العملات الرقمية بين أطماع المستثمرين وتنظيم المؤسسات

العملات الرقمية بين أطماع المستثمرين وتنظيم المؤسسات

حظيت العملات الرقمية خلال الفترة الأخيرة باهتمام معظم المستثمرين والبنوك والجهات الرقابية والبنوك المركزية في العالم، حتى انتشر صيتها بين أوساط غير المهتمين بالجانب الاستثماري أو الاقتصادي ما بين مؤيد ومعارض ومراقب ومتحفظ.

يرجع‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬إلى‭ ‬الرواج‭ ‬الاستثنائي‭ ‬الذي‭ ‬شهدته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عملة‭ ‬رقمية‭ ‬في‭ ‬منصات‭ ‬التداول‭ ‬العالمية،‭ ‬والذي‭ ‬حقق‭ ‬فيها‭ ‬عدد‭ ‬منها‭ ‬قفزات‭ ‬تاريخية‭ ‬لم‭ ‬تخطر‭ ‬على‭ ‬بال‭ ‬أكثر‭ ‬المتفائلين‭ ‬بها،‭ ‬إذ‭ ‬ارتفعت‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬عملة‭ ‬‮«‬بتكوين‮»‬‭ ‬الأكثر‭ ‬شعبية‭ ‬بين‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬2000‭ ‬في‭ ‬المئة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تخسر‭ ‬مطلع‭ ‬العام‭ ‬الحالي‭ ‬نصف‭ ‬القيمة‭ ‬التي‭ ‬كسبتها‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭.‬

وتنطبق‭ ‬هذه‭ ‬التذبذبات‭ ‬الحادة‭ ‬في‭ ‬التداول‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬صعوداً‭ ‬قياسياً‭ ‬لامس‭ ‬نسبة‭ ‬7000‭ ‬في‭ ‬المئة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تهوي‭ ‬إلى‭ ‬نصف‭ ‬قيمتها‭ ‬لاحقاً،‭ ‬مثل‭ ‬الأثيريوم‭ ‬والبتكوين‭ ‬كاش‭ ‬لايتكوين‭ ‬والريبل‭ ‬وكوارك‭ ‬وأورورا‭ ‬كوين‭ ‬وماستر‭ ‬كوين،‭ ‬إذ‭ ‬تشير‭ ‬إحصاءات‭ ‬إعلامية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬يتجاوز‭ ‬1000‭ ‬عملة،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬90‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬منها‭ ‬خامل‭ ‬عن‭ ‬التعاملات‭.‬

 

كيف‭ ‬نشأت‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية؟

لا‭ ‬يعرف‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬متى‭ ‬بدأت‭ ‬فكرة‭ ‬تأسيس‭ ‬أو‭ ‬ابتـــكــــار‭ ‬عـــمــلـــة‭ ‬تمثل‭ ‬دور‭ ‬نظام‭ ‬مدفــــــوعات‭ ‬رقمي‭ ‬عالمــــياً‭ ‬لا‭ ‬يــــتبع‭ ‬أي‭ ‬بـــنك‭ ‬مركـــزي،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬خــــلال‭ ‬فتــــرة‭ ‬تسعينــــيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬سعى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المبرمجين‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تفشــل‭ ‬لأســباب‭ ‬عديدة،‭ ‬أهمها‭ ‬غياب‭ ‬الهيكل‭ ‬التنظيمي‭ ‬والتشريعي،‭ ‬وانخفاض‭ ‬عدد‭ ‬مستخدمي‭ ‬الإنترنت‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬2008،‭ ‬ومع‭ ‬تنامي‭ ‬آثار‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬على‭ ‬الشركات‭ ‬والدول،‭ ‬نشر‭ ‬شخص‭ ‬ياباني‭ ‬اسمه‭ ‬ساتوشي‭ ‬ناكاموتو‭ ‬وثيقة‭ ‬عن‭ ‬‮«‬بتكوين‮»‬‭ ‬كنظام‭ ‬عملة‭ ‬إلكتروني‭.‬

