سيدتان جميلتان.. فأيهما الأفضل؟!

سيدتان جميلتان.. فأيهما الأفضل؟!

ظهر الفيلم الغنائي الأمريكي «سيدتي الجميلة» سنة 1964، من بطولة ركس هاريسون وأودري هيبورن، وإخراج جورج كيوكر، وسيناريو آلان جاي ليرنر عن المسرحية الغنائية التي قدمها بالعنوان نفسه على مسارح برودواي سنة 1956 من تأليفه وفريديرك لوي، والمأخوذة بدورها عن مسرحية «بيجماليون» للكاتب الأيرلندي جورج برنارد شو. بعده ظهرت أكثر من معالجة سينمائية مصرية لـ «سيدتي الجميلة»، بعضها أعمال غير غنائية، مثل فيلم أيام الحب (1968)، وفيلم النشالة (1985). لكنني سأقارن هنا بين الفيلم الأمريكي والمسرحية الغنائية المصرية «سيدتي الجميلة»، التي كتبها سمير خفاجي وبهجت قمر، وأُنتِجَت سنة 1966 من بطولة فؤاد المهندس، وشويكار، وإخراج حسن عبدالسلام.

 

بداية،‭ ‬فإن‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬فيلم‭ ‬ومسرحية‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬دقيق،‭ ‬لاختلاف‭ ‬الصورة‭ ‬الفنية‭ ‬باختلاف‭ ‬الإطار،‭ ‬ولكن‭ ‬موضوع‭ ‬المقارنة‭ ‬سيكون‭ ‬‮«‬النص‭ ‬الدرامي‮»‬‭ ‬في‭ ‬العملين،‭ ‬مع‭ ‬التسليم‭ ‬بأن‭ ‬الفيلم‭ ‬الأمريكي‭ ‬كان‭ ‬ترجمة‭ ‬دقيقة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬للمسرحية‭ ‬المأخوذ‭ ‬عنها‭. ‬

بادئ‭ ‬ذي‭ ‬بدء،‭ ‬تميّز‭ ‬النص‭ ‬المصري‭ ‬بقدرة‭ ‬فائقة‭ ‬على‭ ‬التمصير،‭ ‬وإيجاد‭ ‬المعادل‭ ‬الموضوعي‭ ‬للحدث،‭ ‬بينما‭ ‬العمل‭ ‬الأمريكي‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬خلال‭ ‬عصر‭ ‬الملك‭ ‬إدوارد‭ ‬السابع‭ (‬1901‭ - ‬1910‭)‬،‭ ‬حول‭ ‬مُعلّم‭ ‬الخطابة‭ ‬هنري‭ ‬هيجنز،‭ ‬ونظريته‭ ‬القائلة‭ ‬إن‭ ‬طريقة‭ ‬نطق‭ ‬الشخص‭ ‬تُحدد‭ ‬طبقته‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬والتي‭ ‬تدفعه‭ ‬إلى‭ ‬التراهن‭ ‬مع‭ ‬صديقه‭ ‬عالم‭ ‬الصوتيات‭ ‬العجوز،‭ ‬كولونيل‭ ‬هيو‭ ‬بيكرينج،‭ ‬على‭ ‬قدرته‭ ‬في‭ ‬تمرير‭ ‬بائعة‭ ‬الزهور‭ ‬الفقيرة‭ ‬إليزا،‭ ‬ابنة‭ ‬عامل‭ ‬النظافة‭ ‬دوليتل،‭ ‬ذات‭ ‬الإلقاء‭ ‬اللغوي‭ ‬البشع،‭ ‬كدوقة‭ ‬عالية‭ ‬التعلّم‭ ‬بتدريبات‭ ‬معينة‭.‬

