د. فاطمة العلي: للمرأة الخليجية منجز حقيقي وأحلم بأن تقود ولا تُقاد

د. فاطمة العلي:  للمرأة الخليجية منجز حقيقي  وأحلم بأن تقود ولا تُقاد

فاطمة يوسف العلي، اسم له حضوره وقيمته في المنجز الثقافي والروائي الكويتي، إذ تعد واحدة من رائدات الأدب النسوي في الكويت. لم تنفصل العلي عن الكويت قلباً وقالباً، حتى أن التاريخ يذكر أنها لم تترك بلدها لتغادر إلى غيره في محنة الغزو العراقي، وبالتالي فهي تتابع كل صغيرة وكبيرة تحدث على أرض الوطن.
 كما تتابع جيداً كل ما يطرح من قضايا، وكل أعمالها تنبض بذلك، وإن كانت تركز على قضايا المرأة على نحو خاص، فلأنها تعتبر نفسها لسان حال بني جنسها، أو هكذا يجب أن تكون، وتقول إنها ستظل تدافع عن حقوق المرأة الكويتية والعربية ومكتسباتها، حتى تحقق كل ما تحلم به لنفسها ولأسرتها ولأبنائها ولوطنها.

‭•‬‭ ‬الأديبة‭ ‬د‭. ‬فاطمة‭ ‬يوسف‭ ‬العلي،‭ ‬باعتبارك‭ ‬من‭ ‬روّاد‭ ‬الكتابة‭ ‬الروائية‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬هل‭ ‬تعتقدين‭ ‬أنك‭ ‬أسست‭ ‬لجيل‭ ‬من‭ ‬الروائيين‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬أو‭ ‬مدرسة‭ ‬في‭ ‬الأسلوب‭ ‬الروائي‭ ‬أو‭ ‬مذهب‭ ‬أدبي‭ ‬معيّن؟

‭- ‬حين‭ ‬كتبت‭ ‬روايتي‭ ‬‮«‬وجوه‭ ‬في‭ ‬الزحام‮»‬،‭ ‬وكنت‭ ‬أول‭ ‬روائية‭ ‬كويتية‭ ‬بهذه‭ ‬الرواية،‭ ‬وأطلقوا‭ ‬عليّ‭ ‬لقب‭ ‬الكاتبة‭ ‬الصغيرة‭ ‬وقتها،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬بالي‭ ‬أني‭ ‬سأكون‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬قدوة‭ ‬لجيل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الكاتبات‭ ‬الشابات،‭ ‬قدوة‭ ‬معنوية‭ ‬بدرجة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬فنية،‭ ‬مثلما‭ ‬اتخذنا‭ ‬من‭ ‬كاتبات‭ ‬الأربعينيات‭ ‬والخمسينيات‭ ‬والستينيات‭ ‬قدوة‭ ‬أيضاً‭.‬

 

أسلوب‭ ‬روائي‭ ‬جديد

جاءت‭ ‬أجيال‭ ‬بعد‭ ‬جيل‭ ‬السبعينيات‭ ‬الذي‭ ‬أنتمي‭ ‬إليه‭ ‬تنادي‭ ‬بالقطيعة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬سبقهم‭ ‬من‭ ‬أجيال،‭ ‬وردّدوا‭ ‬أنهم‭ ‬أجيال‭ ‬بلا‭ ‬آباء،‭ ‬وقد‭ ‬لفتت‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬المراقبين‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬النقدي،‭ ‬وكتبوا‭ ‬عنها‭ ‬واعتبروها‭ ‬قضية‭ ‬أدبية،‭ ‬وتناولوها‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الجوانب،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬التاريخية‭ ‬مليئة‭ ‬بالتجريب‭ ‬الفني،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭ ‬التجريبية‭ ‬كانت‭ ‬هشّة،‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬أن‭ ‬تنتج‭ ‬مدارس‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الأسلوب‭ ‬الروائي،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬ذلك‭ ‬ركض‭ ‬خلفنا‭ ‬كثيرون‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الموهبة‭ ‬الأصيلة،‭ ‬واستوطنوا‭ ‬إبداعنا‭ ‬مثلما‭ ‬استوطنوا‭ ‬قلوبنا،‭ ‬وراحوا‭ ‬يدركون‭ ‬أهمية‭ ‬ما‭ ‬كتبناه،‭ ‬فكنا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم‭ ‬جيل‭ ‬الوسط‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬استندوا‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬إبداعاتهم‭ ‬المختلفة،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬القواعد‭ ‬الفنية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم‭ ‬بمنزلة‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬وقفت‭ ‬أقدامهم‭ ‬فوقه‭ ‬ثابتة‭ ‬قوية‭ ‬لا‭ ‬تميل‭.‬

والمعروف‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬رواية‭ ‬تجريبية‭ ‬بالمعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬كانت‭ ‬رواية‭ ‬ابن‭ ‬فطومة‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الثمانينيات،‭ ‬وقد‭ ‬أوقدت‭ ‬فينا‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬نار‭ ‬القلق‭ ‬ومضت،‭ ‬كما‭ ‬يقولون،‭ ‬ومن‭ ‬بعدها‭ ‬اختلف‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬كثيراً،‭ ‬أصبح‭ ‬أدباً‭ ‬عفياً‭ ‬ونجماً‭ ‬يضيء‭ ‬صباحنا‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬بإبداعات‭ ‬جديدة،‭ ‬وأميل‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭ ‬كانت‭ ‬بمنزلة‭ ‬الزخم‭ ‬الفني‭ ‬الجميل‭ ‬الذي‭ ‬استند‭ ‬إلى‭ ‬مخزون‭ ‬جيد،‭ ‬ثقافياً‭ ‬واجتماعياً،‭ ‬قدمت‭ ‬بعده‭ ‬عديداً‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الإبداعية‭ ‬اللافتة‭ ‬من‭ ‬قصة‭ ‬ورواية،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬أنني‭ ‬حين‭ ‬تجاوزت‭ ‬مرحلة‭ ‬الكاتبة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وأخذتني‭ ‬قضايا‭ ‬المجتمع‭ ‬بآهاتها،‭ ‬وهدّني‭ ‬السفر‭ ‬في‭ ‬جروح‭ ‬وطننا‭ ‬العربي‭ ‬الكبير،‭ ‬واستقر‭ ‬في‭ ‬وعينا‭ ‬الإيمان‭ ‬بأننا‭ ‬مسؤولون‭ ‬ومحمّلون‭ ‬بمهمة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬بني‭ ‬جنسنا،‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬حجم‭ ‬الإبحار‭ ‬في‭ ‬الثقافات‭ ‬الأخرى‭ ‬والاطلاع‭ ‬على‭ ‬الإنتاج‭ ‬العالمي،‭ ‬أصبح‭ ‬لكل‭ ‬كاتبة‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬جيلي‭ ‬أسلوب‭ ‬أدبي،‭ ‬رأى‭ ‬فيه‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬بعدنا‭ ‬اللبنـــــة‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬ثبّتوا‭ ‬بها‭ ‬أقدامهم‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الكتابة‭ ‬والإبداع‭.‬

