عقاقير ستاتينس... بين الوهم والحقيقة

عقاقير ستاتينس...  بين الوهم والحقيقة

ستاتينس Statines هي مجموعة دوائية تتصدر قائمة العقاقير الأكثر مبيعاً في العالم، ومن أكثر الأدوية الموصوفة على نطاق واسع لعلاج ارتفاع مستوى البروتين الدهني منخفض الكثافة  المسمى «الكوليسترول السيئ» أو الضار، وتوضح الدراسات المنشـورة في الدوريات الطبية العالمية أن استخدامه من قبل مرضى القلب نتيجة ارتفاع مستوى الكوليسترول، قد أنقـذت أرواحهم، وبعكس تلك الدراسات، ذكرت دراسات أخرى، نشرتها أيضاً بعــــض الدوريات الطبية، أن مستخدمي ستاتينس أكثر عرضة لزيادة الوزن، وأن عليهم ممارسة مزيد من التمارين الرياضيـة لمواجهة الآثار الجانبية غير المرغوب فيها.
 ويسمي العلماء اختلافات نتائج تلك الدراسات بـ «دراسة الرصد»، التي يمكن التلميــح بها إلى وجـود خطر ما، ولكن لا يمكن إثباته بالقطع، فالواقع العلمي يقــول إن مجموعة ستاتينس، مثلها مثل بقية الأدوية، قد تترك آثاراً جانبية، ولكن معظم تلك الآثار يكون في العادة خفيفاً، لذا على المرضى مراجعة الطبيب المختص في هذه الحالة.

كان من أهم الموضوعات التي طرحت في جلسات المؤتمر الحادي والعشرين لجمعية أمراض القلب العالمية، الذي عقد في شهر ديسمبر عام 2015، بنيويورك، هو نسبة الكوليسترول المفيد HDL-C في متابعة مرضى القلب، سواء للوقاية القلبية أو الثانوية. ولكن يبقى الاعتماد على نسبة الكوليسترول السيئ أو الضار LDL-C قاصراً، لأن الكوليسترول الضار وظيفياً هو عنصر من عوامل الخطر القلبية التي ظهرت منذ أكثر من عشرين عاماً، فقد أكدت دراسة فرامينجهام Framingham عام 1980، العلاقة بين الكوليسترول الضار وعوامل الخطر القلبية الوعائية، ما أدى إلى أخذ هذا الجزء من الكوليسترول بعين الاعتبار. 
من المعروف علميا أن الجسم الطبيعي يحتوي على نسبة من الدهون لا تتكون من نوع واحد، فهناك أنواع مختلفة موجودة داخل الجسم بكثرة، وكل نوع له اسمه وله مكوناته وله وظيفته المهمة التي يعمل عليها، لذا يجب التفريق بين أنواع الدهون المختلفة للتعرف على وظيفة كل منها، فبعض الدهون تعد ضارة على الصحة، والبعض الآخر يعد علامة صحية ودليلاً على عمل أجهزة الجسم بشكل سليم، إلا أن الدهون الضارة ومنها الكوليسترول الضار آثارها وخيمة على الجسم وأعضائه، حيث يتعرض القلب والشرايين للإصابة بعديد من الأمراض الخطيرة، ويخطئ من يعتقد أن الكوليسترول عموما هو شيء ضار بالجسم، فالكوليسترول هو أحد أهم أنواع الدهون الموجودة داخل الجسم بشكل طبيعي، وله نوعان أساسيان، هما: الكوليسترول المفيد والكوليسترول الضار.  
ولمكافحة تلك الأضرار توصل العلماء إلى مجموعة دوائية جديدة خرجت تحت مسمى «ستاتينس» لتخفض مخاطر النوبات القلبية والسكتات الدماغية الناتجة عن الجلطات الدموية، وتحسن كذلك تدفق الدم إلى الدماغ وتقلل الالتهاب. 

الأبحاث الدوائية بين الشك واليقين
تقول الدراسات إن الأدوية التي تخفض مستويات الكوليسترول الضار, وتنظم مستوياته في الدم, يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بالجلطات الخطرة، وهذه الجلطات يمكن أن تتطور إلى جلطات دماغية أو قلبية. وتقول مؤسسة القلب البريطانية إن هذا الاكتشاف المثير يمكن أن يؤدي إلى علاجات أكثر فاعلية في المستقبل، حيث إن هناك نحو 32 ألف شخص في بريطانيا يموتون من الجلطات.  وكان فريق علمي من جامعة ريدينج قد بحث في كيفية تشكل الجلطات، وفوجئ  بأن البروتين LXR هو المسؤول عن  تكون الجلطات، وهذا ما جعل «كارتلات» شركات الأدوية الجديدة تصنِّع أدوية للتفاعل مع هذا البروتين.
