المطبخ الفارسي من كتابات ابن بطوطة وثقافة الـ «هفت سين» والـ «سوهان» إلى «ساندويچ همبركر»

المطبخ الفارسي   من كتابات ابن بطوطة وثقافة الـ «هفت سين»  والـ «سوهان» إلى «ساندويچ همبركر»

اوسافر‭  ‬ففي‭ ‬الأسفار‭ ‬خمس‭ ‬فوائدب‭... ‬رحم‭ ‬الله‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعي‭ ‬صاحب‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬السديد‭ ‬الذي‭ ‬عدد‭ ‬مزايا‭ ‬السفر‭  ‬والترحال‭ ‬وأهميتهما‭ ‬في‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الآخر‭  ‬وتعميق‭ ‬الروابط‭ ‬الثقافية‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬بعضهم‭ ‬بعضا،‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬نظمها‭ ‬لحث‭ ‬الهمم‭ ‬على‭ ‬الاستكشاف‭. ‬وقد‭ ‬أصاب‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعي؛‭ ‬ففي‭ ‬السفر‭  ‬يرى‭ ‬الزائر‭ ‬الحياة‭ ‬بطريقة‭ ‬مغايرة‭ ‬لما‭ ‬اعتاد‭ ‬عليه،‭ ‬ولاسيما‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬وجهته‭ ‬تختلف‭ ‬كليًّا‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬مدينته‭ ‬والبيئة‭ ‬التي‭ ‬نشأ‭ ‬فيها‭. ‬

 

تعد‭ ‬عادات‭ ‬الأكل‭ ‬وطقوسه‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬اللافتة‭ ‬لعين‭ ‬الزائر‭ ‬الغريب؛‭ ‬لذا‭ ‬حظيت‭ ‬المائدة‭ ‬والأطعمة‭ ‬المقدمة‭ ‬عليها‭ ‬بنصيب‭ ‬وافر‭ ‬من‭ ‬كتابات‭ ‬الرحالة‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى،‭ ‬فنقلوا‭ ‬لنا‭ ‬أصول‭ ‬بعض‭ ‬الأطعمة‭ ‬وطرق‭ ‬تجهيزها،‭ ‬والتي‭ ‬مازلنا‭ ‬نأكلها‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬ووصلنا‭ ‬عنهم‭ ‬أنواع‭ ‬الأطعمة‭ ‬والولائم‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬المبطخ‭ ‬السلطاني‭ ‬أو‭ ‬مطبخ‭ ‬العامة‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬معروفة‭ ‬الآن‭. ‬فالقارئ‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لكتابات‭ ‬ومشاهدات‭ ‬ابن‭ ‬بطوطة‭ ‬المسجلة‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬اتحفة‭ ‬النظار‭ ‬في‭ ‬غرائب‭ ‬الأمصار‭ ‬وعجائب‭ ‬الأسفارب،‭ ‬يجد‭ ‬أن‭ ‬الأسواق‭ ‬والحانات‭ ‬والموائد‭ ‬العامة‭ ‬والولائم‭ ‬جزء‭ ‬أصيل‭ ‬من‭ ‬تجربته‭ ‬وترحاله‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬المشرق،‭ ‬واهتمامه‭ ‬الدقيق‭ ‬بتفاصيل‭ ‬الطعام‭ ‬وتجهيزه‭ ‬وتقديمه،‭ ‬وربطه‭ ‬بالمناسبات‭ ‬التي‭ ‬يُؤكل‭ ‬فيها‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬استكشاف‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬المدن‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬زارها‭ ‬ابن‭ ‬بطوطة‭ ‬في‭ ‬رحلته؛‭ ‬جاءت‭ ‬كتاباته‭ ‬عن‭ ‬العراق‭ ‬وفارس‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬وثراء،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ - ‬زيارة‭ ‬ابن‭ ‬بطوطة‭ - ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬دولة‭ ‬المغول‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬هولاكو،‭ ‬حفيد‭ ‬جنكيز‭ ‬خان،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬السلطان‭ ‬أبي‭ ‬سعيد‭ ‬بهادرخان‭ (‬716‭ - ‬736هـ‭/ ‬1316‭ - ‬1335م‭)‬،‭ ‬فازدادت‭ ‬قيمة‭ ‬ما‭ ‬دوَّنه؛‭ ‬حيث‭ ‬نقل‭ ‬لنا‭ ‬صورة‭ ‬حية‭ ‬عن‭ ‬المجتمعين‭ ‬الفارسي‭ ‬والعراقي‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الدولة‭ ‬الإيلخانية‭ ‬المغولية‭ ‬الأصل،‭ ‬التي‭ ‬اعتنق‭ ‬أغلب‭ ‬حكامها‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬فطغت‭ ‬ثقافة‭ ‬الأرض‭ ‬وأهلها‭ ‬على‭ ‬الطابع‭ ‬المغولي‭ ‬الوافد‭.   