 

تطوّر‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي

«‬وجوه‭ ‬في‭ ‬الزحام‮»‬،‭ ‬روايتك‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬سنة‭ ‬1971م،‭ ‬عالجت‭ ‬فيها‭ ‬الواقع‭ ‬المعيش‭ ‬بالمجتمع‭ ‬الكويتي،‭ ‬كيف‭ ‬تابعت‭ ‬تطور‭ ‬مجتمع‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬أعمالك‭ ‬منذ‭ ‬السبعينيات‭ ‬إلى‭ ‬الآن؟

‭- ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينفصل‭ ‬الكاتب‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬مجتمعه‭ ‬ووطنه‭ ‬وعالمه،‭ ‬لأنها‭ ‬تمثل‭ ‬المادة‭ ‬الخام‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬ينتجه‭ ‬ويكتبه،‭ ‬وتعد‭ ‬مخزوناً‭ ‬يستمد‭ ‬منه‭ ‬الكاتب‭ ‬أفكاره‭ ‬وتوجهاته‭ ‬ورؤاه‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تكريسها‭ ‬في‭ ‬أعماله‭.‬

وكثير‭ ‬من‭ ‬النقّاد‭ ‬توقفوا‭ ‬أمام‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تناولتها‭ ‬في‭ ‬قصصــــي‭ ‬ورواياتي‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬وجـــــوه‭ ‬في‭ ‬الزحـــــام‮»‬،‭ ‬وجميعها‭ ‬ترتبط‭ ‬بالمرأة،‭ ‬وعنيـــــت‭ ‬فيها‭ ‬بدواخل‭ ‬شخصياتي‭ ‬النسائية‭ ‬المنطلقة‭ ‬من‭ ‬بيئتها‭ ‬المحلية‭ ‬وظروفها‭ ‬القاسية،‭ ‬خاصة‭ ‬وهي‭ ‬تعاني‭ ‬قهــــر‭ ‬الذكــــورة‭ ‬في‭ ‬مجتمعها،‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬مستغرقة‭ ‬في‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬لعنة‭ ‬الرجل‭ ‬داخلها،‭ ‬والنقمة‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬الظروف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الجائرة،‭ ‬إلى‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬القيود‭ ‬والتوق‭ ‬إلى‭ ‬إنسانية‭ ‬رحيمة،‭ ‬تلتمس‭ ‬لها‭ ‬العزاء‭ ‬في‭ ‬أمل‭ ‬أو‭ ‬طيف‭ ‬أمل،‭ ‬كما‭ ‬رأى‭ ‬النقّاد‭ ‬أن‭ ‬الشخصيات‭ ‬النسائية‭ ‬من‭ ‬بطلاتي‭ ‬بعضهن‭ ‬موضع‭ ‬نقد‭ ‬مثلما‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬وجهها‭ ‬وطن‮»‬،‭ ‬وأخريات‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬إدانة،‭ ‬مثلما‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬البومة‮»‬،‭ ‬وأخريات‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬هجاء‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬أوجاع‭ ‬امرأة‭ ‬لا‭ ‬تهدأ‮»‬،‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬تاء‭ ‬مربوطة‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬اعتبروا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يخفف‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬من‭ ‬نزعة‭ ‬النسوية‭ ‬في‭ ‬قصصي‭.‬

 

موضوعات‭ ‬قصصي‭ ‬ورواياتي

وقد‭ ‬عبّرت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬بالذات‭ ‬‮«‬وجهها‭ ‬وطن‮»‬،‭ ‬عن‭ ‬الذات‭ ‬النسائية‭ ‬المقهورة‭ ‬معبّرة‭ ‬عن‭ ‬رؤيتها‭ ‬الوجودية‭ ‬وشواغلها‭ ‬الإنسانية‭ ‬ومصيرها‭ ‬كجماعة‭ ‬نسائية،‭ ‬وتأتي‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬باهت‮»‬‭ ‬لتعبّر‭ ‬عن‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬اختارت‭ ‬طريقاً‭ ‬سهلة‭ ‬هو‭ ‬الفن‭ ‬وأضواؤه‭ ‬الرخيصة،‭ ‬وتبدو‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬العودة‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬العسل‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬السرد‭ ‬القصير‭ ‬أيضاً‭ ‬بمفارقة‭ ‬لفظية،‭ ‬فشهر‭ ‬العسل‭ ‬هو‭ ‬لقاء‭ ‬البطلة‭ ‬برفيقاتها‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وليس‭ ‬شهر‭ ‬العسل‭ ‬الذي‭ ‬نعني‭ ‬به‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬الزوج‭ ‬والزوجة‭ ‬بعد‭ ‬حفل‭ ‬الزفاف‭ ‬والدخلة‭.‬

