الأدب النسوي في مرآة النقد الثقافي الروسي

الأدب النسوي  في مرآة النقد الثقافي الروسي

أكد نقاد كثيرون أن وجود الأدب النسوي هو حقيقة واقعة لا تقبل الشك طالما يوجد هناك عالم المرأة الذي يختلف عن عالم الرجل، ويؤكد النقاد المناصرون لهذا المذهب أن للمرأة دوراً هاماً وقوياً في المجتمع، وتظهر عديداً من القضايا التي تخصها وترتبط بحياتها من دون الرجل، بل وتحدد مصيرها.

وانقسم‭ ‬النقاد‭ ‬الروس‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬وصف‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي‭ ‬باعتباره‭ ‬تصنيفاً‭ ‬من‭ ‬تصنيفات‭ ‬الأدب،‭ ‬وما‭ ‬يذهب‭ ‬إليه‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬مجرد‭ ‬ظاهرة‭ ‬ثقافية‭.‬

أما‭ ‬النقاد‭ ‬المناهضون‭ ‬الذين‭ ‬يناصرون‭ ‬السيطرة‭ ‬الذكورية‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبية،‭ ‬فهم‭ ‬لا‭ ‬يؤمنون‭ ‬بأن‭ ‬للمرأة‭ ‬الحق‭ ‬أو‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الإبداع،‭ ‬وإن‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬فهي‭ ‬تظهر‭ ‬كمجرد‭ ‬نموذج‭ ‬فني‭ ‬أو‭ ‬نمط‭ ‬اجتماعي‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬الأدباء‭ ‬الذكور،‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الأنماط‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والشخوص‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬أدبي‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصنيف‭ ‬الأدب‭ ‬حسب‭ ‬الجنس،‭ ‬وإن‭ ‬انقسم‭ ‬فسينقسم‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الأدب‭ ‬الذكوري‭ ‬هو‭ ‬أدب،‭ ‬أما‭ ‬النسوي‭ ‬فهو‭ ‬تيار‭ ‬يتم‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬التحفظ‭. ‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬ترى‭ ‬الناقدة‭ ‬ماريا‭ ‬أرباتافا‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬مشكلة‭ ‬في‭ ‬تفرّد‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي‭ ‬سوى‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬بالاحتكار‭ ‬الذكوري‭ ‬للتجربة‭ ‬الأدبية،‭ ‬فهو‭ ‬يخضع‭ ‬بشكل‭ ‬صارم‭ ‬لقوانين‭ ‬الرقابة‭ ‬الذكورية‭ ‬داخل‭ ‬الفضاء‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬وفقاً‭ ‬للقوانين‭ ‬الذكورية،‭ ‬ما‭ ‬أخاف‭ ‬عديداً‭ ‬من‭ ‬عمالقة‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي‭ ‬من‭ ‬الكاتبات‭ ‬الروسيات‭ ‬أمثال‭ ‬لودميلا‭ ‬بتروشفسكايا‭ ‬وتاتيانا‭ ‬تالستايا‭ ‬ونينا‭ ‬سادور‭ ‬وفاليريا‭ ‬ناربيكوفا‭. ‬وتذكر‭ ‬الناقدة‭ ‬إيلينا‭ ‬تروفيموفا،‭ ‬أن‭ ‬إحدى‭ ‬الحجج‭ ‬التي‭ ‬يتبناها‭ ‬معارضو‭ ‬استخدام‭ ‬ذلك‭ ‬المفهوم،‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينقسم‭ ‬إلى‭ ‬أدب‭ ‬ذكوري‭ ‬وأدب‭ ‬نسوي‭ ‬وإنما‭ ‬إلى‭ ‬أدب‭ ‬جيد‭ ‬وأدب‭ ‬سيئ،‭ ‬فالأدب‭ ‬والفن‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬يعبران‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬فردية‭.‬

يذهب‭ ‬الذكوريون‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬النجاحات‭ ‬المتميزة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الفن‭ ‬المختلفة‭ ‬تنتمي‭ ‬في‭ ‬غالبيتها‭ ‬الساحقة‭ ‬إلى‭ ‬الرجل،‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬موهبته‭ ‬وعبقريته‭ ‬في‭ ‬الإبداع،‭ ‬حيث‭ ‬تتراجع‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الإبداع‭ ‬لفقدانها‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الخصائص‭ ‬الذكورية‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬العبقرية،‭ ‬وقد‭ ‬ذهب‭ ‬أحد‭ ‬النقاد‭ ‬الألمان‭ ‬وهو‭ ‬ماونتير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاستخدام‭ ‬الفني‭ ‬والإبداعي‭ ‬للغة‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬الرجال،‭ ‬أما‭ ‬النساء‭ ‬فهن‭ ‬استخدمن‭ ‬فقط‭ ‬وكررن‭ ‬ما‭ ‬صنعه‭ ‬الرجال،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬تعليم‭ ‬أقل‭ ‬وتكتسب‭ ‬مهارات‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬الرجال‭. ‬

