«نوبل 2016» تكسر قاعدة الأنماط الأدبية التقليدية

 «نوبل 2016»  تكسر قاعدة الأنماط الأدبية التقليدية

في بيان أذاعته الأكاديمية السويدية الخميس 13 أكتوبر 2016 م، أعلنت مَنح جائزة نوبل للآداب هذا العام للشاعر والممثل والمغني والملحن الموسيقي الأمريكي بوب ديلان Bob Dylan.
وقد كسر فوز ديلان بجائزة نوبل للآداب قواعد كثيرة، أهمها قاعدة حصر الجائزة على كتاب الأنماط الأدبية التقليدية كالشعر والرواية.

إذا كانت أغاني بوب ديلان أقرب لعالم الشعر، فإنها أيضاً جزء من نمط فني آخر هو الغناء، وهو عامل يشمل عناصر الموسيقى بكل تفاصيلها الفنية، وتمثل كلمات أغاني بوب ديلان حالة أدبية وفلسفية راقية، ولكنها تكتمل بألحانها وتوزيعها الموسيقي، وربما هذا سبب غرابة الجائزة التي تمنح عادة لمادة مكتوبة مستقلة بذاتها كالرواية والشعر، وإذا كانت لجنة منح الجائزة التفتت إلى كلمات أغان دون الالتفات للعنصر الموسيقي، فهذا يفتح الباب لعديد الأسئلة الفنية حول معايير اختيار الجائزة... هل استمعت اللجنة إلى أغاني ديلان، أم اكتفت بمنح الجائزة لكلماتها فقط؟ 
ويفتح فوز ديلان بجائزة نوبل الباب لدخول أنماط فنية أدبية أخرى إلى عالم نوبل للآداب، السينما مثلاً، فهل نفاجأ في المستقبل بجائزة نوبل في الآداب يحصل عليها كاتب سيناريو؟
 