وفي‭ ‬يناير‭ ‬2009‭ ‬تم‭ ‬إطلاق‭ ‬أول‭ ‬عملة‭ ‬بتكوين،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تداولاتها‭ ‬ظلت‭ ‬محدودة‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬التداول‭ ‬الخاص‭ ‬بالشراء‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬وعلى‭ ‬نطاق‭ ‬ضيق‭ ‬جداً،‭ ‬حتى‭ ‬تحولت‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬للمضاربة‭ ‬الشرسة،‭ ‬لترتفع‭ ‬قيمتها‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬خلال‭ ‬نحو‭ ‬7‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬نحو‭ ‬12‭ ‬ألف‭ ‬بتكوين‭ ‬لشراء‭ ‬وجبة‭ ‬عشاء‭ ‬عائلية‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬بتكوين‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭ ‬لشراء‭ ‬سيارة‭ ‬صغيرة‭!‬

 

كيفية‭ ‬تعدينها

لا‭ ‬تنشــأ‭ ‬العملات‭ ‬الرقمــــية،‭ ‬ومــــنها‭ ‬‮«‬بتــكوين‮»‬،‭ ‬بناء‭ ‬علـــى‭ ‬إصدارات‭ ‬البنوك‭ ‬المركـــــزية‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬عملاتها‭ ‬وفقاً‭ ‬للسياســــات‭ ‬المالية‭ ‬والنقدية‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬إنما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عمليات‭ ‬يطلق‭ ‬عــــليها‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬التعدين‮»‬‭ ‬عبر‭ ‬أجهزة‭ ‬الحاسب‭ ‬المنزلي‭ ‬المصحوبة‭ ‬ببرامج‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬مسائل‭ ‬فيزيائية‭ ‬وحســابية‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬التعقيـــــد،‭ ‬وتستهلك‭ ‬كــــميات‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الكهرباء‭ ‬جعلت‭ ‬بعـــــض‭ ‬دول‭ ‬آسيا‭ ‬يجرّم‭ ‬هذه‭ ‬العملـــــية،‭ ‬نظراً‭ ‬لارتـــفاع‭ ‬المخاطر‭ ‬على‭ ‬الطاقة‭ ‬فيها،‭ ‬إذ‭ ‬أعلنت‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬ديسمبر‭ ‬2017‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬منشآت‭ ‬التعدين‭ ‬تشغل‭ ‬25‭ ‬ألف‭ ‬جهاز‭ ‬كمبـــــيوتر‭ ‬لتعدين‭ ‬‮«‬بتكوين‮»‬،‭ ‬وهذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬تستهلك‭ ‬كهرباء‭ ‬بما‭ ‬يزيد‭ ‬قيمته‭ ‬على‭ ‬45‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الواحد،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬ارتفاع‭ ‬هذا‭ ‬الاستهلاك‭ ‬سيضر‭ ‬تكاليف‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

 

هل‭ ‬هي‭ ‬فقاعة؟

تمر‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والأسواق‭ ‬العالمية‭ ‬تحديداً‭ ‬قفزات‭ ‬عالية‭ ‬غير‭ ‬منطقية‭ ‬تسمى‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الفقاعة‮»‬،‭ ‬ويكاد‭ ‬خبراء‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وكبار‭ ‬المستثمرين‭ ‬يُجمعون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬كـ‭ ‬‮«‬بتكوين‮»‬‭ ‬وشقيقاتها‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الفقاعة‭ ‬التي‭ ‬ستنفجر‭ ‬قريباً،‭ ‬إذ‭ ‬أعلن‭ ‬بنك‭ ‬مصرف‭ ‬جولدمان‭ ‬ساكس‭ ‬أنه‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬العملات‭ ‬الافتراضية‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التراجعات،‭ ‬وأنه‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬المستثمرين‭ ‬الاستعداد‭ ‬لوصول‭ ‬قيمة‭ ‬العملات‭ ‬إلى‭ ‬الصفر،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬أشهر‭ ‬مستثمري‭ ‬أسواق‭ ‬المال‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬الملياردير‭ ‬وارن‭ ‬بافيت،‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يستثمر‭ ‬أبداً‭ ‬في‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية،‭ ‬كما‭ ‬إنه‭ ‬شبه‭ ‬متيقن‭ ‬من‭ ‬حتمية‭ ‬وصول‭ ‬عمليات‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬العملات‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬سيئة،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬وصفت‭ ‬فيه‭ ‬رئيسة‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الفدرالي‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابقة،‭ ‬جانيت‭ ‬يلين،‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬أصل‭ ‬مضاربي‮»‬‭ ‬وليست‭ ‬مصدراً‭ ‬ثابتاً‭ ‬للقيمة،‭ ‬ولا‭ ‬تعد‭ ‬عملات‭ ‬قانونية‭.‬

