د. أحمد الشيمي: إرثنا الحضاري عظيم والغرب يهمّش أدبنا

وُلد العالِم والمترجم د. أحمد الشيمي في قرية باجا بمحافظة سوهاج عام 1957، درس الأدب الإنجليزي بجامعة أسيوط (فرع سوهاج)، وحصل منها على درجتي الليسانس ثم الماجستير، ثم نال درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى من جامعتي رايس والقاهرة عام 1996، يشغل حاليًا منصب عميد كلية الألسن بجامعة بني سويف، وهو أيضًا عضو اتحاد كتّاب مصر.

للدكتور أحمد الشيمي مترجمات عدة أثرت نصيب الأدب الإنجليزي في لغتنا العربية، منها: «نساء مفقودات... مختارات من القصة الأمريكية»، «يقظة امرأة - كيت شوبان»، «سلطة الجماعات المفسرة - ستانلي فيش»، «ربما في حلب ذات يوم... مختارات من القصة الأمريكية»، رواية «الإرهابي» لجون أبدايك (2009)، ومجموعة العاشق المسافر (2010) للكاتبة الكندية أليس مونرو، التي توجت بجائزة نوبل للآداب عام 2013.
كما أن دوره في تشجيع الترجمة في مصر لم يقتصر على ممارسة الترجمة الأدبية والثقافية فقط، بل استثمر مناصبه الأكاديمية، فعمل على إنشاء برنامج خاص للترجمة يمنح درجة الليسانس في الترجمة التخصصية، ثم اقترح فكرة إنشاء كلية الألسن، ونال موافقة من رئيس الجامعة ووزارة التعليم العالي عام 2015 – 2016، ثم اقترح إنشاء برنامج الترجمة التحريرية والفورية في كلية الألسن، الذي حصل أيضاً على موافقة وزارة التعليم العالي، لتبدأ الدراسة به في 2017 – 2018.  
• في البداية دعني أسألك، كيف استطاعت أليس مونرو أن تلفت نظرك وبشّرت أنت بحصولها على جائزة نوبل؟
- علاقتي بأدب أليس مونرو تعود إلى أوائل التسعينيات حين كنت أدرس للدكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية، وكنت أواظب على شراء الكتاب السنوي المعنون بـ «أفضل القصص الأمريكية القصيرة للعام»، ولفت نظري أن القائمين على تحريره يكررون اختيارهم لقصص مونرو، فاشتريت مجموعاتها القصصية، واكتشفت أنها خصصت موهبتها للقصة القصيرة دون غيرها، وأيقنت أنها سيدة عظيمة في هذا المجال، فترجمت خمس قصص فقط في كتاب بمقدمة صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة (2009).
• لو تتبعنا ترجماتك؛ بداية من رواية «اليقظة» لـكيت شوبان، والكتاب النقدي الضخم «هل يوجد نص في هذا الفصل؟ (سلطة الجماعات المفسرة)» لستانلي فيش، وحتى منذ أولى مجموعاتك «نساء مفقودات» التي ضمت اسم مونرو... كيف تختار ترجماتك؟ بعين الناقد أم بعين المتذوق؟
- كلاهما... فأنا أحب النقد بشكل شخصي، لكنني أستمتع بالقراءة أولًا، وأحيانًا أشرع في الترجمة مباشرة منذ القراءة الأولى. 
ترجماتي من اختياراتي الشخصية، فأنا مترجم حر، ولم تُفرض عليّ أي كتب منذ نشر أول كتــاب لــي «نساء مفقـــودات»، الــذي صــدّره د. ماهر شفيق فريد، وطبيعي أن يُقدم المترجم على ترجمة الأعمال التي لم تُتَرجم من قبل، إلا في حالة الأعمال الإبداعية التاريخية مثل الإلياذة، التي قد تكون لها أكثر من ترجمة، أو الفردوس المفقود مثلًا. وأحيانًا يلفت نظري كتاب أقول إنه يعزز من انتمائنا القومي، مثل كتاب «الرمزية العرقية والقومية... مقاربة ثقافية» لمؤلفه أنتوني دي. سمث. 
• ما رأيك في تلهّف العرب في الآونة الأخيرة على ترجمة بعض عيون الأدب العالمي، بعد المركز القومي للترجمة في مصر، وبعد مشروع كلمة للترجمة في الإمارات، وعدم التفات الغرب إلى النخبة المثقفة التي تعبّر عن شعوبها العربية، إلا عن طريق بعض دور النشر الجامعية وبعض المراكز الثقافية البحثية الصغيرة ليس أكثر؟ هل ينظرون إلينا حتى الآن باستصغار؟
- بداية الأدب العربي ضخم جدًّا، أنا لا أتحدث عن العصر الحديث، بل أتحدث عن ابن عربي وأبي العلاء المعري، وأبي العتاهية وأبي نواس والحلاج، وابن رشد وابن سينا، فنحن عمالقة بإرثنا الحضاري، ولكن الاستعمار استطاع في العصر الحديث أن يدخلنا في نوبة من الجمود والكسل، ومع ذلك فإن العرب لا يسكتون، فلدينا نجيب محفوظ، الذي استطاع أن يقطع رحلة الرواية الأوربية كلها منذ بداية الرواية التاريخية إلى عصر ما بعد الحداثة. ولدينا أسماء ضخمة في الأدب العربي المعاصر؛ مثل الطاهر بن جلون وزكريا تامر وحنا مينه وعبدالرحمن منيف وغيرهم كثيرون. 
