السكر البرونزي عندما يدمّر الحديد جسم الإنسان
الحديد من العناصر المهمة لجسم الإنسان، ويؤدي نقصه إلى أنيميا نقص الحديد، وهو من الأمراض الشائعة، لكن زيارته قد تؤدي إلى تدمير جسم الإنسان فيما يعرف بمرض السكر البرونزي، وهو مرض خطير يفتك بالإنسان، يدمر الكبد والقلب والمناسل والبنكرياس والمفاصل، ويغيّر لون الجلد إلى اللون البرونزي، وهو سر تسمية المرض بـ» السكر البرونزي».
يقول أستاذ الباطنة بالمدرسة الطبية في جامعة هارفارد د. كرت أيسلبيكر: إن مرض السكر البرونزي (هيموكروماتوزس) يمثّل خللاً في تخزين الحديد في الجسم، تسببه زيادة غير طبيعية في امتصاص الحديد من الأمعاء، مما يؤدي إلى ترسيب الحديد في الخلايا الحشوية، وبالتالي تدمير الأنسجة، وعدم كفاءة أعضاء الجسم التي تتمثل في الكبد والبنكرياس والقلب والغدة النخامية. وفي عام 1889، سمى الطبيب فون ركلنجهوسن هذا المرض بـ اهيموكروماتوزسب، وسمى الصبغة التي تختزن الحديد اهيموسدرينب، لأنه اعتقد أن هذه الصبغة تنشأ من الدم.
ثمة نوعان من الهيموكروماتوزس؛ نوع وراثي يرتبط بجين على الكروموسوم رقم 6، ونوع مكتسب يسببه مرض آخر مثل الثلاسيميا وأنيميا السيدروبلاست.
ويقول أستاذ الباطنة بجامعة كوينسلاند في أستراليا د. لوراي باول إن مرض الهيموكروماتوزس في صورته الكاملة غير شائع، حيث يصل انتشاره في الشعوب الأنجلوساكسونية إلى واحد من كل 10 آلاف، ويلاحظ أنه أكثر انتشارًا بين الذكور عن الإناث بـ5 إلى 10 أضعاف. وتظهر أعراض المرض على حوالي 70 في المئة من المرضى بين الأربعين والستين من العمر، ونادرًا ما يظهر المرض إكلينيكيًا دون العشرين من العمر.
قد نتعجب عندما نعلم أن جسم الإنسان يحتوي على مقدار ضئيل من الحديد يتراوح بين 3 و4 جرامات، وهذا المقدار ثابت في الحالات الطبيعية، حيث إن الغشاء المخاطي المعوي يمتص مقدارًا من الحديد يساوي ما يفقده الجسم، هذا المقدار هو ملليجرام واحد كل يوم في الرجال، وملليجرام ونصف الملليجرام لدى النساء في سن الحيض.
مقادير زائدة
في مرضى السكر البرونزي يمتص الغشاء المخاطي المعوي مقادير زائدة من الحديد تصل إلى 4 ملليجرامات أو أكثر في اليوم، وتكون النتيجة هي تراكم الحديد في الجسم، والذي يمكن التعرف عليه من خلال ارتفاع نسبة الحديد في البلازما، وزيادة النسبة المئوية لتشبّع الترانسفرين، وفي المرض المتقدم قد تحتوي أنسجة الجسم على 20 جرامًا من الحديد، هذا الحديد الزائد يترسب بصفة أساسية في الخلايا الحشوية بالكبد والبنكرياس والقلب. الحديد في الكبد والبنكرياس يزداد من 50 إلى 100 ضعف. وفي القلب من 5 إلى 25 ضعفًا، وفي الطحال والكليتين والجلد إلى خمسة أضعاف.
وهناك دراسات تشير إلى أن تعاطي الخمور يلعب دورًا في زيادة مخزون الحديد بالجسم، كما أن وجود الحديد بكميات زائدة في الطعام والشراب قد يكون سببًا في الإصابة بالسكر البرونزي.
