المشاتلُ الكويتيةُ فضاءٌ للجَمالِ والبهاء

المشاتلُ الكويتيةُ فضاءٌ للجَمالِ والبهاء

هنا، على امتداد الدائر الرابع (طريق حسين بن علي الرومي) في منطقة الري بدولة الكويت، تصطف محالٌّ متلاصقة تبيع أنواعاً عديدة من الأزهار والنباتات الداخلية والخارجية. ويزدحم المكان بعشاق الجمال والمهتمين بزراعة النباتات والاعتناء بها، إنها المشاتل الكويتية. في لحظات الشروق الأولى، كان وقت وصولنا، ويعود هذا التوقيت إلى سببين؛ أما الأول فلتلافي أشعة الشمس العمودية وقت الظهيرة، مما يسبب حدة ضوئية منعكسة على أوراق الأزهار عند تصويرها، وأما الآخر فتجنب ازدحام المحال بالزوار.

جمالها‭ ‬أخّاذ،‭ ‬ألوانها‭ ‬زاهية،‭ ‬عبقها‭ ‬فاتن،‭ ‬خضار‭ ‬أوراقها‭ ‬ناضر،‭ ‬إنها‭ ‬الأزهار‭ ‬هدية‭ ‬السماء‭ ‬ومجلية‭ ‬أناقة‭ ‬الربيع‭. ‬تحلق‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاستطلاع‭ ‬بين‭ ‬ألوان‭ ‬شتى‭ ‬ونسائم‭ ‬مختلف‭ ‬أريجها،‭ ‬وتتجول‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬المشاتل‭ ‬الأشهر‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬لتتعرف‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الباعة‭ ‬على‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬الأزهار‭ ‬تسر‭ ‬الناظرين‭ ‬وتسعد‭ ‬النفوس‭.‬

نعبر‭ ‬المشتل‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬الشارع،‭ ‬فيقابلنا‭ ‬بائع‭ ‬الزهور‭ ‬ويدعونا‭ ‬إلى‭ ‬دخول‭ ‬المحل‭ ‬الذي‭ ‬تنتظم‭ ‬في‭ ‬واجهته‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬موسيقى‭ ‬لونية‭ ‬تعزف‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬الدرجات‭. ‬نمعن‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬زهرة‭ ‬الأوركيد،‭ ‬فيقترب‭ ‬منا‭ ‬البائع‭ ‬بلهجته‭ ‬العربية‭ ‬المكسورة‭ ‬قائلاً‭: ‬إنه‭ ‬زهر‭ ‬الأوركيد،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الأزهار‭ ‬التي‭ ‬يكثر‭ ‬الطلب‭ ‬عليها‭. ‬نقترب‭ ‬من‭ ‬الزهرة‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬بعدسة‭ ‬الكاميرا‭ ‬الخاصة‭ ‬بالتصوير‭ ‬المجهري،‭ ‬فيحني‭ ‬البائع‭ ‬رأسه‭ ‬مع‭ ‬انحناءتنا‭ ‬بالكاميرا‭ ‬وهو‭ ‬يكرر‭: ‬الأوركيد‭ ‬جميل‭ ‬جميل‭. ‬والحق‭ ‬أن‭ ‬الأوركيد‭ ‬لا‭ ‬جمال‭ ‬يعلو‭ ‬عليه‭. 

 