هذا‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الفائز‭ ‬بجائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للاقتصاد،‭ ‬روبرت‭ ‬شيلر،‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬واثق‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬بتكوين‮»‬‭ ‬ستنهار‭ ‬تماماً،‭ ‬وستُنسى‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬استمرت‭ ‬100‭ ‬عام‭.‬

ووصف‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬لبنك‭ ‬‮«‬جي‭ ‬بي‭ ‬مورجان‮»‬،‭ ‬جيمي‭ ‬ديمون،‭ ‬عملة‭ ‬بتكوين‭ ‬بأنها‭ ‬وسيلة‭ ‬للاحتيال‭ ‬تفيد‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬مثل‭ ‬فنزويلا‭ ‬أو‭ ‬الإكوادور‭ ‬أو‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬لتجار‭ ‬المخدرات‭ ‬والقتلة‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭ ‬كذلك‭.‬

 

فقاعات‭ ‬تاريخية

غالباً‭ ‬ما‭ ‬تقارن‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬بفقاعات‭ ‬اقتصادية‭ ‬أخرى‭ ‬تسيّدت‭ ‬الأسواق‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬معينة‭ ‬قبل‭ ‬انهيارها،‭ ‬وأبرز‭ ‬هذه‭ ‬الفقاعات‭ ‬فقاعة‭ ‬بذور‭ ‬أزهار‭ ‬التوليب‭ ‬الهولندية،‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر،‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬من‭ ‬سلعة‭ ‬للتفاخر‭ ‬الاجتماعي‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬مضاربة‭ ‬شرسة،‭ ‬سيطر‭ ‬فيها‭ ‬الهوس‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬والمنطق،‭ ‬لدرجة‭ ‬جعلت‭ ‬سعر‭ ‬بضع‭ ‬حبات‭ ‬من‭ ‬بذور‭ ‬التوليب‭ ‬تساوي‭ ‬سعر‭ ‬أرض‭ ‬زراعية‭ ‬بماشيتها،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنهار‭ ‬أسعار‭ ‬هذه‭ ‬البذور‭ ‬إلى‭ ‬أسعارها‭ ‬الحقيقية‭ ‬والمنطقية‭ ‬كبذور‭ ‬لا‭ ‬أكثر‭.‬

ولأن‭ ‬الفقاعة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تكون‭ ‬بين‭ ‬تفاصيلها‭ ‬نتائج‭ ‬غير‭ ‬منطقية،‭ ‬فمن‭ ‬غير‭ ‬المستغرب‭ ‬أن‭ ‬يتعرض‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬العباقرة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬مثل‭ ‬إسحق‭ ‬نيوتن‭ ‬لخسارة‭ ‬قاسية‭ ‬من‭ ‬استثماره‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬البحر‭ ‬الجنوبي‭ ‬الإنجليزية‭ - ‬في‭ ‬نفس‭ ‬فترة‭ ‬التوليب‭ ‬الهولندي‭ ‬تقريباً‭ - ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستهدف‭ ‬خفض‭ ‬مستويات‭ ‬الدَّين‭ ‬الحكومي،‭ ‬عبر‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬امتيازات‭ ‬استثنائية‭ ‬في‭ ‬بحار‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬فكانت‭ ‬الشائعات‭ ‬عن‭ ‬الشركة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬أعمالها،‭ ‬مما‭ ‬رفع‭ ‬قيمة‭ ‬أسهمها‭ ‬بـ‭ ‬40‭ ‬ضعفاً‭ ‬عن‭ ‬سعر‭ ‬الأساس،‭ ‬خلال‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬عام،‭ ‬وهنا‭ ‬قرر‭ ‬نيوتن‭ ‬المخاطرة،‭ ‬لتحقيق‭ ‬ربح‭ ‬سريع،‭ ‬فكانت‭ ‬الخسارة‭ ‬القاسية،‭ ‬بعد‭ ‬اكتشاف‭ ‬المستثمرين‭ ‬أن‭ ‬النتائج‭ ‬المالية‭ ‬للشركة‭ ‬ضئيلة‭ ‬ولا‭ ‬تناسب‭ ‬سعر‭ ‬السهم‭.‬

