رائد الدراسات الأدبية المقارنة

رائد الدراسات الأدبية المقارنة

ولد د. الطاهر أحمد مكي سنة 1924 في محافظة قنا، أكاديمي وباحث في الأندلسيات، مترجم ومحقق وناقد أدبي، حاصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 1992، التحق بالتعليم الأزهري في المعهد الديني بموطن ولادته بقنا، انتقل في المرحلة الثانوية إلى القاهرة، وتخرّج في كلية دار العلوم سنة 1952، ثم سافر في بعثة دراسية إلى إسبانيا للتخصص في دراسة الأدب الأندلسي، ومكث هناك قرابة 9 سنوات، “كانت الأندلس والذهاب إليها نقطة التحول العلمي، وقبل الوصول إليها كنت أحلم وأطمح، وبعد الوصول إليها أعطتني وسائل وآليات تحقيق الطموحات والأحلام، فهي تمثل محطة فاصلة في تاريخ حياتي».

‭ ‬حصل‭ ‬الراحل‭ ‬الطاهر‭ ‬مكي‭ ‬على‭ ‬دكتوراه‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬الآداب‭ ‬والفلسفة‭ ‬من‭ ‬الجامعة‭ ‬المركزية‭ ‬بمدريد‭.‬

ألّف‭ ‬عشرات‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬أصناف‭ ‬معرفية‭ ‬مختلفة،‭ ‬وقال‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬درويش‭ ‬عن‭ ‬منهجه‭ ‬في‭ ‬التأليف،‭ ‬بمناسبة‭ ‬تكريمه‭ ‬‮«‬لقد‭ ‬اختار‭ ‬د‭. ‬الطاهر‭ ‬مكي‭ ‬المنهج‭ ‬الموسوعي‭ ‬في‭ ‬مؤلفاته‭ ‬المتعددة،‭ ‬فامتدت‭ ‬جهوده،‭ ‬تأليفاً‭ ‬وتحقيقاً‭ ‬وترجمة،‭ ‬إلى‭ ‬معظم‭ ‬مجالات‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬والأدب‭ ‬المقارن،‭ ‬فأنت‭ ‬تراه‭ ‬مع‭ ‬امرئ‭ ‬القيس‭ ‬مدافعاً‭ ‬عن‭ ‬إمارته‭ ‬للشعر‭ ‬الجاهلي،‭ ‬وأنت‭ ‬تراه‭ ‬مع‭ ‬المفضل‭ ‬الضبي‭ ‬وحماد‭ ‬الراوية‭ ‬وابن‭ ‬قتيبة‭ ‬وابن‭ ‬عبدربه‭ ‬وأبي‭ ‬الفرج‭ ‬في‭ ‬مصادر‭ ‬الأدب،‭ ‬وتراه‭ ‬مع‭ ‬ابن‭ ‬حزم‭ ‬في‭ ‬طوق‭ ‬الحمامة‭ ‬ومع‭ ‬الأندلسيين‭ ‬عموماً،‭ ‬وتراه‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬مع‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬ومختاراتها،‭ ‬والشعر‭ ‬المعاصر‭ ‬وفرائده‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬أهم‭ ‬كتبه‭ ‬التي‭ ‬أغنى‭ ‬بها‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية،‭ ‬‮«‬الأدب‭ ‬المقارن،‭ ‬دراسات‭ ‬نظرية‭ ‬وتطبيقية‮»‬،‭ ‬و«دراسات‭ ‬في‭ ‬مصادر‭ ‬الأدب‮»‬،‭ ‬و«الشعر‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‭... ‬روائعه‭ ‬ومدخل‭ ‬لقراءته‮»‬،‭ ‬و«الأدب‭ ‬الأندلسي‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬إسباني‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬دراسات‭ ‬أندلسية‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬والتاريخ‭ ‬والفلسفة‮»‬‭.‬

