تطور التليسكوب عين باتساع الأرض!

تطور التليسكوب عين باتساع الأرض!

هل تخيّل جاليليو جاليلي، حين رفع منظاره الصغير، في تلك الليلة من خريف 1609، أن آلته هذه سوف تغيّر وجه العلم، ثم تتطور نوعاً ووظيفة، وتتحول «عينها» خلال أربعة قرون، من عدسة صغيرة إلى عين باتساع الكرة الأرضية كلها، لتلتقط صور الأجرام البعيدة، ليس بالأشعة المرئية وحدها، بل بالموجات الراديوية؟ وفق ما اقترحت الباحثة كاتي بومن، خريجة معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، في بحث لها نشر في يونيو 2016.

لم يغب عن بال جاليليو حينها، أنه باستكشاف السماء لن يرحمه الأوصياء عليها من أمراء اللاهوت ومحاكم التفتيش التابعة. وكانت أعماله ورصده للقمر والشمس والكواكب، وتمسكه بنظرية كوبرنيكوس حول مركزية الشمس، قد زادت من ضراوة المواجهة مع الكنيسة الكاثوليكية حينها، التي ألزمته في النهاية بالإقامة الجبرية داخل جدران بيته للسنوات الثماني الأخيرة من عمره. 
استطاع جاليليو عبر منظاره المتواضع ذاك رؤية التضاريس على القمر، وقياس ارتفاع جباله، كما أثبت وجود البقع السوداء على سطح الشمس وراقب تحركها واستنتج دوران الشمس حول نفسها، كما تبين له وجود ملايين النجوم التي لا تستطيع العين المجردة رؤيتها. ونظر جاليليو أيضاً بمنظاره إلى كوكب الزهرة واكتشف أنه يُظهر للراصد الأرضي أوجهاً كما القمر، كذلك نظر إلى كوكب المشتري ورصد أربعة أقمار تدور حوله وحدد مددها المدارية، وقد سميت فيما بعد بالأقمار الجاليلية تيمناً به. كما رصد كوكب زحل وصوّر الحلقات الغريبة التي تزنّره.
كل تلك الثورة في علم الفلك لم تكن ممكنة من دون ذلك المنظار البدائي الذي يتيح تكبيراً لـ 20 مرة فقط، والذي كانت عدسته الأولية (أو عينه) لا يتعدّى قطرها خمسة سنتيمترات فقط! كان ذلك المقراب أو التليسكوب من النوع الكاسر للضوء، الذي يقوم على عدسة بؤرية أساسية تستقبل الأشعة القادمة من الجسم المرصود، وعدسة «عينية» أخرى تكبّر ما التقطته العدسة الرئيسة وتعرض الصورة لعين الراصد. صحيح أن قطر عدسة منظار جاليليو هو 5 سم فقط، أي 50 ملم، إلا أن النظر بالعين المجردة يعتمد على عدسة البؤبؤ التي لا يتعدى قطرها 5 ملليمترات فقط، أي أصغر بعشر مرات من قطر عين المقراب، وذلك يعني أن مساحة عين مقراب جاليليو كانت تساوي مائة ضعف مساحة عدسة العين البشرية، أي باختصار أن عدسة المقراب ترفد شبكية عين الراصد بمائة ضعف الطاقة الضوئية التي كان لبؤبؤ العين وحده أن يستقبلها بالعين المجردة. 
وكان في عصر جاليليو محترفون كثر في صناعة الزجاج والعدسات البصرية؛ لذلك سرعان ما تم فهم أهمية مساحة العدسة اللاقطة في وضوح الرصد، وتسابق الصانعون، خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، إلى صناعة تليسكوبات انكسارية ذات قطر أكبر. ووصلت إحدى المحاولات إلى تليسكوب ذي عدسة بقطر مائة سم وطول 42 متراً (هيفيليوس عام 1673).  