غير‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فئة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬يلجأون‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬فروق‭ ‬بين‭ ‬الأدب‭ ‬الأنثوي‭ ‬والأدب‭ ‬الذكوري،‭ ‬فبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬اختلاف‭ ‬الموضوعات‭ ‬أو‭ ‬اختلاف‭ ‬طرق‭ ‬التعبير‭ ‬عنها،‭ ‬هناك‭ ‬أيضاً‭ ‬اختلاف‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الأسلوب،‭ ‬فهم‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬الأسلوب‭ ‬الفني‭ ‬والأدبي‭ ‬للمرأة‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬أسلوب‭ ‬الرجل،‭ ‬فالأسلوب‭ ‬الذكوري‭ ‬يتميز‭ ‬بالقوة‭ ‬والموضوعية‭ ‬والمنطقية‭ ‬والصراحة‭ ‬المباشرة‭ ‬والوضوح،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬الأسلوب‭ ‬الأنثوي‭ ‬الذي‭ ‬يتميز‭ ‬بالذاتية‭ ‬والشاعرية‭ ‬وعدم‭ ‬الترابط،‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬اختلاف‭ ‬حقيقي‭ ‬بين‭ ‬الكتابات‭ ‬الذكورية‭ ‬والكتابات‭ ‬الأنثوية،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬بدوره‭ ‬اختلافات‭ ‬الدراسات‭ ‬النقدية‭ ‬أيضاً‭ ‬الخاصة‭ ‬بالأدب‭ ‬النسوي،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬انطلق‭ ‬في‭ ‬آرائه‭ ‬من‭ ‬تساوي‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الإبداع‭ ‬والخصائص‭ ‬الفنية‭ ‬والأسلوبية،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬انطلق‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬الاختلاف‭ ‬بينهما،‭ ‬والذي‭ ‬يصل‭ ‬أحياناً‭ ‬إلى‭ ‬التناقض‭ ‬التام‭ ‬بينهما‭.‬

بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬تمييز‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي‭ ‬وتحديد‭ ‬ماهيته،‭ ‬تتداخل‭ ‬عوامل‭ ‬وخصائص‭ ‬عدة‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬توافرها‭ ‬لكي‭ ‬يصبح‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأدب‭ ‬هو‭ ‬أدب‭ ‬أنثوي‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬ومنها‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مؤلف‭ ‬العمل‭ ‬الأدبي‭ ‬امرأة،‭ ‬والبطل‭ ‬الرئيس‭ ‬له‭ ‬أيضاً‭ ‬امرأة،‭ ‬أما‭ ‬المشكلة‭ ‬أو‭ ‬القضية‭ ‬المطروحة،‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬ترتبط‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬بمصير‭ ‬امرأة‭. ‬

كما‭ ‬تلعب‭ ‬رؤية‭ ‬المرأة‭ ‬ونظرتها‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬المحيط‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬الأنثوية‭ ‬دوراً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬ملامح‭ ‬هذا‭ ‬الأدب‭. ‬ومع‭ ‬تحقق‭ ‬هذه‭ ‬الخصائص‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬تم‭ ‬الاعتراف‭ ‬رسمياً‭ ‬بنثر‭ ‬المرأة‭ ‬أو‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي‭ ‬مع‭ ‬نهايات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وأصبح‭ ‬يتسم‭ ‬الآن‭ ‬بأنه‭ ‬ظاهرة‭ ‬ثابتة‭ ‬من‭ ‬ظواهر‭ ‬الأدب‭ ‬الروسي‭ ‬القومي،‭ ‬وأصبحت‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬الأنثوية‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬النقدية‭ ‬والبحثية،‭ ‬وتُعقد‭ ‬المؤتمرات‭ ‬والندوات‭ ‬العلمية‭ ‬والأدبية‭ ‬والثقافية‭ ‬لتجري‭ ‬فيها‭ ‬المناقشات‭ ‬وتعرض‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬المختلفة‭ ‬عنها،‭ ‬وتُطرح‭ ‬الموضوعات‭ ‬الخاصة‭ ‬بجماليات‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي‭ ‬واللغة‭ ‬النسوية‭ ‬والخطاب‭ ‬النسوي،‭ ‬كما‭ ‬يعمل‭ ‬عليها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬والمؤرخين‭ ‬والمشتغلين‭ ‬بالأدب‭.‬

 

خصائص‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي

تحدث‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬المعنيين‭ ‬بالأدب‭ ‬النسوي‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬مشكلتين‭ ‬تتعلقان‭ ‬به،‭ ‬هما‭ ‬‮«‬العدوانية‮»‬‭ ‬و«الطبيعية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تُرجع‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الناقدات‭ ‬السيدات‭ ‬ظهور‭ ‬العدوانية‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬المعيشية‭ ‬للمرأة‭ ‬نفسها‭. ‬فالعمل‭ ‬والأسرة‭ ‬وشؤون‭ ‬البيت‭ ‬والولادة‭ ‬والأطفال‭ ‬والزوج‭ ‬تشكل‭ ‬ضغطاً‭ ‬كبيراً‭ ‬على‭ ‬المرأة،‭ ‬وقد‭ ‬تتعرض‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬الحياتية‭ ‬الأليمة‭ ‬كالطلاق‭ ‬والإجهاض‭ ‬والاغتصاب‭ ‬وخداع‭ ‬الرجل‭ ‬والخيانة،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬يغير‭ ‬في‭ ‬طبيعتها‭ ‬وقد‭ ‬يحولها‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬إيرينا‭ ‬سافكينا‭ ‬من‭ ‬المرأة‭ ‬الضحية‭ ‬إلى‭ ‬المرأة‭ ‬العدوانية،‭ ‬فقد‭ ‬تتخلص‭ ‬من‭ ‬شعورها‭ ‬بالضعف‭ ‬والدونية‭ ‬بالقسوة‭ ‬والعدوانية،‭ ‬وقد‭ ‬تحولها‭ ‬الآلام‭ ‬والمعاناة‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬المجني‭ ‬عليه‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬الجاني‭. ‬بل‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يتولد‭ ‬لديها‭ ‬رفض‭ ‬لطبيعتها‭ ‬الأنثوية‭.‬