دخل‭ ‬ابن‭ ‬بطــــوطة‭ ‬مدينــة‭ ‬تبريز‭ ‬عاصمة‭ ‬فارس،‭ ‬ونـــزل‭ ‬بها‭ ‬ضيفًا‭ ‬في‭ ‬ضاحـــية‭ ‬شنب‭ ‬غــــازان‭ - ‬غازانية‭ - ‬التي‭ ‬بناها‭ ‬السلطان‭ ‬المغولي‭ ‬المسلم‭ ‬محمود‭ ‬غازان‭ ‬خان،‭ ‬وتجول‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬غازان‭ ‬بين‭ ‬حوانيت‭ ‬الحرير‭ ‬والعنبر‭ ‬والمسك‭ ‬والعطارة‭ ‬والتوابل‭ ‬الهندية‭. ‬

 

ثقافة‭ ‬الطعام‭ ‬الفارسية

وثقت‭ ‬انطباعات‭ ‬ابن‭ ‬بطوطة‭ ‬لثقافة‭ ‬الطعام‭ ‬الفارسية،‭ ‬التي‭ ‬ارتبط‭ ‬بعضها‭ ‬بتقاليد‭ ‬ومناسبات‭ ‬دينية،‭ ‬منها‭ ‬ولائم‭ ‬عيدي‭ ‬الفطر‭ ‬والأضحى،‭ ‬وصلاة‭ ‬الجمعة،‭ ‬وعاشوراء،‭ ‬وإفطار‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬وحلقات‭ ‬الذكر‭ ‬الصوفية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬والمناسبات‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬الطعام‭ ‬جزءا‭ ‬أصيلا‭ ‬من‭ ‬شكلها‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬وفي‭ ‬المجتمع‭ ‬الفارسي‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة،‭ ‬فما‭ ‬من‭ ‬مسجد‭ ‬أو‭ ‬اخانقاهب‭ ‬يدخله‭ ‬ابن‭ ‬بطوطة‭ ‬ويأكل‭ ‬فيه‭ ‬إلا‭ ‬ويشير‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬الطعام‭ ‬ويقارنه‭ ‬بنوع‭ ‬آخر‭ ‬مشابه‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أخرى،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أغلبه‭ ‬من‭ ‬اللحم‭ ‬الضأن‭ ‬والأرز،‭ ‬وقد‭ ‬اختلفت‭ ‬طريقة‭ ‬إعداده‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬لأخرى‭ ‬ومن‭ ‬بلدٍ‭ ‬لبلد‭. ‬

وبالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الوقفية‭ ‬التي‭ ‬تنظــم‭ ‬العمل‭ ‬وأوجه‭ ‬الصرف‭ ‬على‭ ‬محلة‭ ‬شام‭ ‬غازان‭ ‬التي‭ ‬أمر‭ ‬ببنائها‭ ‬غازان‭ ‬خان‭ ‬ونزل‭ ‬بها‭ ‬ابن‭ ‬بطوطة،‭ ‬والتي‭ ‬ذكرها‭ ‬الوزير‭ ‬الطبيب‭ ‬الشهير‭ ‬رشيد‭ ‬الدين‭ ‬الهمداني،‭ ‬صاحب‭ ‬مؤلف‭ ‬ضخم‭ ‬يتناول‭ ‬حياة‭ ‬المغول‭ ‬ودولة‭ ‬المغــول‭ ‬الإيلخانين‭ ‬بفارس‭ ‬والعراق‭ ‬باسم‭ ‬اجامع‭ ‬التـــواريخب؛‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الواقف‭ ‬قد‭ ‬حدد‭ ‬بالفعــل‭ ‬مرتبات‭ ‬وجرايات‭ ‬تُصرف‭ ‬لشراء‭ ‬الطعام‭ ‬وللطهاة،‭ ‬وأن‭ ‬يخصـــص‭ ‬جزء‭ ‬كــبير‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬لتقديم‭ ‬وجبات‭ ‬اللحم‭ ‬والأرز‭ ‬للزائــرين‭ ‬والمسافرين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬استفاد‭ ‬منه‭ ‬ابن‭ ‬بطوطة‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬ترحاله‭ ‬من‭ ‬تبريز‭ ‬إلى‭ ‬بغداد‭.‬

ومن‭ ‬رحلة‭ ‬ابن‭ ‬بطوطة‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬الهجري‭/ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي،‭ ‬إلى‭ ‬رحلة‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬اختلفت‭ ‬الحال‭ ‬كثيرًا‭. ‬فعلى‭ ‬خطى‭ ‬ابن‭ ‬بطوطة‭ ‬كانت‭ ‬زيارتي‭ ‬لمدن‭ ‬تبريز‭ ‬وأصفهان‭ ‬ويزد،‭ ‬وفي‭ ‬أصفهان‭ ‬كان‭ ‬لقائي‭ ‬بـ‭ ‬ابكرب،‭ ‬وهو‭ ‬رجل‭ ‬عراقي‭ ‬من‭ ‬بغداد،‭ ‬ذو‭ ‬ملامح‭ ‬عربية‭ ‬أصيلة،‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الرابع‭ ‬تقريباً،‭ ‬يقف‭ ‬بصحبة‭ ‬إخوته‭ ‬في‭ ‬محل‭ ‬صغير‭ ‬وسط‭ ‬بازار‭ ‬أصفهان‭ ‬القديم‭ ‬بميدان‭ ‬نقش‭ ‬جهان،‭ ‬استطاع‭ ‬بفطنته‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬أصولي‭ ‬العربية‭ ‬وسط‭ ‬أهل‭ ‬فارس،‭ ‬وابتسم‭ ‬قائلاً‭: ‬اعربي‭... ‬عربيب،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬تحدث‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭. ‬

تبادلنا‭ ‬أطراف‭ ‬الحديث‭ ‬وأخذ‭ ‬يشرح‭ ‬لي‭ ‬أهمية‭ ‬ما‭ ‬يبيع‭ ‬من‭ ‬عطارة‭ ‬وروائح‭ ‬وتوابل‭ ‬ووصفات‭ ‬عُشبية‭ ‬ومنها‭ ‬اهفت‭ ‬أدويةب،‭ ‬وهي‭ ‬سبعة‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬التوابل‭ ‬تخلط‭ ‬معًا‭ ‬وتعرض‭ ‬للبيع‭ ‬في‭ ‬ترتيب‭ ‬هرمي‭ ‬لافت‭ ‬للنظر،‭ ‬والفلفل‭ ‬القرمزي،‭ ‬والزعفران‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬جزءا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬الطبق‭ ‬الفارسي‭. ‬

