من دروس الأدب الروسي

من دروس الأدب الروسي

يمكن الحديث بلا انقطاع عن الأدب الروسي، إلا أنه حديث متشعب ومحفوف بالصعوبة والمتعة معاً، تماماً كغابات التايغا الكثيفة، ورافد نهر  الفولغا الكثيرة، وبحيرة بايكال العميقة، وسهوب سيبيريا الشاسعة، وحضارة الشعوب المتنوعة قوميات وثقافات.

إذا‭ ‬صح‭ ‬أن‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬لا‭ ‬يلتقيان،‭ ‬كما‭ ‬يقال‭ ‬عادة‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬السياسية،‭ ‬فإن‭ ‬أدب‭ ‬اللغة‭ ‬الروسية‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬ثقافة‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق‭ ‬في‭ ‬بوتقة‭ ‬واحدة،‭ ‬أو‭ ‬باقة‭ ‬متعددة‭ ‬الألوان‭ ‬والأشكال‭ ‬و«الشتوكات‮»‬‭. ‬ومن‭ ‬أجمل‭ ‬العادات‭ ‬الروسية‭ ‬تهادي‭ ‬أزهار‭ ‬معينة،‭ ‬حسب‭ ‬المناسبات،‭ ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬لماذا،‭ ‬السعيدة‭ ‬فردية‭ ‬والحزينة‭ ‬زوجية‭.‬

ولذلك‭ ‬امتاز‭ ‬أدب‭ ‬الشعب‭ ‬الروسي‭ ‬بالعمق‭ ‬المحلي‭ ‬القومي،‭ ‬وتميز‭ ‬بالبعد‭ ‬الكوني‭ ‬الإنساني‭. ‬والتراث‭ ‬الأدبي‭ ‬والفني‭ ‬الغني‭ ‬لشاعره‭ ‬الأكبر‭ ‬ألكسندر‭ ‬بوشكين‭ - ‬وحده‭ - ‬أبرز‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬جمال‭ ‬هذا‭ ‬التفاعل‭ ‬الحضاري،‭ ‬والحوار‭ ‬الثقافي،‭ ‬السلافي‭ ‬الأوربي‭ ‬والإفريقي‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬اليهودي‭ ‬والهندي‭ ‬المسيحي‭ ‬والبوذي‭ ‬الفارسي‭ ‬واليوناني‭ ‬الوثني،‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬الداعية‭ ‬إلى‭ ‬حسن‭ ‬الجوار‭ ‬والدالة‭ ‬على‭ ‬قيمة‭ ‬التمثل‭ ‬والاستيعاب‭ ‬المتجلي‭ ‬في‭ ‬سجية‭ ‬أي‭ ‬أمة،‭ ‬والشاهدة‭ ‬بالتالي‭ ‬على‭ ‬عظمة‭ ‬‮«‬الطبع‭ ‬الروسي‮»‬‭ - ‬حسب‭ ‬تعبير‭ ‬أقصوصة‭ ‬أليكسي‭ ‬تولستوي‭: ‬روسكي‭ ‬خاراكطير،‭ ‬الذي‭ ‬استطاع‭ ‬خلال‭ ‬حيز‭ ‬زمني‭ ‬وجيز‭ ‬جداً‭ ‬وظروف‭ ‬قاسية،‭ ‬كالقنانة‭ ‬والحروب‭ ‬الطاحنة،‭ ‬توحيدَ‭ ‬إماراته‭ ‬وتحديثَ‭ ‬دولته‭ ‬وشعبه‭ ‬وتجديدَ‭ ‬لغته‭ ‬وأدبه‭ - ‬الكلاسيكي،‭ ‬أولا،‭ ‬بتياريه‭ ‬الأساسيين‭ ‬والرئيسين‭ ‬الرومانتيكي‭ ‬والواقعي،‭ ‬ثم‭ ‬المعاصر،‭ ‬تالياً،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬الإبداع‭ ‬الشعري‭ ‬والسردي‭ ‬النقدي‭ ‬والدرامي،‭ ‬وأجناس‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الخلق‭ ‬الروسي،‭ ‬الموسيقي‭ ‬والتشكيلي‭ ‬والسينمائي‭ ‬والفضائي،‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬العبقرية‭ ‬الروسية‭ ‬تحتل‭ ‬مكانة‭ ‬عالمية‭ ‬فريدة،‭ ‬بفضل‭ ‬الانطلاق‭ ‬من‭ ‬تربة‭ ‬المحلي‭ ‬نحو‭ ‬كل‭ ‬الآفاق‭ ‬الممكنة‭ ‬والمستحيلة،‭ ‬والانفتاح‭ ‬الحضاري،‭ ‬التراثي‭ ‬والحداثي،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬بالذات‭ ‬جوهر‭ ‬العولمة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬الواعية،‭ ‬والمثاقفة‭ ‬الخلاقة،‭ ‬الساعية‭ ‬إلى‭ ‬التقدم‭ ‬الإنساني‭ ‬الدائم‭ ‬باستمرار‭ ‬الحياة‭.‬