وقد‭ ‬ظهرت‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬القضايا‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬الذكور‭ ‬من‭ ‬الروس‭ ‬أمثال‭ ‬أستافيف‭ ‬وجروسمان‭ ‬ودافلاتف‭ ‬وباسترناك‭ ‬وراسبوتين‭ ‬وسالجينتسين‭. ‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مذهب‭ ‬الطبيعية،‭ ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬النقاد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬ليس‭ ‬حيادياً،‭ ‬وأنه‭ ‬ارتبط‭ ‬بالواقعية‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬الواقعية‭. ‬وفي‭ ‬المفهوم‭ ‬النقدي‭ ‬المعاصر‭ ‬أصبحت‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬طبيعية‮»‬‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬تياراً‭ ‬أدبياً‭ ‬معيناً‭ ‬وإنما‭ ‬وصف‭ ‬فظ‭. ‬ووفقاً‭ ‬لرأي‭ ‬بعض‭ ‬الكاتبات‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬أثر‭ ‬لهذا‭ ‬المفهوم‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي،‭ ‬حيث‭ ‬يعتقدن‭ ‬أنه‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الغضب‭ ‬والأعباء‭ ‬والضغوط‭ ‬ورتابة‭ ‬الحياة،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تسامح‭ ‬وغفران،‭ ‬وهما‭ ‬يأتيان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المرأة‭ ‬نفسها‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬مغلقة‭ ‬ومنعزلة‭ ‬عن‭ ‬الحياة،‭ ‬فالأدب‭ ‬النسوي‭ ‬يعطي‭ ‬الإمكان‭ ‬لمحاولة‭ ‬مشاركة‭ ‬القارئ‭ ‬كل‭ ‬اللحظات‭ ‬الصعبة‭ ‬والمريرة‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬المرأة‭ ‬ومشاركته‭ ‬في‭ ‬اجتيازها‭. ‬

 

أهم‭ ‬الموضوعات‭ ‬التي‭ ‬تخص‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي

تتعدد‭ ‬الموضوعات‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي‭ ‬وتميزه‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الآداب،‭ ‬ومنها‭ ‬موضوع‭ ‬جسد‭ ‬المرأة‭ ‬وارتباطه‭ ‬بمصيرها‭. ‬ويؤكد‭ ‬الناقد‭ ‬خارتشيف‭ ‬الارتباط‭ ‬الوثيق‭ ‬بين‭ ‬الجسد‭ ‬والروح،‭ ‬والذي‭ ‬يتجلى‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬سفيتلانا‭ ‬فاسيلينكا‭ (‬الملكة‭ ‬تمارا‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬حرية‭ ‬الاختيار‭ ‬في‭ ‬الحب‭. ‬فها‭ ‬هي‭ ‬البطلة‭ ‬بالينا‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬في‭ ‬عنبر‭ ‬النساء‭ ‬بالمستشفى‭ ‬تقوم‭ ‬بعملية‭ ‬إجهاض‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬طفلاً‭ ‬من‭ ‬زوج‭ ‬غيور‭ ‬تبغضه‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬الفرار‭ ‬منه،‭ ‬حيث‭ ‬يربطها‭ ‬به‭ ‬ثلاثة‭ ‬أطفال‭ ‬آخرون‭. ‬

وتظهر‭ ‬البطلة‭ ‬ناديا‭ ‬التي‭ ‬اختارت‭ ‬الزوج‭ ‬بإرادتها‭ ‬ولكنه‭ ‬خانها،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬تنظر‭ ‬باشمئزاز‭ ‬إلى‭ ‬البطلة‭ ‬تمارا‭ ‬ببطنها‭ ‬القبيح‭ ‬المشوه‭ ‬والمنتفخ‭ ‬وإلى‭ ‬تلك‭ ‬الندبات‭ ‬البيضاء‭ ‬التي‭ ‬تعلو‭ ‬صدرها‭. ‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تمارا‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى‭ ‬اثنتي‭ ‬عشرة‭ ‬مرة،‭ ‬فإنها‭ ‬تعتبر‭ ‬نفسها‭ ‬سعيدة،‭ ‬بل‭ ‬أسعد‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حولها،‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يفقدون‭ ‬الحب،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬تحب‭ ‬بكل‭ ‬جوارحها‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬قسوة‭ ‬المرض‭.‬

يرتبط‭ ‬الإجهاض‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي‭ ‬بموضوعات‭ ‬عدة‭ ‬شائكة،‭ ‬ويعتبر‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬ليس‭ ‬جديداً‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأدب‭ ‬المعاصر،‭ ‬وكان‭ ‬الأدباء‭ ‬يقتربون‭ ‬منه‭ ‬منذ‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الحيطة‭ ‬والحذر‭ ‬لاعتبارات‭ ‬كثيرة،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬ربطوا‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬قضايا‭ ‬أخرى‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬ومجتمعية‭ ‬وغيبية‭.‬

تنعكس‭ ‬قضايا‭ ‬أخرى‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي‭ ‬ترتبط‭ ‬بالأنثى‭ ‬بيولوجياً‭ ‬ونفسياً‭ ‬واجتماعياً،‭ ‬ويتميز‭ ‬ضمن‭ ‬هذه‭ ‬الموضوعات‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة،‭ ‬غياب‭ ‬الحب،‭ ‬التضحية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحبيب،‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الزوج،‭ ‬والوضع‭ ‬والإنجاب‭ ‬والأمومة‭ ‬وتربية‭ ‬الأطفال‭. ‬

