الرومانسية في السينما العربية من «الريحاني» وحتى «شقة مصر الجديدة»

الرومانسية في السينما العربية من «الريحاني» وحتى «شقة مصر الجديدة»

اختلفت السينما العربية مع بدايات الألفية الثالثة عمّا سبقها من رصيد ثري ومتنوع خلال عمرها الذي تجاوز  المئة عام، وعلى صعيد الاتجاه الرومانسي، ارتبطت السينما العربية بالرومانسية ارتباطاً جذْرياً منذ نشأتها، وجاءت اللبنات الأولى إرهاصاً لاتجاه يعبّر  عن علاقات العشْق والهوَى، ويتناول حالات الوجْد والهُيام تجاه الآخر... الآخر/ الرجل، والآخر/ المرأة، ويرصد طبيعة هذه العلاقات والحالات وفق ما تمر  به الشّخصيات من ظروف ومتغيرات تتحكم في مصائرها. 

بناء‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التّصور،‭ ‬قدمت‭ ‬السينما‭ ‬الرومانسية‭ ‬قصصاً‭ ‬عاطفية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬بنية‭ ‬تقليدية‭ ‬شكلاً‭ ‬ومضموناً،‭ ‬وتطرح‭ ‬نهايات‭ ‬مُرْضية،‭ ‬تُكلّل‭ ‬ذ‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ - ‬بلقاء‭ ‬الحبيبين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬بدا‭ ‬جلياً‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬عبدالحليم‭ ‬حافظ،‭ ‬وليلى‭ ‬مراد،‭ ‬وشادية،‭ ‬وماجدة،‭ ‬ومحمد‭ ‬فوزي،‭ ‬وزبيدة‭ ‬ثروت،‭ ‬وغيرهم‭. ‬

وقدمت‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬مبكرة‭ ‬من‭ ‬تاريخها‭ ‬أفلاماً‭ ‬مميزة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬فيلمان‭ ‬خرجا‭ ‬على‭ ‬القوالب‭ ‬الجاهزة‭ ‬والنهايات‭ ‬المرْضية‭ ‬هما‭: ‬‮«‬غزل‭ ‬البنات‮»‬‭ (‬1949‭)‬،‭ ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬نجيب‭ ‬الريحاني‭ ‬وليلى‭ ‬مراد‭ ‬وإخراج‭ ‬أنور‭ ‬وجدي،‭ ‬و«إني‭ ‬راحلة‮»‬‭ (‬1955‭) ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬مديحة‭ ‬يسري‭ ‬وعماد‭ ‬حمدي‭ ‬وإخراج‭ ‬عز‭ ‬الدين‭ ‬ذو‭ ‬الفقار،‭ ‬وقد‭ ‬طرح‭ ‬الفيلمان‭ ‬أفكاراً‭ ‬كانت‭ ‬تعتبر‭ ‬جديدة‭ ‬وجريئة‭ ‬آنذاك،‭ ‬إذ‭ ‬استطاع‭ ‬‮«‬غزل‭ ‬البنات‮»‬‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬تجربة‭ ‬فنية‭ ‬مغايرة‭ ‬للسائد‭ ‬ومتقدمة‭ ‬في‭ ‬الطرح‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التجارب‭ ‬الفنية‭ ‬المماثلة‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬والسبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وعالج‭ ‬علاقات‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬السينما،‭ ‬وطرق‭ ‬أبواباً‭ ‬لم‭ ‬يطرقها‭ ‬الفن‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬خاصة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬المعلم‭ ‬والتلميذة،‭ ‬وتناول‭ ‬مفهوم‭ ‬التضحية‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬المحب،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يهنأ‭ ‬المحبوب‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يحب‭. ‬

بينما‭ ‬انتقد‭ ‬‮«‬إني‭ ‬راحلة‮»‬‭ ‬هشاشة‭ ‬المجتمع‭ ‬الراقي،‭ ‬وكشف‭ ‬زيف‭ ‬الطبقة‭ ‬الأرستقراطية‭ ‬راصداً‭ ‬تشوّهها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وفسادها‭ ‬الأخلاقي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬يفهمون‭ ‬الحياة‭ ‬العصرية‭ ‬بشكل‭ ‬خاطئ،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬علاقة‭ ‬حب‭ ‬نقيّة‭ ‬بين‭ ‬فتاة‭ ‬من‭ ‬البيئة‭ ‬المصرية‭ ‬‮«‬عايدة‮»‬‭ (‬مديحة‭ ‬يسري‭)‬،‭ ‬وابن‭ ‬خالتها‭ ‬‮«‬أحمد‮»‬‭ (‬عماد‭ ‬حمدي‭) ‬الضابط‭ ‬في‭ ‬الجش‭ ‬ورفْض‭ ‬والدها‭ ‬لهذه‭ ‬الزيجة،‭ ‬وإصراره‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يزوجها‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬آخر،‭ ‬واختيار‭ ‬البطلة‭ ‬للموت‭ ‬بجانب‭ ‬حبيبها‭ ‬على‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬مشوّه‭ ‬مع‭ ‬زوج‭ ‬خائن‭ ‬لا‭ ‬تحبه‭. 