ولأن‭ ‬لقائي‭ ‬ببكر‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الرحلة،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬سمحت‭ ‬لي‭ ‬الأيام‭ ‬التي‭ ‬قضيتها‭ ‬هناك‭ ‬أن‭ ‬أتعرف‭ ‬قليلا‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الأطباق‭ ‬الفارسية؛‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬بمنزلة‭ ‬العين‭ ‬التي‭ ‬نظرت‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬الأكل‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬فاستعدت‭ ‬في‭ ‬مخيلتي‭ ‬رحلة‭ ‬ابن‭ ‬بطوطة‭ ‬وتجربته،‭ ‬وأخذنا‭ ‬نقارن‭ ‬معا‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬نأكل‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وفي‭ ‬العراق‭ ‬وثقافتنا‭ ‬وموروثنا‭ ‬العربي،‭ ‬وبين‭ ‬الموروث‭ ‬الفارسي،‭ ‬وكيف‭ ‬التقت‭ ‬الحضارتان‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأطباق‭ ‬واختلفت‭ ‬في‭ ‬كثير،‭ ‬فهناك‭ ‬بعض‭ ‬المناسبات‭ ‬الفارسية‭ ‬المنفردة‭ ‬التي‭ ‬ارتبط‭ ‬فيها‭ ‬الطعام‭ ‬بالمناسبة‭ ‬ذاتها،‭ ‬ومنها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬اعيد‭ ‬النوروزب،‭ ‬والنوروز‭ ‬كلمة‭ ‬فارسية‭ ‬بمعنى‭ ‬يوم‭ ‬جديد،‭ ‬وهي‭ ‬توافق‭ ‬يوم‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬بداية‭ ‬التقويم‭ ‬الفارسي،‭ ‬فيحتفل‭ ‬العامة‭ ‬بالعام‭ ‬الجديد‭ ‬بما‭ ‬يعرف‭ ‬بمائدة‭ ‬الـ‭ ‬اهفت‭ ‬سينب،‭ ‬وهي‭ ‬سبعة‭ ‬أصناف‭ ‬تبدأ‭ ‬بحرف‭ ‬السين‭ (‬هفت‭: ‬7‭) ‬ترتب‭ ‬معًا‭ ‬في‭ ‬أطباق‭ ‬منفصلة‭ ‬لكل‭ ‬صنف‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬واحدة‭ ‬لفترة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬أسبوعين‭. ‬وقد‭ ‬انتشرت‭ ‬مائدة‭ ‬الـ‭ ‬اهفت‭ ‬سينب‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة‭ ‬والمتاحف‭ ‬والمزارات‭ ‬السياحية،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬قاصرة‭ ‬على‭ ‬المنازل‭ ‬فقط،‭ ‬والتحية‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬انو‭ ‬سال‭ ‬مباركب،‭ ‬وهي‭ ‬بمعنى‭ ‬عام‭ ‬جديد‭ ‬مبارك‭. ‬

جدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاحتفال‭ ‬معروف‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬الأكراد‭ ‬والأتراك‭ ‬أيضًا،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬فارس‭ ‬أكثر‭ ‬ذيوعًا‭.‬

 

حلوى‭ ‬‮«‬السوهان‮»‬

كانت‭ ‬حلوى‭ ‬االسوهانب‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬قم‭ ‬بجنوب‭ ‬طهران‭ ‬هي‭ ‬الحلوى‭ ‬الشعبية‭ ‬المفضلة‭ ‬للجميع،‭ ‬ومن‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬أصولها‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬الدولة‭ ‬القاجارية،‭ ‬ومركز‭ ‬صناعتها‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬قم،‭ ‬ومنها‭ ‬تصدر‭ ‬إلى‭ ‬بقية‭ ‬المدن‭ ‬المجاورة‭. ‬

وإن‭ ‬كانت‭ ‬المعجنات‭ ‬المحلية‭ ‬المصنوعة‭ ‬في‭ ‬يزد‭ ‬محببة‭ ‬إليَّ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حلوى‭ ‬السوهان،‭ ‬فإن‭ ‬المكسرات‭ ‬والفواكه‭ ‬المجففة‭ ‬تحتل‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬لدى‭ ‬زوار‭ ‬أصفهان‭ ‬عامة‭ ‬لتنوعها‭ ‬ولاختلاف‭ ‬طريقة‭ ‬التحميص‭ ‬والملح‭ ‬المضاف‭ ‬بنسب‭ ‬متباينة‭ ‬تناسب‭ ‬جميع‭ ‬الأذواق‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬صديقي‭ ‬العراقي‭ ‬بكر،‭ ‬ودعاني‭ ‬إلى‭ ‬زيارة‭ ‬بغداد‭ ‬وتذوق‭ ‬ما‭ ‬تنتجه‭ ‬من‭ ‬مكسرات‭ ‬ألذ‭ ‬وأشهى‭. ‬

وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬ونتيجة‭ ‬العصر‭ ‬الذي‭ ‬نحياه‭ ‬الآن‭ ‬والانفتاح‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي‭ ‬الذي‭ ‬عززته‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الاتصالات‭ ‬والمعلومات؛‭ ‬غزت‭ ‬ثقافة‭ ‬الوجبات‭ ‬السريعة‭ ‬المطبخ‭ ‬العربي،‭ ‬والمغربي،‭ ‬والخليجي،‭ ‬ولم‭ ‬ينأ‭ ‬المطبخ‭ ‬الفارسي‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الغزو‭ ‬الثقافي،‭ ‬لتنتشر‭ ‬محلات‭ ‬بيع‭ ‬الـ‭ ‬اساندويچ‭ ‬همبرگرب،‭ (‬ساندويتش‭ ‬همبرجر‭) ‬فتنافس‭ ‬بقوة‭ ‬الأطباق‭ ‬الفارسية‭ ‬الأصيلة‭. ‬

وأصبحت‭ ‬محلات‭ ‬الفلافل‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬ملاذًا‭ ‬للجائع‭ ‬في‭ ‬رحلته،‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬توقفت‭ ‬عند‭ ‬مسمى‭ ‬افلافل‭ ‬لبنانيب‭ ‬المعروف‭ ‬به‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭. ‬فالفلافل‭ ‬مسمى‭ ‬سكندري‭ ‬مصري،‭ ‬لصنف‭ ‬شعبي‭ ‬يصنع‭ ‬من‭ ‬حبوب‭ ‬الفول‭ ‬وأوراق‭ ‬البقدونس‭ ‬وشرائح‭ ‬البصل‭ ‬والبهارات‭ ‬بطحنها‭ ‬جميعًا‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬عجين‭ ‬يتم‭ ‬تحميره‭ ‬في‭ ‬الزيت،‭ ‬ويعرف‭ ‬لدى‭ ‬أهل‭ ‬مدينة‭ ‬القاهرة‭ ‬بـ‭ ‬اطعميةب‭. ‬وقد‭ ‬تذوقته‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬والمدينة‭ ‬المنورة‭ ‬وجدة،‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬افلافلب‭ ‬أيضًا‭. ‬

أما‭ ‬عــادات‭ ‬الأكل‭ ‬اليومية‭ ‬لأهــــل‭ ‬فــــارس‭ ‬اليــــوم‭ - ‬إيران‭ - ‬فهي‭ ‬تختلف‭ ‬باختلاف‭ ‬المدينة‭ ‬ومستوى‭ ‬معيشة‭ ‬الفرد،‭ ‬ففي‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬كطهران‭ ‬وتبريز‭ ‬وأصفهان‭ ‬وشيراز‭ ‬ومشهد‭ ‬ويزد‭ ‬مثلاً،‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬عادات‭ ‬أهل‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬فالفطور‭ ‬اصبحانةب‭ ‬هو‭ ‬الوجبة‭ ‬الرئيسة‭ ‬التي‭ ‬يعتمد‭ ‬عليها‭ ‬الفرد،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الجبن‭ ‬والبيض‭ ‬المقلي‭ ‬وعصير‭ ‬البرتقال‭ ‬والرمان‭ ‬ومخبوزات‭ ‬متنوعة‭ ‬بالمكسرات‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬تجربة‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬امهماندار‭ ‬هتلب‭ -  ‬محل‭ ‬ضيافة‭/ ‬فندق‭ - ‬لم‭ ‬يختلف‭ ‬الفطور‭ ‬كثيرًا‭ ‬بين‭ ‬مدن‭ ‬شمال‭ ‬وجنوب‭ ‬فارس‭ ‬أو‭ ‬شرقها‭ ‬وغربها،‭ ‬فالرمان‭ ‬والبرتقال‭ ‬فاكهتان‭ ‬دائمتا‭ ‬الحضور‭ ‬على‭ ‬السفرة‭ ‬الإيرانية،‭ ‬وتختلف‭ ‬الحلوى‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬لأخرى‭ ‬وفقًا‭ ‬لشهرة‭ ‬كل‭ ‬مدينة‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬الغداء‭ (‬ناهار‭)‬؛‭ ‬فهو‭ ‬الوجبة‭ ‬الرئيسة‭ ‬التي‭ ‬تجتمع‭ ‬حولها‭ ‬العائلة،‭ ‬ويعد‭ ‬طقسًا‭ ‬يوميًا‭ ‬له‭ ‬قدسيته‭ ‬في‭ ‬التقاليد‭ ‬الإيرانية‭ ‬العريقة،‭ ‬وتحرص‭ ‬العائلة‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬به‭ ‬بقدر‭ ‬الإمكان‭.‬

