رحلة مع سبق التخطيط

رحلة مع سبق التخطيط

البحث في أرشيف صور مجلة العربي رحلة قائمة بذاتها، سواء تمت لهدف محدد أو بحث عام عن صور مميزة، وفي أغلب الأحوال لا يستطيع الباحث منع نفسه من الانجذاب لكل ما هو موجود أمامه، ففي كل رحلة يكتشف مزيدا من المفاجآت الجميلة.  ما ينشر عادة من صور في استطلاعات «العربي» هو في الغالب خلاصة الخلاصة، لأن مساحة الصفحات هي الواقع الذي لا مفر منه، ولابد من التضحية بصور رائعة لأجل الحفاظ على نسب المواضيع الأخرى التي ترضي أذواق القراء الذين لا يكتفون بصنف واحد، و«العربي» حافظت لعقود طويلة على تنوع أبوابها ومواضيعها حتى تلبي حاجة قرائها لمدة شهر كامل حتى بداية الشهر التالي وصدور العدد الجديد.
 رحلاتي الأخيرة في أرشيف صور «العربي» أنعشت ذاكرتي مع حكايات من سبقوني من رحالة ومصورين، عاصرتهم وتعلمت منهم الكثير، وأهم ما أذكره في هذا السياق هو «التخطيط» الذي يضمن توفير أسباب نجاح أي رحلة يكون التصوير فيها ركنًا أساسيًا.
إن السفر العشوائي لبلد متجمد أو غارق بمواسم الأمطار لا يمكن الخروج منه سوى ببعض المقابلات والتصوير الداخلي داخل المتاحف مثلًا، أما المناظر العامة كالساحات والبشر والحجر، فلا أمل في التصوير من دون شمس تكفي لإبراز مواطن الجمال والألوان فيها، وتجربتي مع الشمس قبل سنتين في تايوان لا تنسى، ومازلت أتذكر كيف انشقت السماء لتعطيني ما يكفي من النور لالتقاط الصور التي نشرت في ذلك الاستطلاع الذي لم أختر توقيته.
إذاً لم تكن تلك الرحلات الجميلة التي استمتع بها القراء وسافروا فيها من خلال قلم وعدسة «العربي» لدول كثيرة لتتم من دون تخطيط مسبق، وفقط علينا أن نقارن بين ما توفره أدوات الزمن الماضي من معلومات أساسية عن الدول وقائمة الأماكن التي تستحق الزيارة وبالطبع أحوال الطقس، وبين ما توفره لنا الثورة المعلوماتية من سيل جارف من المواد المتنوعة التي تنمي الحيرة في الاختيار بدلا من الاستقرار على مصدر أو مصدرين. لقد كانت الكتب والخرائط هي نجم عمليات البحث عن الوجهات التي تستحق الزيارة، ومن ثم تأتي بعدها عوامل لوجستية، مثل خطوط الطيران والحصول على تأشيرات الدخول ومكان السكن ووسائل النقل... إلخ.
بعض الدول يعمل فيها الناس بطبيعتهم لإنجاح زيارة أي غريب بما يفوق أقصى طموحاته، لأنهم - أي أولئك الناس - يعملون كأدلاء متطوعين، وبعضهم يمتلك معلومات لا توجد في الكتب وتصلح أن تكون ضمن بنية النص المتضمن مشاهدات المستطلع من تجليات اللحظة وتفاعلاته مع كل ما هو محيط به. دول أخرى تسير بالعكس، وميزتها هي صقل الكاتب والمصور على استخلاص المطلوب من دون الاستعانة بأي أحد. في الختام، مع كل التغيرات في عالم الرحلات المصورة، يبقى التخطيط المسبق هو العامل الثابت الذي لا يتغير، ومع كل هذا السيل الجارف من المعلومات التي توحي أنه لا توجد قصص حتى تروى أو أماكن لم تكتشف بعد، فقد زاد التحدي في الحصول على نصوص تثير الدهشة ومداعبة خيال القارئ... فهل نستسلم لهذه الفرضية؟ أعتقد أن الأجمل قادم... وأهلا بالتحدي ■