وقصة‭ ‬‮«‬هو‭ ‬والعكاز‮»‬‭ ‬نموذج‭ ‬طيب‭ ‬للصنعة‭ ‬الفنية‭ ‬المفعمة‭ ‬بالقيم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬حيث‭ ‬تقوم‭ ‬القصة‭ ‬على‭ ‬التناغم‭ ‬بين‭ ‬الفعل‭ ‬الإنساني‭ ‬وأنسنة‭ ‬الأشياء،‭ ‬للكشف‭ ‬عن‭ ‬المشاعر‭ ‬والعواطف‭ ‬الدافئة‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬فقد‭ ‬أخذ‭ ‬الزوج‭ ‬العكاز‭ ‬من‭ ‬والد‭ ‬زوجته،‭ ‬وبدأت‭ ‬الزوجة‭ ‬تغار‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العكاز،‭ ‬ثم‭ ‬اقترحت‭ ‬عليه‭ ‬إعادتها،‭ ‬وحين‭ ‬أعيد‭ ‬العكاز‭ ‬لأبيها‭ ‬عاد‭ ‬الصفاء‭ ‬القديم‭ ‬بينهما‭ ‬إليها‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬غالبية‭ ‬قصصي‭ ‬تبحر‭ ‬في‭ ‬عذابات‭ ‬المرأة‭ ‬ومكابدتها‭ ‬لقهر‭ ‬المجتمع‭ ‬والرجل‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬ففي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬صورة‭ ‬واضحة‭ ‬للرجل،‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬سقط‭ ‬سهواً‮»‬‭ ‬مثلاً،‭ ‬إدانة‭ ‬واسعة‭ ‬وعميقة‭ ‬للزوج‭ ‬الظالم‭ ‬الذي‭ ‬أحب‭ ‬البطلة‭ ‬في‭ ‬أسكتلندا‭ ‬وهما‭ ‬يدرسان‭ ‬الطب،‭ ‬وتزوجها،‭ ‬وكانت‭ ‬هي‭ ‬الأنجح،‭ ‬وحاولت‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬به‭ ‬مراراً‭ ‬دون‭ ‬جدوى،‭ ‬وعمدت‭ ‬إلى‭ ‬مداراته‭ ‬والحرص‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬فائدة،‭ ‬وظلت‭ ‬خاسرة‭ ‬تبكي‭ ‬مصيرها‭ ‬معه،‭ ‬وهناك‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬تتشفى‭ ‬من‭ ‬الرجل،‭ ‬حين‭ ‬تقرر‭ ‬الزوجة‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬الجفاف‮»‬‭ ‬أن‭ ‬تلوذ‭ ‬بصديق‭ ‬زوجها،‭ ‬لأن‭ ‬زوجها‭ ‬أهملها،‭ ‬وحين‭ ‬تهمّ‭ ‬المرأة‭ ‬بطعن‭ ‬زوجها‭ ‬في‭ ‬رجولته،‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬عروس‭ ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬بعد‮»‬،‭ ‬وحين‭ ‬تميل‭ ‬المرأة‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬مدعوي‭ ‬حفل‭ ‬زوجها‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬يا‭ ‬نوم‮»‬،‭ ‬لتنهي‭ ‬عذاب‭ ‬الإهمال‭ ‬بالميل‭ ‬إلى‭ ‬رجل‭ ‬آخر‭.‬

ثم‭ ‬أخوض‭ ‬عبر‭ ‬كتاباتي‭ ‬مرحلة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬متابعة‭ ‬أحوال‭ ‬الوطن‭ ‬والمجتمع،‭ ‬فتأتي‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬لسميرة‭ ‬وأخواتها‮»‬،‭ ‬وفيها‭ ‬تجاوزت‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬بقطر‭ ‬بعينه،‭ ‬واقتربت‭ ‬بل‭ ‬توحّدت‭ ‬الهموم،‭ ‬فأصبحت‭ ‬تستوعب‭ ‬المرأة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬قطر‭ ‬كانت،‭ ‬ورأى‭ ‬النقاد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬القصصية‭ ‬تمثل‭ ‬مرحلة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬النضج‭ ‬الفني‭ ‬وخبرات‭ ‬الكتابة‭ ‬والتجربة‭ ‬الخصبة‭ ‬لدي،‭ ‬مما‭ ‬أسهم‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬التميّز،‭ ‬فهذه‭ ‬القصص‭ ‬تثير‭ ‬أسئلة‭ ‬مهمة‭ ‬وتتضمن‭ ‬في‭ ‬نسيجها‭ ‬إشكاليات‭ ‬جمالية‭ ‬ومعرفية،‭ ‬أردت‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬أن‭ ‬أغامر‭ ‬وأسبح‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬التجريب‭ ‬والتحديث،‭ ‬فكانت‭ ‬بمنزلة‭ ‬النقلة‭ ‬النوعية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الفن،‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬الخطاب‭ ‬النسوي‭ ‬بما‭ ‬يطرحه‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬فكرية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وسياسية‭ ‬تشغل‭ ‬بال‭ ‬المجتمع‭.‬

 

قضايا‭ ‬المرأة

‭•‬‭ ‬تحصّلت‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬المرأة‭ ‬المتميزة‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬قضايا‭ ‬المرأة،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬اهتمامك‭ ‬بالمرأة‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬جل‭ ‬كتاباتك،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬تناضلين‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تقدم‭ ‬المرأة‭ ‬الكويتية؟

‭- ‬أنا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي‭ ‬أناضل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬مقولة‭ ‬‮«‬النساء‭ ‬قادمات‮»‬‭ ‬حقيقة‭ ‬واقعة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬وقد‭ ‬أصبحت‭ ‬النساء‭ ‬جزءاً‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬مسيرة‭ ‬الوطن‭ ‬ومصيره،‭ ‬نعم‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الرجل‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬المرأة‭ ‬بوصفها‭ ‬بوتقة‭ ‬للإنجاب‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬الإنجاز‭ ‬الذي‭ ‬تحلم‭ ‬المرأة‭ ‬بأن‭ ‬تحققه‭ ‬مثل‭ ‬الرجل،‭ ‬لتسبق‭ ‬به‭ ‬الرجل،‭ ‬أحلم‭ ‬بالوقت‭ ‬الذي‭ ‬تقود‭ ‬فيه‭ ‬المرأة‭ ‬ولا‭ ‬تُقاد‭.‬

وفي‭ ‬يقيني‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬صعباً،‭ ‬لأن‭ ‬المرأة‭ ‬العربية‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬والمرأة‭ ‬الخليجية‭ ‬والكويتية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬استطاعت‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬أن‭ ‬تكسب‭ ‬أرضاً‭ ‬واسعة،‭ ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات،‭ ‬والأمر‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬المشاركة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬فحسب،‭ ‬فإلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك‭ ‬هناك‭ ‬وجود‭ ‬حقيقي‭ ‬للمنجز‭ ‬النسائي‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬العلمية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والمعرفية‭ ‬والتطبيقية‭ ‬والإبداعية،‭ ‬وهذا‭ ‬مؤشر‭ ‬مبشّر‭ ‬بمستقبل‭ ‬مشرق‭ ‬للمرأة‭.‬

 

