدخول إلى المتجر، لا يكون الخروج منه سهلا حيث عادة ما يكون باب الدخول في اتجاه واحد، ولا يمكن الخروج منه دون الاضطرار للسير في جزء كبير من المتجر - مع عروضه المغرية - لإيجاد طريقنا إلى المخرج. وهكذا، وفور تخطي باب الدخول نكون قد «استثمرنا بالفعل في العلاقة مع السوبر ماركت»، حسب بول هاريسون Paul Harrison، الأستاذ في التسوق في إحدى الجامعات الاسترالية. وبعد الباب الأمامي، فإن أول ما يطالعنا قسم الفاكهة والخضار، وهناك سبب وجيه لذلك: فالتأثير الحسي لجميع الروائح والأشكال والألوان لمختلف الفواكه والخضار من الطماطم الجذابة إلى الباذنجان اللماع إلى الفراولة الشهية، تجعلنا نشعر بالتفاؤل والجوع، أيضًا. وبالمثل، يقع مخبز المتجر عادة بالقرب من المدخل، وهو يمتاز برائحته الطيبة ومنتجاته الشهية من الخبز الطازج؛ ويليه، في الغالب، محل بيع الزهور مع دلاء من زهور الأقحوان وباقات الورود وأنواع النباتات الخضراء. وكلها تصب في تحقيق هدف واحد، وهو إرسال رسالة لكل داخل إلى تلك المتاجر بأنها مكان رحب يحتوي على كل ما هو طازج وطبيعي وعطر وصحي مع ظلال مريحة للنظر.
ولكن الحقيقة القاسية هي أن قسم الفواكه والخضار وذلك المخبز الشهي وزاوية الأزهار الجميلة ما هي إلا مساحة عرض فيها الكثير من الخدع التي تتلاعب بأحاسيسنا. يتم اختيار الإضاءة لجعل الفواكه والخضار وكذلك الخبز والأزهار لتظهر في صورة أفضل وأشهى وأكثر لمعانًا. ووفقًا لما قاله مارتن ليندستروم، مؤلف كتاب «براندوشد» عن الخدع التي تستخدمها الشركات للتلاعب بعقولنا وإقناعنا بالشراء، فالبخاخات الدورية للمياه العذبة التي تبلل سلال المنتجات من الفاكهة والخضار هي لإعطائها مظهرًا خادعًا نقيًا وطازجًا، وليس له أي غرض عملي. وعلى العكس، فإنها في الواقع، تجعل الخضراوات تفسد بشكل أسرع مما هو طبيعي.
الرفوف والممرات ... أفخاخ نفسية
ومن المميزات اللافتة للسوبرماركت أن أقسام منتجات الألبان غالبًا ما تقع بشكل شبه دائم بعيدًا عن المدخل قدر الإمكان، مما يضمن أن الزبائن – الذين سيكون لمعظمهم عنصر ألبان واحد على الأقل على قوائم الشراء لديهم - سيضطرون إلى السير على طول المتجر، ويمرون بمجموعة كبيرة من المنتجات المغرية، في طريقهم إلى رفوف الحليب والبيض والجبن والزبادي. كما توجد المنتجات الشائعة بشكل خاص، بشكل روتيني، في منتصف الممرات مما يضمن أن يسير المتسوقون من أي اتجاه أتوا إلى أبعد مسافة للوصول إليها. ويهدف تحديد موقع منتصف الممر إلى تهميش ما يسمى «تأثير بوميرانج» الذي يقول إن المتسوقين، لا سيما الرجال منهم، يتجهون مباشرة إلى المنتج الذي يحتاجون إليه، ثم يعودون أدراجهم بالطريقة نفسها التي جاءوا بها، لذلك وجب إجبارهم لقطع نصف الممر تقريبًا لمواجهتهم وإغرائهم لشراء سلع إضافية أخرى.
حتى ترتيب الرفوف في السوبرماركت هو فخ نفسي، إذ عادة ما يتم وضع السلع الأغلى ثمنًا على مستوى العين بينما توجد السلع الأخرى على الرفوف السفلية. كما يتم وضع الأطعمة التي تهدف إلى جذب الأطفال على مستوى عيون الأطفال؛ وقد وجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة كورنيل الأمريكية أن عبوات رقائق الذرة أو الكورن فليكس، التي غالبا ما تصور على أغلفتها رسومات لشخصيات كرتونية وحيوانات أليفة محببة للأطفال، عادة ما توضع على الرفوف السفلية في السوبرماركت بارتفاع معين بحيث يبدو الأمر وكأن هذه الشخصيات، كشخصية النمر توني والأرنب تريكس، تنظر إلى الطفل في عينيه مباشرة. وكما يقول براين ونسك Brian Wansink، مدير مختبر الطعام والعلامات التجارية التابع لجامعة كورنيل والمشرف على هذه الدراسة، أنه عندما يكون هناك تواصل بصري مع أي شخص آخر، حتى لو كان هذا الشخص عبارة عن صورة على علبة، يصبح أكثر جدارةً بالثقة، وبالتالي تصبح تلك العلامات التجارية أكثر جاذبية.