ويحفل‭ ‬التاريخ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الفقاعات‭ ‬التي‭ ‬ارتفعت‭ ‬الأسعار‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬قياسية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنهار‭ ‬لاحقاً‭ ‬مثل‭ ‬فقاعة‭ ‬عقارات‭ ‬فلوريدا‭ ‬في‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬أو‭ ‬فقاعة‭ ‬تمويل‭ ‬المساكن‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬أسست‭ ‬للأزمة‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬عام‭ ‬2008،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬فقاعة‭ ‬العقار‭ ‬الياباني‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1989‭ ‬و1990،‭ ‬التي‭ ‬خلّفت‭ ‬نحو‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الركود‭ ‬والانكماش‭ ‬في‭ ‬اقتصاد‭ ‬اليابان،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الفقاعة‭ ‬الأهم‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأسهم‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بفقاعة‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬دوت‭ ‬كوم‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬قدرت‭ ‬قيمة‭ ‬انفجارها‭ ‬المباشرة‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬بنحو‭ ‬تريليوني‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحــدة‭ ‬فقط،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ارتبط‭ ‬برِهان‭ ‬الأسواق‭ ‬والمســـتثمرين‭ ‬المُبالغ‭ ‬فيه،‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬على‭ ‬منتجات‭ ‬مواقع‭ ‬وشركات‭ ‬الإنترنت،‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬أدق‭ ‬أن‭ ‬رهانات‭ ‬المستثمرين‭ ‬وقتها‭ ‬كانت‭ ‬أعلى‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬قدرات‭ ‬تلك‭ ‬المواقع‭ ‬والشركات‭ ‬على‭ ‬التطوير‭ ‬وتحقيق‭ ‬المكاسب،‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬حالياً‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأسواق‭. ‬وهنا‭ ‬درسٌ‭ ‬بأن‭ ‬السلعة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬فعلاً‭ ‬ناجحة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬قيمــــتها‭ ‬كاستثـــــمار‭ ‬لم‭ ‬تحن‭ ‬بعد‭.‬

وفي‭ ‬الكويت‭ ‬يتذكر‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المستثمرين‭ ‬فقاعة‭ ‬سوق‭ ‬المناخ‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬36‭ ‬عاماً،‭ ‬عندما‭ ‬انهارت‭ ‬أسعار‭ ‬الأصول‭ ‬في‭ ‬الأسهم‭ ‬الكويتية،‭ ‬مخلّفة‭ ‬وراءها‭ ‬تأثيرات‭ ‬قاسية‭ ‬على‭ ‬العقارات‭ ‬والأصول‭ ‬والقطاع‭ ‬المصرفي،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الضرر‭ ‬السيئ‭ ‬جداً‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الكويتي‭.‬

 