ويقول د. كرت أيسلبيكر إن تناول كميات زائدة من الحديد على مدى سنوات عدة قد يؤدي إلى الملامح الإكلينيكية والباثولوجية للهيموكروماتوزس، وهذا ما يحدث - على سبيل المثال - في تجمعات من زنوج البانتو بجنوب إفريقيا، حيث إنهم تعودوا على صناعة الخمور في أوانٍ من الحديد، وبالتالي فهم يتناولون كميات زائدة من الحديد في هذه المشروبات الكحولية. وهناك تقارير منفصلة عن هيموكروماتوزس أصاب أشخاصًا أصحاء ظاهريًا تعاطوا أدوية الحديد لسنوات عدة، لكن هؤلاء الأشخاص قد تكون لديهم الصفة الوراثية للإصابة بالسكر البرونزي.
ويؤدي تعاطي الحديد عن طريق الحقن الوريدي في صورة نقل مستحضرات الحديد، بصفة واضحة، إلى زيادة حمل الحديد في خلايا معيّنة هي خلايا رتكليوإندوثليال، وهذا الأمر يؤدي إلى قليل من التدمير للأنسجة مقارنة بما ينتج عن تحميل الحديد في الخلايا الحشوية (البرنشيمية)، وهي الخلايا التي تؤدي الوظائف في أعضاء الجسم المختلفة.
أعراض السكر البرونزي وعلاماته
تشمل تلك الأعراض اصطباغ الجلد، والإصابة بمرض البول السكري، واضطرابات الكبد والقلب، واعتلال المفاصل، وانخفاض نشاط المناسل، وتتمثل الأعراض المبكرة في: الضعف، والكسل، وفقدان الوزن، وألم بالبطن، وتغيّر لون الجلد، وفقدان الشهوة الجنسية، وأعراض ترتبط ببداية الإصابة بداء السكري. أما علامات المرض التي يلاحظها الطبيب فتتمثل في تضخم الكبد واصطباغ الجلد، وشامات عنكبوتية، وتضخم الطحال، واعتلال المفاصل، واستسقاء البطن، واضطرابات إيقاع القلب، وهبوط القلب الاحتقاني، وفقدان الشعر، وضمور الخصيتين، واليرقان.
الكبد هي أول عضو يتأثر بالمرض، وتضخمها قد يوجد على الرغم من عدم وجود أعراض للمرض، أو في وجود اختبارات وظائف الكبد الطبيعية، وأكثر من 50 في المئة من المرضى الذين تظهر عليهم أعراض المرض لديهم القليل أو لا شيء من الشواهد المعملية على وجود خلل في وظائف الكبد، على الرغم من تضخمها وتليفها.
يصيب سرطان الكبد 30 في المئة من الحالات، أما اصطباغ الجلد فإنه يوجد في 90 بالمئة من المرضى، هذا اللون الرمادي المعدني يعتقد أنه ينتج عن زيادة الميلانين أو الميلانين والحديد في أدمة الجلد، اصطباغ الجلد يكون منتشرًا وعامًّا، لكنه يكون أعمق في الوجه والعنق والمناطق التناسلية والندوب الموجودة في الجسم وظهر اليدين والساعدين، وأسفل الساقين.
يصاب حوالي 65 في المئة من المرضى بداء السكري، وتكون هناك مقاومة أعلى للأنسولين، ومعدلات أعلى من ضمور الدهن الناتج عن الأنسولين. ويصاب حوالي 15 في المئة من المرضى بهبوط القلب الاحتقاني، فيتضخم القلب، مما يجعل هذه الحالات تتشابه مع حالات اعتلال عضلة القلب.
ويهدف علاج المرض إلى إزالة الحديد الزائد من الجسم والعلاج التدعيمي للأعضاء التي لحق بها الضر، ويمكن التخلص من الحديد الزائد عن طريق التخلص من نصف لتر من الدم مرة أو مرتين أسبوعيًا، وعلى الرغم من حدوث انخفاض في حجم كرات الدم الحمر في بداية العلاج، فإن الأنيميا تستقر بعد أسابيع عدة، ويجب الاستمرار على ذلك مدة عامين إلى 3 أعوام.
سبحان الله الخالق البارئ المصور، الذي خلق كل شيء بقَدر، وأبدع كل شيء بنظام دقيق، لا دخل للإنسان فيه، وعندما يحدث خلل في هذا النظام الدقيق يشعر الإنسان بالنعم الكثيرة التي منحها الله إياه، والتي تستحق أن نقول دائمًا: الحمد لله ■