كان‭ ‬الراحل‭ ‬الطاهر‭ ‬مكي‭ ‬يجيد‭ ‬لغات‭ ‬عديدة‭ ‬كالإسبانية‭ ‬والفرنسية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬واللاتينية‭ ‬القديمة،‭ ‬أهّلته‭ ‬لكي‭ ‬ينفتح‭ ‬على‭ ‬ثقافات‭ ‬حديثة،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬رائداً‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المجالات‭ ‬المعرفية‭ ‬كالأدب‭ ‬المقارن‭ ‬والدراسات‭ ‬الأندلسية‭.‬

لكن‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تكوينه‭ ‬التقليدي‭ ‬الذي‭ ‬نشأ‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الدينية،‭ ‬فقد‭ ‬استطاع‭ ‬د‭. ‬مكي‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬شبابه‭ ‬أن‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬الحركات‭ ‬اليسارية‭ ‬سنة‭ ‬1948‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬يدرس‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬ففي‭ ‬تصريح‭ ‬صحفي،‭ ‬تحدث‭ ‬د‭. ‬مكي‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬في‭ ‬مساره‭ ‬التكويني‭ ‬بحماس‭ ‬كبير،‭ ‬معتبراً‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬فضائل‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬حياته،‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬دفعته‭ ‬للقراءة‭ ‬وتثقيف‭ ‬ذاته،‭ ‬دون‭ ‬تحيز‭ ‬للتوجهات‭ ‬اليسارية‭ ‬في‭ ‬أبحاثه‭ ‬الأكاديمية‮»‬،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يصدر‭ ‬في‭ ‬آرائه‭ ‬وكتاباته‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬ملتزم‭ ‬بالموضوعية،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الهوى‭ ‬والأحكام‭ ‬الذاتية،‭ ‬‮«‬فالثقافة‭ ‬عندي‭ ‬موقف،‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬موقف‭ ‬له‭ ‬فهو‭ ‬ليس‭ ‬مثقفاً،‭ ‬بل‭ ‬تاجر‭ ‬كلام،‭ ‬اليوم‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬مبادئ‭ ‬وغايات‭ ‬محددة،‭ ‬وإنما‭ ‬ثمة‭ ‬من‭ ‬يبيع‭ ‬ويشتري‭ ‬ويستفيد،‭ ‬وتجده‭ ‬يرقص‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأنغام‭ ‬ويأكل‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الموائد‮»‬‭.‬

ترأس‭ ‬مكي‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬إدارة‭ ‬تحرير‭ ‬المجلة‭ ‬اليسارية‭ ‬‮«‬أدب‭ ‬ونقد‮»‬‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬الرئيس‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭.‬

في‭ ‬كتابه‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‭... ‬روائعه‭ ‬ومدخل‭ ‬لقراءته‮»‬،‭ ‬يستعرض‭ ‬تطور‭ ‬مدارس‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬الحديث،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توصيف‭ ‬نقدي،‭ ‬يبتدئ‭ ‬من‭ ‬مدرسة‭ ‬الإحياء‭ ‬والبعث،‭ ‬مروراً‭ ‬بالمدرسة‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬الجديدة‭ ‬ومدرسة‭ ‬الديوان‭ ‬والحركة‭ ‬الرومانسية‭ ‬في‭ ‬المهجر،‭ ‬مع‭ ‬مختارات‭ ‬شعرية‭ ‬تمثل‭ ‬نماذج‭ ‬تمثيلية‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭. ‬

 

أحد‭ ‬المحققين‭ ‬الكبار

أما‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تحقيق‭ ‬التراث‭ ‬الأندلسي،‭ ‬فقد‭ ‬حقق‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬طوق‭ ‬الحمامة‭ ‬في‭ ‬الألفة‭ ‬والأُلّاف‮»‬‭ ‬لابن‭ ‬حزم‭ ‬الأندلسي،‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أبلغ‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬الحب‭ ‬ومظاهره‭ ‬وأسبابه‭.‬