نقل‭ ‬الاقتباس‭ ‬المصري‭ ‬الأحداث‭ ‬للقاهرة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الخديوي‭ ‬إسماعيل‭ (‬1863‭ - ‬1879‭)‬،‭ ‬وحوّل‭ ‬البطل‭ ‬إلى‭ ‬معلم‭ ‬الإتيكيت‭ (‬كمال‭ ‬بك‭ ‬الطاروطي‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يهرب‭ ‬من‭ ‬زيجة‭ ‬شكلية‭ ‬يريد‭ ‬الخديوي‭ ‬توريطه‭ ‬فيها‭ ‬بربطه‭ ‬لإحدى‭ ‬عشيقاته،‭ ‬إلى‭ ‬حارة‭ ‬‮«‬حلال‭ ‬عليك‮»‬‭ ‬المتربة،‭ ‬حيث‭ ‬يقابل‭ ‬النشالة‭ ‬المحترفة‭ ‬‮«‬صدفة‮»‬،‭ ‬ابنة‭ ‬السكير‭ ‬المتبطل‭ ‬‮«‬حسب‭ ‬الله‭ ‬بعضشي‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬يرى‭ ‬فيها‭ ‬الكذبة‭ ‬المثالية‭ ‬التي‭ ‬سيهرب‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬زيجة‭ ‬الخديوي؛‭ ‬إذ‭ ‬سيزعم‭ ‬أنها‭ ‬الثرية‭ ‬التركية‭ ‬التي‭ ‬تزوجها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لن‭ ‬يتزوج‭ ‬عليها،‭ ‬لذا‭ ‬يكون‭ ‬الاختبار‭ ‬في‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬هذه‭ ‬النشالة‭ ‬السوقية‭ ‬إلى‭ ‬سيدة‭ ‬مجتمع‭ ‬راق؛‭ ‬إنقاذاً‭ ‬لموقفه‭ ‬وتأكيداً‭ ‬لموهبته‭. ‬

بالطبع‭ ‬في‭ ‬النسخة‭ ‬المصرية‭ ‬يكون‭ ‬الصراع‭ ‬أقوى،‭ ‬فالأمر‭ ‬تبدّل‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬رهان‭ ‬بين‭ ‬صديقين‭ ‬هدفه‭ ‬تحدّ‭ ‬علمي‭ ‬ما،‭ ‬إلى‭ ‬عملية‭ ‬إنقاذ‭ ‬من‭ ‬بطش‭ ‬الخديوي‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬رؤية‭ ‬الزوجة‭ ‬التركية،‭ ‬وإلا‭ ‬أمر‭ ‬بإعدام‭ ‬كمال،‭ ‬لذا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬فشل‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬تدريبه‭ ‬للفتاة‭ ‬سيكون‭ ‬المقابل‭ ‬حياته،‭ ‬وليس‭ ‬‮«‬خسارة‭ ‬رهان‮»‬‭.‬

أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تحويل‭ ‬بائعة‭ ‬الزهور‭ ‬الفقيرة‭ ‬إلى‭ ‬نشالة‭ ‬محترفة‭ ‬جعلها‭ ‬أكثر‭ ‬خشونة‭ ‬وعنفاً،‭ ‬وعمّق‭ ‬أزمتها‭ ‬كفتاة‭ ‬لا‭ ‬تنشد‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬فقير‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬أقل‭ ‬فقراً‭ ‬وحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬تنشد‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬طائفة‭ ‬المجرمين‭ ‬والتطهر‭ ‬من‭ ‬حرفة‭ ‬كالنشل‭ ‬أيضاً‭. ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬وفّر‭ ‬كمّاً‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المفارقات‭ ‬الكوميدية،‭ ‬لاسيما‭ ‬عند‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬الخديوي،‭ ‬وسط‭ ‬إغراءات‭ ‬عديدة‭ ‬قد‭ ‬تعيدها‭ ‬إلى‭ ‬ماضيها‭ ‬الإجرامي،‭ ‬ووضع‭ ‬حدث‭ ‬مثل‭ ‬اختفاء‭ ‬عقد‭ ‬والدة‭ ‬الخديوي‭ ‬في‭ ‬وجودها‭. 