‭ ‬وتتميز‭ ‬وجبة‭ ‬الـ‭ ‬اناهارب‭ ‬بالمأكولات‭ ‬الدسمة‭ ‬من‭ ‬لحوم‭ ‬حمراء‭ ‬وبيضاء‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬تطهى‭ ‬بالشواء،‭ ‬ويعد‭ ‬طبق‭ ‬الأرز‭ ‬بالزُبد‭ ‬والزعفران‭ ‬بحجم‭ ‬كبير،‭ ‬وهو‭ ‬قاسم‭ ‬يوميًا‭ ‬مشترك‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬أصناف‭ ‬الطعام‭ ‬في‭ ‬الغداء،‭ ‬وحضور‭ ‬حساء‭ ‬الـ‭ ‬اآشب‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء،‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬ومكانة‭ ‬عن‭ ‬حساء‭ ‬االعدسب‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬ليالي‭ ‬المطر‭. ‬

ولهذا‭ ‬تأتي‭ ‬وجبة‭ ‬العشاء‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬طبق‭ ‬من‭ ‬الزبادي‭ ‬اماستب‭ ‬للترطيب‭ ‬والهضم‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬تختلف‭ ‬هذه‭ ‬العادات‭ ‬وفقًا‭ ‬لطبيعة‭ ‬حياة‭ ‬الفرد‭ ‬نفسه‭ ‬وظروف‭ ‬عمله‭ ‬ومستوى‭ ‬معيشته‭. ‬فنجد‭ ‬أغلب‭ ‬الطلاب‭ ‬مثلاً‭ ‬يعتمدون‭ ‬بشكل‭ ‬أساس‭ ‬على‭ ‬الوجبات‭ ‬السريعة،‭ ‬نظرا‭ ‬لقضائهم‭ ‬معظم‭ ‬ساعات‭ ‬اليوم‭ ‬خارج‭ ‬المنزل‭.‬

أما‭ ‬قرى‭ ‬إيران‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬فهي‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬للعادات‭ ‬الفارسية‭ ‬القديمة‭ ‬بموروثها‭ ‬الحضاري‭ ‬الفارسي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬فنجد‭ ‬كرم‭ ‬الضيافة‭ ‬سمة‭ ‬غالبة‭ ‬بين‭ ‬أهالي‭ ‬القرى‭ ‬وتمسكهم‭ ‬بآداب‭ ‬الطعام‭ ‬وعاداته‭. ‬

ويعد‭ ‬الشاي‭ ‬اچايب‭ ‬مشروبا‭ ‬أساسيا‭ ‬يقدم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬وبطرق‭ ‬مختلفة،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يستخدم‭ ‬لتحليته‭ ‬السكر‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬السكر‭ ‬وعسل‭ ‬النحل‭ ‬يستخدم‭ ‬لإضفاء‭ ‬المذاق‭ ‬الحلو‭ ‬إلى‭ ‬فنجان‭ ‬الشاي‭ ‬صغير‭ ‬الحجم،‭ ‬والذي‭ ‬يفضل‭ ‬أغلب‭ ‬الإيرانيين‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مصنوعًا‭ ‬من‭ ‬الزجاج‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتغير‭ ‬المذاق‭.‬

