رضوان الكاشف المسْكون بالرؤى الفلسفية

رضوان الكاشف المسْكون بالرؤى الفلسفية

تمر في يونيو من كل عام ذكرى رحيل المخرج رضوان الكاشف (1952/2002)، الذي تعتبر أعماله علامة فارقة في مسيرة السينما المصرية، على الرغم من قلة هذه الأعمال: ثلاثة أفلام روائية طويلة، هي: «ليه يا بنفسج»، و«عرق البلح»، و«الساحر»، وفيلم قصير هو «الجنوبية»، - فضلًا عن ثلاثة أفلام تسجيلية - تبيّن انحيازه للبسطاء والمهمشين. 

تعتبر قضايا الحرية والقهر هي الهاجس الملحّ والعامل المسيْطر على أفلامه التي طرحت رؤى جديدة ومختلفة لمشكلات المهمشين، مثل مشكلة الفقر والبطالة، في فيلم «ليه يا بنفسج» (1993)، وتجاوزت ذلك رمزيًا وموضوعيًا في تناول قضايا السفر والابتعاد عن الوطن في «عرق البلح» (1998)، وكشفت عما يمكن أن يخلّفه هذا الخيار من آثار سلبية على الأسرة. وتم اختيار الفيلمين ضمن قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما العربية. 
أما فيلمه الأخير «الساحر» (2001)؛ فقد حمل كثيرًا من تجليات الرؤية الفنية والفلسفية، إذ ارتكز على رصد عديد من الأبعاد والثنائيات الدالة، والتناقضات التي تستشري في المجتمع، فضلا عن أنه يطرح بُعدا جديدا لنموذج من نماذج القهر ضد المرأة، مغلّفا بصبغة كاريكاتيرية لشخصية الساحر، يجعلنا أمام شكل جديد ومختلف لنموذج من نماذج الاستبداد السلطوي. 
ويتمحور مشروع الكاشف الفني حول حياة المهمشين في البيئات الاجتماعية الفقيرة، فلم تكن الحارة الشعبية، والبيت البسيط، وحياة القاع الاجتماعي في فيلميه الأول والأخير، مجرد خلفية أو ديكور تدور الأحداث من خلاله، بل كانت جزءا أساسيا لتجليات الأحداث وتطورها، وفي «عرق البلح» (فيلمه الثاني) كان للنجع والصحراء الشاسعة دورًا أساسيًا في التصاعد الدرامي، حيث مثّل (المكان) مكونًا رئيسًا لشخصيات معذبة، تعيش على الأساطير، وترتبط بجذورها حتى الموت.
ربما لذلك حفل الفيلم بالأجيال الثلاثة: الأجداد، والأبناء، والأحفاد، وأدى الفنان حمدي أحمد دور «الجد المريض»، الذي لا يقوى على الكلام، بمقدرة وخبرة كبيرة، وكذلك الفنانة السودانية فائزة عمسيب في أدائها لدور الجدة، واستهلال الفيلم بحديث لها عن سيرة المكان والأجداد.   
ساعد على بلورة الفكرة وبروز المشاهد التي جاءت بمنزلة لوحات فنية معبرة عن الصحراء، والبيوت، والحياة في مجتمع له عادات وظروف اجتماعية خاصة، أن السيناريو من تأليف المخرج نفسه، ووضع الموسيقى التصويرية والألحان ياسر عبدالرحمن، الذي أبدع في إيجاد بيئة فنية تتضافر فيها الموسيقى مع روح المكان، واستطاعت الموسيقى أيضا أن تعبر عن أشعار عبدالرحمن الأبنودي التي استلهمت الفولكلور الصعيدي وامتزجت ببكارة الصحراء، لنرى فيلما مختلفا يحمل كثيرا من السمات الخاصة، وتتكامل به العناصر الفنية.
رضوان الكاشف واحد من المخرجين المجددين في السينما العربية، وأحد القلائل الذين يملكون قدرا من التجريب والمغامرة، فكل عمل له يمثل تجربة فنية مختلفة، تستلهم عالمها ومفرداتها وصورها من «شجن» مختلف، ناتج عن قهر يتعرض له الإنسان، نتيجة لتأثره بظروف بيئية (مكانية واجتماعية) معينة.
