رواية الحزن الجميل

رواية الحزن الجميل

بعد مرور عشر سنوات على نشر روايته «يوم واحد»، الأكثر مبيعًا على مستوى العالم، وأربعة أعوام على ترشيح روايته «نحن» لجائزة البوكر العالمية، وتحويل معظم رواياته إلى أفلام سينمائية أمريكية ناجحة، يعود الكـــاتب الـــبريطـــاني ديـــفيد نيكولز مع رواية جديدة بعنوان «الحزن الجميل» Sweet Sorrow. بالتعاون مع دار هودر اند ستوجتون البريطانية. لكن هذه المرة يظهر بلون جديد درامي كوميدي يستكشف به نقطة تحول في حياة شاب.

الرواية تدور حول تشارلي لويس، وهو فتى في السادسة عشرة من عمره يعيش في بلدة صغيرة تقع جنوب بريطانيا بأواخر تسعينيات القرن الماضي، يعاني مشكلات عائلية في المنزل. بعد انفصال والديه يشعر تشارلي بإحساس كبير بالمسؤولية تجاه والده عازف الموسيقى العاطل عن العمل الذي يقضي معظم وقته ممتدًا على الأريكة، ويصبح مجبرًا على تقديم الرعاية له بعد أن غرق في حالة من الاكتئاب الشديد ويقضي أيامه إما في البكاء وإما الصراخ. لقد جاء انهيار زواج والديه في وقت سيئ بالنسبة لتشارلي، مما جعله يخفق في دراسته بالعام الأخير. وفي فترة الصيف تأخذ حياته منعطفًا مختلفًا عندما يخرج من منزله على دراجته، وعلى الطريق يلتقي بفتاة تدعى فران ومجموعة من طلاب مدرسته، كانوا يقيمون بروفات لإنتاج مسرحية روميو وجولييت. يجد تشارلي نفسه يعود كل يوم إلى المكان نفسه، ويرى أن وجه فران «جميل» وبالنسبة له «كان من غير المعقول ألا يرى هذا الوجه مجددًا». ويدرك أنه وقع في حب فران. وينتهي الأمر بتشارلي بالمشاركة في المجموعة أيضًا، ولكن في المقام الأول للاقتراب من فران، التي تلعب دور البطولة في مسرحية شكسبير، ولكن كان عليه أن يتعلم التصرف بشكل مختلف. وهنا يظهر الانقسام الطبقي والثقافي الذي كان يجب التغلب عليه للتحدث مع فتاة مثل فران. على مضض، يوافق تشارلي على الانضمام إلى المجموعة، وهو يعلم أن جميع زملائه بالمدرسة يسخرون منه بلا كلل، إذ لم يكن هناك سبب آخر سوى متابعة علاقته مع فران. 
تستكشف الرواية العلاقة المتنامية بين البطلين الشابين التي تجري بالتوازي مع بروفات المسرحية. وبينما فران تساعد تشارلي على تعلم طريقة التحدث والإلقاء كما يجب أن يتم التحدث بها، يتعرّف القارئ أيضًا على شعر شكسبير وأجزاء من المسرحية الأسطورية روميو وجولييت والأساليب المستخدمة من قبل الممثلين في تفكيك معنى الكلمات لمساعدتهم في الوصول إلى الإحساس المطلوب. هذه التفاعلات بين تشارلي وفران تتحرك في مسارات أخرى، ويشعر القارئ، إلى جانبهم، بحبهم العميق. هذا التحول الجديد في حياة تشارلي مثير ومتناقض من خلال الحب وشعر شكسبير وتعاونه المسرحي، ليصبح الفتى الحزين الضعيف شابًا لطيفًا محبًا للحياة. 
يصف المؤلف بمهارة فائقة من خلال عيون تشارلي وصوته، مفارقة الرغبة في أن يكون والداه معًا مرة أخرى، وبين شعوره بالقلق والاستياء والغضب لأنه يكره الطريقة التي يتفاعلان ويتواصلان بها عندما يكونان معًا. تشارلي على الرغم من أنه شاب مضطرب عديم الثقة في نفسه، (انفصل والداه بشكل حاد، أخته الصغيرة مع والدته وتشارلي مع والده)، فإنه يحب والديه، لكنه في الغالب يرغب ببساطة في تجنّب المواجهة معهما. إنه بحاجة إلى الهروب من أجواء البيت القمعية، لملء ساعات طويلة فارغة من يومه ومحاولة عدم التفكير في الكثير من القرارات التي يجب أن يتخذها حتمًا بشأن ما سيأتي بعد ذلك، تشارلي ببساطة غير قادر ولم ينضج بعد بما فيه الكفاية على التعامل مع أمزجة والديه وسلوكهما. كما يقول تشارلي لنفسه، في سنه، إنه ينبغي ألا يكون مضطرًا لرعاية والده. وبالتالي، يتجنب الذهاب إلى المنزل كلما كان ذلك ممكنًا. كما يقول «كان لدى منزل والدي المجنون الكثير من أسطوانات موسيقى الجاز النادرة التي أعشقها، ولكني لم أرغب في الذهاب إلى هناك».
يتناول المؤلف بحساسية مرهفة ودقة كبيرة صداقات المراهقين الذكور في المجتمع البريطاني ومدى حجم المودة الحقيقية بين هؤلاء الأولاد من خلال بعض السلوكيات اليومية البسيطة المتداولة بينهم، كما أنه يوضح بدقة سقوط هذه الصداقات عندما بدأت علاقة تشارلي بالفتاة فران بالتطور. يشعر تشارلي بشكل خاص بفقدان صداقته مع هاربر أقرب صديق له، ويقول عنه: «في فوضى التدمير الذاتي لعائلتنا، قدم نفسه بهدوء ودون كلل وعلى الرغم من أنني بالكاد استطعت أن أتذكر محادثة يمكن اعتبارها شخصية أو صادقة، إلا أنه كان لجانبي».
تجسّد الرواية عبر شخصياتها مجموعة متنوعة من المشاعر عن الفرح والكآبة التي تمتزج ببراعة بروح الدعابة، عن العواطف المحيرة التي يمر بها المراهقون تجاه علاقاتهم بمن حولهم والطريق المتذبذب عمومًا الذي يمر به الإنسان حتى يصل لمرحلة النضج مرورًا بتجربة الحب الأول والصداقات وحب العائلة وتأثيرها على مسار الحياة. يكتب ديفيد نيكولز عن كل هذه المشاعر ببلاغة، ولغة جميلة عميقة، ومرحة ومؤلمة للغاية في الوقت نفسه، ووصف دقيق لما يشعر به المراهقون حيال الآباء الذين يقول عنهم تشارلي: «لماذا لا يكونون جميعًا مسؤولين ومحترمين وأثرياء وأشخاص جديرين بالثقة، بدلًا من أن يكونوا فقراء بائسين وغير مجدين؟». 
تتميز كل شخصية في الرواية بالحيوية والعمق وأنها حقيقية تمامًا، بحيث يمكنك رؤيتها خارج الرواية في حياتك اليومية. لكن أكثر ما يجذبني في جميع كتب نيكولز على الرغم من أنها تتمحور دائمًا حول قصص الحب والرومانسية، أن الاستنتاجات والنهايات دائما ليست تقليدية أبدًا، وذلك ببساطة لأن الحياة ليست دائمًا كما نتوقع.

