التميز مُكلف

التميز مُكلف

يلعب‭ ‬عامل‭ ‬الزمن‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬عمل‭ ‬وأداء‭ ‬الوسائل‭ ‬الإعلامية‭ ‬المختلفة،‭ ‬وكلما‭ ‬تقلصت‭ ‬مساحة‭ ‬الوقت‭ ‬تقلصت‭ ‬معها‭ ‬مساحة‭ ‬التخطيط،‭ ‬وهو‭ ‬المكون‭ ‬الأساسي‭ ‬للمنتج‭ ‬الجيد‭. ‬

ويحتل‭ ‬التلفزيون‭ ‬المركز‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬سرعة‭ ‬وصعوبة‭ ‬دورة‭ ‬العمل،‭ ‬لأن‭ ‬ساعات‭ ‬البث‭ ‬التلفزيوني‭ ‬عمل‭ ‬دائم‭ ‬يلتهم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬أخبار‭ ‬وصور‭ ‬متحركة‭ ‬وثابتة،‭ ‬وتأتي‭ ‬الإذاعة‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬الثاني،‭ ‬لأن‭ ‬الثقل‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬الصوت‭ ‬ورسم‭ ‬المخيلة‭ ‬بالكلمات‭ ‬الدقيقة‭ ‬والمدروسة‭. 

في‭ ‬عالم‭ ‬الصحافة‭ ‬الورقية‭ ‬اليومية‭ ‬والأسبوعية‭ ‬والشهرية،‭ ‬الوضع‭ ‬مختلف‭ ‬تبعاً‭ ‬لوتيرة‭ ‬العمل،‭ ‬فبينما‭ ‬يلعب‭ ‬الخبر‭ ‬المحور‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬الصحيفة‭ ‬اليومية،‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬المطبوعة‭ ‬الشهرية‭ ‬في‭ ‬التحليل‭ ‬العميق‭ ‬للأحداث‭ ‬ووضع‭ ‬التوقعات‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬آت،‭ ‬وتتحرك‭ ‬المطبوعة‭ ‬الأسبوعية‭ ‬بحرّية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المنتصف‭.‬

ويأتي‭ ‬التميّز‭ ‬وقوة‭ ‬الأداء‭ ‬من‭ ‬توظيف‭ ‬الخبرات‭ ‬المتراكمة‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬الوسيلة‭ ‬الأسرع،‭ ‬وهي‭ ‬التلفزيون،‭ ‬يلاحق‭ ‬الخبر‭ ‬ويعززه‭ ‬بعشرات‭ ‬المواد‭ ‬المعمقة‭ ‬وكأنه‭ ‬امتلك‭ ‬خاصية‭ ‬إيقاف‭ ‬الزمن‭ ‬حتى‭ ‬يتجهز‭ ‬للعاجل‭ ‬من‭ ‬الأمور،‭ ‬لنأخذ‭ ‬مثالاً‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬إخبارية‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عليها‭ ‬اثنان،‭ ‬وهي‭ ‬
الـ‭ ‬‮«‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن‮»‬،‭ ‬فلو‭ ‬وقع‭ ‬أي‭ ‬حدث‭ ‬يهز‭ ‬العالم،‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬أمريكا‭ ‬أو‭ ‬خارجها،‭ ‬لوجدنا‭ ‬أن‭ ‬الفارق‭ ‬الزمني‭ ‬بين‭ ‬توقيت‭ ‬بث‭ ‬الخبر‭ ‬وتوقيت‭ ‬التغطيات‭ ‬المتعلقة‭ ‬به‭ ‬قصير‭ ‬جداً،‭ ‬لأن‭ ‬طاقماً‭ ‬كاملاً‭ ‬من‭ ‬الخبرات‭ ‬والكوادر‭ ‬والمواد‭ ‬المصنفة‭ ‬بشكل‭ ‬سهل‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬والاسترجاع،‭ ‬يقف‭ ‬خلف‭ ‬تلك‭ ‬العملية‭ ‬التنافسية‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬القنوات‭ ‬الإخبارية‭.‬

مثل‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬التلفزيون‭ ‬يزداد‭ ‬صعوبة‭ ‬مع‭ ‬القنوات‭ ‬الوثائقية‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬المواد‭ ‬الفيلمية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجهيزها‭ ‬بضغطة‭ ‬زر،‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬فيلم‭ ‬فيها‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دورة‭ ‬عمل‭ ‬بطيئة‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬نشاهدها‭ ‬في‭ ‬السينما،‭ ‬مدتها‭ ‬ساعتان‭ ‬أو‭ ‬أقل،‭ ‬وتصويرها‭ ‬وتجهيزها‭ ‬قد‭ ‬يستغرقان‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬والتفكير‭.‬

لقد‭ ‬تعلمت‭ ‬درساً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬عملي‭ ‬بالصحافة‭ ‬لا‭ ‬أزال‭ ‬أذكره‭ ‬وأذكّر‭ ‬به،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬مَن‭ ‬يعشْ‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬المحلية‭ ‬فقد‭ ‬اختار‭ ‬جمهوراً‭ ‬محدوداً،‭ ‬ومَن‭ ‬يجعل‭ ‬العالم‭ ‬حدود‭ ‬دائرته‭ ‬فقد‭ ‬اختار‭ ‬متابعيه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم،‭ ‬هذا‭ ‬الدرس‭ ‬يعلّمنا‭ ‬معنى‭ ‬الانفتاح‭ ‬الذي‭ ‬يمد‭ ‬أي‭ ‬وسيلة‭ ‬إعلامية‭ ‬بالمواد‭ ‬المشبّعة‭ ‬بالفائدة‭ ‬والاتساع‭ ‬والدهشة‭.‬

إن‭ ‬التميز‭ ‬عملية‭ ‬ليست‭ ‬سهلة،‭ ‬وهي‭ ‬مكلفة‭ ‬لمن‭ ‬يريد‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المراتب‭ ‬الأولى،‭ ‬والناس‭ ‬تطلب‭ ‬المزيد،‭ ‬والنقاد‭ ‬يشكون‭ ‬من‭ ‬التكرار‭ ‬والتقليد،‭ ‬وهذا‭ ‬الهمّ‭ ‬هو‭ ‬الخبز‭ ‬اليومي‭ ‬للمؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬أجواء‭ ‬حرب‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬مجالها،‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬الأمر‭ ‬سهلاً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬فإن‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬التفاصيل‭ ‬يكشف‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬عوالم‭ ‬الوسائل‭ ‬الإعلامية‭ ‬على‭ ‬اختلافها،‭ ‬وهو‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الهروب‭ ‬منه‭ ‬■