وقد نشرت نتائج دراسة أمريكية أخيراً أن أدوية ستاتينس، التي تساعد على خفض الكوليسترول، مفيدة أيضاً للمشكلات القلبية، حيث إن الأشخاص الذين أصيبوا بسكتة دماغية نزيفية، يتضاعف احتمال نجاتهم بنحو ثلاث مرات إذا استمروا في تناول «ستاتينس» وينصح الأطباء المشرفون على مرضى السكتات الدماغية النزفية بالتفكير ملياً قبل اتخاذهم قراراً بإيقاف علاج ستاتينس لمرضاهم، بينما خرجت  دراسة أخرى تدحض هذه النتائج وبأدلة أخرى لا تقل أهمية عما تم التوصل إليه سابقاً. وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على تلاعب شركات الأدوية في تسويق أي دواء جديد تريد التربّح من ورائه من دون مراعاة للمهنية الطبية والأخلاق الصيدلانية. إن أغلب شركات الأدوية المعروفة وغير المعروفة، تدخل منذ سنوات في بؤرة الفساد والاحتيال، بحيث أصبحت أخبار التجاوزات فيها أكثر من أنباء الاكتشافات الدوائية الجيدة، بل قد تخلت تلك الشركات بوعي أو من دون وعي عن اليقين المعرفي والضمير المهني، وبدلاً من قيام هذه الشركات بين الفترة والأخرى، بطرح منتج دوائي حقيقي رخيص، يقوم ممثلوها في عدد كبير من البلدان، بعقد الصفقات المريبة، التي تستند في الدرجة الأولى، إلى تمرير ما أمكن من المنتجات الدوائية ضمن الأنظمة الطبية والصيدلانية.
في السنوات الماضية، خضعت شركات كبيرة منتجة للدواء لتحقيقات سرية، من بينها «ميرك»، و«باكستر»، و«بريستول - ماير سكويب»، و«إلي ليلي»، و«أسترازنيكا»، و«سميث آندنيفيو»، وكلها أسماء رنّانة في نطاق اختصاصها، حتى أن شركة «فايزر» الأمريكية توسطت في سياق هذه التحقيقات، وتوصلت إلى تسوية في وزارة العدل من دون أدنى مراعاة للمهنية الطبية أو الأخلاق الصيدلانية. وفي مطلع العام الحالي، لم يغب اسم شركة الأدوية البريطانية العملاقة «جالاكسو سميث كلاين» الشهيرة، عن الأخبار الآتية من أنحاء مختلفة في هذا العالم.
وتحقق شركات الأدوية حول العالم، المتمركزة بصورة أساسية في البلدان الغربية، أرباحاً طائلة من عملياتها المشروعة، فشركة «جالاكسو سميث كلاين» التي تحظى بعوائد سنوية تصل إلى أكثر من 26 مليار جنيه استرليني، يبدو أن هذه الأموال الطائلة، هي أقل مما تسعى إليه الشركة، في حين أن إنتاجها ينبغي أن يخضع أيضاً للمعايير الأخلاقية، فهي لا تنتج الساعات المرصعة بالألماس، ولا السيارات المطلية بالذهب. إنها تصنع الدواء، بل لنقل إنها تصنع الأمل، وهذا وحده يفرض عليها قيماً تخضع لمعايير السوق، بلاشك، ولكن بمستويات أخلاقية ومهنية مقبولة.

منافع تفوق المخاطر 
هناك دراسة جديدة أجراها باحثون في جامعة لندن وجامعة جلاسكو، أضافت مزيداً من الجدل الدائر حول استخدام الستاتينات، والأدوية الأخرى الخافضة للكوليسترول، حيث قال الأطباء إن متناوليها عرضة لزيادة الوزن، بمعدل نصف رطل (240جم) على مدى أربع سنوات، في حين أصروا على أن خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، لايزال قليلاً، ويؤثر فقط على خمسة من بين ألف شخص. ونصح الدكتور نافيد، من جامعة جلاسكو، وهو أحد المشاركين في الدراسة، المرضى مستخدمي «ستاتينس»، بتغيير نمط حياتهم، من خلال زيادة النشاط البدني، وتناول الأطعمة الصحية، فضلاً عن التوقف عن التدخين، مما يساهم إلى حد كبير في الإقلال من تلك الآثار الجانبية.  