وربطت‭ ‬الناقدة‭ ‬ماركوفا‭ ‬قضية‭ ‬غياب‭ ‬الحب‭ ‬بطبيعة‭ ‬المرأة‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬تثق‭ ‬سريعاً‭ ‬بالحبيب،‭ ‬وتطلق‭ ‬كثيراً‭ ‬لنفسها‭ ‬العنان‭ ‬في‭ ‬التعلق‭ ‬بالأحلام‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬وضربت‭ ‬مثالاً‭ ‬مثيراً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬وهو‭ ‬ثقة‭ ‬الروس‭ ‬الزائدة‭ ‬بمستقبل‭ ‬مشرق‭ ‬للبلاد،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬فيه‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬وشيكاً،‭ ‬فالتعلق‭ ‬بفارس‭ ‬الأحلام‭ ‬يلقي‭ ‬بظلاله‭ ‬على‭ ‬المرأة‭ ‬الروسية،‭ ‬وعندما‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬الحلم‭ ‬تكون‭ ‬النتيجة‭ ‬هي‭ ‬الألم،‭ ‬والمعاناة‭ ‬التي‭ ‬تضني‭ ‬القلب‭. ‬فدائماً‭ ‬ما‭ ‬يوجد‭ ‬لدى‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬النثر‭ ‬المعاصر‭ ‬حنين‭ ‬إلى‭ ‬الحب،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يوجد‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬حنين‭ ‬إلى‭ ‬اليوتوبيا‭ ‬الروحية‭.‬

 

صورة‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الكاتبات‭ ‬الروسيات‭ ‬

كشف‭ ‬النقد‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬النظرة‭ ‬السلبية‭ ‬تجاه‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬الكاتبات‭ ‬الروسيات‭ ‬المعاصرات،‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬الآن‭ ‬الرجل‭ ‬غير‭ ‬جذاب‭ ‬بالنسبة‭ ‬لها‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬وظهرت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬النماذج‭ ‬الذكورية‭ ‬التي‭ ‬اتسمت‭ ‬بالأنانية‭ ‬والجبن‭ ‬والوضاعة‭ ‬والتفاهة،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬ذهبن‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬رجل‭ ‬يستحق‭ ‬الحب،‭ ‬بل‭ ‬أشار‭ ‬النقاد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي‭ ‬أصبح‭ ‬مجرد‭ ‬ديكور‭ ‬تضطر‭ ‬الكاتبة‭ ‬أن‭ ‬تتحدث‭ ‬عنه‭ ‬وتشير‭ ‬إليه‭ ‬رغماً‭ ‬عنها،‭ ‬لكي‭ ‬تقنع‭ ‬نفسها‭ ‬أنها‭ ‬موجودة‭ ‬وفاعلة‭ ‬وتستطيع‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬محله‭. ‬

يعتبر‭ ‬موضوع‭ ‬الأمومة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬وأبرز‭ ‬الموضوعات‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي،‭ ‬وما‭ ‬يرتبط‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬الولادة‭ ‬والإنجاب‭. ‬

وتطلق‭ ‬الكاتبات‭ ‬لأنفسهن‭ ‬العنان‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬مكان‭ ‬الولادة،‭ ‬المستشفى‭ ‬أو‭ ‬عيادة‭ ‬النساء‭ ‬والتوليد،‭ ‬التفاصيل‭ ‬الفسيولوجية‭ ‬المصاحبة‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬وارتفاع‭ ‬ضغط‭ ‬الدم،‭ ‬والبطن‭ ‬الضخم‭ ‬المنتفخ‭ ‬وآلام‭ ‬المخاض‭ ‬والوضع‭ ‬والرضاعة‭. ‬

وتستطيع‭ ‬الكاتبة‭ ‬الأنثى‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬عايشتها‭ ‬بنفسها‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬غيرها‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬عنها‭ ‬بالقوة‭ ‬نفسها‭. ‬وتعمد‭ ‬كثيرات‭ ‬من‭ ‬الكاتبات‭ ‬إلى‭ ‬إبراز‭ ‬أن‭ ‬حتى‭ ‬الأمومة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬لا‭ ‬تعطي‭ ‬المرأة‭ ‬الشعور‭ ‬بالكرامة‭ ‬والأمان،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬تضطر‭ ‬أحياناً‭ ‬للعيش‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬ثقة‭ ‬وعدم‭ ‬يقين‭ ‬مستمرين،‭ ‬وتفتقد‭ ‬الاستقرار‭ ‬الروحي‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المكاني‭ ‬أحياناً،‭ ‬وتجتاز‭ ‬طريقاً‭ ‬طويلاً‭ ‬من‭ ‬العناء‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬الأبناء‭. 

