«نوبل للآداب» خارج التوقعات الجائزة تفجر قنبلة «بوب ديلان»!

«نوبل للآداب» خارج التوقعات  الجائزة تفجر قنبلة «بوب ديلان»!

ارتبطت جائزة نوبل للآداب بشهر أكتوبر من كل عام، ومنذ إنشائها عام 1901 والعالم يترقب الإعلان عن الفائز بها هذا الموسم، فهي الجائزة الأضخم ماليًا والأرفع مكانة من الناحية الأدبية، حيث تبلغ نحو مليون دولار إلى جانب ميدالية تذكارية.  لمن لا يعرف «نوبل» فهي لا تمنح إلا للأحياء، وبلغ عدد الحاصلين عليها في الآداب بشكل عام حتى الآن 110 أدباء، إذ حجبت سبع مرات  من عام 1901 حتى 2013، في حين منحت 4 مرات مناصفة لكاتبين، ليكون إجمالي جوائز نوبل الممنوحة حتى الآن 106 جوائز.

أول من فاز بـ «نوبل» للآداب الشاعر الفرنسي رينه سولي برودوم، الذي تم تفضيله على الروائي الروسي تولستوي، في حين رفض جان بول سارتر تسلمها بدعوى رفضه أي تكريمات رسمية.
ومن أبرز من حصلوا عليها من المسرحيين الأيرلندي جورج برنارد شو عام 1925، ليكون الوحيد الذي جمع بين «نوبل» للآداب و«أوسكار» أفضل سيناريو، عن فيلم «بيجماليون»، عام 1938، وهو الذي وصف فوزه الأول بقوله «إن هذا طوق نجاة يلقى به لرجل على بر الأمان»، كما أنه تردد في قبول الجائزة، وفي النهاية قبلها وتبرع بقيمتها لتأسيس دار نشر.
إحصائيات الحصول على الجائزة على مرّ تاريخها مخيبة لآمال العرب وكتَّاب اللغة العربية، ففي تاريخ الجائزة لم يحصل من الوطن العربي عليها سوى نجيب محفوظ فقط، من بين الـ110 أدباء المشار إليهم سلفًا، وهو الوحيد من الحاصلين عليها الذي يكتب باللغة العربية.
وتعتبر فرنسا المهيمنة على الجائزة بعدما حصل منها 15 أديبًا على «نوبل» للآداب، و11 من أمريكا و10 من المملكة المتحدة و8 من ألمانيا ومثلهم من السويد.