بائعُ‭ ‬الزهور

مهنة‭ ‬بائع‭ ‬الزهور‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬لأول‭ ‬وهلة‭ ‬مهنة‭ ‬بسيطة؛‭ ‬يقول‭ ‬أحد‭ ‬الباعة‭ ‬وهو‭ ‬يشذب‭ ‬بمقص‭ ‬في‭ ‬يده‭ ‬اليمنى‭ ‬زهوراً‭ ‬يحملها‭ ‬باليسرى‭ ‬عند‭ ‬مدخل‭ ‬مشتله‭ ‬‮«‬يخطئ‭ ‬من‭ ‬يظن‭ ‬أن‭ ‬مهنة‭ ‬بائع‭ ‬الزهور‭ ‬عمل‭ ‬بسيط،‭ ‬إنه‭ ‬عمل‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬خبرة‭ ‬ومهارة‭ ‬عالية‭ ‬ومعرفة‭ ‬علمية‭ ‬وذوق‭ ‬فني،‭ ‬فطريقة‭ ‬ري‭ ‬النباتات‭ ‬بالكميات‭ ‬المطلوبة‭ ‬وتعرّض‭ ‬النباتات‭ ‬للضوء‭ ‬والتسميد،‭ ‬والتفرقة‭ ‬بين‭ ‬حاجة‭ ‬كل‭ ‬نبات،‭ ‬تتطلب‭ ‬شخصاً‭ ‬مختصاً‭ ‬وعلى‭ ‬دراية‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬المتطلبات،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬النباتات‭ ‬والأزهار‭ ‬الداخلية‭ ‬لها‭ ‬عناية‭ ‬خاصة‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬النباتات‭ ‬الخارجية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬النظرة‭ ‬الجمالية‭ ‬واللمسة‭ ‬الفنية‮»‬‭.‬

ونحن‭ ‬نطوف‭ ‬بين‭ ‬الباعة،‭ ‬تطفو‭ ‬على‭ ‬الذاكرة‭ ‬شخصية‭ ‬حسني‭ ‬بك‭ ‬حشمت‭ ‬باشا‭ ‬‮«‬بائع‭ ‬الزهور‮»‬‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬سواق‭ ‬الهانم‮»‬،‭ ‬بطولة‭ ‬أحمد‭ ‬زكي‭ ‬وسناء‭ ‬جميل‭ ‬وعادل‭ ‬أدهم،‭ ‬إذ‭ ‬تمثل‭ ‬مهنة‭ ‬‮«‬بيع‭ ‬الزهور‮»‬‭ ‬رغبة‭ ‬كامنة‭ ‬عند‭ ‬الباشا‭ (‬عادل‭ ‬أدهم‭)‬،‭ ‬ويمنعه‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬العمل‭ ‬فيها‭ ‬تاريخ‭ ‬أسرته‭ ‬العريق‭ ‬وتسلط‭ ‬زوجته‭ ‬لطيفة‭ ‬هانم‭ ‬شوكت‭ ‬باشا‭ (‬سناء‭ ‬جميل‭). ‬وذلك‭ ‬ضمن‭ ‬قضايا‭ ‬وصعوبات‭ ‬أخرى‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬الأسرة،‭ ‬فيظهر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬السائق‭ (‬الغلبان‭) ‬حمادة،‭ (‬أحمد‭ ‬زكي‭)‬،‭ ‬ليكون‭ ‬هو‭ ‬الثيمة‭ ‬الأساسية‭ ‬والشخصية‭ ‬المحورية‭ ‬التي‭ ‬تتضح‭ ‬عبْرها‭ ‬الحلول‭ ‬وتذلل‭ ‬الصعوبات،‭ ‬فيساعد‭ ‬السواق‭ (‬الأب‭/ ‬الباشا‭) ‬على‭ ‬فتح‭ ‬محل‭ ‬لبيع‭ ‬الزهور‭ ‬يسميه‭ ‬‮«‬سفير‭ ‬الحب‮»‬‭.‬

إن‭ ‬مهنة‭ ‬بائع‭ ‬الزهور‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالجمال‭ ‬والبهاء،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬حضورها‭ ‬في‭ ‬قصور‭ ‬الملوك‭ ‬وفلل‭ ‬الأثرياء،‭ ‬فإن‭ ‬امتهانها‭ ‬كان‭ ‬يعد‭ ‬في‭ ‬أزمنة‭ ‬غابرة‭ ‬مقروناً‭ ‬بالطبقات‭ ‬الكادحة،‭ ‬وتترفع‭ ‬عنها‭ ‬الطبقات‭ ‬المخملية‭. ‬ولعل‭ ‬اهتمام‭ ‬الباشا‭ ‬ذي‭ ‬الطبع‭ ‬الحاني‭ ‬بالزهور‭ ‬انعكاس‭ ‬لمقاصد‭ ‬الزهرة‭ ‬ولأثرها‭ ‬الممتد‭ ‬إلى‭ ‬ملتقيات‭ ‬العشاق‭.‬