ما‭ ‬مخاطر‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية؟

التحفظ‭ ‬على‭ ‬‮«‬بتكوين‮»‬‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬لا‭ ‬يرتبط‭ ‬بدرجة‭ ‬المخاطرة‭ ‬الاستثمارية‭ ‬فقط،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬مؤسسيها،‭ ‬ليليو‭ ‬كلاسين،‭ ‬شدد‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تستخدم‭ ‬بحذر‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‮»‬،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬مخاطرها‭ ‬وسلبياتها‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬الاقتصادات‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬مخاطرها‭ ‬أنها‭ ‬مجهولة‭ ‬الهوية‭ ‬وبلا‭ ‬مصدر‭ ‬معتمد،‭ ‬وغير‭ ‬خاضعة‭ ‬لقواعد‭ ‬السياسات‭ ‬النقدية‭ ‬التي‭ ‬تتبعها‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسهل‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬غسل‭ ‬الأموال‭ ‬وتمويل‭ ‬الإرهاب،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬احتمالات‭ ‬الاختراق‭ ‬وسرقة‭ ‬الأموال،‭ ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬مطلع‭ ‬العام‭ ‬الحالي‭ ‬قد‭ ‬حفز‭ ‬عديداً‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬الرقابة‭ ‬العالمية‭ ‬على‭ ‬المضي‭ ‬في‭ ‬حصار‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬وتحجيم‭ ‬مخاطرها،‭ ‬إذ‭ ‬تعرضت‭ ‬منصة‭ ‬‮«‬كوينشيك‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬بورصة‭ ‬رئيسة‭ ‬لتداول‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬مقرها‭ ‬طوكيو،‭ ‬لقرصنة‭ ‬إلكترونية،‭ ‬وسرقت‭ ‬عملات‭ ‬قيمتها‭ ‬534‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬ولم‭ ‬تتمكن‭ ‬المنصة‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬المهاجمين،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬فيها‭ ‬قرصنة‭ ‬منصة‭ ‬عملات‭ ‬رقمية،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬لافتة‭ ‬لأنها‭ ‬الأعلى‭ ‬قيمة،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬تمت‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬نفذت‭ ‬قدراً‭ ‬عالياً‭ ‬من‭ ‬الحماية‭ ‬ضد‭ ‬القرصنة‭!‬

إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬المستـــــــثمرين‭ ‬والمضاربين‭ ‬بالعــــملات‭ ‬الرقمية‭ ‬لا‭ ‬يفهمون‭ ‬طبيعتها‭ ‬وتذبذباتها،‭ ‬وإمــــكان‭ ‬انشطار‭ ‬العملة‭ ‬الواحدة‭ ‬إلى‭ ‬عملتين‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬اختلاف‭ ‬العمولات‭ ‬بين‭ ‬منصة‭ ‬وأخرى،‭ ‬بل‭ ‬أحياناً‭ ‬اختلاف‭ ‬أسعار‭ ‬نفس‭ ‬العملة‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬المنــــصة‭ ‬الواحدة،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬المتعاملين‭ ‬بها‭ ‬عرضة‭ ‬لاختفاء‭ ‬الأموال،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يفهموا‭ ‬طبيعتها‭ ‬المعقدة‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬بكثير‭ ‬تعقيدات‭ ‬سوق‭ ‬العملات‭ ‬التقليدي‭.‬

 

التعامل‭ ‬الدولي

التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأدوات‭ ‬المالية‭ ‬الجديدة‭ ‬والمستحدثة‭ ‬مسؤولية‭ ‬الجهات‭ ‬الرقابية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬مهامها‭ ‬ضبط‭ ‬سلوكيات‭ ‬المتعاملين،‭ ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬المخاطر،‭ ‬سواء‭ ‬بالمنع‭ ‬أو‭ ‬التحذير‭ ‬أو‭ ‬التنظيم،‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تنشأ‭ ‬فقاعة‭ ‬استثمارية‭ ‬أو‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬أغراض‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭ ‬أو‭ ‬تمثل‭ ‬اختراقات‭ ‬أمنية‭.‬

فالصين‭ ‬مثلاً‭ ‬أعلنت‭ ‬مطلع‭ ‬العام‭ ‬الحالي‭ ‬أنها‭ ‬بصدد‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬التشدد‭ ‬الرقابي،‭ ‬بعد‭ ‬حملتها‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬ضد‭ ‬منصات‭ ‬تداول‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017،‭ ‬وتمثلت‭ ‬في‭ ‬إغلاق‭ ‬آلاف‭ ‬المنصات‭ ‬والمواقع‭ ‬المتعاملة‭ ‬بها‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فقد‭ ‬حظرت‭ ‬بنوك‭ ‬كبرى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬‮«‬بنك‭ ‬أوف‭ ‬أميركا‮»‬‭ ‬و«جي‭ ‬بي‭ ‬مورجان‮»‬‭ ‬و«لوديز‮»‬‭ ‬البريطاني‭ ‬استخدام‭ ‬بطاقات‭ ‬الائتمان‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية،‭ ‬وأيضاً‭ ‬يستعد‭ ‬‮«‬سيتي‭ ‬جروب‮»‬‭ ‬للإجراء‭ ‬نفسه،‭ ‬وأما‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬فقد‭ ‬دهمت‭ ‬شرطتها‭ ‬وسلطات‭ ‬الضرائب‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬مقار‭ ‬تداول‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬التهرب‭ ‬من‭ ‬الضرائب‭ ‬في‭ ‬تبادل‭ ‬العملات‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬تسعى‭ ‬العاصمة‭ ‬سيول‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬نظم‭ ‬ضريبية‭ ‬تجعل‭ ‬العائد‭ ‬على‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬غير‭ ‬ذي‭ ‬جدوى‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬يصنف‭ ‬كأكبر‭ ‬أسواق‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