مشكلات التليسكوب الانكساري
إن التليسكوب الانكساري، الذي يعتمد على عدسة بؤرية رئيسة لاستقبال الضوء، سرعان ما كشف عن محدودية قوته، نظراً للصعوبات التي تطبع صناعة العدسات. وكلما زاد قطر العدسة زادت مشكلات التليسكوب الانكساري، فزيادة القطر تلزم زيادة سماكة العدسة، ما يعني زيادة ظاهرة الاضطراب اللوني التي ترافق تشتت الضوء إلى مكوناته الموجية خلال عبوره للزجاج، وزيادة ضياع الأشعة في زجاج العدسة. 
كما أن الوظيفة البؤرية للعدسة (جمع حزمة الضوء الملتقطة في نقطة بؤرية واحدة) تتراجع جودتها مع ازدياد قطر العدسة وسماكتها. وللحصول على تكبير أكبر في التليسكوب الانكساري، لابد من عدسة ذات مسافة بؤرية أكبر (أي المسافة من العدسة حتى النقطة البؤرية أو نقطة تجمع الضوء)، وهذا يعني تليسكوباً أطول وصعوبةً أكبر في حمله ومنع انحناء محوره. هذا بالإضافة إلى أن زجاج العدسات لابد أن يكون صافياً تماماً وخالياً من أي شوائب كالتشققات وفقاعات الهواء والملوثات الأخرى.
ومن عام 1866 حتى أواخر القرن الثامن عشر، بنيت تليسكوبات انكسارية كبيرة عدة، وصل قطر عدساتها الكاسرة إلى 46 سم. وفي عام 1897، وصل التليسكوب الانكساري إلى حدوده القصوى ببناء مرصد «يركس» بقطر بلغ 100 سم، إذ تأكد لصانعي هذه التليسكوبات صعوبة الحفاظ على وظائف العدسة الرئيسة في مثل هذا الحجم، وصعوبة حمل القسطل الحامل والحفاظ على استقامة الخط المحوري، إذ وصل طول تليسكوب هيفيليوس مثلاً إلى 42 متراً! 
لذلك أثبتت التجارب المتعددة لصناعة تليسكوبات انكسارية كبيرة، أن مشكلاتها كبيرة، وأنه من غير المجدي العمل على عدسات تفوق 10 أو في أحسن الأحوال 15 سم. والتليسكوبات الانكسارية الكبرى التي بلغ طول بعضها عشرات الأمتار، وقطر عدساتها عشرات السنتيمترات، منيت بفشل ذريع وبات مصيرها المتاحف.  

إنجاز نيوتن... التليسكوب الانعكاسي
من أحد إبداعات العالم الإنجليزي الفذ إسحق نيوتن، أنه قام، عام 1668، باستبدال مرآة مقعّرة بؤرية بالعدسة الزجاجية الرئيسة للتليسكوب، وتَحَكّم بمسار الضوء المنعكس على هذه المرآة، عبر عكسه بمرآة مسطحة صغيرة نحو جدار التليسكوب الجانبي، حيث صمم ثقباً فيه ووضع عدسة عينية مكبّرة للنظر من خلالها.
وسرعان ما تبدّت معالم الثورة الجديدة في صناعة التليسكوب الانعكاسي وإمكاناته وجودة صورته واحتمالات تكبيره دون مشكلات تذكر. وتتالت المبادرات إلى تحسين التليسكوبات الانعكاسية وتطويرها. وفي عام 1672 قام كاسّيغرين بتعديلٍ على تليسكوب نيوتن، فاستبدل بالمرآة الثانوية الصغيرة المسطحة في تليسكوب نيوتن مرآة صغيرة محدّبة تعيد حزمة الضوء نحو قعر المرآة الرئيسة، حيث صمّم ثقباً لتمر حزمة الضوء إلى العدسة العينية وعين الراصد، مضاعفاً تكبير التليسكوب النيوتوني. 