من هو بوب ديلان؟
استعار ديلان اسمه من الشاعر العاطفي البريطاني ديلان توماس Dylan Thomas، بينما اسمه الأصلي هو روبرت ألين زيمرمان  Robert Allen Zimmerman، ولد عام 1941م وبدأ مسيرته الموسيقية عام 1959م بالعزف في مقهى بولاية مينيسوتا الأمريكية. بدأت شهرة ديلان منذ عام 1965م، حيث سجل عدداً ضخماً من الأعمال الغنائية، يزيد على 40 ألبوماً آخرها صدر في مايو 2016م، ومن أشهر أغانيه: طار في الهواء، والأوقات تتغير، ومثل حجر يتدحرج، وأطرق باب السماء، وفي مهب الريح. 
تأثرت أغاني ديلان وأشعاره بعدد من الأشكال الأدبية والشعرية والفلسفية والاجتماعية والدينية، وتأثر بالموسيقى الأسكتلندية والأيرلندية والجاز، وغير ذلك من الأشكال الشعبية التي نشأ عليها.
 وديلان ليس مجرد موسيقي أو فنان، فقد قاد ثورة في عالم الموسيقى عبر كلماته كشاعر وغنائه الذي حرك به الراكد من المشاعر الإنسانية، شدا بروائع خلدته كعلامة ثقافية، ليس في بلاده الولايات المتحدة فحسب، بل إلى ما يمتد إلى ما وراء ذلك، في أوربا وإفريقيا ودول شتى.
أكثر أعماله شعبية برزت في ستينيات القرن الماضي، أما كلمات أغانيه فتضج برسائل الاحتجاج والمواقف السياسية والاجتماعية. كيف لا، وهو ابن الطبقة العاملة والمضطهدة في الولايات المتحدة؟ حتى إنّ بعض أغانيه استخدم كنشيد لحركة الحقوق المدنية للأفارقة الأمريكيين، وللحركة المناهضة لحرب فيتنام.
وديلان أول موسيقي تكافئه الأكاديمية السويدية، حيث أوضحت الأمينة العامة للأكاديمية سارا دانيوس أن بوب ديلان يكتب شعراً للأذن، مؤكدة أن أعضاء الأكاديمية عبَّروا عن تماسك كبير في إطار هذا الخيار. 
كما جاء في بيان الأكاديمية السويدية أن ديلان مُنح الجائزة عن الشعر الغنائي الذي أنتجه منذ ستينيات القرن الماضي، كما أنه يتمتع بصوت رائع ومرن، ويعد شخصية مؤثرة في الموسيقى والثقافة الشعبية لأكثر من خمسة عقود.
ولأنه صنع تعابير شعرية جديدة ضمن تقاليد الغناء الأمريكية، فلم يغنِّ ديلان نوعاً موسيقياً واحداً، بل تنقّل بين الغوسبل (الغناء الديني المسيحي) والبلوز (غناء الزنوج الأمريكيين) والروك (موسيقى شعبية هجين تعتمد على ثلاث آلات رئيسة هي الجيتار الكهربائي والبيس جيتار  والدرامز)، والريف (نوع من الموسيقى الأمريكية الشعبية المرتبطة بالثقافة الريفية والإقليم الجنوبي من الولايات المتحدة).
 إن ديلان شاعر حقيقي قبــــل أن يكــــون كاتب أغان، دون أن يتناقض هذا مع الرأي القائل بأن كتابة الأغاني هي صنعة شعرية أيضاً.
وعلى هذا فإن ديلان هو أول شاعر غنائي يحصل على جائزة نوبل، وهو أول أمريكي يحصل عليها منذ فازت بها الروائية توني موريسون عام 1993م. وتبقى الأسئلة التي أثارتها لجنة الأكاديمية السويدية بإعلان فوز ديلان بالجائزة، وهي: لماذا جنحت لجنة «نوبل» إلى اختيار فنان يميل إلى الشعبية أكثر من ميله إلى النخبوية؟ أهذا قائم على رؤيتها أن الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة قرب الفنون والآداب من الذوق الشعبي بشكل أكبر، أم ربما كان هذا مغازلة للواقع الثقافي الجديد الذي يتسم بتحرر الثقافة من النخبوية بفضل وسائل التواصل الاجتماعي؟!
لكن الأمـــر المؤكد أن بوب ديلان الـــذي بلغ عمــــره 75 عـــاماً، ومازال يكتــــب الأغــــانـــي ويلحنها، أضـــاف جائــــزة نوبل للآداب لقائمة جوائزه الكبــــرى، مثــــل 12 جائزة جرامي  Grammy Awards، وجائزة أوسكار  Oscars، وجائزة جولدن جلوب  Golden Globe Award، ووسام الحرية  Medal of Freedom الرئاسي من الرئيس الأمريكي باراك أوباما. ليصبح الرجل حالة متفردة في عالم الفنون والآداب.
يتسلم ديلان جائزة نوبل للآداب مع الفائزين عن الفئات الأخرى (العلوم والسلام) في احتفال أقيم في 10 ديسمبر الماضي، الذي يوافق ذكرى رحيل مؤسس الجائزة ألفريد نوبل عام 1896م. وهذه بعض الأشعار الغنائية التي كتبها وأداها ديلان:

1 - مثل حجر يتدحرج
قد كان يا ما كان
في يوم من الأيام، 
لبست أحسن الثياب
ورميت شيئاً 
للمتسولين
كنت في عنفوانك،
أليس كذلك؟ 
كان الناس ينادونك:
«أيتها الجميلة الطائشة. احذري... ستسقطين» 
فظننت أنهم يمزحون.
حسناً يا آنسة:
«وحيدة»
قد درست في أرقى المدارس
لكنك تعرفين
أنهم كانوا يعصرونك فيها عصراً
ولم يعلمك أحدّ 
كيف تعيشين على قارعة الطريق
لكنك الآن مرغمة على اعتياد ذلك.

2 - أطرق باب السماء
أماه، انزعي هذه الشارة عن صدري
لم أعد قادراً على النظر 
كل شيء يغدو مظلماً في عيني
أشعر كأنني... أطرق باب السماء.
***

أماه، ضعي مسدسي على الأرض
لم أعد قادراً على التصويب
وتلك الغيمة الطويلة الظلماء... تدنو من الأرض
أشعر أنني أطرق باب السماء.