لكن‭ ‬الإجراء‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬التشدد‭ ‬الرقابي‭ ‬العالمي،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬الأمريكي،‭ ‬إذ‭ ‬جرت‭ ‬جلسة‭ ‬استماع‭ ‬شددت‭ ‬فيها‭ ‬هيئة‭ ‬الأوراق‭ ‬المالية‭ ‬والبورصات‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬تداولها‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬إلكترونية‭ ‬تطلق‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬اسم‭ ‬بورصات،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬مظهراً‭ ‬‮«‬مخادعاً‮»‬،‭ ‬محذرة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الهيئات‭ ‬التنظيمية‭ ‬ليست‭ ‬لديها‭ ‬وسيلة‭ ‬مناسبة‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬سرقات‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية،‭ ‬أو‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬ما‭ ‬للتداول،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬وصف‭ ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬لجنة‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬غياب‭ ‬السلطة‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأسواق‭ ‬بالـفجوة‭ ‬التي‭ ‬تثير‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬حول‭ ‬استخدام‭ ‬بعض‭ ‬الأموال‭ ‬غير‭ ‬النظيفة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنصات،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬بورصة‭ ‬شيكاغو‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬سمحت‭ ‬بتداول‭ ‬عقود‭ ‬آجلة‭ ‬بعملة‭ ‬بتكوين،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬جلسات‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬المناقشة‭ ‬الذي‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬التنظيم‭ ‬لا‭ ‬المنع‭ ‬المطلق‭.‬

وحتى‭ ‬ألمانيا‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬بتعاملات‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬عادت‭ ‬لتحذر‭ ‬من‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬عملة‭ ‬بتكوين‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬العملات،‭ ‬إذ‭ ‬قالت‭ ‬هيئة‭ ‬الرقابة‭ ‬المالية‭ ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬عمليات‭ ‬مضاربة‭ ‬عالية‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬خطر‭ ‬الخسارة‭ ‬الشاملة،‭ ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬تجاوزات‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭.‬

أما‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الألماني‭ ‬فقال‭ ‬إن‭ ‬وصف‭ ‬‮«‬بتكوين‮»‬‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬عملة‭ ‬رقمية‮»‬‭ ‬مضلل،‭ ‬لأن‭ ‬وسيلة‭ ‬الدفع‭ ‬يتعين‭ ‬أن‭ ‬تبدي‭ ‬استقراراً‭ ‬لقيمتها،‭ ‬وهذه‭ ‬السمة‭ ‬غير‭ ‬متوافرة‭ ‬في‭ ‬‮«‬بتكوين‮»‬‭.‬

 

العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬الخليج

اتخذ‭ ‬عــــدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬إجـــــراءات‭ ‬وقائية‭ ‬تجـــــاه‭ ‬المضـــــاربات‭ ‬في‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية،‭ ‬إذ‭ ‬قالت‭ ‬مؤسسة‭ ‬النقد‭ ‬العربي‭ ‬السعودي‭ (‬ساما‭) ‬إن‭ ‬‮«‬بتـــــكوين‮»‬‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬عملة‭ ‬معتــــمدة‭ ‬داخــــل‭ ‬المملكـــة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬والتعامل‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬له‭ ‬عواقب‭ ‬سلبية‭ ‬مختـــلفة‭ ‬على‭ ‬المتعاملين،‭ ‬لأنها‭ ‬خارج‭ ‬المظلة‭ ‬الرقابية،‭ ‬أما‭ ‬المصرف‭ ‬المركزي‭ ‬الإماراتي‭ ‬فقد‭ ‬حذّر‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬التعامل‭ ‬بها،‭ ‬وشدد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تعامل‭ ‬الأفراد‭ ‬بالعملات‭ ‬الرقمية‭ ‬محفوف‭ ‬بالمخاطر،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إمكان‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬مجَرّمة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أعلنت‭ ‬قطر‭ - ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬تبنت‭ ‬فكرة‭ ‬إيجاد‭ ‬عملة‭ ‬رقمية‭ ‬خاصة‭ ‬بها‭ - ‬أنها‭ ‬منعت‭ ‬التداول‭ ‬
بـ‭ ‬‮«‬بتكوين‮»‬،‭ ‬حرصاً‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬الجهاز‭ ‬المصرفي‭ ‬والمالي،‭ ‬وتخوفاً‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬المالية‭ ‬والقرصنة‭ ‬الإلكترونية‭.‬

أما‭ ‬الكويت‭ ‬فقد‭ ‬اعتبرت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بنكها‭ ‬المركزي‭ ‬‮«‬أن‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬افتراضية‭ ‬تتسم‭ ‬باللامركزية‭ ‬ويصعب‭ ‬التحكم‭ ‬بعملياتها‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬إمكان‭ ‬إطلاق‭ ‬عملة‭ ‬رقمية‭ ‬كويتية‭ ‬تحمل‭ ‬خصائص‭ ‬الورقة‭ ‬النقدية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬القيمة‭ ‬المكافئة‭ ‬ورقــــم‭ ‬الإصدار،‭ ‬ويتم‭ ‬استخدامها‭ ‬لسداد‭ ‬قيمة‭ ‬المشتريات‭ ‬من‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات‭.‬

وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬البحرين،‭ ‬قال‭ ‬المصرف‭ ‬المركزي‭ ‬هناك‭ ‬إن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬العملات‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بعد‭ ‬وضع‭ ‬الترتيبات‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬تضعها‭ ‬في‭ ‬إطارها‭ ‬الصحيح‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬تمويل‭ ‬الإرهاب‭ ‬وتبييض‭ ‬الأموال‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان،‭ ‬فقد‭ ‬قال‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬العُماني‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬حالياً‭ ‬سياسات‭ ‬ولوائح‭ ‬تنظم‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالعملات‭ ‬الرقمية،‭ ‬مطالباً‭ ‬بتوخي‭ ‬الحذر‭ ‬عند‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات،‭ ‬ومؤكداً‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يتحمل‭ ‬أي‭ ‬مسؤولية‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬تبعات‭ ‬نتيجة‭ ‬ذلك‭.‬

 

مستقبل‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية

عند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مستقبل‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية‭ ‬يجب‭ ‬التفريق‭ ‬بين‭ ‬أمرين؛‭ ‬الأول‭ ‬أنها‭ ‬أداة‭ ‬مضاربة‭ ‬عالية‭ ‬المخاطر‭ ‬وشديدة‭ ‬التذبذب،‭ ‬والثاني‭ ‬إمكان‭ ‬تحولها‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬مدفوعات‭ ‬للسلع‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬مثلاً،‭ ‬أو‭ ‬منافس‭ ‬للبطاقات‭ ‬الائتمانية‭ ‬في‭ ‬الأسواق،‭ ‬وهذا‭ ‬كله‭ ‬يرتبط‭ ‬بالتنظيم‭ ‬وإمكان‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬أنظمتها،‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬بوابة‭ ‬خلفية‭ ‬لعمليات‭ ‬الأموال‭ ‬لتبييض‭ ‬غير‭ ‬النظيفة‭ ‬أو‭ ‬تمويل‭ ‬الإرهاب،‭ ‬فالعالم‭ ‬الذي‭ ‬اجتهد‭ ‬منذ‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬إيجاد‭ ‬نظم‭ ‬رقابة‭ ‬دولية‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬الأموال‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬والمؤسسات‭ ‬والبنوك،‭ ‬لن‭ ‬يسمح‭ ‬بنشوء‭ ‬نظام‭ ‬يكسر‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬القواعد‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحقيق‭ ‬أطماع‭ ‬المضاربين‭ ‬