وقد فرضت حسنات المرآة نفسها في إعطاء الأفضلية للتليسكوب الانعكاسي على الانكساري. فظاهرة الانعكاس الضوئي، على عكس الانكسار، لا تنتج اضطراباً لونياً، وهي تحافظ على طاقة الضوء الملتقط حين انعكاسه، والمرآة قادرة على عكس كل الموجات الكهروضوئية بالسهولة نفسها التي تعكس بها الموجات الضوئية.
 ثم إن صناعة المرايا أسهل بكثير من صناعة العدسات، ويمكن تكبير قطر المرايا إلى أمتار عدة، إذ تحتاج العملية لصقل صفحة عاكسة واحدة مهما تكن مادة الجسم الذي يحملها تحتها.
 ونظراً للصفات المميزة للتليسكوب الانعكاسي، فقد تسارع السباق، خاصة منذ أواسط القرن الثامن عشر، إلى تصنيع التليسكوبات البصرية الانعكاسية الكبيرة، ومازالت التليسكوبات الانعكاسية الكبيرة المنتشرة في بعض أوربا وأمريكا، تستخدم اليوم للرصد والأبحاث العلمية، نذكر منها تليسكوب وليم هرشل الذي بُني في إنجلترا عام 1789 بقطر 12 متراً، وتليسكوب وليم بارسونس في أيرلندا عام 1845، وتليسكوب هال Hale في مرصد جبل بالومار في سان دييغو-كاليفورنيا بقطر 5 أمتار، وصولاً إلى «التليسكوب الكبير» الذي بنته إسبانيا عام 2010 بقطر 10.4 أمتار في «لا بالما»، إحدى جزر الكناري.

تليسكوبات فضائية
ولما كان الغلاف الجوي للأرض هو العدوّ الأول للرصد الفلكي، كان على الفلكيين بناء مراصدهم على الجبال العالية لتخفيف سماكة الهواء فوق المرصد، وبعيداً عن إزعاج المدن وتلوثها الضوئي والبيئي. ثم ساعد تطور الصواريخ والنجاح في الرحلات المدارية حول الأرض، والتحكم بالأقمار الاصطناعية من على الأرض، في نجاح وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) في إرسال أول تليسكوب فضائي عامل بالأشعة المرئية، (هابل)، عام 1990، ليتخطّى كل الملوثات الضوئية ويزوّدنا بصور فائقة الدقة عن الكواكب والمجرات والسدم. ولايزال «هابل» يعمل بدقة، بانتظار التليسكوب الفضائي البصري البديل، «جايمس وِب» المقرر إطلاقه أوائل عام 2018. 
وتليسكوب هابل ليس المرصد الفضائي الوحيد العامل بالأشعة المرئية، ففي 7 مارس من عام 2009 أطلقت «ناسا» تليسكوب «كبلر» البصري أيضاً في مهمة مخصصة للبحث عن الكواكب الخارجية حول نجومٍ غير الشمس. وحتى أول سبتمبر 2016، كان كبلر قد اكتشف 3518 كوكباً خارج المجموعة الشمسية. 

تليسكوبات غير بصرية!
إن الخاصية التي تميّز المرايا، بقدرتها على عكس كل موجات الطيف الكهرومغناطيسي، فتحت أبواباً كثيرة لإمكانات الرصد الفلكي، سواء من على الأرض، أو من المدار خارج الغلاف الجوي. 
ومنذ ما قبل منتصف القرن العشرين، قام المهندس الأمريكي غروت رِبِرْ، عام 1937، ببناء أول تليسكوب راديوي في غرب فرجينيا، قادر على تصوير الأجسام التي ترسل موجات راديوية ضعيفة لا يمكن للتليسكوبات البصرية رؤيتها.
وكان هذا الأمر ممكناً، لأن موجات الراديو الفضائية قادرة على اختراق غلافنا الجوي بسهولة والوصول إلى المراصد الأرضية.