هذه الظروف تأخذ أشكالا مختلفة، لكنها تدور حول إحباطات ناتجة عن تدني الأوضاع المعيشية (الاقتصادية والاجتماعية)، وما تؤديه - أو تكاد تؤديه - من «فقدان» المحبوب، أو اللجوء إلى الخيال كمبرر للهروب من مرارة الواقع، وهو ما تحفل به الأفلام الثلاثة؛ حيث يبدو عدم المقدرة المادية على الزواج والاستقرار، لدى شخصيات «ليه يا بنفسج»؛ فيعاني الأصدقاء الثلاثة «أحمد»، و«سيد»، و«عباس» (فاروق الفيشاوي)، و(أشرف عبدالباقي)، و(نجاح الموجي) من البطالة وعدم الاستقرار، وكذلك «حمودة» (سري النجار) في «الساحر»، وتصبح هذه الظروف في «عرق البلح» هي البيئة الصحراوية وشظف العيش في منطقة نائية لا يقوم أهلها بأي عمل، سوى انتظار ما يجود به النخيل من تمْر يحصدونه كل عام، حيث يستمر الأهالي في هذا الوضع البائس، إلى أن يأتي «الغريب» الذي يأخذهم لعمل بعيد، فيعانون شقاء لم يألفونه، وتزداد معاناة النساء اللاتي يعشن في مأزق الوحدة، وتزداد القسوة على الجميع، حيث الغربة والألم والموت. 

ثلاثية الفقر والفقد والمكان
إذا كانت الآثار المترتبة على «الفقر» تشكل في مجملها عوامل عدة تسيطر على الشخصيات وتتحكم في مصائرها، فإن هذه العوامل غالبا ما تتضافر مع صور أخرى للقهر، مثل «الفقدان»، فالشخصيات الرئيسة تمر بحالات من الفقد، مثل «أحمد» (فاروق الفيشاوي) الذي يشعر بفقدان حبيبته ويظل معلقا بصورتها في «ليه يا بنفسج»، و«نور» (منة شلبي) تعاني فقدان الأم في «الساحر»، وكل النساء يشعرن بالقسوة نتيجة لفقدهن رجالهن في «عرق البلح»، فضلا عن فقدان «جميلة» (شريهان) لحبيبها «أحمد» (محمد نجاتي) في الفيلم ذاته. 
والظروف المتردية التي يمر بها المهمشون في الأفلام الثلاثة، بسبب ضيق الحال، أو معاناة الفقر التي تمتزج مع قهر الأب «منصور بهجت» (محمود عبدالعزيز) في «الساحر»، أو قسوة الأب «محمد أبو سلمى» (جمال إسماعيل) مع ابنته وحبيبها، فضلا عن صعوبة العيش في البيئة الصحراوية في «عرق البلح»، تكشف عن ثمة تداخل بين مكونات البنية الاجتماعية بتجلياتها المختلفة من مكان، وثقافة، ودرجة وعي، وفقد، وعوز... إلخ، لتنتج بدورها أنماطا من المعاناة، تعترض الشخصيات في تطورها وتتحكم في مصائرها، وبالتالي يمكن الجزم بأن الأفلام الثلاثة تسيطر عليها تأثيرات البيئة الاجتماعية، أو القهر المركب إن جاز التعبير. 

أثر البيئة الاجتماعية
يتكشّف الاهتمام بـقسوة البيئة الاجتماعية من خلال تلك الصور المتلاحقة التي افتتح بها «عرق البلح»، حيث يسير الشاب العائد إلى وطن أجداده (عبدالله محمود) في الصحراء تحت لهيب الشمس، حاملا حقيبته، وباحثا عن شيء في هذا الفضاء الصحراوي اللامنته، الى أن يجد أطلال بيوت فيطرق باب أحدها. 
وتذكرنا مشاهد الصحراء الشاسعة، التي برع فيها مدير التصوير طارق التلمساني، بفيلم «المومياء» (1970) من إخراج شادي عبدالسلام، وتصوير المبدع عبدالعزيز فهمي، وفي الفيلمين، تمثل اللقطات لوحات فنية معبرة عن شظف العيش في الصحراء وضآلة الإنسان ومعاناته.