لقد‭ ‬أثار‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الملحة‭ ‬والشائكة‭ ‬التي‭ ‬أثرت‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبية‭ ‬وأضافت‭ ‬لها‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬مختلف،‭ ‬وهو‭ ‬منظور‭ ‬المرأة‭ ‬لنفسها،‭ ‬وما‭ ‬يتعلق‭ ‬بها‭ ‬وبالمجتمع‭ ‬من‭ ‬حولها،‭ ‬فهي‭ ‬أقدر‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬عمقاً‭ ‬وأكثر‭ ‬تفصيلاً‭ ‬من‭ ‬الرجل‭. ‬

 

أشهر‭ ‬رموز‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي

مع‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬ظهرت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الكاتبات‭ ‬الروسيات‭ ‬المعاصرات‭ ‬اللاتي‭ ‬فرضن‭ ‬أنفسهن‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبية‭ ‬بموهبتهن‭ ‬الأدبية‭ ‬وتجاربهن‭ ‬الحياتية،‭ ‬ولعل‭ ‬أبرزهن‭ ‬لودميلا‭ ‬بتروشفسكايا‭ ‬ولودميلا‭ ‬أوليتساكايا‭ ‬وتاتيانا‭ ‬تالستايا‭ ‬ونينا‭ ‬سادور‭ ‬ومارينا‭ ‬باليا‭ ‬ومارينا‭ ‬فيشنيوفيتسكايا‭ ‬وسفيتلانا‭ ‬فاسيلينكا‭ ‬وفاليريا‭ ‬ناربيكوفا‭ ‬ومارينا‭ ‬ريباكوفا‭ ‬وآنا‭ ‬ماتافييفا‭.‬

وبالتطرق‭ ‬إلى‭ ‬أبرز‭ ‬هؤلاء‭ ‬الكاتبات‭ ‬المعاصرات‭ ‬الآتي‭ ‬تألقن‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬الأدب،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬كلاً‭ ‬منهن‭ ‬أبدت‭ ‬رأيها‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬تجربتها‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬أثرت‭ ‬عالم‭ ‬الأدب‭ ‬الروسي‭ ‬وأضافت‭ ‬له‭ ‬الكثير‭. ‬

فالكاتبة‭ ‬البارزة‭ ‬لودميلا‭ ‬أوليتسكايا‭ ‬عبّرت‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬اللقاءات‭ ‬الصحفية‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فرقاً‭ ‬كبيراً‭ ‬بين‭ ‬الأدب‭ ‬الذكوري‭ ‬والأدب‭ ‬النسوي،‭ ‬وإن‭ ‬تلاقيا‭ ‬أحياناً‭ ‬أو‭ ‬تداخلا‭ ‬جزئياً،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬وتكون‭ ‬الأولوية‭ ‬دائماً‭ ‬لتلك‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بالحب‭ ‬والأسرة‭ ‬والأطفال‭.  

ويعتبر‭ ‬دافع‭ ‬البيت‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الدوافع‭ ‬في‭ ‬إبداع‭ ‬لودميلا‭ ‬أوليتسكايا،‭ ‬الذي‭ ‬تعتمل‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬الأفراح‭ ‬والأحزان‭ ‬والأمنيات‭ ‬والأحلام‭ ‬الأنثوية،‭ ‬وتمكنت‭ ‬أوليتسكايا‭ ‬بفنيتها‭ ‬ومهارتها‭ ‬من‭ ‬تهيئة‭ ‬الرواية‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬ونقلها‭ ‬بلغة‭ ‬الثقافة‭ ‬المعاصرة‭. ‬

وتعتبر‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬ميديا‭ ‬وأطفالها‮»‬‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬إبداع‭ ‬الكاتبة،‭ ‬فلم‭ ‬تتوقف‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬عند‭ ‬التطرق‭ ‬للعلاقات‭ ‬الأسرية‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬تناولت‭ ‬العلاقات‭ ‬البشرية‭ ‬العميقة،‭ ‬كما‭ ‬تصور‭ ‬الكاتبة‭ ‬الحياة‭ ‬المعيشية‭ ‬للمرأة‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬العصور‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تتغير‭ ‬بشكل‭ ‬سريع‭. ‬

وتشير‭ ‬الناقدة‭ ‬تاتيانا‭ ‬روفينسكايا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬تمثل‭ ‬حالة‭ ‬نادرة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي،‭ ‬فالكاتبة‭ ‬لم‭ ‬تختر‭ ‬فقط‭ ‬بطلتها‭ ‬امرأة،‭ ‬وإنما‭ ‬اختارت‭ ‬بعناية‭ ‬اسمها‭ ‬في‭ ‬الرواية،‭ ‬والذي‭ ‬يحمله‭ ‬اسم‭ ‬الرواية‭ ‬نفسها،‭ ‬وأكدت‭ ‬الناقدة‭ ‬أن‭ ‬الاسم‭ ‬كان‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الفكرة‭ ‬والموضوع‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنقلها‭ ‬صفحات‭ ‬الرواية،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التحدث‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الكاتبة‭ ‬اختارت‭ ‬للبطلة‭ ‬اسمها‭ ‬بمحض‭ ‬الصدفة،‭ ‬والذي‭ ‬يحمل‭ ‬دلالات‭ ‬ثقافية‭ ‬متعددة‭ ‬المستويات‭. ‬

ينتمي‭ ‬الاسم‭ ‬إلى‭ ‬إحدى‭ ‬بطلات‭ ‬الروايات‭ ‬الإغريقية‭ ‬القديمة،‭ ‬ولكن‭ ‬ميديا‭ ‬بطلة‭ ‬رواية‭ ‬أوليتسكايا‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬نفس‭ ‬صفات‭ ‬البطلة‭ ‬الإغريقية‭ ‬التي‭ ‬اتسمت‭ ‬بالتهور‭ ‬والجنون‭ ‬وفقدان‭ ‬العقل،‭ ‬فهي‭ ‬لم‭ ‬تقتل‭ ‬أبناءها،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬كانت‭ ‬تجمع‭ ‬حولها‭ ‬أبناءها‭ ‬وأحفادها‭ ‬وإخوانها‭ ‬وأخواتها‭ ‬الكٌثر‭. ‬