 لكن ماذا بالنسبة إلى بقية الطيف غير المرئي، كالأشعة السينية أو أشعة جاما أو الموجات الميكروية؟ مثل هذه الأشعة لا تصل إلى الأرض، إذ تتصدّى لها الطبقات المتتالية من الغلاف الجوي، كالأوزون والتروبوسفير مثلاً. وكل من هذه الموجات هي لغة لنوع من الأجرام السماوية في ظروفٍ معيّنة بعضها كارثي!
 أشعة جاما مثلاً تصدر عن انفجار نجم هائل الكتلة (سوبرنوفا)، والأشعة السينية (أشعة إكس) تصدر عن النجوم النيوترونية وعن محيط الثقوب السوداء، أما الأشعة دون الحمراء فتصل من المذنبات والكواكب الباردة وبات من الضروري لعلماء الفلك أن يرسلوا إذن إلى المدار تليسكوبات متخصصة بكلٍ من هذه الأشعة غير البصرية، وسأذكر أهمها. 
ففي أبريل من عام 1991 أطلقت «ناسا» إلى الفضاء تليسكوب «كونتون» المخصص لالتقاط أشعة جاما النووية (أي أن الكاميرا التي تحل محل العين لالتقاط الأشعة القادمة، مصنّعة بحيث تستشعر هذا النوع من الأشعة)، وفي يوليو عام 1999، أطلقت «ناسا» مرصد «شاندرا» الفضائي العامل بالأشعة السينية. وفي أغسطس عام 2003 أطلقت إلى الفضاء تليسكوب سبيتزر العامل بالأشعة الميكروية، ثم تليسكوب «وايز» العامل بالأشعة دون الحمراء في ديسمبر 2009. 
وكانت الوكالة الأوربية للفضاء (إيسا)، قد أطلقت تليسكوب «إنتيغرال» الفضائي عام 2002.
ولم تقتصر تليسكوبات الفضاء على أمريكا ووكالة ناسا فقط، فقد أصبح لعدد من الدول المتطورة تليسكوباتها الفضائية العاملة على أكثر من موجة من الطيف الضوئي، كروسيا والصين والهند وإسبانيا.  

ظاهرة التداخل... 
ثورةً إضافية في عالم الرصد الفلكي
إن أول جهاز للتداخل الموجي الضوئي Interferometry صممه مايكلسون واختبر من خلاله كيف أن اجتماع ضوئين متماثلين يمكن أن يؤدّي إلى ظلام، كما يمكن أن يضاعف قوة الضوء.
 أما في حالة التليسكوب الانعكاسي، فقد اختُبر التداخل الضوئي بتغطية معظم مساحة المرآة المقعّرة العاكسة إلاّ قطاعين ضيّقين، وكانت النتيجة أن التليسكوب ظل يعطي القدرة ذاتها على التكبير، ولكن ليس سطوع الصورة ذاته.
 وهذا يعني أنه لو أبعدنا تليسكوبين صغيرين متشابهين مسافة إكس كلم مثلاً، ووجّهناهما إلى النقطة ذاتها - الهدف في السماء، فإننا نحصل على وظيفة تكبير كما لو أن لدينا تليسكوباً افتراضياً واحداً، قطر مرآته إكس كلم!
 بالطبع سوف نحتاج إلى تليسكوبات مماثلة إضافية لتجميع مزيد من ضوء الجرم المرصود وزيادة سطوع الصورة. وهذا الأمر شكّل ثورة في الرصد الفلكي، خاصة باستخدام التليسكوبات العاملة بموجات الراديو، منذ أربعينيات القرن العشرين، حيث تُنشر الصحون اللاقطة المتشابهة على مساحة كبيرة من الأرض للحصول على تكبير دقيق وواضح للأجرام البعيدة.
وكان مايكلسون من أوائل الذين استخدموا التداخل في تليسكوبات بصرية عام 1920، في مرصد جبل ويلسون، واستطاع قياس قطر النجمة «بتلجوز» (وهي سوبر عملاق أحمر يبلغ قطرها 1180 مرة أكبر من قطر الشمس وتبعد عنا 642.5 سنة ضوئية).