أما ما لاحظناه أخيرًا من نشاط في الترجمة في بعض الدول العربية مثل الإمارات ومصر، فأتمنى أن يستمر، وأن يجد من يشجعه ويعززه. المشكلة أن الغرب يمارس التهميش على أدبنا، فلا يسمح للأعمال الجادة بأن تنتشر عند ترجمتها إلى الإنجليزية أو الفرنسية مثلًا، فهم يعرضونها في المكتبات البعيدة، أو مكتبات الجامعات، ولا يعرضونها على الأرصفة وفي دور بيع الكتب العامة... مستحيل. 
فنجد نجيب محفوظ مثلًا يبيع عدة آلاف في الغرب، وهذا غير طبيعي؛ لأن الغرب الاستعماري يتعمد إخفاء نبوغنا في أي مجال، والتغطية على أي إنجاز، في حين يركز أضواءه على سلبياتنا وأعمالنا الأدبية المتوسطة الكاشفة لعوراتنا. لكن عندما يظهر عمل أدبي يسيء إلى ثقافتنا وهويتنا وشخصيتنا، فإن الغرب يشجع ترجمته ونشره والدعاية له ولصاحبه. السياسة إذن تلعب دورًا في مجال الترجمة، وهو ما يمكن أن نسميه الترجمة المسيسة. 
• كيف يواصل الكتاب والأدباء العرب رحلة الإبداع والإسهام في الثقافة العربية؟ 
- لدينا مبدعون كهول وشباب رائعون، يحيى الطاهر ويوسف زيدان وأحمد مراد، وكثيرون أقرأ لهم في جميع ألوان الإبداع وفي جميع البلاد العربية، المشكلة أن حركة النقد، كما هو معروف، لا تواكب النشاط الإبداعي الموجود في مصر أو غيرها. 
حسب معرفتي المتواضعة، يوجد في الأقاليم المصرية شعراء وكتّاب قصة ورواية مبدعون حقًا، لكنهم لا يظفرون باهتمام نقدي يذيع أعمالهم ويتناولها بالتحليل. فالأقاليم تعاني التهميش الثقافي كما تعاني التهميش التنموي.
 • كيف نتعرف على ثقافة لغة الآخر ونتفاعل معها؟ وكيف السبيل إلى دور ثقافي مستنير في حوار الحضارات؟ 
- للترجمة دور مهم جدًا للدولة التي تريد أن تتقدم، قل لي: كم هو المبلغ الذي تخصصه الدولة من ميزانيتها للترجمة، أقل لك إلى أين تسير. 
أرني كيف تشجع الدولة الترجمة، أقل لك ما هو مستقبلها. هذا مقياس بسيط وغير معقد.
فحركة الترجمة في أي بلد تنمّ عن نشاط هذا البلد في جميع مجالات الحياة، ومن دون الترجمة تصبح الدول مقطوعة الصلة عما يحدث حولها. ومصر تريد أن تنهض، ودليلي إنشاء المركز القومي للترجمة، الذي أتمنى أن يقوم بدور أكبر في المستقبل. اقرأ كتب د. محمد عناني الذي أعتبره عميد المترجمين المعاصرين، لتطّلع على أهم مشكلات الترجمة.
 • يقال إن اليابان تترجم جميع المطبوعات المهمة التي تصدر في الغرب وروسيا فور صدورها، وتترجم 30 مليون صفحة في العام الواحد، ما رأيكم؟
- هذه حال جميع الدول المتقدمة التي يسمونها العالَم الأول، وهذه الدول تتبادل المعرفة من خلال الترجمة، ولا تكتفي بالترجمة من طرف واحد، مثلما نفعل نحن في العالم الثالث. بالنسبة إلى الترجمة العلمية فقد روى لنا أستاذنا د. محمد عناني - وهو من أكثر علماء الأدب واللغة في العصر الحالي سعة في الاطلاع - أن التكنولوجيا الحديثة ستجد الحل للترجمة العلمية، وسيأتي اليوم - إذا لم يكن قد جاء فعلًا - الذي تتحكم فيه التكنولوجيا في ترجمة العلوم، وتصبح الترجمة الأدبية والفلسفية من نصيب العقل البشري دون منازع ولفترة قد تطول. 