راوٍ لطيف
اختار نيكولز السرد في روايته باستخدام نمط الشخص الأول وهي سرد القصة من وجهة نظر شخصية واحدة «تشارلي». يخبرنا الراوي فقط بما يراه أو يسمعه أو يتخيله عن تصرفات شخصيات أخرى في الرواية، ويمكن أن تكون لديه أفكار حول دوافع الشخصيات الأخرى للتصرف بهذه الطريقة. وهو أسلوب يسمح للشخصية بالتعبير عن كل أفكاره ومشاعره وتجاربه بحرية أكثر. كما أن القارئ يطلع عن قرب على كل تفاصيل حياة الراوي التي يريد أن يكشفها له. وهي حقيقة أن هذا النمط يساعد الراوي على أن يخفي جزءًا مهمًا من المعلومات عن القارئ. ويؤدي هذا النوع من السرد إلى خلق أجواء من الألفة بين القارئ والراوي.
بالنسبة لتشارلي، هو راو لطيف ولكنه متردد ومحبط للغاية في كثير من الأحيان، نظرًا لأننا عالقون داخل رأسه بالكامل، الذي يشبه السفينة الفارغة التي لا توجد بها بوصلة. وكما يقول في البداية عن نفسه: «أنا لا أحد»، وفي عبارة أخرى يصف نفسه: «أنا كلمة مزعجة لا تستطيع الخروج من رأسي إلى أي مكان». وفي كثير من الأحيان تجد أن عليك أن تملأ الكثير من الفراغات في حياة تشارلي، التي تعمّد أن يخفيها.
عند قراءة الرواية على مدار 400 صفحة قد تشعر كما فعلت أن الرواية تستغرق الكثير من الوقت وطويلة كي تصل للنهاية. لكنها تستحق كل هذا العناء. عندما تلتقي مع الصفحات الأخيرة، وتفاجأ أنك لا تريد للقصة أن تنتهي، وأن تشارلي هذا الصبي الصغير أصبح أفضل صديق لك.
يشير عنوان الرواية «الحزن الجميل» إلى الدفء والحزن. دفء للشخصيات التي تملأ الرواية: تشارلي وفران بشكل خاص، وحزن على مرور الوقت وتغيير العلاقات والخسائر التي لحقت بهم بعد انتهاء هذه العلاقة. يصف أيضًا بشكل كبير الحنين الذي يشعر به الإنسان عند التفكير في حبه الأول. وللانتعاش والإثارة العابرة لذلك الحب.
للمؤلف أربع روايات أخرى هي Starter for Ten عام 2003، وThe Understudy في 2005، وOne Day عام 2009، وUS عام 2014، والتي تم ترشيحها للبوكر العالمية عام 2015. حققت جميعها مبيعات خيالية بلغت ثمانية ملايين نسخة وطبعت بأكثر من 40 لغة. وقد تم تحويل روايته الأولى Starter For Ten والثالثة One Day إلى أفلام سينمائية ناجحة. ديفيد نيكولز أيضًا كاتب سيناريو متميز حاز جوائز عدة. ويقول نيكولز عن روايته الجديدة «الحزن الجميل»: «أردت الكتابة عن الشباب بطريقة صادقة تمامًا، عن الفرح والحزن، والإثارة التي يتعرض لها القلب مع الحب الأول، وقوة الصداقة، والقلق والشقاء أيضًا، ولا يمكنني كتابة كتاب ليس له قصة حب، ولا أعرف إذا كنت أرغب في ذلك».