يأتي هذا  بعد عدد من الدراسات التي تحتاج إلى دقة أكثر، حيث تم اختيار مرضى يأخذون بعض عقاقير ستاتينس أو علاجات أخرى بشكل عشوائي.وحلل تقرير نشر في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية خمس تجارب عشوائية إضافية، وخلص إلى أن هناك مخاطر زيادة صغيرة لكنها حقيقية عند الأشخاص الذين يتناولون جرعات عالية من «ستاتينس». 
لقد أثبتت عقاقير ستاتينس التي تتصدر قائمة العقاقير الأكثر مبيعاً في العالم فاعليتها في خفض الكوليسترول الضار، حتى أن بعض الأطباء اقترح إضافة هذه العقاقير لإمدادات مياه الشرب، ولذا تكالبت «كارتلات» شركات الأدوية على إنتاج عقاقير ستاتينس - بما فيها عقار ليبيتور الذي تنتجه شركة فايزر وعقار زوكور من إنتاج شركة ميرك - والأخرى استخدمت أدوية خفض ضغط الدم مدة عام على الأقل، إلا أن دراسة حديثة أجراها باحثون في «مركز الشيخوخة الصحية» التابع لجامعة كوبنهاجن، أفادت بأن حوالي 75 في المائة من المرضى الذين يتناولون عقاقير مخفضة لمستوى الكوليسترول الضار المرتفع في الدم مثل «ستاتينس» يشكون من وجود آلام في العضلات، كما أشارت دراسة يونانية حديثة نشرت في المجلة الدولية لطب القلب إلى تعرض 10 في المائة من المرضى للاعتلال العضلي الذي يعرف بـ«مايوباثي» myopathy، وهو اعتلال أو ألم عضلي قلبي. 
وأظهرت نتائج الدراسة أيضاً، أن المرضى الذين يعالجون بوساطة «ستاتينس» لفترات طويلة، يعانون صعوبة في نشاطهم الحركي وممارسة الرياضة بصورة منظمة ويومية، كما تراجعت لديهم مستويات بروتين «K-10» الرئيس، وأعقبه تراجع إنتاج الطاقة في العضلات، مما يزيد من معدلات هشاشة العظام لدى المرضى، كما ذكر باحثون يابانيون أن أدوية ستاتينس ربما تساعد على علاج حالات الإصابة بالالتهاب الكبدي الوبائي (سي)، كما قال الباحثون في دورية الأمراض التي تصدرها الرابطة الأمريكية لأبحاث أمراض الكبد، إن الاختبارات التي أجريت رجحت أن بعض الأدوية التي تندرج تحت اسم «ستاتينس» قد تساعد على وقف انتشار فيروس «سي». 
ويقول د. مالكوم كيندريك مؤلف كتاب لغز الكوليسترول: «لم تُجرَ سابقاً دراسة استقصائية ورصدية للستاتينات في مرحلة ما بعد التسويق، ولذلك لا أحد يعلم حقيقة كيف تكون الآثار الارتدادية وكم عدد الناس الذين يمكن أن يكونوا عانوا منها». ويضيف: «يرى البعض أن الآثار الجانبية نادرة، بيد أن كثيراً من المرضى الذين أفحصهم لديهم آثار جانبية محتملة من عقاقير ستاتينات، وتحدث تداعيات ملموسة على نوعية حياتهم». 

الحماية في التحسين والوقاية 
يتفق كثير من الخبراء مع الرأي القائل إن النساء يعانين آثاراً جانبية أكثر من الرجال. وتقول مؤسسة أبحاث أمراض القلب إن واحداً من كل عشرة آلاف شخص يتناولون الستاتينات يعاني آثاراً جانبية خطرة محتملة.   من ناحية أخرى، أظهرت عقاقير ستاتين في المختبرات أنها تعمل على إبطاء نمو الخلايا السرطانية، وعادة ما كانت تجرى الأبحاث عليها بوصفها مقاومة للسرطان، وقد أظهرت هذه الأبحاث نتائج متباينة، كما قال باحثون أمريكيون إن عقاقير ستاتينس قد تقلص أيضاً من مخاطر الإصابة بالسرطان بنسبة تصل إلى 25 في المائة، فقد ذكروا في دورية المعهد القومي لمكافحة السرطان أن نسبة الإصابة بالسرطان بين متناولي عقاقير ستاتين من قدامى المحاربين بلغت 9.4 في المائة مقارنة مع 13.2 في المائة بين من لا يتناولون هذه العقاقير.