الكتابة‭ ‬للسينما‭ ‬والتلفزيون

‭•‬‭ ‬تحوّلت‭ ‬بعض‭ ‬قصصك‭ ‬إلى‭ ‬دراما‭ ‬تلفزيونية،‭ ‬كيف‭ ‬ترين‭ ‬علاقة‭ ‬النص‭ ‬الأدبي‭ ‬والرواية‭ ‬خاصة‭ ‬بالسينما‭ ‬والتلفزيون؟‭ ‬وهل‭ ‬يستفيد‭ ‬المخرجون‭ ‬ويستغلون‭ ‬القصة‭ ‬والرواية‭ ‬الكويتية‭ ‬في‭ ‬أعمالهم،‭ ‬أم‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬السيناريوهات‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬المدوّنة‭ ‬الإبداعية‭ ‬الحكائية‭ ‬الكويتية؟

‭- ‬هناك‭ ‬من‭ ‬المخرجين‭ ‬مَن‭ ‬يهتم،‭ ‬لكنّ‭ ‬قليلين‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يستفيدون‭ ‬من‭ ‬القصة‭ ‬والرواية‭ ‬الكويتية‭ ‬في‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬دراما‭ ‬تلفزيونية،‭ ‬وأذكر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أنهم‭ ‬استفادوا‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬الكاتب‭ ‬د‭. ‬حمد‭ ‬الشملان‭ ‬الرومي‭ ‬‮«‬إقبال‭ ‬يوم‭ ‬أقبلت‮»‬‭ ‬وحوّلوها‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬فني‭ ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬الفنانة‭ ‬هدى‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬إقبال،‭ ‬كما‭ ‬تحولت‭ ‬رواية‭ ‬سعود‭ ‬السنعوسي‭ ‬‮«‬ساق‭ ‬البامبو‮»‬‭ ‬الحاصلة‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬البوكر،‭ ‬ورواية‭ ‬د‭. ‬نادية‭ ‬القناعي‭ ‬‮«‬عندما‭ ‬خرست‭ ‬الموسيقى‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬دراما‭ ‬تلفزيونية‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أذكر،‭ ‬وغيرها‭.‬

والمشكلة‭ ‬أن‭ ‬المخرجين‭ ‬يرون‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬القصصية‭ ‬والروائية‭ ‬لمعظم‭ ‬المبدعين‭ ‬كتابة‭ ‬لا‭ ‬تصلح‭ ‬للشاشة‭ ‬الصغيرة‭ ‬أو‭ ‬الكبيرة،‭ ‬ولديهم‭ ‬اقتناع‭ ‬بأن‭ ‬الكتابة‭ ‬للدراما‭ ‬التلفزيونية‭ ‬تختلف،‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬أختلف‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬هذا،‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬عمل‭ ‬إبداعي‭ ‬يصلح‭ ‬لأن‭ ‬تتم‭ ‬معالجته‭ ‬بطرق‭ ‬متعددة،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬طرقاً‭ ‬مرئية‭ ‬أو‭ ‬مسموعة‭.‬

وعلى‭ ‬كلّ،‭ ‬هناك‭ ‬أعمال‭ ‬كثيرة‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬دراما‭ ‬تلفزيونية،‭ ‬وحققت‭ ‬نسبة‭ ‬مشاهدة‭ ‬عالية،‭ ‬بما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬الإبداعي‭ ‬الناجح‭ ‬المتميز‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه،‭ ‬ويضمن‭ ‬مشاهديه،‭ ‬ويجدر‭ ‬بي‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬كثيرين‭ ‬من‭ ‬الكتّاب‭ ‬يستهدفون‭ ‬من‭ ‬كتاباتهم‭ ‬مغازلة‭ ‬مخرجي‭ ‬الدراما،‭ ‬لأنهم‭ ‬يعلمون‭ ‬جيداً‭ ‬أن‭ ‬أقصر‭ ‬طريق‭ ‬لتحقيق‭ ‬الشهرة‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬الطريق،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬ألوم‭ ‬عليهم‭ ‬كثيراً،‭ ‬لأن‭ ‬الكاتب‭ ‬عليه‭ ‬أولاً‭ ‬أن‭ ‬يمتلك‭ ‬أدواته‭ ‬الفنية‭ ‬ثم‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الشهرة‭.‬

 

مدارس‭ ‬وتيارات‭ ‬فكرية

‭•‬‭ ‬كيف‭ ‬تقيّمين‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبية‭ ‬الكويتية‭ ‬بعد‭ ‬مجايلة‭ ‬أعمار‭ ‬عدة‭ ‬من‭ ‬الأجيال‭ ‬الأدبية؟،‭ ‬كيف‭ ‬تطوّرت‭ ‬المدونة‭ ‬الأدبية‭ ‬الكويتــية‭ ‬منـــذ‭ ‬البدايات‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬أسلوباً‭ ‬ومضموناً؟‭ ‬وهــــل‭ ‬هــــناك‭ ‬مــــدارس‭ ‬أو‭ ‬تيارات‭ ‬فكرية‭ ‬أدبية‭ ‬واضحة؟‭ ‬وهل‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬حركة‭ ‬أدبية‭ ‬متميزة‭ ‬في‭ ‬الكويت؟

‭- ‬التطور‭ ‬سنّة‭ ‬الحياة،‭ ‬وفكرة‭ ‬أن‭ ‬المبدع‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬انتهى‭ ‬الآخرون،‭ ‬تجعل‭ ‬التطوير‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬الإبداعية‭ ‬مستمراً،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الجيل‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التيار‭ ‬الأدبي‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الفرد‭ ‬المبدع،‭ ‬فالفرد‭ ‬المبدع‭ ‬لو‭ ‬توقف‭ ‬عن‭ ‬تطوير‭ ‬نفسه‭ ‬لمات‭ ‬إبداعياً،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الإنتاج‭ ‬الأدبي‭ ‬والإبداعي‭ ‬والفكري‭ ‬الكويتي‭ ‬يتمتع‭ ‬كثيراً‭ ‬بهذه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التطوير،‭ ‬لكن‭ ‬عند‭ ‬الغربلة،‭ ‬فلست‭ ‬أبالغ‭ ‬حين‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الإنتاج‭ ‬لا‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬المستوى‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬النضج‭ ‬الفني‭ ‬والتقني‭.‬