وطوال‭ ‬تعاقب‭ ‬الحقب‭ ‬التاريخية‭ ‬المديدة،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الآداب‭ ‬الروسية،‭ ‬الكلاسيكية،‭ ‬فالمعاصرة،‭ ‬تابعة‭ ‬أو‭ ‬مقلدة،‭ ‬بل‭ ‬رائدة‭ ‬ومجددة،‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬جميع‭ ‬الفنون‭ ‬والآداب‭ ‬الأجنبية‭ ‬الوافدة،‭ ‬التي‭ ‬تعاملت‭ ‬معها‭ ‬برؤية‭ ‬نقدية‭ ‬ودية‭ ‬وندية‭ ‬معاً‭ ‬ولم‭ ‬تتأثر‭ ‬بها‭ ‬فحسب‭ ‬ولكنها‭ ‬أثّرت‭ ‬فيها‭ ‬وأثْرتها‭ ‬وأضافت‭ ‬إليها‭ ‬ربما‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬أخذت‭ ‬منها‭.‬

وفي‭ ‬سائر‭ ‬الآداب‭ ‬الإنسانية‭ ‬عناصر‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها،‭ ‬أصيلة‭ ‬ودخيلة،‭ ‬من‭ ‬المؤثرات‭ ‬المتبادلة‭ ‬والمتداولة‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬الأدب‭ ‬المقارن‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي،‭ ‬الذي‭ ‬يكشف‭ ‬اللثام‭ ‬عن‭ ‬أوجه‭ ‬الجمال‭ ‬الكامن‭ ‬خلف‭ ‬الشخوص‭ ‬والنصوص‭ ‬المهاجرة‭ ‬بشتى‭ ‬وسائط‭ ‬الاتصال‭ ‬ووسائل‭ ‬الانتقال‭ ‬القديمة‭ ‬والحديثة،‭ ‬عبر‭ ‬قرية‭ ‬العالم‭ ‬الصغيرة‭.‬

تماماً‭ ‬كذاكرة‭ ‬هذه‭ ‬القبة‭ ‬المغربية‭ ‬‮«‬كوبول‮»‬‭ ‬ذات‭ ‬الصوت‭ ‬‮«‬زفوك‮»‬‭ ‬المشترك‭ ‬العربي‭ ‬الفرنسي‭ ‬الروسي‭ ‬التابعة‭ ‬قديماً‭ ‬لمدرسة‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬الخاضعة‭ ‬بدورها‭ ‬لبونيفاس‭ ‬على‭ ‬عهد‭ ‬الاستعمار،‭ ‬والظليلة‭ ‬الآن‭ ‬بأشجار‭ ‬حديقة‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬والتابعة‭ ‬للمجموعة‭ ‬الحضرية‭ ‬وأمام‭ ‬قاعة‭ ‬‮«‬بصمات‮»‬‭ ‬المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬الإسباني‭ ‬‮«‬سيرفانتيس‮»‬‭.‬

وكذلك‭ ‬نلتقي‭ ‬اليوم‭ ‬حول‭ ‬حب‭ ‬الأدب‭ ‬الروسي،‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬ثقافات‭ ‬مشرق‭ ‬ومغرب‭ ‬الشمس،‭ ‬التي‭ ‬تسطع‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬الكوكب‭ ‬والإنسان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭.‬

وقبل‭ ‬سنوات‭ ‬احتفل‭ ‬المغرب‭ ‬بالذكرى‭ ‬المئوية‭ ‬الثانية‭ ‬لميلاد‭ ‬ألكسندر‭ ‬بوشكين،‭ ‬الملقب‭ ‬بشمس‭ ‬الشعر‭ ‬الروسي،‭ ‬وألقاب‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭. ‬مثلما‭ ‬احتفت‭ ‬السفارة‭ ‬الروسية‭ ‬بنخبة‭ ‬مغربية‭ ‬ثقافية‭ ‬وفنية‭ ‬متخرجة‭ ‬من‭ ‬معاهد‭ ‬‮«‬الاتحاد‮»‬‭ ‬الفدرالي‭ ‬الروسي‭.‬