كانت‭ ‬معيشتها‭ ‬الأساسية‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬البيت‭ ‬والأسرة،‭ ‬وكانا‭ ‬يمثلان‭ ‬الحياة‭ ‬كلها‭ ‬بالنسبة‭ ‬لها،‭ ‬وهذه‭ ‬الحياة‭ ‬المعيشة‭ ‬هي‭ ‬النموذج‭ ‬الرمزي‭ ‬لعالم‭ ‬المرأة،‭ ‬الذي‭ ‬جسدته‭ ‬الكاتبة‭ ‬بطريقتها‭ ‬الخاصة‭. ‬تميز‭ ‬موضوع‭ ‬الأسرة‭ ‬بشكل‭ ‬جلي‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬أوليتسكايا،‭ ‬ففي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يكتب‭ ‬فيه‭ ‬الأدباء‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬عن‭ ‬الانهيار‭ ‬الأسري،‭ ‬وعن‭ ‬الأسر‭ ‬الناقصة‭ ‬والأسر‭ ‬غير‭ ‬المستقرة،‭ ‬تحدثت‭ ‬أوليتسكايا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬بطلتها‭ ‬المرأة‭ ‬هي‭ ‬الروح‭ ‬والمركز‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬الأسرة‭ ‬الكبيرة‭. ‬

يتجلى‭ ‬موضوع‭ ‬الأسرة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬آخر‭ ‬متميز‭ ‬في‭ ‬إبداع‭ ‬لودميلا‭ ‬أوليتسكايا‭ ‬وهو‭ ‬روايتها‭ ‬‮«‬صونيتشكا‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬نفس‭ ‬اسم‭ ‬بطلتها،‭ ‬تلك‭ ‬الفتاة‭ ‬الدميمة‭ ‬الوجه‭ ‬الجميلة‭ ‬الروح‭ ‬والطبع‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬شغوفة‭ ‬بالقراءة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الإدمان،‭ ‬وكانت‭ ‬لا‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬حياتها‭ ‬الخاصة‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬وساعدها‭ ‬عملها‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المكتبات‭ ‬على‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الاستغراق‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬القراءة‭ ‬والكتب،‭ ‬وكانت‭ ‬تغرق‭ ‬في‭ ‬الخيال،‭ ‬حيث‭ ‬تتخيل‭ ‬نفسها‭ ‬مكان‭ ‬بطلات‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقرأها،‭ ‬فكانت‭ ‬تحب‭ ‬وتتألم‭ ‬وتعيش‭ ‬كل‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتهن،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬يغنيها‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المشاعر‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأقدار‭ ‬لعبت‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تلتقي‭ ‬البطلة‭ ‬صونيتشكا‭ ‬برسام‭ ‬مغمور‭ ‬يكبرها‭ ‬بكثير،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬فيها‭ ‬زوجة‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تتأجج‭ ‬بينهما‭ ‬مشاعر‭ ‬الحب‭. ‬وتزوجت‭ ‬وأنجبت‭ ‬وكرّست‭ ‬كل‭ ‬حياتها‭ ‬لأسرتها‭ ‬وزوجها‭ ‬وابنتها،‭ ‬لتخترق‭ ‬حياتها‭ ‬حادثة‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭ ‬وهي‭ ‬خيانة‭ ‬الزوج‭ ‬الذي‭ ‬تعلق‭ ‬بفتاة‭ ‬تصغره‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬السنون‭ ‬وهي‭ ‬صديقة‭ ‬ابنته،‭ ‬ولم‭ ‬تطلب‭ ‬صونيتشكا‭ ‬الانفصال‭ ‬ولم‭ ‬ترغب‭ ‬أبداً‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬الأسرة،‭ ‬بل‭ ‬ارتضت‭ ‬أن‭ ‬تستكمل‭ ‬حياتها‭ ‬مع‭ ‬الزوج‭ ‬برغم‭ ‬الخيانة،‭ ‬وأن‭ ‬يقتسم‭ ‬الوقت‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬عشيقته،‭ ‬ولكنه‭ ‬تركها‭ ‬وآثر‭ ‬الحياة‭ ‬مع‭ ‬عشيقته‭ ‬وتركتها‭ ‬ابنتها‭ ‬وانفصلت‭ ‬عن‭ ‬الأسرة‭ ‬لتعيش‭ ‬حياتها‭ ‬الخاصة،‭ ‬وكذلك‭ ‬توفي‭ ‬الزوج‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬مشين،‭ ‬وأصرت‭ ‬صونيتشكا‭ ‬أن‭ ‬تخلد‭ ‬ذكراه‭ ‬وأن‭ ‬تقيم‭ ‬معرضاً‭ ‬لعرض‭ ‬لوحاته‭ ‬الفنية،‭ ‬وعادت‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬لتستغرق‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬افتقدته‭ ‬وهو‭ ‬عالم‭ ‬القراءة‭ ‬والكتب‭. ‬

وهكذا‭ ‬تثبت‭ ‬الكاتبة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬هي‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬للأسرة،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬بقائها‭ ‬وحمايتها‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭. 