ومن‭ ‬واقع‭ ‬متابعتي‭ ‬لإبداعات‭ ‬الشباب‭ ‬المختلفة،‭ ‬ألاحظ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تطويراً‭ ‬كبيراً‭ ‬بهذه‭ ‬الإبداعات‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المضمون‭ ‬والشكل‭ ‬والأسلوب،‭ ‬فقد‭ ‬تجاوزت‭ ‬هذه‭ ‬الإبداعات‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المضمون‭ ‬مثلاً،‭ ‬الكتابات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتناول‭ ‬البحر‭ ‬والغوص‭ ‬وتجارة‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬والبترول،‭ ‬بل‭ ‬تجاوزت‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬ملامح‭ ‬التراث‭ ‬الكويتي‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يضمه‭ ‬من‭ ‬تقاليد‭ ‬وأعراف‭ ‬وأخلاق‭ ‬بدوية‭ ‬وحضرية،‭ ‬وأصبحت‭ ‬هذه‭ ‬الإبداعات‭ ‬تحفل‭ ‬بمضامين‭ ‬أخرى‭ ‬حديثة،‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬بعدها‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬القديم،‭ ‬الاحتكاك‭ ‬بالثقافات‭ ‬الأخرى‭ ‬والسفر‭ ‬والإقامة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬عربية‭ ‬وأوربية‭ ‬أخرى،‭ ‬فنجد‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ - ‬مثلاً‭ - ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬تجارب‭ ‬روائية‭ ‬ومضامين‭ ‬تتعلق‭ ‬ببلاد‭ ‬غير‭ ‬الكويت‭.‬

‭ ‬وكذلك‭ ‬هناك‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬مــن‭ ‬الروايات‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬الموت،‭ ‬وفلسفة‭ ‬الحياة،‭ ‬وعن‭ ‬الصداقة‭ ‬وعن‭ ‬التفوق،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الموضوعات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬العلاقـــة‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة،‭ ‬وهناك‭ ‬عدد‭ ‬كـــبير‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬الحب‭ ‬والعاطفة‭ ‬والخيانة،‭ ‬في‭ ‬الوقــــت‭ ‬الذي‭ ‬ارتفع‭ ‬فيه‭ ‬سقف‭ ‬المطالب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ورفاهية‭ ‬الحياة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬موجوداً‭ ‬في‭ ‬السرد‭ ‬القديم،‭ ‬سواء‭ ‬عند‭ ‬جيل‭ ‬الرواد‭ ‬أو‭ ‬جيل‭ ‬الوسط،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬موضوعات‭ ‬جديدة‭ ‬استمدها‭ ‬الكتّاب‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬الحركة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬المعرفية‭ ‬الواسعة‭ ‬ووسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الحديثة‭.‬

أما‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الشكل‭ ‬فهناك‭ ‬تجديد‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬وقلت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إن‭ ‬التجريب‭ ‬لم‭ ‬يتوقف،‭ ‬لدرجة‭ ‬نجد‭ ‬فيها‭ ‬كاتبة‭ ‬مثل‭ ‬أريج‭ ‬اللهو‭ ‬تبدأ‭ ‬روايتها‭ ‬‮«‬لو‭ ‬باقي‭ ‬ليلة‮»‬‭ ‬بالخاتمة،‭ ‬أو‭ ‬كاتبة‭ ‬مثل‭ ‬إستبرق‭ ‬أحمد‭ ‬تصوغ‭ ‬روايتها‭ ‬‮«‬تلقى‭ ‬بالشتاء‭ ‬عالياً‮»‬‭ ‬بالسطر‭ ‬الشعري‭.‬

ومن‭ ‬حيث‭ ‬الأسلوب،‭ ‬فقد‭ ‬ابتعدت‭ ‬الإبداعات‭ ‬عن‭ ‬التيار‭ ‬الإصلاحي‭ ‬أو‭ ‬النزعة‭ ‬الإصلاحية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تصدر‭ ‬مضامينها‭ ‬بشكل‭ ‬منبري‭ ‬وخطابي‭ ‬مباشر،‭ ‬وظهرت‭ ‬أعمال‭ ‬كثيرة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬النقاد‭ ‬النزعة‭ ‬الذهنية،‭ ‬وتعني‭ ‬الهيمنة‭ ‬المفرطة‭ ‬للرؤية‭ ‬الفكرية‭ ‬على‭ ‬النص،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الوجدان‭ ‬والعاطفة‭ ‬والانفعال‭ ‬والغنائية،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬مما‭ ‬يشكّل‭ ‬حيوية‭ ‬الكتابة‭ ‬الأدبية،‭ ‬وأذكر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬برع‭ ‬أصحابها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬الذهني‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬ساق‭ ‬العرش‮»‬‭ ‬للكاتب‭ ‬محمد‭ ‬هشام‭ ‬المغربي،‭ ‬وعلي‭ ‬التميمي‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬سرحان‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تخلو‭ ‬تماماً‭ ‬من‭ ‬اسم‭ ‬البطل‭ ‬الرئيسي‭.‬

كما‭ ‬ظهرت‭ ‬ظــاهرة‭ ‬أسلوبــية‭ ‬أخـــرى‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬هي‭ ‬ظاهرة‭ ‬النزعة‭ ‬الرومانسية،‭ ‬فكانت‭ ‬هناك‭ ‬روايات‭ ‬وقصص‭ ‬كثيرة‭ ‬تـــداعـــب‭ ‬القارئ‭ ‬بلغة‭ ‬رومانسية‭ ‬ناعمة‭ ‬تناقــــش‭ ‬العلاقة‭ ‬بيـــن‭ ‬طرفي‭ ‬الحياة،‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة،‭ ‬وقد‭ ‬لعبت‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النسق‭ ‬الروائي‭ ‬دوراً‭ ‬بارزاً،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الروايات‭ ‬ما‭ ‬أذكر‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬تيامو‮»‬‭ ‬للكاتبة‭ ‬آلاء‭ ‬الأشكناني،‭ ‬وكلمة‭ ‬‮«‬تيامو‮»‬‭ ‬تعني‭ ‬‮«‬بحبك‮»‬‭ ‬بالإيطالية،‭ ‬و«الرابعة‭ ‬فجراً‮»‬‭ ‬للكاتبة‭ ‬شيماء‭ ‬خالد‭ ‬السلمان‭.‬