كما‭ ‬يحتوي‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬أخبار‭ ‬وأشعار‭ ‬المحبين،‭ ‬في‭ ‬أسلوب‭ ‬قصصي‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬تحليلي‭ ‬ذي‭ ‬طابع‭ ‬سيكولوجي‭ ‬وإنساني‭. ‬ففي‭ ‬مجال‭ ‬التحقيق‭ ‬التاريخي،‭ ‬يعد‭ ‬الطاهر‭ ‬مكي‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬المحققين‭ ‬الكبار،‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬التراث‭ ‬تقديماً‭ ‬علمياً‭ ‬موثقاً،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬ينهج‭ ‬أسلوب‭ ‬‮«‬توثيق‭ ‬الروايات‭ ‬التاريخية‭ ‬وقبولها،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تجريحها،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الروايات‭ ‬مختلفة‭ ‬حول‭ ‬حدث‭ ‬واحد،‭ ‬وذلك‭ ‬تبعاً‭ ‬لقاعدة‭ ‬ارتضاها،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬الاختلاف‭ ‬بين‭ ‬الناقلين‭ ‬أدعى‭ ‬إلى‭ ‬اليقين،‭ ‬فحيث‭ ‬يقتضي‭ ‬الواقع‭ ‬أن‭ ‬تختلف‭ ‬الرواية‭ ‬وأن‭ ‬يتعذر‭ ‬الإجماع‭ ‬بين‭ ‬الرواة،‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬العقل‭ ‬والصدق‭ ‬من‭ ‬أقوال‭ ‬يتفرق‭ ‬رواتها‭ ‬في‭ ‬الأمصار‭ ‬ويبعد‭ ‬بهم‭ ‬العهد،‭ ‬ويكون‭ ‬اعتمادهم‭ ‬على‭ ‬الذاكرة‮»‬‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬‮«‬القصة‭ ‬القصيرة‭... ‬دراسات‭ ‬ومختارات‮»‬،‭ ‬فيقول‭ ‬الفقيد‭ ‬د‭. ‬الطاهر‭ ‬مكي‭ ‬إن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬وهذه‭ ‬المختارات‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غاية،‭ ‬وأن‭ ‬تضع‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬القارئ‭ ‬تصوراً‭ ‬عاماً،‭ ‬موجزاً‭ ‬وشاملاً‭ ‬للقصة‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬وخطوطاً‭ ‬عريضة‭ ‬لتقنية‭ ‬القصة‭ ‬الحديثة‭ ‬واتجاهاتها‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي،‭ ‬وألواناً‭ ‬منها‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬بعينه‭.‬

وفي‭ ‬مجال‭ ‬الحكاية‭ ‬الشعبية،‭ ‬نشر‭ ‬قصصاً‭ ‬مغربية‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬السلطان‭ ‬يستفتي‭ ‬شعبه‭ ‬وحكايات‭ ‬أخرى‮»‬‭ ‬سمعها‭ ‬من‭ ‬أفواه‭ ‬الحكّائين‭ ‬المغاربة‭ ‬في‭ ‬الساحات‭ ‬العمومية‭ ‬بمدينتي‭ ‬مراكش‭ ‬وطنجة،‭ ‬يقول‭ ‬مكي‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الكتاب‭ ‬‮«‬هذه‭ ‬حفنة‭ ‬حكايات‭ ‬شعبية‭ ‬التقطتها‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬أثناء‭ ‬ترددي‭ ‬عليه،‭ ‬طالباً‭ ‬مبتعثاً‭ ‬إلى‭ ‬إسبانيا‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬1957‭ ‬و1964،‭ ‬جلها‭ ‬من‭ ‬طنجة‭ ‬وقليلها‭ ‬من‭ ‬مراكش،‭ ‬ينشدها‭ ‬القوالون‭ ‬أو‭ ‬الحكاؤون‭ ‬في‭ ‬المقاهي‭ ‬الشعبية،‭ ‬تعيها‭ ‬ذاكرتي‭ ‬في‭ ‬مجملها،‭ ‬فإذا‭ ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬فندقي‭ ‬دونت‭ ‬هيكلها‭ ‬في‭ ‬أوراقي،‭ ‬ثم‭ ‬رجعت‭ ‬إليها‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬عودتي‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬فكسوتها‭ ‬لحماً،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬مجرد‭ ‬عظام،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬الآن،‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬القارئ،‭ ‬يجد‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬المتعة‭ ‬الأدبية،‭ ‬فائدة‭ ‬اكتشاف‭ ‬الوجدان‭ ‬المغربي،‭ ‬صادقاً‭ ‬بلا‭ ‬زيف‭ ‬ولا‭ ‬تزويق‮»‬‭.‬