من جهة أخرى تستخدم محلات السوبرماركت ممراتها باعتبارها «ممرات نفسية»، إذ تعد المعروضات الموجودة في نهايات الممرات - والمعروفة في أعمال السوبر ماركت باسم سدادات طرفية أو end caps - فخًا للمتسوقين، وكأن الهدف هو الإشارة إلى أن العلامات التجارية في نهاية الممر هي سلع مهمة ومثيرة للاهتمام وأن كل السلع الأخرى التي تسبقها موجودة لإعداد المتسوقين لما هو في النهاية. وبالفعل وفقًا للرابطة الوطنية لتجارة الأجهزة بالتجزئة الأميركية، فإن أي منتج موجود في السدادات الطرفية يباع بشكل أسرع ثماني مرات من المنتج نفسه الموجود في مكان آخر على الممر. لذلك تدفع الشركات الكبرى رسوما أكبر لعرض منتجاتها في نهاية الممرات، يصل بعضها إلى مليون دولار أو أكثر.
أساليب تدفعنا إلى التباطؤ
ماذا عن الموسيقى التي نسمعها في الخلفية في معظم محلات السوبر ماركت؟ فالموسيقى تدفعنا إلى التباطؤ، هكذا وجدت دراسة شهيرة أجريت في عام 1982 لاستكشاف العلاقة بين الموسيقى الخلفية ومتسوقي السوبر ماركت، إذ أكدت أن الناس يمضون 34 في المائة وقتًا أكبر في التسوق، مع زيادة في المبيعات، في المتاجر التي تشغل الموسيقى في خلفيتها. وعنصر آخر يؤدي إلى التباطؤ هو أن محلات السوبر ماركت تميل إلى أن تكون خالية من الإشارات الزمنية الخارجية، إذ إن معظمها لا يملك نوافذ ولا نوافذ سقفية مما يؤدي إلى فصل المتسوقين عن الوقت وحجب اهتمامهم عمّا يدور في الخارج، وبالتالي انغماسهم في مهمة تسوق هادئة وطويلة.
أما الأساس المنطقي لجميع أساليب التأخير هذه فبسيط: فكلما طالت مدة بقاء المتسوقين في المتجر ازداد عدد الأشياء التي سيرونها، وكلما ازداد عدد الأشياء التي يرونها ازدادت مشترياتهم. ولا شك في أن محلات السوبر ماركت تحتوي على الكثير من الأشياء، إذ يتضمن متجر السوبر ماركت متوسط الحجم، بحسب معهد تسويق الأغذية Food Marketing Institute الأميركي، حوالي 44000 سلعة مختلفة، وهناك العديد منها التي تحتوي على أكثر من ذلك بآلاف المرات. ويكفي هذا الحجم الهائل من الخيارات المتاحة لوضع المتسوقين في حالة من الحمل الزائد للمعلومات، مما يؤدي، وفقًا لتجارب فحص الدماغ التي أجراها الدكتور بول مولينز Paul Mullins وزملاؤه في جامعة بانجور في ويلزBangor University , Wales, إلى الضغط على الدماغ لاتخاذ عدد كبير من القرارات، مما يسهم في إرهاق الدماغ إلى درجة أنه بعد حوالي 40 دقيقة من التسوق، يتوقف معظم المتسوقين عن محاولة أن يكونوا انتقائيين بعقلانية، وبدلًا من ذلك يبدأون بالتسوق عاطفيًا - وهي النقطة التي يجمع فيها المتسوقون 50 في المئة من السلع في عربة التسوق التي لم يعتزموا شراءها أبدًا.
أخيرًا، علينا ألا ننسى حجم عربات التسوق الذي يعتبر فخًا آخرًا لزيادة مشترياتنا. إن مجرد الحصول على عربة تسوق يزيد من فرصة شرائنا أكثر، وهو ما كان الدافع وراء اختراعها أساسًا من قبل أحد أصحاب متاجر البقالة الذي يدعى سيلفان جولدمانSylvan Goldman عام 1937. وتألفت عربة جولدمان الأصلية من زوج متواضع من السلال السلكية موضوعة على إطار قابل للطي. ومع مرور الوقت تضاعف حجم العربات ثلاث مرات ومازالت تزداد في الحجم. ووفقًا لاختبار أجري على عربات التسوق وجد أن مضاعفة حجمها يدفع المتسوقين إلى شراء 40 في المئة أكثر من السلع.
ومع هذا الغوص في سيكولوجية السوبرماركت علينا السؤال: كيف يمكننا تجنب كل هذه الاستراتيجيات النفسية؟ قد يكون أفضل ما يمكننا القيام به وضع قائمة مشتريات والتمسك بها وتقليص رحلاتنا إلى السوبرماركت قدر الإمكان وعدم الذهاب إلى السوبرماركت ونحن نشعر بالجوع.
وأخيرًا، عندما يتعلق الأمر بسيكولوجية السوبرماركت علينا الحذر مما رسم لنا من أفخاخ.