يعني‭ ‬هناك‭ ‬حركة‭ ‬وهناك‭ ‬تطور‭ ‬في‭ ‬المدوّنة‭ ‬الأدبية‭ ‬الكويتية،‭ ‬وهناك‭ ‬تيارات‭ ‬وأساليب،‭ ‬وهناك‭ ‬مدارس‭ ‬كثيرة،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬النقاد‭ ‬لم‭ ‬يهتموا‭ ‬بإلقاء‭ ‬الضوء‭ ‬عليها،‭ ‬ولعلي‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة‭ ‬أوجه‭ ‬كلامي‭ ‬إلى‭ ‬نقّادنا‭ ‬الأفاضل‭ ‬بأن‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬يتمتع‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الموهبة،‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬الإمكانات‭ ‬التجديدية‭ ‬والتجريبية‭ ‬التي‭ ‬صنعها‭ ‬في‭ ‬السرد‭ ‬الكويتي،‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬يهتموا‭ ‬بهذا‭ ‬الجيل،‭ ‬أدبياً‭ ‬ومعنوياً،‭ ‬لأنه‭ ‬المعبّر‭ ‬عن‭ ‬وجه‭ ‬الكويت‭ ‬الثقافي‭ ‬الآن‭.‬

 

رواية‭ ‬جديدة

‭•‬‭ ‬تشتغلين‭ ‬حالياً،‭ ‬كما‭ ‬علمت،‭ ‬على‭ ‬رواية‭... ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬مضامينها؟

‭- ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬أكتبها‭ ‬الآن‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬الولاء‭ ‬والانتماء‭ ‬للوطن،‭ ‬وتعالج‭ ‬تيمة‭ ‬المستحدثات‭ ‬التي‭ ‬قلبت‭ ‬حياتنا‭ ‬رأساً‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬وجعلت‭ ‬الولاء‭ ‬والانتماء‭ ‬للوطن‭ ‬شيئاً‭ ‬ثانوياً،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬ألفت‭ ‬النظر‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬أن‭ ‬الشباب‭ ‬الآن‭ ‬منشغلون‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكـــــسبوه‭ ‬من‭ ‬حقوق،‭ ‬وليس‭ ‬بما‭ ‬يجب‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يؤدوه‭ ‬من‭ ‬واجبات،‭ ‬فمعظم‭ ‬الشباب‭ ‬الآن‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬تمنحهم‭ ‬من‭ ‬الميزات‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تمنحه‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬لمواطنيها‭ ‬وهم‭ ‬يريدون‭ ‬المزيد،‭ ‬فسعي‭ ‬الإنسان‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬إلى‭ ‬تحصيل‭ ‬المكاسب‭ ‬لا‭ ‬ينتهي،‭ ‬والرواية‭ ‬تعيد‭ ‬صياغة‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بطلة‭ ‬الرواية،‭ ‬وهي‭ ‬شخصية‭ ‬مثقفة‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الثقافة‭ ‬بدرجة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬انتمائها‭ ‬إلى‭ ‬عالمي‭ ‬البيزنس‭ ‬والاقتصاد‭.‬

وهذه‭ ‬الرواية‭ ‬تتمتع‭ ‬بكمّ‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬المعرفية،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنها‭ ‬تمثل‭ ‬حقلاً‭ ‬خصباً‭ ‬وأرضاً‭ ‬واسعة‭ ‬للمعلومات‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المعارف،‭ ‬مثل‭ ‬النبات‭ ‬والطيور‭ ‬والأشجار‭ ‬والقانون‭ ‬والمحاكم‭ ‬والجنسيات‭ ‬المختلفة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬بها‭ ‬اهتماماً‭ ‬بالوصف‭ ‬الداخلي‭ ‬والخارجي‭ ‬للشخصيات‭ ‬والأماكن‭ ‬والزمان،‭ ‬وتتعدد‭ ‬بها‭ ‬الأحداث‭ ‬الرئيسة‭ ‬والفرعية،‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬عادتي‭ ‬في‭ ‬قصصي‭ ‬ورواياتي‭.‬

 

أدب‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتية

‭•‬‭ ‬هل‭ ‬جربت‭ ‬أدب‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتية؟‭ ‬وبرأيك؛‭ ‬هل‭ ‬المرأة‭ ‬العربية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حياتها‭ ‬كتاباً‭ ‬مفتوحاً؟‭ ‬وهل‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تبوح‭ ‬بكل‭ ‬شيء،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬خطوطاً‭ ‬حُمراً؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬صعوبات‭ ‬البوح‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬تقليدية‭ ‬محافظة‭ ‬مثل‭ ‬مجتمعاتنا؟

‭- ‬نحن‭ ‬تربّينا‭ ‬كنساء‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬العربي‭ ‬والشرقي‭ ‬على‭ ‬الحياء،‭ ‬ولا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تبوح‭ ‬بمكنونات‭ ‬أسرارها‭ ‬الداخلية‭ ‬مهما‭ ‬أوتيت‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬والبوح،‭ ‬لأن‭ ‬طبيعة‭ ‬المرأة‭ ‬الشرقية‭ ‬تغلب‭ ‬عليها،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬فربما‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬أكثر‭ ‬رحابة،‭ ‬وأنا‭ ‬لم‭ ‬أعرف‭ ‬امرأة‭ ‬كتبت‭ ‬سيرتها‭ ‬الذاتية‭ ‬وجاهرت‭ ‬باعترافات‭ ‬لها‭ ‬أهميتها‭ ‬الخاصة‭ ‬إلا‭ ‬وهاجمها‭ ‬مجتمعنا،‭ ‬ولعل‭ ‬الكاتبة‭ ‬المصرية‭ ‬نوال‭ ‬السعداوي‭ ‬أقرب‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬مجتمعنا‭ ‬يرفض‭ - ‬هو‭ ‬نفسه‭ - ‬أن‭ ‬تعترف‭ ‬المرأة‭ ‬وتجاهر‭ ‬بدواخلها‭.‬

هناك‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الموازي‭ ‬كاتبة‭ ‬تخدعنا‭ ‬بالأمر،‭ ‬فتكـــــتب‭ ‬رواية‭ ‬مليئة‭ ‬بالاعترافــــات‭ ‬الأنثوية،‭ ‬أو‭ ‬تتضمن‭ ‬جانباً‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬المـــرأة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتخيّله‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬تفوّهت‭ ‬هي‭ ‬بـــــه،‭ ‬ويكون‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬متخيل‭ ‬سردي‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بواقع‭ ‬حياة‭ ‬هذه‭ ‬المرأة‭ ‬الكاتبة،‭ ‬ولهذا‭ ‬ربما‭ ‬أشكك‭ ‬في‭ ‬مصداقيــــة‭ ‬كـــــثير‭ ‬من‭ ‬الاعترافات‭ ‬التي‭ ‬تابعناها‭ ‬وقرأناها‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬معظم‭ ‬الكاتبات،‭ ‬لأن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬الاعترافات‭ ‬يظل‭ ‬دائماً‭ ‬هو‭ ‬تحقيق‭ ‬الشهرة،‭ ‬وإثارة‭ ‬الجدل‭ ‬والقيل‭ ‬والقال‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬الكتابة‭ ‬الفضائحية‭.‬