استغل‭ ‬العمل‭ ‬المصري‭ ‬شخصية‭ ‬الصديق‭ ‬هيو‭ ‬بيكرينج‭ ‬أفضل‭ ‬استغلال‭. ‬فبينما‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬الأمريكي‭ ‬هو‭ ‬عجوز‭ ‬طيب‭ ‬وظيفته‭ ‬ترديد‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬البطل،‭ ‬يُخرِجه‭ ‬العمل‭ ‬المصري‭ ‬من‭ ‬بلادته‭ ‬الظاهرية‭ ‬هذه،‭ ‬ويحوِّله‭ ‬إلى‭ (‬حسن‭ ‬مفتاح‭) ‬الصديق‭ ‬الطريف‭ ‬الأصغر‭ ‬سناً‭ ‬والأقل‭ ‬ذكاءً،‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬إنقاذ‭ ‬صديقه؛‭ ‬حين‭ ‬يشارك‭ ‬في‭ ‬تهريبه‭ ‬إلى‭ ‬حارة‭ ‬‮«‬حلال‭ ‬عليك‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬توريطه‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المشكلات؛‭ ‬كادعائه‭ ‬أمام‭ ‬الخديوي‭ ‬أنه‭ ‬تزوج‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬التفكشي‭ ‬باشا،‭ ‬الذي‭ ‬يتصادف‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬ألدّ‭ ‬أعداء‭ ‬الخديوي‭!‬

وفي‭ ‬أثناء‭ ‬غياب‭ ‬الصديق‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الفيلم‭ ‬الأمريكي،‭ ‬يلعب‭ ‬الصديق‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المسرحية‭ ‬المصرية‭ ‬كناقل‭ ‬أخبار‭ ‬‮«‬صدفة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬كمال،‭ ‬بعد‭ ‬انتقالها‭ ‬إلى‭ ‬دروب‭ ‬المجتمع‭ ‬الأرستقراطي،‭ ‬بل‭ ‬يساعد‭ ‬كمال‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عنها‭ ‬بإبلاغ‭ ‬الشرطة‭ ‬عن‭ ‬غيابها‭. ‬كذلك‭ ‬يستغل‭ ‬العمل‭ ‬المصري‭ ‬شخصية‭ ‬مديرة‭ ‬المنزل‭ ‬‮«‬مسز‭ ‬بيرس‮»‬،‭ ‬الباهتة‭ ‬تماماً‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬الأمريكي،‭ ‬ويحوّلها‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬مدام‭ ‬شجرة‭ ‬الدر‮»‬،‭ ‬مبتكراً‭ ‬لحظات‭ ‬كوميدية‭ ‬منها؛‭ ‬عبر‭ ‬تجسيدها‭ ‬كامرأة‭ ‬مهووسة‭ ‬بالنظام،‭ ‬وعصبية‭ ‬للغاية‭. ‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬حفاظ‭ ‬العمل‭ ‬المصري‭ ‬على‭ ‬ترجمة‭ ‬اللقب‭ ‬الإنجليزي‭ ‬لوالد‭ ‬البطلة‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬إلى‭ ‬العامية‭ ‬المصرية‭ (‬اسمه‭ ‬هناك‭ ‬دوليتل،‭ ‬وهي‭ ‬أقرب‭ ‬في‭ ‬الإنجليزية‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬يفعل‭ ‬القليل‮»‬،‭ ‬وتحوّل‭ ‬عندنا‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬بعضشي‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬بعض‭ ‬الشيء‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬قليله‭)‬،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬الشخصية‭ ‬تعدى‭ ‬مرحلة‭ ‬الترجمة،‭ ‬وحوّله‭ ‬من‭ ‬كنّاس‭ ‬الشوارع‭ ‬الراغب‭ ‬في‭ ‬القفز‭ ‬فوق‭ ‬طبقته‭ ‬بضربة‭ ‬حظ،‭ ‬إلى‭ ‬مالك‭ ‬العمارة‭ ‬الراغب‭ ‬في‭ ‬الحظ‭ ‬ذاته،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ملامح‭ ‬أكثر‭ ‬صخباً‭ ‬وانتهازية؛‭ ‬كغضوب‭ ‬فوضوي،‭ ‬لا‭ ‬يمانع‭ ‬احتراف‭ ‬ابنته‭ ‬للسرقة،‭ ‬أو‭ ‬بيع‭ ‬ما‭ ‬سرقته‭ ‬من‭ ‬كمال‭ ‬إلى‭ ‬كمال‭ ‬نفسه‭! ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إنشاء‭ ‬علاقة‭ ‬مباشرة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬البطل،‭ ‬بجعل‭ ‬العمارة‭ ‬التي‭ ‬يملكها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬سيختبئ‭ ‬فيها‭ ‬كمال‭ ‬من‭ ‬الخديوي؛‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يفتقر‭ ‬إليه‭ ‬الأصل‭. ‬