وفي‭ ‬أدب‭ ‬بوشكين‭ ‬يمكن‭ ‬للقارئ‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬يطلع‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬قبسات‭ ‬من‭ ‬القرآن‮»‬‭ ‬ونفحات‭ ‬روسية‭ ‬ورحية‭ ‬مستوحاة‭ ‬من‭ ‬سيرة
‮«‬الرسول‮»‬‭ - ‬بْراروك‭ - ‬الكريم‭ ‬والعظيم‭ ‬ذي‭ ‬‮«‬السلطة‭ ‬الجبارة‭ ‬على‭ ‬العقول‮»‬‭ ‬و«زوجاته‭ ‬الطاهرات‮»‬‭ ‬و«المختلفات‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الزوجات‮»‬‭ ‬وغزليات‭ ‬‮«‬من‭ ‬وحي‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬الفتى‭ ‬‮«‬الدمث‭ ‬والجذاب‮»‬‭ ‬و«ليلى‮»‬‭ ‬الفتاة‭ ‬‮«‬المتهكمة‭ ‬والمتعالية‮»‬‭ ‬وعلى‭ ‬مفردات‭ ‬مفعمة‭ ‬بالحكمة‭ ‬الشعرية‭ ‬والأقوال‭ ‬والأمثال‭ ‬المأثورة‭ ‬والمقتبسة‭ ‬عن‭ ‬حضارة‭ ‬الصحراء‭ ‬وطبيعة‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭. ‬وأن‭ ‬يرى‭ ‬صوراً‭ ‬مشرقة‭ ‬عنه‭ ‬تعالى‭ ‬‮«‬إنه‭ ‬الرحيم‭: ‬قد‭ ‬كشف‭ ‬لمحمد‭ ‬القرآن‭ ‬الساطع‮»‬‭ ‬و‮«‬الكتاب‭ ‬السماوي‮»‬‭ ‬و«تحليق‭ ‬الملائكة‭ ‬في‭ ‬الأعالي‮»‬‭ ‬وجبريل‭ ‬وإسرافيل‭ ‬أو‭ ‬‮«‬سارافيم‭ ‬ذو‭ ‬الأجنحة‭ ‬الستة‮»‬‭ ‬و«الشيطان‮»‬‭ ‬الرجيم‭: ‬‮«‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬تهكم‮»‬‭ ‬و‮«‬يزدري‭ ‬الإلهام‮»‬‭ ‬و«لا‭ ‬يؤمن‭ ‬بالحب‭ ‬والحرية‮»‬‭. ‬وأن‭ ‬يتعرف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬عن‭ ‬غراميات‭ ‬ومغامرات‭ ‬الأمير‭ ‬والأميرة‭ ‬‮«‬روسلان‭ ‬ولودميلا‮»‬‭ ‬و«مجنون‭ ‬ليلى‮»‬‭ ‬و«كليوباترا‮»‬‭ ‬ملكة‭ ‬النيل‭ ‬‮«‬العاشقة‭ ‬الحزينة‮»‬‭ ‬في‭ ‬‮«‬أمسية‭ ‬الداتشا‮»‬‭ ‬و«ليال‭ ‬مصرية‮»‬،‭ ‬و«أندجيلو‮»‬‭ ‬الحاكم‭ ‬الإيطالي‭ ‬والمعادل‭ ‬الروسي‭ ‬للخليفة‭ ‬العباسي‭ ‬‮«‬هارون‭ ‬الرشيد‮»‬‭ ‬في‭ ‬تحفة‭ ‬‮«‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‮»‬‭: ‬‮«‬حيث‭ ‬يقضي‭ ‬المسلم‭ ‬أيامه‭ ‬مستمتعاً‭ ‬مع‭ ‬الحريم‮»‬‭ ‬و«هناك،‭ ‬في‭ ‬عتمة‭ ‬الأشجار،‭ ‬يجلس،‭ ‬على‭ ‬مرمر‭ ‬النافورة‭ ‬الحزينة،‭ ‬العبد‭ ‬الخصي،‭ ‬حارس‭ ‬الحريم‭ ‬الأشيب،‭ ‬ومعه‭ ‬زميله‭ ‬الشاب‭ ‬مسرور،‭ ‬عليل‭ ‬بحسرة‭ ‬النفس‮»‬،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الغزل‭ ‬الروسي‭ ‬والعربي‭ ‬والفارسي،‭ ‬المتدفق،‭ ‬ماء‭ ‬وأضواء‭ ‬وعشقاً‭ ‬وموسيقى،‭ ‬في‭ ‬‮«‬نافورة‭ ‬باختشي‭ ‬سراي‮»‬‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬والجمال‭ ‬الروسي‭ ‬المتشبع‭ ‬والمتشرب‭ ‬بروائع‭ ‬الأدب‭ ‬الغربي‭ ‬والشرقي‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬والمغربي‭ ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إبداع‭ ‬بوشكين،‭ ‬الذي‭ ‬أشاد‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬دراساته‭ ‬عن‭ ‬منابع‭ ‬الشعر‭ ‬الرومانتيكي‭ ‬1825‭ ‬بدور‭ ‬‮«‬المغاربة‭ ‬العرب‮»‬‭ ‬في‭ ‬إلهامه‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬النشوة‭ ‬الروحية‭ ‬وعذوبة‭ ‬الحب‮»‬‭.‬