وفكرة‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬سيرتي‭ ‬الذاتية‭ ‬مطروحة‭ ‬بالتأكيد،‭  ‬لكن‭ ‬يكفيني‭ ‬حالياً‭ ‬أن‭ ‬الشخصيات‭ ‬داخل‭ ‬أعمال‭ ‬أي‭ ‬كاتب‭ ‬تحمل‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬صفاته،‭ ‬وربما‭ ‬جسّدت‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬حياته،‭ ‬وربما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الشخصيات‭ ‬هي‭ ‬انعكاس‭ ‬لشخصيته‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬خفيّ،‭ ‬وأنا‭ ‬لست‭ ‬ممن‭ ‬ينكرون‭ ‬ذلك،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنني‭ ‬أكّدت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬أكتبه‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بحياتي‭ ‬الخاصة،‭ ‬وأنا‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة‭ ‬أثمّن‭ ‬كلمات‭ ‬الكاتبة‭ ‬الشابّة‭ ‬حياة‭ ‬الياقوت‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬روايتها‭ ‬‮«‬كاللولو‮»‬‭ ‬حين‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬‮«‬مَن‭ ‬ظنّ‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬تحمل‭ ‬جزءاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬سيرتها‭ ‬الذاتية‭ ‬فإنها‭ ‬ليست‭ ‬تهمة‭ ‬بهذا‭ ‬القدر‭ ‬من‭ ‬السوء‭ ‬لكي‭ ‬أنفيها‭ ‬عن‭ ‬نفسي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التقارب‭ ‬بين‭ ‬الكاتب‭ ‬وشخصياته‭ ‬أو‭ ‬امتزاجهما‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الصفات،‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منها‭ ‬هي‭ ‬الكاتب‭ ‬نفسه،‭ ‬ليست‭ ‬جناية‭ ‬أدبية،‭ ‬وهناك‭ ‬روايات‭ ‬كثيرة‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬شخصيات‭ ‬كتّابها،‭ ‬رجالاً‭ ‬ونساء‮»‬‭.‬

لكن‭ ‬النقاد‭ ‬أجمعوا‭ ‬على‭ ‬أننا‭ ‬نقع‭ ‬في‭ ‬خطأ‭ ‬فادح‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬تخييل‭ ‬الشخصيات‭ ‬الروائية‭ ‬مثلاً،‭ ‬بمعنى‭ ‬أننا‭ ‬نكون‭ ‬مخطئين‭ ‬جداً‭ ‬حين‭ ‬نتجه‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬التفتيش‭ ‬عن‭ ‬الكاتبة‭ ‬في‭ ‬شخصياتها‭ ‬النسائية،‭ ‬هذا‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬السذاجة،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬تذكّرنا‭ ‬قول‭ ‬غادة‭ ‬السمان‭ ‬في‭ ‬روايتها‭ ‬‮«‬بيروت‭ ‬75‮»‬‭: ‬‮«‬الصياد‭ ‬مصطفى‭ ‬هو‭ ‬أنا‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬القول‭ ‬الذي‭ ‬يعكس‭ ‬رؤية‭ ‬فلوبار‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭.‬

 

الأدب‭ ‬التونسي

‭•‬‭ ‬هل‭ ‬لديك‭ ‬اطلاع‭ ‬على‭ ‬الأدب‭ ‬التونسي؟،‭ ‬أنت‭ ‬التي‭ ‬زرت‭ ‬تونس‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬المرات‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬أدبية‭ ‬مختلفة،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬بقي‭ ‬بالذاكرة‭ ‬من‭ ‬عناوين‭ ‬أو‭ ‬مضامين‭ ‬أو‭ ‬أسماء‭ ‬أثّرت‭ ‬فيك‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البلد؟

‭- ‬تونس‭ ‬في‭ ‬عيوني‭ ‬وفي‭ ‬نظري‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬إسلامي‭ ‬اختار‭ ‬الثقافة‭ ‬نهجاً‭ ‬جوهرياً‭ ‬لكسب‭ ‬الرهانات‭ ‬المختلفة،‭ ‬اقتصادياً‭ ‬واجتماعياً‭ ‬وسياسياً‭.‬

وطبعاً‭ ‬زرت‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الأماكن‭ ‬التونسية‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬عبق‭ ‬التاريخ‭ ‬وسحر‭ ‬التراث،‭ ‬وتضم‭ ‬بين‭ ‬جوانبها‭ ‬الحضارة‭ ‬والثقـــافة‭ ‬والفكر‭ ‬والفن،‭ ‬وتابعت‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬الأدبــي‭ ‬والثقافي‭ ‬والفكري‭ ‬والفني‭ ‬التونسي،‭ ‬وتوقـــــفت‭ ‬كـــــثيراً‭ ‬أمام‭ ‬شـــــاعرة‭ ‬شابة‭ - ‬مثلاً‭ - ‬كنورة‭ ‬عبيد،‭ ‬أو‭ ‬فاطمة‭ ‬عكاشة،‭ ‬أو‭ ‬شاعر‭ ‬شاب‭ ‬مثل‭ ‬هشام‭ ‬المحمدي،‭ ‬أو‭ ‬عبدالله‭ ‬مالك‭ ‬القاسمي،‭ ‬أو‭ ‬فتحي‭ ‬قمري،‭ ‬أو‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الحاجي،‭ ‬أو‭ ‬قاصة‭ ‬جادة‭ ‬مثل‭ ‬آمنة‭ ‬الوسلاتي،‭ ‬أو‭ ‬مليكة‭ ‬نجيب،‭ ‬أو‭ ‬فاطمة‭ ‬الزياتي،‭ ‬أو‭ ‬قاص‭ ‬مثل‭ ‬محمد‭ ‬عيسى‭ ‬المؤدب،‭ ‬أو‭ ‬نورالدين‭ ‬العلوي،‭ ‬إلى‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬الامتداد‭ ‬الحقيقي‭ ‬لمبدعين‭ ‬مهمين‭ ‬كأبي‭ ‬القاسم‭ ‬الشابي،‭ ‬وأحمد‭ ‬خيرالدين،‭ ‬وأحمد‭ ‬ممو،‭ ‬والبشير‭ ‬بن‭ ‬سلامة،‭ ‬والبشير‭ ‬القهوجي،‭ ‬وجعفر‭ ‬ماجد،‭ ‬وحسن‭ ‬نصر،‭ ‬ورياض‭ ‬المرزوقي،‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الكتّاب‭ ‬والنقاد‭ ‬والمبدعين‭.‬