• كيف تصف حركة الترجمة الآن في العالم العربي؟ 
- الراغب في مزيد من المعلومات حول حركة الترجمة اليوم في العالم العربي يرجع إلى كتاب شوقي جلال المعنون بـ «الترجمة في العالم العربي... الواقع والتحدي»، وسيجد فيه إحصاءات وتحليلات قيّمة وكاشفة أن نشاط الترجمة فقير في الدول العربية مقارنة بأوربا واليابان والصين وروسيا وكوريا وسنغافورة. على أننا لا ننكر جهودًا قيمة تقوم بها مصر والكويت والسعودية والإمارات وتونس مثلًا في مجال الترجمة.
نحتاج فقط إلى تنسيق جهود الترجمة في العالم العربي والاهتمام الحقيقي بها، وتشجيع المترجمين وضمان الحياة الكريمة لهم، لأنهم فعلًا يعتبرون الجسر الناقل للحضارات، فلولا الترجمة ما حصل محفوظ على نوبل، وهناك دول قامت أساسًا على الترجمة، مثل إسرائيل التي أحيت العبرية وترجمت إليها مئات الآلاف من المطبوعات، حتى تم ترسيخها في وجدان اليهود.  
ومصر لها جهود ممتازة في مجال الترجمة، فعندما أزور معرض الكتب قرب المركز القومي للترجمة، أشعر بالفخر الحقيقي لعدد الكتب المترجمة التي ينتجها المركز كل عام. 
• في رأيك كيف نتلافى أخطاء الترجمة؟ وما هي معايير الترجمة الجيدة؟
- الترجمة عمل بشري قد يخطئ وقد يصيب، وأخطاء الترجمة شأنها شأن أخطاء النقد أو الإبداع أو الأبحاث واردة ومفهومة. 
المشكلة أن الترجمة تحتاج إلى حركة نقدية توازي الحركة النقدية التي تتناول الأعمال الإبداعية. 
نحن في حاجة إلى نقد ترجمي جاد يتناول بالنقد والتصويب أي نص مترجم يصدر عن دور النشر العربية والأجنبية، وقد أسهمت ببحث قدمته للترقية إلى درجة أستاذ، رصدت فيه الأخطاء التي وقع فيه المترجمون الذين ترجموا محفوظ إلى الإنجليزية، وتناولت روايات زقاق المدق وأولاد حارتنا والحرافيش، ووضعت يدي على أخطاء كثيرة وقع فيها المترجمون الأجانب، أخطاء ثقافية بمعنى أنهم عجزوا - في بعض الأحيان - عن فهم الثقافة العربية، فضلًا عن أخطاء أسلوبية، بمعنى العجز عن نقل عبقرية اللغة العربية بالقدر المقبول. 
• ما هو آخر ما ترجمت؟
- ترجمت أكثر من عشرين كتابًا، ترجمت كتابين عن الإسلام في أوربا، وأعكف الآن على ترجمة كتاب عن الإسلام في جنوب شرق آسيا، وآخر كتاب ترجمته كان بعنوان: «حكمة الشرق وعلومه... دراسة العربية في إنجلترا في القرن السابع عشر»، وهو من تأليف جيرالد جيمس تومر، وصادر عن «عالَم المعرفة» الكويتية في جزأين لشهري يونيو ويوليو لعام 2017، وهو من الكتب المهمة جدًّا في تتبّع حركة اللغة العربية من الشرق إلى الغرب والعكس، وخاصة في القرن السابع عشر بإنجلترا، وهي مرحلة فارقة في تاريخ القارة الأوربية عمومًا، وبريطانيا بوجه خاص، حين كانت تحسس طريقها نحو بناء الامبراطورية، وحين كانت اللغة العربية لا تزال هي الأقوى في العالم. في هذا الكتاب يشعر القارئ بأن الترجمة تسهم بنصيب وافر في بناء الأمم، وفي إنقاذها من عثرتها. 
• بماذا تنصح المترجمين المبتدئين؟ 
- ربما كانت فترة إعداد المترجم طويلة، فالمترجم يحتاج إلى سنوات طويلة من القراءة في كل شيء، وإتقان اللغات التي سيترجم منها وإليها، علاوة على أن المترجم يحتاج إلى فترة طويلة للتدريب، والعكوف على دراسة الأعمال المترجمة، وغير المترجمة، والنظر في إنجازات السابقين في ثقافات كثيرة. أيضًا معرفة نظريات الترجمة مهمة، ولو أنها ليست حاسمة في إعداد المترجم.
باختصار: المترجم الكفء يعني أنه باحث جيد وقارئ جيد ومطلع جيد، وأنا أنصح المترجم المبتدئ بالصبر على صعوبات الترجمة ومكارهها، والصبر على قراءة كتب التراث العربي وكل تراثنا في الترجمة، بدءًا من إسحاق بن حنين ومتّى بن يونس، ووصولًا إلى ابن المقفع ود. محمد مندور، وانتهاءً بالدكتور محمد عناني (وهو أعظمهم جميعًا) ولويس عوض وسامي الدروبي وعادل زعيتر وماهر شفيق فريد وغيرهم ■