كذا‭ ‬يُبقِى‭ ‬عملنا‭ ‬على‭ ‬رفيقيّ‭ ‬والد‭ ‬البطلة‭ ‬في‭ ‬السُّكْر‭ ‬وتنظيف‭ ‬الشوارع‭ (‬هاري‭ ‬وجيمي‭)‬،‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬إعادة‭ ‬تسميتهما‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬زربيح‭ ‬وسليط‮»‬،‭ ‬وتحويلهما‭ ‬إلى‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬رفاق‭ ‬الجريمة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬‮«‬صدفة‮»‬‭ ‬الأول،‭ ‬مما‭ ‬يُثري‭ ‬الخط‭ ‬الكوميدي‭ ‬ببراعة،‭ ‬خصوصاً‭ ‬عند‭ ‬إثارة‭ ‬المفارقات‭ ‬بينهما‭ ‬وبين‭ ‬مُعلِّم‭ ‬الآداب‭ ‬الرفيعة‭ ‬كمال،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الحارة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬قصره‭ ‬لاحقاً،‭ ‬عبر‭ ‬اختلاف‭ ‬لغة‭ ‬حوارهما‭ ‬عن‭ ‬لغته،‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬سرقته‭ ‬بشتى‭ ‬الطرق‭. ‬

يتفرد‭ ‬الاقتباس‭ ‬المصري‭ ‬عن‭ ‬الأصل‭ ‬عبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الإضافات،‭ ‬منها‭ ‬طيف‭ ‬الشخصيات‭ ‬القاطنة‭ ‬للحارة‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬يهرب‭ ‬إليها‭ ‬البطل‭ ‬في‭ ‬البداية‭. ‬تميّزت‭ ‬هذه‭ ‬الشخصيات‭ ‬بتنوعها‭ ‬وظرفها‭ ‬وخفة‭ ‬ظهورها،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬مثّلت‭ - ‬من‭ ‬ناحية‭ - ‬مفارقة‭ ‬مع‭ ‬أرستقراطية‭ ‬كمال‭ ‬حين‭ ‬احتكاكه‭ ‬بهم،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬أفضل‭ ‬تقديم‭ ‬لشخصية‭ ‬‮«‬بعضشي‮»‬‭ ‬والد‭ ‬البطلة‭.‬

كان‭ ‬أخف‭ ‬تلك‭ ‬الشخصيات‭ ‬ظلاً‭ ‬هو‭ ‬الساكن‭ ‬الذي‭ ‬انحبس‭ ‬في‭ ‬بناية‭ ‬‮«‬بعضشي‮»‬،‭ ‬بعدما‭ ‬هدم‭ ‬الأخير‭ ‬السلّم‭ ‬وباعه،‭ ‬ورجل‭ ‬غامض‭ ‬يريد‭ ‬إيصال‭ ‬مفتاح‭ ‬شقة‭ ‬بها‭ ‬قتيل،‭ ‬لأي‭ ‬شخص‭ ‬يصادفه‭! ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬المماثل‭ ‬في‭ ‬الأصل،‭ ‬عند‭ ‬مصادفة‭ ‬البطل‭ ‬للبطلة‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬والذي‭ ‬يبدو‭ ‬عند‭ ‬المقارنة‭ ‬أقل‭ ‬كثافة‭ ‬وطرافة‭. ‬أيضاً،‭ ‬تُضيف‭ ‬المعالجة‭ ‬المصرية‭ ‬مشهداً‭ ‬تمثيلياً‭ ‬تؤديه‭ ‬‮«‬صدفة‮»‬‭ ‬لكمال،‭ ‬لبرهنة‭ ‬مواهبها‭ ‬خارج‭ ‬مجال‭ ‬النشل‭. ‬غير‭ ‬ظُرُف‭ ‬المشهد،‭ ‬لكونه‭ ‬زاعقاً‭ ‬بما‭ ‬يتماسّ‭ ‬مع‭ ‬الثقافة‭ ‬الفنية‭ ‬المتواضعة‭ ‬لشخصية‭ ‬مثل‭ ‬صدفة،‭ ‬فإنه‭ ‬عضّد‭ ‬رغبتها،‭ ‬وربما‭ ‬إمكاناتها‭ ‬الأوليّة،‭ ‬في‭ ‬الهرب‭ ‬من‭ ‬شخصيتها‭ ‬والانسلاخ‭ ‬من‭ ‬جذورها؛‭ ‬وهو‭ ‬عينه‭ ‬ما‭ ‬سيحاول‭ ‬البطل‭ ‬دفعها‭ ‬إليه‭ ‬لاحقاً،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬جاء‭ ‬أكثر‭ ‬إبهاراً‭ ‬من‭ ‬المشهد‭ ‬الموازي‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬الأمريكي،‭ ‬والذي‭ ‬تعلن‭ ‬فيه‭ ‬البطلة‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬مهاراتها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لما‭ ‬يلائم‭ ‬حلمها‭ ‬بامتلاك‭ ‬محل‭ ‬زهور‭ ‬يوماً‭ ‬ما،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جملة‭ ‬حوار‭ ‬عابرة‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭. ‬

من‭ ‬المشاهد‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬العملين‭ ‬مشهد‭ ‬الحفلة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تقابل‭ ‬فيها‭ ‬البطلة‭ ‬المجتمع‭ ‬الأرستقراطي‭ ‬وتخدعه‭ ‬بلكنتها‭ ‬الجديدة،‭ ‬وتَحْبك‭ ‬إخفاء‭ ‬أصلها‭ ‬المعدم‭.‬

وبينما‭ ‬يختزل‭ ‬الفيلم‭ ‬الأمريكي‭ ‬تلك‭ ‬الحفلة‭ ‬في‭ ‬لقطات‭ ‬عامة‭ ‬قصيرة،‭ ‬تفرد‭ ‬المسرحية‭ ‬المصرية‭ ‬لها‭ - ‬في‭ ‬أهم‭ ‬إضافاتها‭ ‬قاطبة‭ - ‬مشهداً‭ ‬كاملاً،‭ ‬شديد‭ ‬الإبداع،‭ ‬لنرى‭ ‬تفاعل‭ ‬البطلة‭ ‬مع‭ ‬رجال‭ ‬ونساء‭ ‬الطبقة‭ ‬الراقية،‭ ‬ومستوى‭ ‬تحوّلها‭ ‬الثقافي،‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬خداع‭ ‬الجميع‭ ‬حتى‭ ‬الخديوي‭ ‬نفسه؛‭ ‬والذي‭ ‬مثَّل‭ ‬وجوده‭ ‬طرفاً‭ ‬أقوى‭ ‬للصراع‭ ‬غير‭ ‬موجود‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬الأصل‭.‬

وبينما‭ ‬بقيت‭ ‬شخصية‭ ‬مخبر‭ ‬الأنساب‭ ‬المجري‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬الأمريكي‭ ‬مجرد‭ ‬مقطع‭ ‬في‭ ‬أغنية‭ ‬‮«‬You‭ ‬Did‭ ‬It‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬أنت‭ ‬فعلتها‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬بعد‭ ‬الحفلة،‭ ‬يروي‭ ‬فيه‭ ‬البطل‭ ‬هنري‭ ‬لخدمه‭ ‬كيف‭ ‬انخدع‭ ‬الرجل‭ ‬الخبير‭ ‬بلكنة‭ ‬‮«‬إليزا‮»‬،‭ ‬موقناً‭ ‬أنها‭ ‬أميرة‭ ‬هنجارية،‭ ‬يستثمرها‭ ‬العمل‭ ‬المصري،‭ ‬صائغاً‭ ‬منها‭ ‬عنصر‭ ‬تشويق‭ ‬بالغ‭ ‬الإتقان،‭ ‬كاد‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬ما‭ ‬يُهدِّد‭ ‬الأمر‭ ‬برمته‭ ‬ويقرِّب‭ ‬كمال‭ ‬من‭ ‬حبل‭ ‬المشنقة،‭ ‬وذلك‭ ‬حتى‭ ‬نجحت‭ ‬‮«‬صدفة‮»‬‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬السحر‭ ‬على‭ ‬الساحر،‭ ‬وإذلال‭ ‬المخبر‭ ‬بكشف‭ ‬نسبه‭ ‬هو‭ ‬شخصياً؛‭ ‬حيث‭ ‬يتضح‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬جاراً‭ ‬قديماً‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬حارة‭ ‬‮«‬حلال‭ ‬عليك‮»‬‭! ‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يستطرد‭ ‬فيه‭ ‬الفيلم‭ ‬الأمريكي‭ ‬بخصوص‭ ‬شخصية‭ ‬الأب‭ ‬‮«‬دوليتل‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬ينزع‭ ‬إلى‭ ‬الزواج،‭ ‬والفتى‭ ‬الأرستقراطي‭ ‬‮«‬فريدي‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬البطلة‭ ‬بعد‭ ‬رؤيتها‭ ‬كسيدة‭ ‬مجتمعات،‭ ‬يختصر‭ ‬العمل‭ ‬المصري‭ ‬هذين‭ ‬الخطين،‭ ‬وما‭ ‬يستتبعهما‭ ‬من‭ ‬أغان،‭ ‬في‭ ‬تكثيف‭ ‬زاد‭ ‬التركيز‭ ‬حول‭ ‬العقدة‭ ‬الأساسية،‭ ‬وكفاح‭ ‬المُعلّم‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬الفتاة،‭ ‬وقصة‭ ‬الحب‭ ‬بينها‭ ‬وبينه،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يعطِّلها‭ ‬غروره‭.‬

كذا‭ ‬يحذف‭ ‬العمل‭ ‬المصري‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬الأغاني؛‭ ‬مثل‭ ‬أغنية‭ ‬‮«‬فلتنتظر‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تغنيها‭ ‬البطلة‭ ‬توعّداً‭ ‬للبطل‭ ‬بسبب‭ ‬قسوته‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬التدريبات،‭ ‬وأغنية‭ ‬‮«‬المطر‭ ‬في‭ ‬إسبانيا‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬يغنيها‭ ‬البطل‭ ‬والبطلة‭ ‬فرحاً‭ ‬عند‭ ‬نجاح‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬تدريب‭ ‬لغوي‭ ‬صعب،‭ ‬ويختصر‭ ‬أغنية‭ ‬‮«‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أرقص‭ ‬طوال‭ ‬الليل‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تغنيها‭ ‬البطلة‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬حبها‭ ‬للبطل،‭ ‬مُحوِّلاً‭ ‬إياها‭ ‬إلى‭ ‬جملة‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬صدفة‭ ‬تذكرها‭ ‬لمديرة‭ ‬المنزل‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬سعادة‭ ‬تنهي‭ ‬أحد‭ ‬المشاهد‭.‬

ربما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬للاختصار‭ ‬ليس‭ ‬إلا،‭ ‬لكنه‭ ‬إجمالاً‭ ‬لم‭ ‬يفتّ‭ ‬في‭ ‬عضد‭ ‬رومانسية‭ ‬العمل‭ ‬المصري،‭ ‬أو‭ ‬يُضعف‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬مشاعر‭ ‬البطلة‭ ‬تجاه‭ ‬البطل،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬مُعوَّض‭ ‬بالفعل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جمل‭ ‬حوار‭ ‬بارعة‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭. ‬

يعلو‭ ‬العمل‭ ‬المصري‭ ‬متجاوزاً‭ ‬العمل‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬ذروة‭ ‬النص‭. ‬فالفيلم‭ ‬الأمريكي‭ ‬يوجز‭ ‬كل‭ ‬مشاعر‭ ‬البطل‭ ‬هنري‭ ‬في‭ ‬أغنية‭ ‬واحدة‭ ‬‮«‬لقد‭ ‬تعودت‭ ‬على‭ ‬وجهكِ‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬مشهد‭ ‬مقتضب‭ ‬وبارد‭ ‬للبطلة‭ ‬إليزا‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬مكتبه،‭ ‬بلا‭ ‬حوار‭ ‬تتبادله‭ ‬معه،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬تعبير‭ ‬من‭ ‬تجاهها‭ ‬لأسباب‭ ‬العودة‭. ‬أما‭ ‬المسرحية‭ ‬المصرية‭ ‬فتسبك‭ ‬مشهداً‭ ‬مشبعاً،‭ ‬تستعرض‭ ‬فيه‭ ‬آلام‭ ‬كمال‭ ‬بعد‭ ‬افتراق‭ ‬صدفة‭ ‬عنه،‭ ‬وشوقه‭ ‬العنيف‭ ‬إليها،‭ ‬يتخلله‭ ‬أغنية‭ ‬معادلة‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬Iove‭ ‬Grown‭ ‬Accustomed‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬لقاء‭ ‬رائع‭ ‬بين‭ ‬البطلين‭ ‬تميّز‭ ‬بحوار‭ ‬غني‭ ‬في‭ ‬دراميته‭ ‬وكوميديته،‭ ‬ليختتم‭ ‬كمال‭ ‬العمل‭ ‬بإقراره‭ ‬بأن‭ ‬صدفة‭ ‬قد‭ ‬نشلت‭ ‬قلبه،‭ ‬كما‭ ‬نشلت‭ ‬فانلته‭ ‬سابقاً‭: ‬‮«‬إزاي؟‭... ‬ما‭ ‬أعرفش‭!‬‮»‬‭.‬

يذكر‭ ‬أن‭ ‬نهاية‭ ‬الفيلم‭ ‬الأمريكي‭ ‬تعرّضت‭ ‬للنقد،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬هنري‭ ‬لما‭ ‬رأى‭ ‬إليزا‭ ‬في‭ ‬اللقطة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لم‭ ‬ينطق‭ ‬إلا‭ ‬بسؤال‭ ‬واحد‭ ‬متغطرس‭: ‬‮«‬إليزا،‭ ‬أين‭ ‬خُفّي‭ ‬بحق‭ ‬الشيطان؟‮»‬،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬إلى‭ ‬اتهام‭ ‬الفيلم‭ ‬بالتمييز‭ ‬العنصري‭ ‬ضد‭ ‬المرأة،‭ ‬أو‭ - ‬على‭ ‬الأقل‭ - ‬أن‭ ‬بطله‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬عاجزاً‭ ‬عن‭ ‬النزول‭ ‬من‭ ‬برجه‭ ‬العاجي‭ ‬أو‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬خيلائه‭. ‬بينما‭ ‬في‭ ‬عملنا‭ ‬المصري،‭ ‬كان‭ ‬جلياً‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يخلو‭ ‬تماماً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الغلظة‭ ‬أو‭ ‬هذا‭ ‬التعالي،‭ ‬وأن‭ ‬كمال‭ ‬صار‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬العيش‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬صدفة،‭ ‬لأسباب‭ ‬كثيرة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬‮«‬إحضار‭ ‬الشبشب‮»‬‭ ‬له‭! ‬وعليه،‭ ‬يتفوق‭ ‬العمل‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬تركيزه،‭ ‬وإيجاده‭ ‬لمناطق‭ ‬أكثر‭ ‬سخونة‭ ‬في‭ ‬القصة،‭ ‬وتوظيفه‭ ‬للشخصيات،‭ ‬وإضافاته‭ ‬الذكية،‭ ‬وذروته‭ ‬المُحكَمة،‭ ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬يتفوق‭ ‬في‭ ‬إثارة‭ ‬المفارقة،‭ ‬وتصعيد‭ ‬الصراع،‭ ‬والتأثير‭ ‬النهائي‭ ‬العام،‭ ‬مُقدماً‭ ‬كوميديا‭ ‬رومانسية‭ ‬أكثر‭ ‬حيوية‭ ‬وفعالية‭. ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬سيدتي‭ ‬الجميلة‮»‬‭ ‬المصرية‭ ‬أفضل‭ ‬درامياً‭ ‬من‭ ‬‮«‬سيدتي‭ ‬الجميلة‮»‬‭ ‬الأمريكية،‭ ‬في‭ ‬تأكيد‭ ‬للاقتباس‭ ‬المبدع‭ ‬الذي‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬تجويد‭ ‬أصله،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬إلا‭ ‬ببذل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬الموهوب،‭ ‬لأن‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬كمال‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬‮«‬صدفة‮»‬‭ ‬■