يتطرق‭ ‬الناقدان‭ ‬نعوم‭ ‬ليدرمان‭ ‬ومارك‭ ‬ليبوفيتسكي‭ ‬إلى‭ ‬إبداع‭ ‬بتروشفسكايا،‭ ‬مؤكدين‭ ‬أن‭ ‬الكاتبة‭ ‬جسّدت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬الأزمة‭ ‬الكارثية‭ ‬للأسرة‭ ‬باعتبارها‭ ‬قضية‭ ‬اجتماعية‭ ‬حرجة‭. ‬فكثيراً‭ ‬ما‭ ‬يكشف‭ ‬الموقف‭ ‬الدرامي‭ ‬لدى‭ ‬الكاتبة‭ ‬تشوه‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة،‭ ‬فانهيار‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اليأس‭ ‬والشعور‭ ‬بالوحدة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التغلب‭ ‬عليها‭. ‬

عمدت‭ ‬الكاتبة‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الأجناس‭ ‬الأدبية‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬جسدت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬قضيتها‭ ‬الإبداعية‭ ‬الرئيسة،‭ ‬وهي‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لشخصية‭ ‬الفرد‭ ‬أن‭ ‬تتشوه‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬البيئة‭ ‬المحيطة،‭ ‬وتحاول‭ ‬أن‭ ‬تكشف‭ ‬العالم‭ ‬الداخلي‭ ‬للإنسان‭ ‬المعاصر‭ ‬وتصوره‭ ‬في‭ ‬أصعب‭ ‬الظروف‭ ‬والمواقف‭ ‬الحياتية‭ ‬المعقدة‭ ‬وتنظر‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الأوضاع‭ ‬من‭ ‬المألوف‭ ‬حتى‭ ‬اللامعقول‭. ‬

تتجلى‭ ‬خصائص‭ ‬إبداع‭ ‬بتروشفسكايا‭ ‬في‭ ‬روايتها‭ ‬القصيرة‭ ‬‮«‬جروزنايا‭ ‬الصغيرة‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬ينعكس‭ ‬فيها‭ ‬موضوع‭ ‬الأسرة‭ ‬بشكل‭ ‬واضح،‭ ‬فالبطلة‭ ‬الرئيسة‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭ ‬الحديدية‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬لقب‭ ‬جرروزنايا،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬في‭ ‬الروسية‭ ‬المرعبة،‭ ‬تقوم‭ ‬بطرد‭ ‬أبنائها‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬بحجة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الإرث‭ ‬وعدم‭ ‬السماح‭ ‬لهم‭ ‬بتبديد‭ ‬ممتلكات‭ ‬الأسرة،‭ ‬وهي‭ ‬تلك‭ ‬الشقة‭ ‬تبلغ‭ ‬مساحتها‭ ‬150‭ ‬متراً،‭ ‬التي‭ ‬أعطتها‭ ‬إياها‭ ‬السلطة‭ ‬السوفييتية‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬القمع‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الجزيرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تمتلكها‭ ‬عائلتها‭ ‬الثرية‭. ‬فقد‭ ‬طردت‭ ‬الابن‭ ‬الأكبر‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭ ‬الحامل‭ ‬والتي‭ ‬وضعت‭ ‬بمجرد‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬المنزل،‭ ‬طردت‭ ‬كذلك‭ ‬ابنها‭ ‬الأصغر‭ ‬المصاب‭ ‬بالشلل‭ ‬ولم‭ ‬تسمح‭ ‬حتى‭ ‬له‭ ‬بأخذ‭ ‬بطانية‭ ‬لكي‭ ‬يغطي‭ ‬بها‭ ‬قدميه،‭ ‬ولم‭ ‬تسمح‭ ‬للفتاتين‭ ‬اليتيمتين،‭ ‬وقد‭ ‬كانتا‭ ‬ابنتي‭ ‬أقرب‭ ‬أصدقاء‭ ‬الزوج‭ ‬أن‭ ‬تتخطيا‭ ‬عتبة‭ ‬البيت‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬المجاعة‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬عام‭ ‬1944م،‭ ‬وكان‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ظناً‭ ‬منها‭ ‬أنها‭ ‬ستحافظ‭ ‬على‭ ‬البيت‭ ‬والأسرة،‭ ‬ولكنها‭ ‬ارتمت‭ ‬في‭ ‬نيران‭ ‬الوحدة‭ ‬الموحشة‭.‬

ويلاحظ‭ ‬الناقد‭ ‬ميخائيل‭ ‬تشيرنياك‭ ‬أن‭ ‬أبطال‭ ‬وشخصيات‭ ‬بتروشفسكايا‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬يعيشون‭ ‬حياة‭ ‬تعسة‭ ‬صعبة،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬تؤدي‭ ‬ظروف‭ ‬الحياة‭ ‬القاسية‭ ‬إلى‭ ‬تبلد‭ ‬مشاعرهم‭. ‬

إن‭ ‬عالم‭ ‬بتروشفسكايا‭ ‬عالم‭ ‬مؤلم‭ ‬قاتم‭ ‬تتبدد‭ ‬فيه‭ ‬المشاعر‭ ‬النبيلة‭ ‬والأحاسيس‭ ‬المرهفة،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬أبطاله‭ ‬غير‭ ‬أصحاء‭ ‬بدنياً‭ ‬أو‭ ‬روحياً،‭ ‬حيث‭ ‬تعكس‭ ‬الكاتبة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الشخوص‭ ‬نقص‭ ‬العالم‭ ‬بأكمله‭. ‬وتتشابه‭ ‬بتروشفسكايا‭ ‬مع‭ ‬أنطون‭ ‬تشييخف،‭ ‬الكاتب‭ ‬الروسي‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬الأشهر‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الأدب‭ ‬الروسي،‭ ‬الذي‭ ‬صوّر‭ ‬في‭ ‬أعماله‭ ‬الانحراف‭ ‬عن‭ ‬الأعراف‭ ‬والمألوف‭ ‬لتتوق‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مألوف‭.‬