ومرصد «المصفوفة العظمى» Very Large Array في نيو مكسيكو، الذي يتضمّن 27 صحناً لاقطاً، كل منها بقطر 30 متراً، موزعة ضمن دائرة يبلغ قطرها 36 كلم، يعطي تفاصيل الأجسام المرصودة، وكأن لدينا تليسكوباً راديوياً افتراضياً بقطر 36 كلم! والمصفوفة التداخلية الكبرى الملليمترية ودون الملليمترية في أتاكاما في تشيلي تتضمن 66 صحناً قطر قسم منها 12 متراً وقسم آخر 7 أمتار.
وتسعى «ناسا» إلى نشر شبكة من الصحون الراديوية على امتداد الولايات المتحدة في مشروع يعرف بــ «قاعدة التداخل الشديدة الطول» Very Long Baseline Interferometry.
أما تليسكوبات التداخل العاملة بالأشعة المرئية، فقد طورت بدءاً من أواخر سبعينيات القرن العشرين، مع التحسينات الكبرى التي أدخلت إلى عالم الكمبيوتر، وظهرت المراصد العاملة بالأشعة دون الحمراء (إم.ك.) 1 و 2 و3 ثم تليسكوب التداخل المزدوج (كيك) ومرصد التداخل الاختباري في بالومار. 
وفي عام 1995 اختبر التداخل بالأشعة المرئية، لأول مرة، بمصفوفة من التليسكوبات البصرية، من قبل فريق كافندش للفيزياء الفلكية، وأظهرت دقة غير مسبوقة لسطح النجوم الحمراء المرصودة.
 التقنية ذاتها باتت تطبق على عدد من المصفوفات التليسكوبية، ليس فقط في الرصد الراديوي، بل بالضوء المرئي والأشعة دون الحمراء كذلك؛ وليس فقط على الأرض، بل انطلاقاً من مصفوفات تليسكوبية في الفضاء أيضاً. 
وبعد «قاعدة التداخل الشديدة الطول»، التي تمثّل تليسكوباً عينه باتساع الولايات المتحدة الأمريكية، بات السؤال المنطقي يفرض نفسه: لمَ لا تكون الأرض كلها عيناً تليسكوبية واحدة؟ أي أن ينشر على امتداد الكرة الأرضية، في أعالي المرتفعات المناسبة، تليسكوبات متشابهة، خاصة راديوية، لأن الموجات الراديوية تخترق بسهولة الغلاف الجوي للأرض مهما كانت الظروف المناخية. وتُربط كل هذه التليسكوبات عبر الشبكة العالمية بكمبيوتر مركزي أساسي (سيرفير) يوجّهها جميعاً باتجاه نقطة واحدة في الفضاء بغية الرصد الفلكي. 
مثل هذا المشروع بات قيد التخطيط تحت اسم: «القاعدة الدولية التداخلية الشديدة الطول» Very Long International Baseline Interferometry. 

الأرض كصحن لاقط عملاق!
هذا التساؤل ذهب عملياً باتجاه مشروع تليسكوب أفق الحدث Telescope Horizon Event، الذي تعمل مؤسسات ووكالات فضاء متعددة من دول عدة على تحقيقه. ومن بين الباحثين على هذا المشروع كاتي بومن، خريجة معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (MIT)، واقترحت منظومة من 12 صحناً لاقطاً متشابهاً توزع في أمكنة محددة حول العالم، مصممة لالتقاط الموجات الراديوية بطول 1.3 ملم، جاعلة من كوكب الأرض تليسكوباً راديوياً عملاقاً، قادراً على  تصوير أفق الحدث للثقب الأسود المركزي في مجرة درب التبانة، على بعد حوالي 26 ألف سنة ضوئية عنا! 
