السر الكبير للسيد برعم الصغير

في‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الكبير‭, ‬وتحت‭ ‬سطح‭ ‬التربة‭ ‬حيث‭ ‬نظن‭ ‬أنه‭ ‬مكان‭ ‬هادئ‭ ‬للغاية‭ ‬تبدأ‭ ‬الحكاية‭. ‬ففي‭ ‬أحد‭ ‬حقول‭ ‬شمال‭ ‬أفريقيا‭ ‬يعيش‭ ‬فلاّح‭ ‬نشيط‭ ‬يُدعى‭ ‬سعيد‭, ‬يحب‭ ‬الزراعة‭ ‬ويتقنها‭ ‬بكل‭ ‬براعة‭, ‬يزرع‭ ‬الحبوب‭ ‬والبقوليات‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الفواكه‭ ‬والخضراوات‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كبر‭ ‬سنه‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يتمتع‭ ‬بصحة‭ ‬وعافية‭ ‬ونشاط‭ ‬وحيوية‭, ‬لأنه‭ ‬يتغذى‭ ‬من‭ ‬محاصيله‭ ‬الزراعية‭. ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬استيقظ‭ ‬الفلاح‭ ‬سعيد‭ ‬بكل‭ ‬همة‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬موسم‭ ‬زراعة‭ ‬البذور‭, ‬فأخذ‭ ‬يهيئ‭ ‬التربة‭ ‬ويقلّبها‭ ‬وينثر‭ ‬البذور‭ ‬التي‭ ‬ستنطلق‭ ‬برحلتها‭ ‬الجميلة‭, ‬وتجربتها‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬النموّ‭ ‬والتطور‭, ‬لكن‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬بذرة‭ ‬صغيرة‭ ‬تخشى‭ ‬التجربة‭ ‬الجديدة‭, ‬قفزت‭ ‬مبتعدة‭ ‬وقالت‭: ‬أخشى‭ ‬أن‭ ‬أُوضع‭ ‬في‭ ‬التربة‭ ‬وأبقى‭ ‬وحدي‭!‬

همست‭ ‬بذرة‭ ‬أخرى‭ ‬وقالت‭ ‬لها‭: ‬لا‭ ‬تقلقي‭ ‬يا‭ ‬صديقتي‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بداية‭ ‬الحياة‭ ‬لنا‭! ‬

ردّت‭ ‬البذرة‭ ‬وقالت‭: ‬لكن‭ ‬المكان‭ ‬مظلم‭ ‬وموحش‭! ‬

أجابتها‭ ‬البذرة‭ ‬الأخرى‭: ‬لن‭ ‬تكتشفي‭ ‬أسرار‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تخوضي‭ ‬تجارب‭ ‬جديدة‭. ‬

تردّدت‭ ‬البذرة‭ ‬قليلًا‭, ‬لكن‭ ‬أصابها‭ ‬الفضول‭ ‬لمعرفة‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬إليه‭ ‬ستؤول‭, ‬وتغلبت‭ ‬على‭ ‬مخاوفها‭ ‬واستقرّت‭ ‬بداخل‭ ‬التربة‭.‬

كان‭ ‬الفلاّح‭ ‬سعيد‭ ‬يقوم‭ ‬بسقاية‭ ‬الأرض‭ ‬كل‭ ‬يوم‭, ‬ويتابعها‭ ‬بعناية‭. ‬وبعد‭ ‬أيام‭ ‬عدّة‭ ‬تحرك‭ ‬شيء‭ ‬صغير‭ ‬بداخل‭ ‬البذرة‭, ‬فتعجبت‭ ‬وتساءلت‭: ‬من‭ ‬هناك‭?!‬

أجابها‭ ‬صوت‭ ‬بداخلها‭: ‬آآآه‭, ‬وأخيرًا‭ ‬استيقظت‭, ‬لقد‭ ‬نمت‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭!‬

قالت‭ ‬البذرة‭: ‬من‭ ‬أنت‭?! ‬

أجاب‭ ‬الصوت‭: ‬أعرّفك‭ ‬بنفسي‭ ‬يا‭ ‬بذرتي‭ ‬العزيزة‭, ‬أنا‭ ‬السيد‭ ‬برعم‭, ‬ويُطلق‭ ‬عليّ‭ ‬الجنين‭, ‬أسكن‭ ‬داخل‭ ‬البذرة‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬السنين‭. ‬

أصاب‭ ‬البذرة‭ ‬الذهول‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬برعم‭ ‬صغير‭ ‬يسكن‭ ‬بداخلها‭, ‬وسألته‭: ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬جعلك‭ ‬تستيقظ‭ ‬الآن‭?!‬

أجاب‭ ‬السيد‭ ‬برعم‭: ‬إنه‭ ‬سرّي‭ ‬العجيب‭, ‬مكان‭ ‬رطب‭ ‬ومظلم‭ ‬ودافئ‭, ‬وقتها‭ ‬يحين‭ ‬نشاطي‭ ‬وتبدأ‭ ‬رحلة‭ ‬حياتي‭! ‬