وصعوبة البيئة الاجتماعية تكون دافعا للبحث عن الرزق، فنجد الأصدقاء الثلاثة في «ليه يا بنفسج» يسعون إلى الاسترزاق ويقومون بأعمال عدة، لكنهم يفشلون في كل مرة، وفي «عرق البلح» لا يتحرك رجال النجع إلى العمل الجاد إلا حينما يأتي هذا الغريب الذي ذكّرهم بحاجتهم إلى المال، وفي آخر أفلام الكاشف، يعاني «حمودة» الفقر ويعمل على «عربة طعام» من أجل الزواج، ويذهب «منصور» إلى فيلا المليونير «جميل راتب» مستعيدا ذكاء الساحر وخفته في ممارسة الألعاب، من أجل الحصول على المال لإجراء عملية جراحية لابن «شوقية». 
هناك أبعاد أخرى لإنتاج القهر، مثل توجس «منصور» من المجهول وخوفه على ابنته نتيجة للظروف الاجتماعية والأخلاقية السائدة، مما يشكل دافعا نفسيا لأن يمارس تسلطا أبويا عليها، باستمراره في قمعها والتضييق عليها. 
يتسع نطاق القهر ضد المرأة، من قبل أطراف عدة تتمثل في: الأب، والزوج، والأهل، وكيف يؤدي هذا الاستبداد بالمرأة إلى منعطفات حادة في بحثها عن الحرية، حتى وإن كانت حرية منقوصة، على اعتبار أن «الإنسان محكوم عليه بالحرية» بحسب سارتر، فـ «نور» في «الساحر» تواجه استبداد الأب، وتسعى دائما إلى البحث عن حريتها عبر عديد من صور الرفض بخلق حياة أخرى حافلة بالخصوصية، مما يجعل الاطمئنان الزائف للأب - بغلق الباب عليها- أمانا حقيقيا وحجابا لتلك الخصوصية، لكنها تسطو على المفتاح لكي تقضي لحظات الحب، كذلك ذهابها إلى السينما خلسة، ووجودها في أماكن عدة، ما هما إلا محاولة لإيجاد ذرائع لحياة طبيعية ومنطقية كان يجب أن تحياها بدلا من هذه الحياة المفروضة عليها. كذلك الأمر نفسه لدى «جميلة» (شريهان) في «عرق البلح»، حيث حلّقت في فضاء الحرية مستغلة غياب الجميع، وظلت تتقرب من «أحمد»، على الرغم من تقاليد الجنوب الصارمة، فلقي الشاب حتفه على الرغم من أنه طلبها للزواج، لكن لا زواج لمثلهما في ظل ممارسة هذه الحرية المحفوفة بالمخاطر. 

صور الحرية وسلطة الرجل
ترتبط الحرية لدى أبطال رضوان الكاشف بقدر من الخروج على المعتاد، ففي «عرق البلح» تم تصوير «العائد إلى النجع» (عبدالله محمود) في الصحراء، تحيطه الكثبان الرملية على امتداد البصر، تعبيرا عن قيمة الحرية، كما يشير اتساع الصحراء الممتد في الأفق، واللا اعتياد، إلى بنية رمزية وموضوعية لواقع أكثر حرية، وفي «الساحر» هناك فضاءات عديدة تعبر عن السياق ذاته، منها هذه الحرية التي استطاعت (نور) أن تقتنصها، وهي حرية منقوصة، لأن القول بأن الفعل حر - بحسب د. زكريا إبراهيم- إنما يعني أن هذا الفعل غير محدد بأي شرط سابق، أي إنه مستقل تماما، لا عن كل قوة خارجية فحسب، بل عن سائر الدوافع والبواعث الباطنة أيضا، بما في ذلك التصورات والعواطف والميول.