 

المشاتل‭... ‬نشاط‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العام

أوركيد،‭ ‬زنبق،‭ ‬نرجس،‭ ‬ياسمين،‭ ‬سوسن،‭ ‬بنفسج،‭ ‬أقحوان،‭ ‬جوري،‭ ‬أستر،‭ ‬شقائق‭ ‬النعمان‭...  ‬تلك‭ ‬آيات‭ ‬الجمال‭ ‬تنشر‭ ‬أريجها‭ ‬وشذاها،‭ ‬والنحل‭ ‬من‭ ‬حولها‭ ‬يطوف‭ ‬ليحظى‭ ‬بما‭ ‬يريد‭ ‬من‭ ‬رحيق‭ ‬يخرج‭ ‬شهداً‭ ‬شافياً‭. ‬وهناك،‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬أحد‭ ‬المحال‭ ‬نلمح‭ ‬شيخاً‭ ‬كبيراً‭ ‬يتأمل‭ ‬ملياً‭ ‬في‭ ‬زهر‭ ‬البنفسج،‭ ‬ولا‭ ‬ينبس‭ ‬ببنت‭ ‬شفة،‭ ‬ثم‭ ‬هز‭ ‬رأسه‭ ‬فجأة‭ ‬وكأنه‭ ‬استفاق‭ ‬من‭ ‬سِنَة‭ ‬أو‭ ‬نوم،‭ ‬وأشار‭ ‬بيده‭ ‬إلى‭ ‬البائع‭ ‬ملوحاً‭ ‬وهو‭ ‬يهتف‭: ‬الطلبية‭ ‬المعتادة،‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬جاهزة؟‭ ‬فيجيب‭ ‬البائع‭: ‬جاهزة‭ ‬كالمعتاد‭.‬

تقدم‭ ‬المشاتل‭ ‬خدمات‭ ‬متعددة‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العام؛‭ ‬منها‭ ‬إنتاج‭ ‬واستيراد‭ ‬النباتات‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية،‭ ‬وإنشاء‭ ‬وتصميم‭ ‬الحدائق،‭ ‬وتوفير‭ ‬خدمات‭ ‬الصيانة‭ ‬الدائمة،‭ ‬وتوفير‭ ‬الأسمدة‭ ‬والبذور‭ ‬والشتلات‭ ‬والأشجار‭ ‬والشجيرات‭ ‬والزروع‭ ‬بأنواعها،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬معدات‭ ‬الزينة‭ ‬من‭ ‬نوافير‭ ‬وأحواض‭ ‬وتماثيل‭ ‬ومزهريات‭.‬

وتزدان‭ ‬البيوت‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬بالحدائق‭ ‬المنزلية،‭ ‬ويهتم‭ ‬الكويتيون‭ ‬باللمسة‭ ‬الجمالية‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬النباتات‭ ‬والأزهار،‭ ‬وفي‭ ‬شارع‭ ‬المشاتل‭ ‬تتوافر‭ ‬الأيدي‭ ‬العاملة‭ ‬المختصة‭ ‬بمتابعة‭ ‬الحدائق،‭ ‬كما‭ ‬يتوافر‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تحتاج‭ ‬إليه‭ ‬أشجار‭ ‬النخيل‭ ‬من‭ ‬أدوية‭ ‬ومواد‭ ‬العناية‭ ‬والتلقيح،‭ ‬ليقوم‭ ‬المختصون‭ ‬بتلقيحها‭ ‬في‭ ‬مواسمها‭ ‬المعروفة‭. ‬وتعد‭ ‬شجرة‭ ‬النخيل‭ ‬الأثيرة‭ ‬هنا،‭ ‬لبركتها‭ ‬ولملاءمتها‭ ‬لأجواء‭ ‬البيئة‭ ‬الكويتية‭. ‬ويعتبر‭ ‬الياسمين‭ ‬والفل‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الزهور‭ ‬طلباً،‭ ‬وفق‭ ‬رواية‭ ‬أحد‭ ‬الباعة،‭ ‬فرائحتهما‭ ‬الزكية‭ ‬وشذاهما‭ ‬الساحر‭ ‬يجذبان‭ ‬الناس‭ ‬إليهما‭. ‬وَمِمَّا‭ ‬لفت‭ ‬أنظارنا‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬رواد‭ ‬المشاتل‭ ‬صباحاً‭ ‬يغلب‭ ‬عليهم‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬والنساء‭.  

الزهور‭ ‬لها‭ ‬ألوان‭ ‬ولألوانها‭ ‬دلالات،‭ ‬من‭ ‬أحمر‭ ‬العشاق‭ ‬إلى‭ ‬أبيض‭ ‬النقاء‭ ‬والصفاء‭ ‬إلى‭ ‬بنفسج‭ ‬الوفاء‭. ‬وللزهور،‭ ‬كذلك،‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬اجتماعية،‭ ‬فهي‭ ‬ملازمة‭ ‬للإنسان‭ ‬منذ‭ ‬القدم،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬وجودها‭ ‬أساسي‭ ‬مع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬بهذه‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬المهد‭ ‬إلى‭ ‬اللحد‭. ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬تقدم‭ ‬عند‭ ‬زيارة‭ ‬المريض،‭ ‬وتعد‭ ‬رسول‭ ‬الحب‭ ‬بين‭ ‬العشاق،‭ ‬وتراها‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬العروس،‭ ‬وتفرش‭ ‬على‭ ‬الأضرحة،‭ ‬وتجدها‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬وفي‭ ‬المكتب‭ ‬وفي‭ ‬المدرسة‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مكان‭. ‬

‭ ‬

الزهرات‭ ‬الجميلات

إن‭ ‬للأزهار‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬دلالات‭ ‬متعددة‭ ‬تعدد‭ ‬الحالات‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تنظم‭ ‬شعراً‭ ‬بديعاً‭. ‬والأزهار‭ ‬هي‭ ‬الأزهار،‭ ‬لكن‭ ‬زوايا‭ ‬النظر‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تعطيها‭ ‬معاني‭ ‬متباينة‭. ‬ويعد‭ ‬الورد‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأزهار‭ ‬حضوراً‭ ‬في‭ ‬الوصف‭ ‬الأدبي،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬شاعر‭ ‬الرفض‭ ‬أمل‭ ‬دنقل‭ ‬على‭ ‬فراش‭ ‬الموت‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الورد‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬الإفاقة‭ ‬المشوشة،‭ ‬فيلمح‭ ‬سلالاً‭ ‬منه،‭ ‬فلا‭ ‬يذكر‭ ‬إلا‭ ‬لحظة‭ ‬قطفه‭ ‬من‭ ‬البستان،‭ ‬لحظة‭ ‬فصل‭ ‬رأسه‭ ‬عن‭ ‬جسده‭ ‬وجذوره؛‭ ‬لحظة‭ ‬الإعدام،‭ ‬في‭ ‬دلالة‭ ‬مكثفة‭ ‬ومفردات‭ ‬موجزة‭ ‬لسياق‭ ‬لحظته‭ ‬التاريخية،‭ ‬إذ‭ ‬‮«‬القصف‮»‬‭ ‬يجلجل‭ ‬مدوياً‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬الوطن،‭ ‬وضربات‭ ‬المرض‭ ‬القاسية‭ ‬تهوي‭ ‬على‭ ‬جسده‭ ‬النحيل‭. ‬

ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬تحمل‭ ‬الزهرات‭ ‬الجميلات‭ ‬اسم‭ ‬قاتلها‭ ‬راضية‭.‬

يقول‭ ‬دنقل‭ ‬في‭ ‬ديوانه‭ ‬الشعري‭ ‬‮«‬أوراق‭ ‬الغرفة‭ ‬‮٨»‬‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬زهور‮»‬‭:‬

وسلال‭ ‬من‭ ‬الورد

ألمحها‭ ‬بين‭ ‬إغفاءةٍ‭ ‬وإفاقة

وعلى‭ ‬كل‭ ‬باقة

اسم‭ ‬حاملها‭ ‬في‭ ‬بطاقة

‭....‬

تتحدثُ‭ ‬لي‭ ‬الزهرات‭ ‬الجميلات

أن‭ ‬أعينَها‭ ‬اتسعت‭ - ‬دهشة‭ -‬

لحظة‭ ‬القطف

لحظة‭ ‬القصف

لحظة‭ ‬إعدامها‭ ‬في‭ ‬الخميلة

تتحدث‭ ‬لي

أنها‭ ‬سقطت‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬عرشها‭ ‬في‭ ‬البساتين