ومثل‭ ‬تلك‭ ‬الإيحاءات‭ ‬الغربية‭ ‬والشرقية‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬لا‭ ‬تحصر‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬إبداع‭ ‬منشد‭ ‬الإقطاع‭ ‬المحتضر‭ ‬والمغني‭ ‬الأخير‭ ‬للنبلاء‭ ‬وآخر‭ ‬الكلاسيكيين‭ ‬الروس‭ ‬الشاعر‭ ‬والكاتب‭ ‬إيفان‭ ‬بونين‭ ‬الحائز‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للآداب‭ ‬‮«‬عام‭ ‬1933‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬يطلع‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكنه‭ ‬خبرها‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬طوال‭ ‬تجربته‭ ‬الروسية‭ ‬والباريسية‭ ‬وخلال‭ ‬أسفار‭ ‬إلى‭ ‬أقطار‭ ‬عربية‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬إلى‭ ‬الصحراء‭.‬

ومثل‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يحصى‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬إبداع‭ ‬ميخائيل‭ ‬ليرمونتوف‭ ‬وليف‭ ‬تولستوي‭ ‬وغيرهما‭ ‬كثير‭ ‬وغزير‭ ‬من‭ ‬عمالقة‭ ‬وعباقرة‭ ‬الأدب‭ ‬الروسي‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬الرومانتيكي‭ ‬والواقعي‭ ‬والمعاصر،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬قول‭ ‬النقد‭ ‬إن‭ ‬موضوعة‭ ‬الشرق،‭ ‬خاصة‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الروسية‭ ‬وحدها،‭ ‬تمثل‭ ‬موسوعة‭ ‬كبرى،‭ ‬عربية‭ ‬وأمازيغية‭ ‬وإسلامية‭ ‬مشرقية‭ ‬ومغاربية،‭ ‬أغنى‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬حضور‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬معارف‭ ‬المغرب‭ ‬والمشرق‭ ‬الضيقة‭ ‬والمغلقة‭ ‬الخانقة‭ ‬والفقيرة،‭ ‬وقد‭ ‬تحتاج‭ ‬تلك‭ ‬الموسوعة‭ ‬الضخمة‭ ‬والثرية‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬تعويذة‮»‬‭ ‬بوشكين‭ ‬السحرية،‭ ‬أو‭ ‬هدهد‭ ‬وجنّ‭ ‬‮«‬الملك‭ ‬سليمان‭ ‬والأمير‭ ‬تافريدي‮»‬‭ ‬للإحاطة‭ ‬بها‭ ‬وإماطة‭ ‬اللثام‭ ‬عنها‭.‬