اسمحي‭ ‬لي‭ ‬يا‭ ‬بذرتي‭ ‬العزيزة‭ ‬أن‭ ‬أتغذى‭ ‬على‭ ‬مدّخراتك‭ ‬الغذائية‭ ‬الموجودة‭ ‬بداخلك‭ ‬حتى‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أنمو‭ ‬وأكبر‭, ‬فأنا‭ ‬جائع‭ ‬جدًا‭.‬

ابتهجت‭ ‬البذرة‭ ‬وشعرت‭ ‬بالسعادة‭ ‬لوجود‭ ‬ذلك‭ ‬البرعم‭ ‬بداخلها‭, ‬وأنها‭ ‬لن‭ ‬تشعر‭ ‬بالوحدة‭ ‬معه‭, ‬وستمنحه‭ ‬ما‭ ‬بداخلها‭ ‬من‭ ‬غذاء‭. ‬فما‭ ‬أجمل‭ ‬العطاء‭! ‬

مرّت‭ ‬أيام‭ ‬عدّة‭ ‬وكبر‭ ‬السيد‭ ‬برعم‭ ‬أكثر‭ ‬وأكثر‭, ‬وقال‭: ‬بذرتي‭ ‬العزيزة‭, ‬أشكرك‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قدّمته‭ ‬لي‭, ‬لكن‭ ‬المكان‭ ‬أصبح‭ ‬ضيّقًا‭ ‬عليّ‭, ‬وأتشوّق‭ ‬لأرى‭ ‬العالم‭ ‬الكبير‭ ‬خارج‭ ‬قشرتك‭. ‬

أجابت‭ ‬البذرة‭: ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬أيامًا‭ ‬جميلة‭ ‬أمضيتها‭ ‬بصحبتك‭ ‬وفي‭ ‬رعايتك‭, ‬ولقد‭ ‬نفد‭ ‬مخزون‭ ‬الغذاء‭ ‬الذي‭ ‬بداخلي‭, ‬وعليك‭ ‬أن‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬غذائك‭ ‬في‭ ‬الخارج‭, ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬كبيرًا‭ ‬الآن‭ ‬وتستطيع‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬نفسك‭.‬

قال‭ ‬السيد‭ ‬برعم‭ ‬سأصعد‭ ‬الى‭ ‬أعلى‭ ‬بساقي‭ ‬الصغيرة‭ ‬الخضراء‭, ‬وسأمرّر‭ ‬بعض‭ ‬الشعيرات‭ ‬إلى‭ ‬أسفل‭ ‬حتى‭ ‬تمتصّ‭ ‬ما‭ ‬أحتاجه‭ ‬من‭ ‬التربة‭ ‬من‭ ‬ماء‭ ‬وغذاء‭. ‬هيّا‭ ‬أيتها‭ ‬الشعيرات‭ ‬جاء‭ ‬دورك‭ ‬الآن‭!‬

ويشقّ‭ ‬السيد‭ ‬برعم‭ ‬طريقه‭ ‬خارج‭ ‬البذرة‭, ‬وبعد‭ ‬أيام‭ ‬عدّة‭ ‬يصل‭ ‬ساقه‭ ‬إلى‭ ‬السطح‭ ‬محمّلًا‭ ‬بوريقات‭ ‬صغيرة‭ ‬خضراء‭, ‬وتمتدّ‭ ‬شعيراته‭ ‬أكثر‭ ‬داخل‭ ‬التربة‭, ‬وتصبح‭ ‬جذورًا‭ ‬أكبر‭ ‬وأكبر‭. ‬

السيد‭ ‬برعم‭: ‬لقد‭ ‬وصلت‭ ‬أخيرًا‭, ‬ما‭ ‬أجمل‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬الذهبية‭! ‬أشعر‭ ‬بالطاقة‭ ‬تسري‭ ‬في‭ ‬عروقي‭. ‬نظر‭ ‬حوله‭ ‬فوجد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الوريقات‭ ‬التي‭ ‬تشبهه‭ ‬تنمو‭ ‬حوله‭, ‬ورأى‭ ‬أطفالًا‭ ‬يلعبون‭, ‬وحيوانات‭ ‬ترعى‭ ‬العشب‭ ‬الأخضر‭ ‬في‭ ‬الحقول‭, ‬والفلاح‭ ‬سعيد‭ ‬يتأمّل‭ ‬أرضه‭ ‬بكل‭ ‬سعادة‭ ‬وحبور‭, ‬فهذه‭ ‬الوريقات‭ ‬الصغيرة‭ ‬ستنمو‭ ‬وتصبح‭ ‬شجيرات‭, ‬ثم‭ ‬أشجارًا‭ ‬حبلى‭ (‬مليئة‭) ‬بالثمار‭, ‬وستحمل‭ ‬تلك‭ ‬الثمار‭ ‬بذورًا‭ ‬كثيرة‭ ‬بداخلها‭, ‬لتبدأ‭ ‬كل‭ ‬منها‭, ‬من‭ ‬جديد‭, ‬رحلة‭ ‬لبرعم‭ ‬آخر‭ ‬فريد‭.‬