ترك‭ ‬لنا‭ ‬د‭. ‬مكي‭ ‬في‭ ‬صنف‭ ‬الكتب‭ ‬المترجمة‭ ‬عدداً‭ ‬وافراً‭ ‬منها،‭ ‬نذكر‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬‮«‬مع‭ ‬شعراء‭ ‬الأندلس‭ ‬والمتنبي‮»‬‭ ‬لجارسيا‭ ‬جومس،‭ ‬و«الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬إسبانيا‮»‬‭ ‬لليفي‭ ‬بروفنسال،‭ ‬و«التربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬الأندلس‮»‬‭ ‬لخوليان‭ ‬دي‭ ‬بيرا‭ ‬و«الأدب‭ ‬الأندلسي‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬إسباني‮»‬‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬الإسبان‭ ‬و«مناهج‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‮»‬‭ ‬لإنريك‭ ‬أندرسون‭ ‬أمبرت‭.  ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مكي‭ ‬وظّف‭ ‬الترجمة‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الدراسات‭ ‬الأدبية‭ ‬المقارنة،‭ ‬حيث‭ ‬نجده‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬مع‭ ‬شعراء‭ ‬الأندلس‭ ‬والمتنبي‮»‬‭ ‬يقدم‭ ‬دفاعاً‭ ‬منهجياً،‭ ‬على‭ ‬الدراسات‭ ‬المقارنة‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬عالمية‭ ‬شعر‭ ‬المتنبي‭.‬

أما‭ ‬مبتغاه‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬دراسة‭ ‬مصادر‭ ‬الأدب‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬الباحث‭ ‬العربي‭ ‬‮«‬استعراضاً‭ ‬متناسقاً‭ ‬لأمهات‭ ‬المصادر‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬أقطاره،‭ ‬فتكون‭ ‬دليله‭ ‬وعونه‭ ‬وأداته‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬المعرفة‭ ‬الفسيح‮»‬‭.‬

 

شمولية‭ ‬النظرة

كما‭ ‬يعتبر‭ ‬كتابه‭ ‬الباذخ،‭ ‬في‭ ‬‮«‬الأدب‭ ‬المقارن‭... ‬أصوله‭ ‬وتطوره‭ ‬ومناهجه‮»‬‭ ‬عملاً‭ ‬رائداً‭ ‬في‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية،‭ ‬فيتميز‭ ‬منهج‭ ‬الكتاب‭ ‬بشمولية‭ ‬النظرة‭ ‬وعدم‭ ‬اقتصاره‭ ‬على‭ ‬اعتماد‭ ‬المنهج‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬المقارنة،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يتجاوز‭ ‬ذلك،‭ ‬لينفتح‭ ‬على‭ ‬مذاهب‭ ‬مقارنة‭ ‬متعددة،‭ ‬منها‭ ‬المنهج‭ ‬الأمريكي‭ ‬والإنجليزي،‭ ‬مع‭ ‬حرصه‭ ‬في‭ ‬منهجيته‭ ‬على‭ ‬فصل‭ ‬التنظير‭ ‬عن‭ ‬التطبيق،‭ ‬وانحيازه‭ ‬إلى‭ ‬تأييد‭ ‬فكرة‭ ‬الأدب‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬يدرس‭ ‬الأعمال‭ ‬الخالدة،‭ ‬ومحاولته‭ ‬تطبيق‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬طوق‭ ‬الحمامة‮»‬‭ ‬لابن‭ ‬حزم‭ ‬الأندلسي‭.‬

