أحلامُ قيس

أحلامُ قيس

أعد الليالي ليلةً بعد ليلة 
وقد عشتُ دهراً لا أعد اللياليا 
أصلّي فما أدري إذا ما ذكرتها 
اثنتين صليت الضحى أم ثمانيا
  («المجنون» من كتاب الأغاني للأصفهاني)

(1)
أوقدت ناراً كي ترى «ليلى» على مرآتها وجهي فلم تبصر 
سوى غبش الدخان 
فأمرتُ ناري أن تنام وموقدي أن ينطفي 
وبدأتُ أنظر في الظلام لعلّه ينشق عن شيء أضيء به ارتيابي 
فرأيتها تمشي على خط الرمال كأنها شمس الظهيرة لا أقول لمستها 
ومسحت عينيها بماء الورد أو قبّلتها وضممتها حتى كأن الشمس تدخل في ثيابي 
لكن «ليلى»، وهي أجمل ما تكون بعيدة عني، دنت 
وأكاد ألمس ثوبها البدوي 
ألمسه قريباً 
خافقاً كوجيب قلبي 
وسألتها عن طفلة سميتها ليلى 
وعند خيامها فرعان من سعف النخيل 
كأنما سيفان ينتظران أن أخطو 
فيقتلني الوشاة 
فرميت عقلي عند ماعز أهلها 
وركضتُ أصرخ هل رأى أحد ضفائرها 
تساق 
ونحرها يسبي ويأخذه الرعاة؟ 
وشردتُ أعمتني الرمال وما توافد من قطارات 
الحجاز، ومن صبا نجد وعشّاق... يمانيين 
جاءوا راكبين مع «الأغاني» 
لم تمنع الحرب اصطفافَ القادمين من الزمان 
وتدور حرب الله يأتي من خراسان البعيدة 
فارس ويداه مشرعتان كأن ليلى 
مبتغاه ولم يصل 
ورأيت غرقى من أقاصي الغرب 
تحملهم مراكبُهم وترميهم على عتبات ليلى 
ورأيت ليلى (وهي أقرب من وريدي) 
كغمامة تنأى وتترك خلفها ظلًا طويلا 


(2) 
في الفجر 
عند ثمالة الليل 
استفقت على خطى رجل غريب دقّ بابي
- من أنت؟ 
قال أتيتُ أسألك الوديعة 
هل سترجعها؟ 
وخطا ليدخل خطوتين، فلم أجب 
حدقتُ، 
لم أخطئ ملامحه القديمة 
وجهه المعروق بالحمّى 
ونظرته الحزينة وهو ينظر بارتياب 
يا قيس مات الميّتون وأنت لم تبرح غريبًا 
في القفار... ألم يئن بعد الأوان لتستريح؟ 
ورأيته يبكي فأربكني سؤالي 
سلّمته مفتاح منزلي القديم 
وقلتُ دونك فانتظرها 
وخرجتُ أخبط في الرمال ■