وقد‭ ‬قرأت‭ ‬بعناية‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬حدث‭ ‬أبوهريرة‮»‬‭ ‬لمحمود‭ ‬المسعدي،‭ ‬وهي‭ ‬روايــــة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬الفلسفية‭ ‬الوجودية،‭ ‬وللمسعدي‭ ‬أعمال‭ ‬مهمة‭ ‬أذكرها‭ ‬جيداً‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬السد‮»‬‭ ‬و«مولد‭ ‬النسيان‮»‬،‭ ‬ورواية‭ ‬‮«‬الدقــــلة‭ ‬فــــي‭ ‬عراجينها‮»‬‭ ‬للبشير‭ ‬خريف،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أطول‭ ‬الروايات‭ ‬التونسية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عدد‭ ‬الصفحات،‭ ‬ورواية‭ ‬‮«‬التوت‭ ‬المر‮»‬‭ ‬لمحمد‭ ‬العروسي‭ ‬المطوي،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أدب‭ ‬الواقعية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وتتناول‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الاجتــــماعية،‭ ‬وأبرزها‭ ‬الفقر‭ ‬والبؤس،‭ ‬وأيضاً‭ ‬المجموعة‭ ‬القصصية‭ ‬‮«‬سهرت‭ ‬منه‭ ‬الليالي‮»‬‭ ‬لعلي‭ ‬الدوعاجـــي،‭ ‬وتعبّر‭ ‬عن‭ ‬تضحية‭ ‬المرأة‭ ‬الشرقية‭ ‬من‭ ‬أجـــــل‭ ‬زوجها‭ ‬وبيتها،‭ ‬ورواية‭ ‬‮«‬ليلة‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‮»‬‭ ‬لمحمد‭ ‬صالح‭ ‬الجابري،‭ ‬الـــــتي‭ ‬تم‭ ‬اختــــيارها‭ ‬أفضل‭ ‬رواية‭ ‬عربية‭ ‬عــام‭ ‬1982م،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أذكر،‭ ‬وللجابري‭ ‬عمل‭ ‬مهــم‭ ‬أيضاً‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬البحر‭ ‬ينشر‭ ‬ألواحه‮»‬،‭ ‬وتلك‭ ‬الأعمال‭ - ‬في‭ ‬رأيي‭ - ‬كانت‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الأعمال‭ ‬التـــي‭ ‬حقــــقت‭ ‬النقلة‭ ‬النوعية‭ ‬فنياً‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬التونسية‭.‬

 

حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬التونسية

‭•‬‭ ‬تعتبر‭ ‬تجربة‭ ‬المرأة‭ ‬التونسية‭ ‬ومجلة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬التونسية‭ ‬تجربة‭ ‬متقدمة‭ ‬جداً‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬بقية‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬أنت‭ ‬المدافعة‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬دائماً،‭ ‬كيف‭ ‬تنظرين‭ ‬إلى‭ ‬التجربة‭ ‬التونسية؟‭ ‬وإلى‭ ‬وضع‭ ‬المرأة‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬المجتمع؟

‭- ‬أنا‭ ‬أشهد‭ ‬بالتأكيد‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬كانت‭ ‬تمسك‭ ‬بزمام‭ ‬المبادرة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة،‭ ‬نظراً‭ ‬إلى‭ ‬تاريخها‭ ‬الطويل‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬السياسات‭ ‬الإيجابية‭ ‬للمساواة‭ ‬بين‭ ‬الجنسين،‭ ‬وأعرف‭ ‬أن‭ ‬معارك‭ ‬الحركة‭ ‬النسوية‭ ‬التونسية‭ ‬كانت‭ ‬السر‭ ‬وراء‭ ‬اعتبار‭ ‬تونس‭ ‬الدولة‭ ‬العربية‭ ‬الأكثر‭ ‬تقدماً‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة،‭ ‬فإلغاء‭ ‬تعدد‭ ‬الزوجات‭ ‬والطلاق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قانون‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية،‭ ‬الصادر‭ ‬عام‭ ‬1956م،‭ ‬لايزال‭ ‬يشكّل‭ ‬استثناء‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬هذا،‭ ‬هناك‭ ‬طموحات‭ ‬أكبر‭ ‬للمرأة‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تحققها،‭ ‬وهناك‭ ‬أهداف‭ ‬للحركة‭ ‬النسوية‭ ‬لاتزال‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تحقيقها،‭ ‬فالوضع‭ ‬لايزال‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬المثالية،‭ ‬فالتقارير‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬مراكز‭ ‬البحوث‭ ‬والدراسات‭ ‬المختلفة‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬المرأة‭ ‬التونسية‭ ‬تتعلم،‭ ‬ولكن‭ ‬معدل‭ ‬محو‭ ‬أمية‭ ‬الإناث‭ ‬مازال‭ ‬65.3‭ ‬في‭ ‬المئة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬المعدل‭ ‬ذاته‭ ‬بين‭ ‬الذكور‭ ‬83.4‭ ‬في‭ ‬المئة،‭ ‬وهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬التعقيم‭ ‬القسري‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الريفية‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المسموح‭ ‬ارتداء‭ ‬الحجاب‭ ‬في‭ ‬المكاتب‭ ‬الحكومية‭ ‬والجامعات،‭ ‬لكن‭ ‬القانون‭ ‬لا‭ ‬يطبق‭ ‬دائماً‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬ويستمر‭ ‬التمييز‭ ‬القانوني‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالميراث،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬الآن‭ ‬أولوية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مناصرات‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬التونسية،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬تونس‭ ‬لم‭ ‬تتراجع‭ ‬عن‭ ‬تحفظها‭ ‬حول‭ ‬مواد‭ ‬اتفاقية‭ ‬سيداو‭ ‬المتعلقة‭ ‬بمسألة‭ ‬الميراث‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬يوفق‭ ‬الله‭ ‬الحركة‭ ‬النسوية‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬التي‭ ‬تبذل‭ ‬جهودها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تمكين‭ ‬المرأة‭ ‬التونسية‭ ‬من‭ ‬مكتسباتها‭ ‬ومن‭ ‬حقوقها‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تحصل‭ ‬عليها‭ ‬بعد‭ ‬