بوب ديلان 
كقنبلة تتفجر كان وقع خبر فوز بوب ديلان، المغني والشاعر الأمريكي، على متابعي جائزة نوبل للآداب. كانت المفاجأة ذلك العام أكبر من السنة الماضية التي فازت فيها سفيتلانا ألكسييفيتش الكاتبة القادمة من روسيا البيضاء. إذ إن سفيتلانا لم تكن أديبة بالمعنى المعهود، بل مزجت بين الوثيقة والفن لتتفرد كتاباتها. أما ديلان فمنحته أكاديمية نوبل جائزتها عن الشعر الغنائي الذي أنتجه منذ ستينيات القرن الماضي.
في كل عام يجيء الإعلان عن جائزة نوبل للآداب ليبدأ موسم الجدل حول من منحوا هذه الجائزة، هل بالفعل يستحقونها أم لا؟ لكن الجائزة هذا العام جاءت لتثير جدلا غير مسبوق، فالفائــــز بها،  ونحن نتحــــدث عــــن نوبــــل للآداب، هو بوب ديلان أو روبرت ألين زيمرمان، وهو مغن وملحن وشاعر وفنان أمريكي!
وبالطبع فقد أثارت هذه الجائزة لغطاً كبيراً في الأوساط الثقافية وفي مواقع التواصل الاجتماعي، لكن من هو بوب ديلان؟
هو شخصية مؤثرة في الموسيقى والثقافة الشعبية لأكثر من 5 عقود، وكثير من أعماله الأكثر شهرة كانت من الستينيات وكلمات أغانيه فيها من الحكمة والاحتجاج، لأنه كان من الطبقة العاملة والمضطهدة في أمريكا.
استخدمت بعض أغانيه كنشيد لحركة الحقوق المدنية للأفارقة الأمريكيين والحركة المناهضة لحرب فيتنام.
تميز بغناء عديد من الأنواع الموسيقية مثل الريفي country والبلوز والروك، وهو يؤدي على الجيتار والبيانو والهارمونيكا.
 منذ عام 1994 نشر له 6 كتب من الرسومات واللوحات وعرضت أعماله في المعارض الفنية الكبرى. كموسيقي باع ديلان أكثر من 100 مليون أسطوانة في جميع أنحاء العالم، ما يجعل منه واحدًا من الفنانين الأكثر مبيعاً من أي وقت مضى.
لقد مثل فوز بوب ديلان بجائزة نوبل للآداب مفاجأة للبعض، فعلينا ألا ننسى أنه كان مرشحاً قوياً لها عام 2004، وفـــي عام 2013 طرحت مجلة «نيوزويك» سؤالاً: هـــل بـــوب ديــــلان موسيقي أم شاعر...  فما القيمة الأدبيــــة لديلان التي تجعله يستحق نيل أرفع جائزة عالمية في الآداب؟
له أصول يهودية... وما يخيّب الآمال هو تأييده للاحتلال الإسرائيلي وزياراته لكيانها في شبابه، حيث عاش لفترة في أحد «الكيبوتسات» (مستعمرات زراعية)، وصولاً إلى ما قبل سنوات قليلة، حيث كسر حركة مقاطعة إسرائيل وبادر بإقامة حفل في تل أبيب عام 2014 مع فرقة رولينغ ستون. كما دافع ديلان عن إسرائيل بعد عدوان 1982 على لبنان بأغنية بعنوان «فتوّة الحي» عام 1983.
تلقى عديداً من الجوائز  منها جائزة   «غرامي» وجائزة  «أوسكار» و«غولدن غلوب» وفي مايو 2012 تلقى ديلان  «وسام الحرية الرئاسي» من الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وأول «ألبوم استديو» صدر له في عام 1962.
وقد أثار فوز ديلان بجائزة نوبل للآداب هذا العام استغراب بل واستهجان البعض، فهل كسرت لجنة نوبل القوالب التقليدية؟ وهل هناك قوالب تقليدية معلنة لجائزة نوبل؟
لقد جاء في حيثيات اللجنة لقرار منح ديلان الجائزة أنه حصل علـــيها «لأنه خلق تعابير شعرية جديدة ضمن تقـــاليد الغــــناء الأمريكية».
وقالت سارة دانيوس سكرتيرة مؤسسة نوبل، إن اللجنة اختارت ديـــلان لأنه «شاعر عظيم ضمن التقليد الشعري للناطقيــــــن بالإنجلـــيزية».
إذن اللجنة اختارته ضمن معاييرها الجمالية التي رأت أن شعره متماه معها، فلماذا أثار اختياره كل هذا الجدل في أوساط المهتمين العرب على مواقع التواصل الاجتماعي؟
ربما لأن اللجنة كسرت قوالبهم المتخيلة، فللمرة الأولى يحصل على الجائزة كاتب أغان غير تقليدي، بل يمثل ثقافة الرفض وهذا ربما يتعارض مع الرؤية المحافظة للشعر والفن عموما.
عُرف بوب ديلان منذ بداياته بأنه صوت مناهض للحرب وقريب من حياة المهمشين والمضطهدين، وهذا ربما ينافي المتوقع من مؤسسة كانت هدفاً لافتراضات «تسييس» خياراتها وبعدها عن المهنية والموضوعية والقيم الجمالية الحقيقية في العالم العربي على وجه الخصوص.
هذه المرة ليست الأولى في كسر التقاليد المتعارف عليها في الجائــــزة الـــتي تُمنح منذ عام 1901 للأدباء، حيث ذهبـــت في 6 مناسبات سابقة لشخصيات لا تمارس الكتابة الأدبية، وإنما تمارس العمل الســــياسي أو التنظير الفكري أو تعمل في مجالات كالتأريخ والصحافة. وفيما يلي رصد لهذه الشخصيات:
1 - تيودور مومسن (1902)
هو الفائز الثاني بالجائزة والمؤرخ الوحيد الذي يفوز بها، حيث لم يعرف طوال حياته بكتاباته الأدبية، وإنما عرف مؤرخاً وسياسياً ومدرساً للقانون، وعضواً بالبرلمان الألماني، وقد منحته الأكاديمية الجائزة على عمله التاريخي «تاريخ روما».
2 - رودلف أوكن (1908)
تخصص الفيلسوف الألماني أوكن في الفلسفة التي درسها في جامعتي جوتنجن وبرلين، ثم عمل أستاذاً للفسلفة، ووفقاً لحيثيات فوزه بالجائزة، فإنه حصل عليها تقديراً لعمله الجاد في البحث عن الحقيقة واتساع رؤيته ونفاذ أفكاره حول الفلسفة المثالية للحياة.
3 - هنري برجسون (1927)
أحد أشهر الفلاسفة الفرنسيين، حصل على الجائزة مكافأة له على نظراته الفلسفية المختلفة عن السائد في ذلك العصر، وكذلك بعض الكتابات السياسية، وجاء في حيثيات فوزه: «فاز تقديراً لحيوية أفكاره».
4 - برتراند راسل (1950)
لم يكن راسل شاعراً أو روائياً، وإنما فاز بـ«نوبل» عرفاناً بكتاباته الفلسفية المهمة والمتنوعة حول المثل الإنسانية وحرية الفكر.
5 - ونستون تشرشل (1953)
وفقا للأكاديمية السويدية، فــــإن رئيس وزراء بريطانيا في أثناء الحرب العالميـــة الثانية تشرشل، قد حصل على «نوبل» في الآداب، تقديراً له على كتاباته التاريخية والسيرية، وكتاباته المدافعة عن القيــــم الإنسانـــية الرفيعة.
6 - سفيتلانا ألكسييفيتش (2015)
قالت لجنة الأكاديمية، إن الكاتبة والصحفية البيلاروسية سفيتلانا، حصلت على الجائزة على «أعمالها المتعددة الأصوات التي تفند معاناة عصرنا وشجاعته»، حيث اشتهرت سفيتلانا بكتاباتها الصحفية ذات النسيج القصصي، إلا أنها تظل في النهاية كتابات واقعية وحوارات مع شخصيات، مثل تلك التي أجرتها مع نساء شاركن في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا النازية، التي نشرتها في كتاب «وجه الحرب غير النسائي»، وكذلك كتابها الذي يضم أحداثاً تاريخية وإنسانية عن «كارثة تشيرنوبل»، بحيث تحمل كتاباتها محتوىً تاريخياً مصوغاً بشكل سردي يقترب من اللغة الأدبية، تكون البطولة فيه للأحداث الواقعية لا المتخيلة. 
وعلى الرغم من أن جائزة نوبل للآدب منذ بدايتها كانت غامضة في المعايير وقابلة لتأويلات مثيرة للحيرة، فإن ما حدث هذا العام عندما منحت لموسيقي أمريكي يحولها إلى مثال للغموض وشيفرات المعاني وإشارات اللغة السرية التي لن تكشف إلا بعد سنوات طويلة.