أما‭ ‬الكاتبة‭ ‬الثالثة‭ ‬التي‭ ‬تتطرق‭ ‬لها‭ ‬دراستنا‭ ‬كأحد‭ ‬رموز‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي‭ ‬المعاصر‭ ‬فهي‭ ‬تاتيانا‭ ‬تالستايا،‭ ‬التي‭ ‬كرّست‭ ‬إبداعها‭ ‬لتناول‭ ‬قضايا‭ ‬الحياة‭ ‬البشرية‭ ‬الأبدية،‭ ‬كالخير‭ ‬والشر،‭ ‬والحياة‭ ‬والموت،‭ ‬والعلاقات‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬والوعي‭ ‬الذاتي،‭ ‬وتحديد‭ ‬المصير،‭ ‬وتدلي‭ ‬الناقدة‭ ‬فالنتينا‭ ‬سلافينا‭ ‬برأيها‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬تجربة‭ ‬تالستايا‭ ‬الإبداعية،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أن‭ ‬الشوق‭ ‬والشغف‭ ‬المستمر‭ ‬إلى‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬المفقودة‭ ‬والذي‭ ‬عبرت‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬أعمالها‭ ‬هو‭ ‬إحدى‭ ‬سمات‭ ‬عودة‭ ‬الأدب‭ ‬الروسي‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬كشفه‭ ‬للحقائق‭ ‬الحياتية‭ ‬والروحية‭ ‬والدعوة‭ ‬للتمسك‭ ‬بها‭. ‬

تتداخل‭ ‬النصوص‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والفنية‭ ‬في‭ ‬إبداع‭ ‬تالستايا‭ ‬لتشكل‭ ‬نسيجاً‭ ‬موحداً،‭ ‬ويؤكد‭ ‬جميع‭ ‬الباحثين‭ ‬أن‭ ‬الشخوص‭ ‬في‭ ‬أعمالها‭ ‬حالمون‭ ‬في‭ ‬أغلبهم،‭ ‬ويجمعون‭ ‬بين‭ ‬الواقع‭ ‬وبين‭ ‬أحلامهم‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتحقق،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬تتشكل‭ ‬أعمالها‭ ‬‮«‬الساحة‮»‬‭ ‬و‮«‬يوم‭ ‬المرأة‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬ينعكس‭ ‬فيهما‭ ‬عالم‭ ‬الأحلام‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتناقص‭ ‬فيه‭ ‬الجمال،‭ ‬ولا‭ ‬الروحانيات‭ ‬ولا‭ ‬الحب‭ ‬المتبادل،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬مقومات‭ ‬الحياة‭ ‬الفطرية‭. ‬وينعكس‭ ‬موقف‭ ‬المؤلفة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أبطال‭ ‬أعمالها‭ ‬الذين‭ ‬يعبرون‭ ‬عن‭ ‬وجهة‭ ‬نظرها‭ ‬المناقضة‭ ‬للعالم‭ ‬المحيط‭. ‬

تجسد‭ ‬تالستايا‭ ‬في‭ ‬أعمالها‭ ‬بشكل‭ ‬ساخر‭ ‬عبث‭ ‬وتفاهة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬الحياة،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تكشف‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬المثل‭ ‬السامية‭ ‬والقيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬الرفيعة‭ ‬للشعب‭ ‬الروسي،‭ ‬وتتجلى‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬أعمالها‭ ‬‮«‬الساحة‮»‬‭ ‬و«الجثة‭ ‬الرئيسة‮»‬‭ ‬و«وجوه‭ ‬غير‭ ‬صالحة‮»‬‭ ‬و«الليل‮»‬‭ ‬و«سونيا‮»‬‭ ‬و«الدائرة‮»‬‭. ‬

يتماشى‭ ‬إبداع‭ ‬تالستايا‭ ‬مع‭ ‬ممثلي‭ ‬التيار‭ ‬الأدبي‭ ‬الروسي‭ ‬المعاصر،‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬سمات‭ ‬الواقعية‭ ‬والحداثة‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‭.‬

وفي‭ ‬الختام‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬النقد‭ ‬الثقافي‭ ‬الحديث‭ ‬يعكس‭ ‬سمات‭ ‬الفن‭ ‬الأدبي‭ ‬الروسي‭ ‬المعاصر،‭ ‬ويلخص‭ ‬نتائج‭ ‬التجارب‭ ‬الفنية‭ ‬خلال‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اكتشافات‭ ‬أسلوبية‭ ‬وخصائص‭ ‬جمالية‭ ‬جديدة،‭ ‬ويلعب‭ ‬دوراً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬آفاق‭ ‬المستقبل‭ ‬الثقافي،‭ ‬كما‭ ‬يعكس‭ ‬البحث‭ ‬الحثيث‭ ‬والمضني‭ ‬عن‭ ‬المثل‭ ‬العليا‭ ‬مادام‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الهدف‭ ‬الرئيس‭ ‬لكل‭ ‬فنان‭ ‬كلمة‭ ‬حقيقي‭. ‬

وكل‭ ‬محاولة‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬تصنيف‭ ‬ما‭ ‬لإبداع‭ ‬المرأة‭ ‬ستؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬النفاذ‭ ‬والتعمق‭ ‬في‭ ‬إبداع‭ ‬أحد‭ ‬جنسي‭ ‬البشرية‭ ‬الرئيسين‭ ‬والشريك‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭... ‬المرأة‭ ‬