ويختلف‭ ‬الخبز‭ ‬التقليدي‭ ‬باختلاف‭ ‬المدينة،‭ ‬فالخبز‭ ‬المجهز‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬خبز‭ ‬يزد‭ ‬وتبريز،‭ ‬لكلٌّ‭ ‬منها‭ ‬طريقة‭ ‬صنع‭ ‬مختلفة‭ ‬ومذاق‭ ‬مختلف‭. ‬فيتميز‭ ‬خبز‭ ‬طهران‭ ‬والري‭ ‬وفرامين‭ (‬رامين‭) ‬برقته‭ ‬المبالغ‭ ‬فيها‭ ‬ويباع‭ ‬كأنه‭ ‬فرخ‭ ‬من‭ ‬الورق‭ ‬المطوي‭. ‬

أما‭ ‬في‭ ‬يزد‭ ‬فعلى‭ ‬العكس‭ ‬تمامًا،‭ ‬حيث‭ ‬يمتاز‭ ‬بسمكه‭ ‬وطريقة‭ ‬خبزه‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬فيها‭ ‬الأفران‭ ‬البلدية‭ ‬القديمة‭ ‬فتكسبه‭ ‬لونًا‭ ‬ذهبيًا‭ ‬ومذاقًا‭ ‬شهيًا‭. ‬

وفي‭ ‬النهاية‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬مدينة‭ ‬وبلد‭ ‬عادات‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬الأكل،‭ ‬وتجمع‭ ‬سكانها‭ ‬وحدة‭ ‬واحدة‭ ‬هي‭ ‬اثقافة‭ ‬الأكلب،‭ ‬فالعامل‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬المدن‭ ‬والبلدان‭ ‬هو‭ ‬ارتباط‭ ‬الأكل‭ ‬وعاداته‭ ‬بالمناسبات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والدينية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬بالأساطير‭ ‬التاريخية‭ ‬والخرافات‭ ‬الموروثة،‭ ‬والأمر‭ ‬ليس‭ ‬قاصرًا‭ ‬على‭ ‬شعب‭ ‬أو‭ ‬حضارة‭ ‬بعينها‭. ‬فأحيانًا‭ ‬تُسمى‭ ‬بعض‭ ‬الأطباق‭ ‬بأسماء‭ ‬أصحابها‭ ‬وكواليس‭ ‬صناعتها،‭ ‬ومن‭ ‬أشهر‭ ‬الأطباق‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬ارتباط‭ ‬الطعام‭ ‬بحادث‭ ‬له‭ ‬صدى‭ ‬تاريخي،‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬العصر‭ ‬المملوكي؛‭ ‬عندما‭ ‬ابتُكِرَ‭ ‬صنف‭ ‬حلو‭ ‬المذاق‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬اأم‭ ‬عليب‭. ‬وأم‭ ‬علي‭ ‬هي‭ ‬الزوجة‭ ‬الأولى‭ ‬للأمير‭ ‬عز‭ ‬الدين‭ ‬أيبك‭ ‬الذي‭ ‬تولى‭ ‬حكم‭ ‬مصر‭ ‬وتزوج‭ ‬من‭ ‬شجر‭ ‬الدر،‭ ‬وقد‭ ‬استحدثت‭ ‬أم‭ ‬علي‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬ووزعته‭ ‬على‭ ‬العامة‭ ‬ابتهاجًا‭ ‬بمقتل‭ ‬ضرتها‭ ‬شجر‭ ‬الدر،‭ ‬وعُرف‭ ‬هذا‭ ‬الطبق‭ ‬باسمها،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬يُؤكل‭ ‬ويعُرف‭ ‬بهذا‭ ‬الاسم‭ ■‬