وإذا‭ ‬أضيف‭ ‬إليها‭ ‬إنتاج‭ ‬نساء‭ ‬ورجال‭ ‬الاستعراب‭ ‬والاستمزاغ‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬معاهد‭ ‬استشراق‭ ‬موسكو‭ ‬ولينينغراد‭ ‬وطشقند‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬المنتشرة‭ ‬عبر‭ ‬ربوع‭ ‬‮«‬الإيسّيسير‮»‬‭ ‬المتنوع‭ ‬قوميات‭ ‬ولغات‭ ‬وثقافات،‭ ‬لبدا‭ ‬لذوي‭ ‬الألباب‭ ‬من‭ ‬الأعراب‭ ‬الأغراب‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬أوطانهم‭ ‬إلا‭ ‬بأبدانهم،‭ ‬أما‭ ‬أرواحهم‭ ‬فهي‭ ‬تحيا‭ ‬آمنة‭ ‬مطمئنة‭ ‬في‭ ‬مكتبات‭ ‬وخزائن‭ ‬أخرى‭ ‬تحت‭ ‬سماوات‭ ‬بعيدة،‭ ‬يجهلها‭ ‬عقل‭ ‬الحاسوب‭ ‬العربي،‭ ‬الذي‭ ‬يضع‭ - ‬الآن‭ - ‬خطوطاً‭ ‬حمراً‭ ‬وعشواء‭ ‬تحت‭ ‬ما‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬اللسان‭ ‬الروسي‭ ‬وحتى‭ ‬تحت‭ ‬ما‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬قواميس‭ ‬ومعاجم‭ ‬الضاد‭ ‬الجميلة‭ ‬والطويلة‭ ‬اللسان‭. ‬ولذلك‭ ‬فالبحث‭ ‬في‭ ‬الموضوعة‭ ‬الروسية‭ ‬القوية‭ ‬التأثير،‭ ‬شعراً‭ ‬ونقداً‭ ‬وسرداً‭ ‬وفكراً،‭ ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الإبداع‭ ‬الروسي،‭ ‬لايزال‭ ‬قيد‭ ‬الانتظار،‭ ‬كالكشف‭ ‬عن‭ ‬المؤثرات‭ ‬الأدبية‭ ‬الأجنبية‭ ‬الأخرى،‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬النظر‭ ‬إليها‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬أرنبة‭ ‬الأنف‭ ‬إلا‭ ‬قليلاً‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬لسان‭ ‬الأدب‭ ‬الروسي‭ ‬حافل‭ ‬بدروس‭ ‬شتى،‭ ‬أولها‭ ‬ثقافة‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالآخرين،‭ ‬والاغتراف‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬معين،‭ ‬إرواء‭ ‬لغليل‭ ‬العيون‭ ‬قبل‭ ‬إشباع‭ ‬البطون،‭ ‬ونقدا‭ ‬للذات،‭ ‬لا‭ ‬حقداً‭ ‬ولا‭ ‬حسداً‭ ‬يسكنان‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬النخاع،‭ ‬ولا‭ ‬جلداً‭ ‬ولا‭ ‬وأداً‭ ‬للنفس‭ ‬والحرية‭ ‬والإبداع‭ ‬وحب‭ ‬الحياة‭ ‬والجمال‭ ‬والإنسان‭. ‬وآخر‭ ‬تلك‭ ‬الدروس‭ ‬حلم‭ ‬الشاعر‭ ‬بوشكين‭ ‬بأن‭ ‬تلتقي‭ ‬جميع‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬عائلة‭ ‬إنسانية‭ ‬كبرى‭ ‬جميلة‭. ‬ولو‭ ‬وعاها‭ ‬العقل‭ ‬العروبي‭ ‬والمزوغي‭ ‬والطائفي‭ ‬لكانت‭ ‬قبائل‭ ‬الجامعة‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬العالم‭ ‬أحباباً‭ ‬وآداباً‭. ‬ولما‭ ‬حقت‭ ‬عليها‭ ‬نبوءة‭ ‬كاتب‭ ‬‮«‬بطل‭ ‬العصر‮»‬‭ ‬و«شاعر‭ ‬غصن‭ ‬فلسطين‮»‬‭ (‬1837‭) ‬ميخائيل‭ ‬ليرمونتوف‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬الجدل‮»‬‭ (‬1841‭) ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬أطماع‭ ‬الغرب‭ ‬وأوضاع‭ ‬الشرق‭ - ‬خاصة‭ ‬العربي‭ - ‬القديم‭ ‬الإشعاع‭ ‬الحضاري‭ ‬والحاضر‭ ‬المتأخر‭ ‬والمتناحر‭ ‬العشائر‭ ‬والمهزوم‭ ‬المستقبل‭ ‬المرسوم‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬هذا‭ ‬النعي‭ ‬المشؤوم‭:‬

وطرح‭ ‬نظرة‭ ‬حزينة

إلى‭ ‬عشيرة‭ ‬جباله،

وسحب‭ ‬غطاء‭ ‬رأسه‭ ‬إلى‭ ‬حاجبيه

وسكن‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭.‬

وما‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭ ‬نفسه‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬المجد‭ ‬العربي‭ ‬الغابر‭:‬

‭- ‬‮«‬كلا،‭ ‬لقد‭ ‬نُسيتْ‭ ‬قوةُ‭ ‬العرب»؟‭! ‬