لماذا نكتب؟

لماذا نكتب؟

لماذا نكتب؟ سؤال قد يطرحه كثير من المبدعين على أنفسهم، سواء كانوا شعراء أم قصّاصين أم روائيين، فهناك من يكتب خوفًا من أن تتورم ذاته بالتجارب المكتنزة في دواخله التي تتراكم وتخالط نسغ حياته، ما يجعله ينهل من ذلك المخزون ويأخذ منه حتى يتخلص من ثقله، كما هي الحال مع “إليزابيث أليندي” وهناك مَن يكتب كي يعيش لأن الكتابة من أسرار استمرار جذوة الحياة، كما هو الشأن مع “ماريو فارغاس يوسا”... وهناك من يكتب ظنًا منه أنه يستطيع تغيير الواقع بقلمه، وأن له القدرة على إسماع صوته حين يتقمص رداء الواعظ والمربي. وهناك مَن يتخذ الكتابة مطية للوصول إلى تخوم لذة ما، وهناك من يفعل كل ذلك بوازع من نرجسية تسكنه. إجابات متعددة لسؤال واحد، لسؤال صعب، لكننا نرى أنها تتفق كلّها في كون الكتابة تجربة فريدة ومتفردة، تجربة غير عادية، وحده المبدع من يدرك مجاهلها ويتجول في دروبها السرية. 
لكن... كيف نكتب؟ إنه سؤال آخر لا يقل صعوبة، ونحتاج للإجابة عنه إلى براعة من يفكك لغمًا.
تقول جوليا كاميرون: “لكي نبدع؛ فإننا نستخلص ما في آبارنا الداخلية، فهذه البئر الداخلية خزّان فنيّ مثالي، مثل بركة أسماك السلمون الممتلئة جيدًا... إن أية فترة ممتدة، أو جزء من العمل، يعتمدان – بشكل كبير – على آبارنا الفنية. وبوصفنا فنانين، فلابد أن نتعلم أن نكون ذاتيي التغذية. يجب أن نكون حذرين بما فيه الكفاية لتجديد مواردنا الإبداعية، وبوعي، فنحن نعتمد عليها لإعادة تخزين (بركة أسماك السلمون)، إذا جاز التعبير”.
 إن الواقع هو الذي يغذي خيال الكاتب، ويلهمه ويحفزه على الإبداع. قد يكون ذلك الحبل السُّرِّي الذي يربط بين الواقع والعمل الأدبي حبلًا سِرِّيًا يكاد لا يرى، يعمد الكاتب إلى إخفائه بشتى الطرق، لكن في نهاية المطاف لابد من وجود حبل رابط، أو على الأقل خيط... قد يكون خيطًا رفيعًا متناهيًا في الدقة. 
قد يكون هذا الواقع تجارب عاشها الكاتب، أو أحداثًا سمع عنها، أو أشياء قرأ عنها... وربما لهذا السبب شبه “فرويد” العمل الأدبي بالحلم، لأن الحلم ينبثق عن الوعي، وهو تفجير للمكبوتات، فعلى الرغم من عجائبية الحلم وغرائبيته، فإن جذوره تنغرس في الحياة اليومية المعيشة، أي في الواقع الذي يتغذى عليه ويمتص منه المادة الخام.
 يعمد الكاتب إلى خلق سيناريو خيالي يقوم فيه بتصوير الواقع بطريقة مشوّهة شيئًا ما، انطلاقًا من مجموعة من العمليات التي قد نسميها “عمليات دفاعية” تسعى إلى مواراة بذرة الواقع بطبقات من التعديلات و”التشويهات”، لكن هذه البذرة تورق فيما بعد وتتبرعم وتزهر إلى أن تصير شجرة نضرة، عملًا أدبيًا جميلًا، يدين بجماله إلى البذرة المتخفية في الأعماق... ولهذا، فإن الكاتب الحذق والمبدع الماهر يرى كل شيء مشروعًا أدبيًا، لهذا يظل متحفزًا معظم الوقت إن لم يكن كلّه، متربصًا بأي فرصة قد تلوح هنا أو هناك، بأي بارقة قد تمرق أمامه فتشحذ ذهنه وتذكي لهيب الإبداع في مخيلته. بالنسبة للمبدع، كل شيء قابل لإعادة التصنيع، يكفي أن يمرّ في آلة الإبداع العجيبة ليصير ذلك الشيء أثرًا أدبيًا ينضح بالجمال. وهنا تظهر براعة الكاتب، في قدرته على خلق عوالم مثيرة للدهشة من واقع عادٍ وبسيط إلى حد اللامبالاة >