من‭ ‬أهم‭ ‬الإضافات‭ ‬النظرية‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬مكي‭ ‬للدراسات‭ ‬المقارنة‭ ‬العربية،‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬إرهاصات‭ ‬جنينية‭ ‬مقارنة‭ ‬عند‭ ‬النقاد‭ ‬العرب،‭ ‬ترجع‭ ‬أصولها‭ ‬وبوادرها‭ ‬الأولى،‭ ‬إلى‭ ‬المفاهيم‭ ‬العربية‭ ‬النقدية‭ ‬القديمة،‭ ‬كالموازنات‭ ‬والنقائض‭ ‬والمعارضات‭.‬

كما‭ ‬أنه‭ ‬وازن‭ ‬وقارن‭ ‬بين‭ ‬المدرستين‭ ‬الفرنسية‭ ‬للآداب‭ ‬المقارن‭ ‬والمدرسة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ونظراً‭ ‬إلى‭ ‬اهتماماته‭ ‬بالآداب‭ ‬الشعبية،‭ ‬فقد‭ ‬أخضعهما‭ ‬للمقارنة،‭ ‬مستفيداً‭ ‬من‭ ‬مسألة‭ ‬التأثير‭ ‬والتأثر‭ ‬بصيغتها‭ ‬المقارنة،‭ ‬فدرس‭ ‬التأثير‭ ‬العربي‭ ‬الأندلسي‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬الأوربي‭ ‬والشعر‭ ‬القشتالي‭ ‬الملحمي‭ ‬وشعر‭ ‬التروبادور،‭ ‬في‭ ‬تلاقح‭ ‬وتفاعل‭ ‬مع‭ ‬شعر‭ ‬الموشحات‭ ‬والزجل،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬علاقات‭ ‬التأثير‭ ‬والتأثر‭ ‬كانت‭ ‬تتجاوز‭ ‬عنده‭ ‬الصنف‭ ‬الشعري‭ ‬لتطول‭ ‬الإبداع‭ ‬النثري،‭ ‬ممثلاً‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬طوق‭ ‬الحمامة‭ ‬لابن‭ ‬حزم،‭ ‬وأثره‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬الأدب‭ ‬الإسباني‭ ‬والأوربي‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الوسيط‭.‬

نعى‭ ‬رحيل‭ ‬د‭. ‬الطاهر‭ ‬مكي‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬مجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬عضواً‭ ‬فيه،‭ ‬واتحاد‭ ‬كتاب‭ ‬مصر،‭ ‬والجمعية‭ ‬العربية‭ ‬للحضارة‭ ‬والفنون‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وقال‭ ‬عنه‭ ‬وزير‭ ‬الثقافة‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬نعيه‭ ‬‮«‬إن‭ ‬الطاهر‭ ‬مكي،‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬الأدب‭ ‬المقارن‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‮»‬،‭ ‬وعندما‭ ‬فاز‭ ‬الروائي‭ ‬الكبير‭ ‬بهاء‭ ‬طاهر‭ ‬بجائزة‭ ‬النيل‭ ‬في‭ ‬الآداب،‭ ‬قال‭ ‬الأديب‭ ‬قولته‭ ‬الشهيرة‭ ‬‮«‬إن‭ ‬أستاذي‭ ‬الطاهر‭ ‬مكي،‭ ‬كان‭ ‬أحق‭ ‬بالجائزة‭ ‬مني‮»‬‭ ‬■