والمعروف أن أفق الحدث لأي ثقب أسود هو الحد الذي إذا ما تخطاه الضوء نحو المركز، فإن الكتلة التفردية المسحوقة في المركز تبتلع هذا الضوء وتمنع انعكاسه أو بثّه.
 لذا لا يمكن لأي معلومة عن الثقب الأسود أن تصلنا من خلف تلك الحدود، ولذلك سمّي هذا الجسم شديد الجاذبية بالثقب الأسود. ما يمكن أن يصلنا من الثقب الأسود هو الضوء المخفف الطاقة كموجات راديوية منبعثة من الأجسام والمواد العالقة في جذب الثقب الأسود التي تدور حوله بسرعة هائلة محاولة الإفلات منه قبل أن يلتهمها خلف أفق الحدث.
لكن لوضوح الصورة وإنجاح وظيفة تكبيرها بهذه الظاهرة التداخلية (الأنترفيرومترية)، لابد من نشر عدد كبير من الصحون الراديوية اللاقطة في مواقع مختارة حول العالم، بغية استقبال كمية كافية من الطاقة الموجية التي تتيح سطوعاً أفضل للصورة.
والتليسكوبات الراديوية الموجودة، المنتشرة حالياً في العالم، لا تعمل كلها على الموجة نفسها، وليست كلها متشابهة؛ ولكن مع تطوّر الكاميرات الرقمية وقدرة الحواسيب، يمكن الاستفادة منها جميعاً إذا ما وُجّهت كلها في الوقت نفسه إلى الهدف نفسه. وتعمل بومن على تطوير برنامج حاسوبي خاص يمكنه تحليل البيانات الآتية من كل التليسكوبات الراديوية الموجودة، الموجهة إلى الهدف نفسه، وتعديل تكبيرها ودقتها وسطوعها، وحذف المقاطع المتكررة أو الشاذة، بغية أقلمتها وجمعها لإنتاج صورة تفصيلية واحدة للهدف. 
وسوف تُستقبل البيانات من تلك التليسكوبات لتعالج على شبكة من الحواسيب المؤلفة من 800 وحدة معالجة مركزية (سي بي يو) ترتبط بعضها ببعض بسرعة 40 جيجابِت في الثانية الواحدة. 
ومنذ التقاط البيانات الأولى في مشروع «تليسكوب أفق الحدث» عام 2006، بدأت مرحلة جديدة مدروسة من نشر مصفوفة الشبكة العالمية للتليسكوبات الضرورية. 
ومن المتوقع أن تُنتج الصورة الأولى للثقب الأسود هائل الكتلة، «ساجيتاريوس أ» الموجود في مركز مجرتنا درب التبانة. 
إن دولاً ومراصد عدة سوف تشارك في إنجاح مهمة تليسكوب أفق الحدث، أهمها مجموعة كالتيك للتليسكوبات دون الملليمترية the Sub Millimeter Array، ومرصد هايستاك التابع لمعهد ماساشوستس التكنولوجي، ومؤسسة ماكس بلانك لعلم الفلك الراديوي، والمرصد الفلكي الوطني في اليابان، وتليسكوب جيمس كلارك ماكسويل في هاواي، وتليسكوب هاينريخ - هيرتز تحت الملليمتري الموجود في أريزونا، وتليسكوب غرين لاند، وتليسكوب جامعة غوته في فرانكفورت بألمانيا، والتليسكوب الملليمتري الكبير الموجود في المكسيك، ومعهد علم الفلك الراديوي الملليمتري الموجود في إسبانيا، وكلٌ من صفيفة أتاكاما الملليمترية ودون الملليمترية الموجودتين في أتاكاما بتشيلي، وتليسكوب القطب الجنوبي التابع لجامعة شيكاغو، والمرصد الأوربي الجنوبي، ومرصد شنغهاي الفلكي، إضافة إلى عدد من المؤسسات البحثية التي تنضم إلى هذا المشروع بشكل متواتر.