لذلك، فإن البناء الدرامي لفيلم «الساحر» مثلا، يقوم على محورين أساسيين، هما «الأب» و«الابنة»، فقد تخاصرا حول بعضهما البعض في ثنائية جدلية، وكوّنا ثراء دلاليا منفتحا على أفق التأويل، من خلال بعدين أساسيين:
أولهما: في العلاقة بالمجتمع رغم محدوديته، فالأب يمارس دورا سلطويا مستبدا بعزل ابنته الوحيدة عن الحياة الاجتماعية (الشارع، والجيران، والعمل، والدراسة)... إلخ. وانعكاس ذلك على الابنة النزقة، المتوهجة أنوثتها، والفرِحة بها، ووقوعها عند حافة الانحراف بسبب ازدواجية العلاقة بالرجل: الشاب الذي تحبه وتتمناه زوجا لها، و«حازم» (ميكا) حفيد المليونير الذي يصطحبها إلى قاعات الديسكو والحفلات الصاخبة وتعيش معه أوقاتا حميمية. 
آخرهما: في علاقة كل منهما بالآخر (الآخر/ المرأة)، أو (الآخر/ الرجل)، فقد تشكلت حول كل منهما مجموعة من العلاقات الاجتماعية، تبيّن الناتئ والغائر في إشكالية الاستبداد، فضلا عن تناول قضية الصراع الطبقي التي تكشف حقيقة العلاقة بين الفقر والثراء، بين قاع المجتمع بكل ما به من أمراض وفقر وعوز وإحباط، وقمة هذا المجتمع بما به من مظاهر بذَخ واعتلاء وقهر للآخر، وأثر هذا الصراع على المرأة، وبخاصة المرأة ابنة المجتمع الفقير التي تتولى - غالبا - دفع فاتورة هذا الصراع.
هناك، أيضا، قسوة المجتمع على المرأة، بصفته مجتمعاً ذكورياً انتقائياً، فتحيلنا الأحداث إلى هذه القضية من خلال مشهد «السينما» وهو ما أبرز المفارقة العفوية التي كثيرا ما تحدث في المجتمعات التقليدية، فقد اصطحب الأب جارته «شوقية الحفافة» (سلوى خطاب) إلى السينما، مصطفيا فيلما رومانسيا، ونلاحظ دخول «نور»، لكنها تختبئ وتخرج خِلسة، بينما الأب لا يأبه لشيء، وفي علاقته بـ «شوقيّة» مثال آخر، فقد رفضها منذ البداية عندما جاءت تستأجر الغرفة المجاورة، لمجرد أنها امرأة.
كل نماذج المرأة التي يطرحها الكاشف في أفلامه هي نماذج مقهورة وأحيانا منحرفة، وكأن القهر والانحراف صفتان متلازمتان، فإذا تأملنا صورة المرأة في فيلم «الساحر» على سبيل المثال، فسنجد أن الانحراف بدأ بالمعنى السائد، عند (نور) وعند الشخصيتين الثانويتين، ضيفتي الحفّافة، اللتين جاءتا لزيارتها، هما هاربتان من بيتهما، هاربتان من الفقر وربما قسوة الرجل أيضاً، هاتان الشخصيتان، رغم صِغر مساحتْهما؛ إلا أنهما كانتا مؤثرتين وموحيتين لمدلولات القهر والحرية. وتجلى الانحراف بالمعنى الأشمل عند «شوقية» التي عانت قسوة الزوج ووجدت نفسَها وولدَها في غرفة من الخشب على سطح البناية، فسعتْ إلى قتل هذا الزوج. 

معاناة وانحراف
عادة يكون الانحراف بسبب الاستبداد، فـ «نور» تعاني على عدة مستويات، أولها: سلطة الأب، فقد أينعت وأصبح لوجهها جمال فاتن، وارتسم جسدها بصفات الأنوثة اللافتة، لذلك فالأب يخشى عليها من كل شيء، حتى المدرسة، وفضّل أن تمكث في البيت الذي يغلقه عليها بالمفتاح بمجرد خروجه، ورفض خطبتها على من تحب، وظل يستبد بها؛ مبررا ذلك بخوفه عليها من المجتمع. حتى المواصفات التي وضعها لزوجة بديلة تحل محل زوجته المتوفاة، هي مواصفات بدنية صارمة لكي تتمكن تلك الزوجة - على حد تعبيره - من السيطرة على ابنته، فهو يبحث عن سجّانة، على حد تعبير أحد أصدقائه متهكما.