وقد أثارت معظم الدراسات الكبرى لمجموعة عقاقير ستاتينس خلال السنوات العشر الأخيرة الجدل ومازالت، حيث وجهت الأنظار حول علاج كوليسترول ودهون الدم الضارة، فقد أوهمتنا أن عقاقير ستاتينس هي الأفضل، بل إنها العلاج الأمثل لكل اضطرابات الدهون. ولكن عند تحليل هذه الدراسات لوحظ أن فاعلية ستاتينس في تخفيض الحوادث القلبية هي 30-35 في المائة فقط، وأن الثلثين الباقيين من المرضى الذين أبدوا انخفاضاً لمستوى الكوليسترول الضار قد أصيبوا، رغم ذلك، بحوادث قلبية. 
فهل نكتفي بهذه النتائج أم نبحث عن تحسينها، مع الأخذ بعين الاعتبار الأجزاء الأخرى للكوليسترول وأهمها الكوليسترول المفيد ونسبة الإصابات القلبية، وهي عامل مهم قائم بذاته كما بينت دراسة فرامينجهام؟ لقد لاحظت دراسات اضطراب الدهون الأربع، أن ارتفاع الكوليسترول المفيد بـمقدار 1 مج/100 مل يخفض بشكل نوعى الحوادث الإكليلية 
بـ 2 في المائة عند الرجال و3 في المائة عند النساء. 
إن فكرة فوائد الكوليسترول تولدت عند استشعار خطورة الكوليسترول الضار في أمراض القلب، ولذا لوحظ عند المصابين بانخفاض مستوى نوعي الكوليسترول معاً حدوث نسبة أعلى من الإصابات الإكليلية بالمقارنة مع المرضى ذوي الارتفاع البسيط للكوليسترول الضار (دون انخفاض النوع المفيد)، وهذا واضح بمقارنة الحوادث الإكليلية الحادة في دراسات متعددة.  
كانت بعض الدراسات قد قومت فوائد «ستاتينس» في الوقاية الثانوية، بينما قومت الأخرى فوائد الفيبرات في هذه الوقاية، وقد وجد أن المرضى المعالجين بعلاج وهمي في دراستي كاري CARE وليبيد LIPID ذوي المستوى المرتفع بشكل بسيط لـلكوليسترول الضار، أصيبوا بحوادث قلبية على مدى خمس سنوات أقل من أولئك في دراسة فاهيت VA-HIT، لذوي المستوى الخفيف من نوعي الكوليسترول معاً.  
السبب الثاني الذي لا يقل أهمية كان إيضاح أنه عندما يهدف العلاج لرفع مستوى الكوليسترول المفيد من دون تغيير الكوليسترول الضار يؤدي وحده إلى تخفيض الاختلاطات القلبية الوعائية، ولكن كيف نحسن مستوى الكوليسترول المفيد؟ 
من الأفضل محاولة رفع مستوى الكوليسترول المفيد باستعمال الفيبرات بدلا من عقاقير ستاتينس التي تعمل فقط على خفض الكوليسترول الضار بشكل أساسي، فإن ارتفاع مستوى النوع المفيد بعلاج  مجموعة ستاتينس ذو نتائج متوسطة من 5 - 10 في المائة (مقارنة مع 15 - 20 في المائة بالعلاج بالفيبرات)، وذلك عند المرضى ذوي المستوى المنخفض للكوليسترول المفيد، بالإضافة إلى أن عدد الإصابات القلبية الذي لوحظ بعد العلاج بأحد أدوية ستاتينس ويدعى «سيمفاستاتين Simvastatine» المعروف تجاريا باسم ZOCOR في دراسة 4S لم يكن متعلقاً بمستوى الكوليسترول المفيد قبل العلاج، وهذه الملاحظة نفسها وجدت في دراسة وسكوب WOSCOP، وكاري CARE. بينما على العكس في دراسة هلسنكي للقلب Helsinky Heart Study، فقد لوحظت ارتفاعات أكثر لمستوى الكوليسترول المفيد عند العلاج بـ «Gentibrozil» لدى المرضى ذوي المستوى الأدنى أو المنخفض من الكوليسترول المفيد  قبل العلاج (خصوصاً أقل من 0.9 mmlo/L)، وهي أفضل نسبة لانخفاض الحوادث الإكليلية في دراسة فاهيت، حيث كان مستوى الكوليسترول المفيد للحالات التي عولجت بـ «Genfibrozil» متعلقاً عكسياً بالحوادث الإكليلية الحادة.