ثم‭ ‬أفاقت‭ ‬على‭ ‬عرضها‭ ‬في‭ ‬زجاج‭ ‬الدكاكين،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬أيدي‭ ‬المنادين

حتى‭ ‬اشترتها‭ ‬اليدُ‭ ‬المتفضلة‭ ‬العابرة

تتحدث‭ ‬لي

كيف‭ ‬جاءت‭ ‬إليّ

‭(‬وأحزانها‭ ‬الملكية‭ ‬ترفع‭ ‬أعناقها‭ ‬الخضر‭)‬

كي‭ ‬تتمنى‭ ‬لي‭ ‬العمر

وهي‭ ‬تجود‭ ‬بأنفاسها‭ ‬الآخرة

كل‭ ‬باقة

بين‭ ‬إغماءة‭ ‬وإفاقة

تتنفس‭ ‬مثلي‭ - ‬بالكاد‭ - ‬ثانية‭... ‬ثانية

وعلى‭ ‬صدرها‭ ‬حملت‭ - ‬راضيةً‭ -‬

اسم‭ ‬قاتلها‭ ‬في‭ ‬بطاقة

نواصل‭ ‬التنزه‭ ‬بين‭ ‬المحال،‭ ‬فيترامى‭ ‬إلينا‭ ‬صوت‭ ‬كوكب‭ ‬الشرق‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬خافتاً‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬المشاتل‭ ‬القريبة‭ ‬وهي‭ ‬تتغنى‭ ‬بأغنية‭ ‬‮«‬الورد‭ ‬جميل‮»‬‭ ‬المنحوتة‭ ‬من‭ ‬مقام‭ ‬‮«‬السيكا‮»‬،‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬الشرقي‭ ‬الأصيل،‭ ‬حيث‭ ‬وضع‭ ‬الموسيقار‭ ‬زكريا‭ ‬أحمد‭ ‬كلمات‭ ‬الشاعر‭ ‬بيرم‭ ‬التونسي‭ ‬بمعانيها‭ ‬الرائعة‭ ‬في‭ ‬لحن‭ ‬بديع‭:‬

 

‭ ‬‮«‬الورد‭ ‬جميل‭... ‬جميل‭ ‬الورد

الورد‭ ‬جميل‭... ‬وله‭ ‬أوراق‭ ‬عليها‭ ‬دليل‭ ‬من‭ ‬الأشواق

إذا‭ ‬أهداه‭ ‬حبيب‭ ‬لحبيب‭... ‬يكون‭ ‬معناه‭ ‬وصاله‭ ‬قريب‭... ‬شوف‭ ‬الزهور‭ ‬واتعلم

بين‭ ‬الحبايب‭... ‬تتكلم‮»‬

والزهور‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬الموسيقى‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬قديم،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬الورد؛‭ ‬‮«‬الورد‭ ‬جميل‮»‬،‭ ‬و«عمي‭ ‬يا‭ ‬بياع‭ ‬الورد‮»‬،‭ ‬و«وردك‭ ‬يا‭ ‬زارع‭ ‬الورد‮»‬،‭ ‬و‮«‬يا‭ ‬زهرة‭ ‬في‭ ‬خيالي‮»‬،‭ ‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬نماذج‭ ‬لحضوره‭ ‬الطاغي‭ ‬في‭ ‬الأغنية‭ ‬العربية‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬الزهور‭ ‬كالموسيقى‭ ‬لها‭ ‬لغة‭ ‬خاصة،‭ ‬وما‭ ‬يميزها‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬مفهومة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬البشر‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬لغاتهم‭ ‬ومشاربهم‭.‬

طيور‭ ‬وحيوانات‭ ‬تتشكل‭ ‬بالورود‭ ‬المختلفة‭ ‬لتسر‭ ‬الناظرين‭ ‬وتسعد‭ ‬النفوس