مستويات أخرى من معاناة المرأة، أبرزتها علاقة (الابنة) بثنائية الفقر والثراء، تتمثل في العلاقة بالشابين «حمودة»، و«حازم»، فالأول هو الحبيب والبائع البسيط، ابن البيئة الشعبية، الذي لا يملك شقة للزواج، كحال أغلب أبناء الطبقة البسيطة، والآخر مطرب هاوٍ، رمز للثراء والأبهة، حيث المسكن الراقي والحياة المترفة، والذي استغل براءتها وقلة حدسها وراح ينهش في جسدها البض. 
التطور الدرامي للشخصيات وتنامي الأحداث، جاءا من خلال تطور هذه الحياة الخاصة لـ «نور»، ورد فعل الأب، فهي عندما تتعرف على حازم، تنبهر بمظهره وثرائه وحياته المترفة، وتنساق خلف رغبتها الأنثوية، غير أن هذه الخصوصية تتكشف عندما يراها حبيبها في سيارة فارهة، وما حدث بينهما، وإن كان برغبتها، هو في الحقيقة قهر جسدي مبرر برغبة سطحية ناتجة عن الإحساس بالغبن كرد فعل منطقي لحالة العزلة الاجتماعية، وكل أشكال الحرمان التي تعانيها من قسوة الأب الذي فضّل ان يكون سجّانا أمينا عليها. 
هذا الحرمان أفرز شخصية غير سويّة لا تتدبر أمورها، وأفضى إلى حرية زائفة، نتيجة لغياب البعد الأخلاقي، فالحرية الأخلاقية - وفق د. زكريـا إبراهيم - هي التي نصمم ونعمل بها بعد تدبّر ورويّة، بحيث تجيء أفعالنا وليدة معرفة وتأمل، فنحن لا نشعر بأننا أحرار حينما نعمل بمقتضى أول دافع يخطر لنا على بال، وحينما نتصرف كموجودات غير مسؤولة، بل نحن نشعر بحريتنا حينما نعرف ما نريد، وهو ما سماه كانط بالاستقلال الأخلاقي. 
يبدو أن السجن غواية الأب (منصور بهجت)، فهو إن كان ساحرا يحتاج إلى الحمام كأداة من أدوات عمله، فقد توقفت علاقته بهذا العمل واعتزل السحر، ومع ذلك لايزال يحرص على شراء الحمام ويقوم بحبسه فوق «السطوح»، وهو بعد رمزي معادل للبعد الموضوعي في علاقته بابنته، وأضفى توظيف فكرة الحمام المحبوس فوق سطح البيت، في مقابل الحرمان من متعة التحليق، وكذلك الحصان المقهور، بدلا من الركض والانطلاق، بعدا رمزيا موحيا لكائنات مرهفة، محبة للحياة.
هي الحرية إذن تلك السيمفونية الرائعة التي تغيب عن المرأة، فتغيب معها البهجة وتتوارى الحياة، لذلك نجد «نور» في «الساحر»، و«جميلة» في «عرق البلح» وبطلات «ليه يا بنفسج» يبحثن عنها برعونة وسعي دؤوب لأن يحببن وينطلقن ويسعدن بحياتهن، وإن كان من وجهة نظرهن الخاصة، سيمفونية عزفها الكاشف ببهجة وحزن، فرمى في نفوسنا مشاعر متباينة، ببراعته في توظيف الكوميديا ورسم الشخصيات.   
   وفضلا عن فيلميه الأول والثاني اللذين حققا نجاحا جماهيريا ونقديا كبيراً، فإن فيلم «الساحر» علامة أخرى للكاشف، يجوب بها مناطق في منتهى الخصوصية حول قضايا القهر والحرية، وحول نظرة المجتمع للمرأة، وكيف تتعامل مع تلك النظرة، موظفا لرموز موحية تبين ما يبدو على السطح من علاقات بين المرأة والبيئة الاجتماعية، وما ينتج عن ردود أفعالها إزاء ما تتعرض له من قسوة البيئة الاجتماعية ■