قدمت‭ ‬السينما‭ ‬ذ‭ ‬أيضاً‭ - ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الخمسينيات،‭ ‬أفلاماً‭ ‬رومانسية‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬كلاسيكيات‭ ‬السينما‭ ‬العربية،‭ ‬ومازالت‭ ‬تحتفظ‭ ‬بها‭ ‬ذاكرة‭ ‬الرومانسيين‭  ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬والفتيات‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬عشّاق‭ ‬الفن‭ ‬السابع‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬فإلى‭ ‬جانب‭ ‬الفيلمين‭ ‬السابقين،‭ ‬هناك‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬تجارب‭ ‬رومانسية‭ ‬خالصة،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬بين‭ ‬الأطلال‮»‬‭ ‬‭(‬1959‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬مزجت‭ ‬بين‭ ‬العلاقة‭ ‬العاطفية‭ ‬والقضايا‭ ‬الوطنية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬صراع‭ ‬في‭ ‬الوادي‮»‬‭ ‬‭(‬1954‭)‬،‭ ‬و«رد‭ ‬قلي‮»‬‭ ‬‭(‬1957‭)‬،‭ ‬و«دعاء‭ ‬الكروان‮»‬‭ ‬‭(‬1958‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬مرحلة‭ ‬لاحقة‭ ‬‮«‬البوسطجي‮»‬‭ ‬‭(‬1965‭).‬

وربطت‭ ‬السينما‭ ‬بين‭ ‬الرومانسية‭ ‬والواقع‭ ‬فــــي‭ ‬ظروف‭ ‬متباينة،‭ ‬فتناولت‭ ‬القصة‭ ‬العاطفـــــية‭ ‬وأثر‭ ‬المـــــناخ‭ ‬السياسي‭ ‬عليها‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬‮«‬حافية‭ ‬على‭ ‬جسر‭ ‬الذهب‮»‬‭ ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬ميرفت‭ ‬أمين‭ ‬وحسين‭ ‬فهمي،‭ ‬ويكشف‭ ‬عن‭ ‬جبروت‭ ‬السلطة‭ ‬المتمثلة‭ ‬فـــــي‭ ‬مراكـــــز‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬عقب‭ ‬ثورة‭ ‬‭(‬1952‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬تناولت‭ ‬تجربة‭ ‬الحرب‭ ‬وأثرها‭ ‬على‭ ‬العلاقة‭ ‬العاطفية،‭ ‬فتم‭ ‬توظيف‭ ‬أجواء‭ ‬الحرب،‭ ‬لاسيما‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬‭(‬1973‭)‬،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬أفلام‭: ‬‮«‬الرصاصة‭ ‬لاتزال‭ ‬في‭ ‬جيبي‮»‬،‭ ‬و«الوفاء‭ ‬العظيم‮»‬،‭ ‬و«بدور‮»‬،‭ ‬وغيرها‭.‬

واستمر‭ ‬الطرح‭ ‬التقليدي‭ ‬والنمطي‭ ‬للقصص‭ ‬العاطفية‭ ‬في‭ ‬الثمانينيات‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬الحب‭ ‬وحده‭ ‬لا‭ ‬يكفي‮»‬‭ ‬‭(‬1981‭)‬‭ ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬نور‭ ‬الشريف‭ ‬وإخراج‭ ‬علي‭ ‬عبدالخالق،‭ ‬و«الحب‭ ‬فوق‭ ‬هضبة‭ ‬الهرم‮»‬‭ ‬‭(‬1986‭)‬‭ ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬أحمد‭ ‬زكي‭ ‬وإخراج‭ ‬عاطف‭ ‬الطيب،‭ ‬وتناول‭ ‬الفيلمان‭ ‬هموم‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الجامعة‭ ‬وبحثهم‭ ‬الدؤوب‭ ‬عن‭ ‬شقة‭ ‬وزوجـة‭ ‬ووظيفة‭ ‬مناسبة،‭ ‬وكذلك‭ ‬فيلمي‭ ‬‮«‬حبيبي‭ ‬دائماً‮»‬‭ ‬‭(‬1980‭)‬،‭ ‬و«كل‭ ‬هذا‭ ‬الحب‮»‬‭ ‬‭(‬1986‭)‬،‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬النهاية‭ ‬فيهما‭ ‬بموت‭ ‬البطلة‭.‬

وشهدت‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬ظهور‭ ‬أفلام‭ ‬رومانسية‭ ‬مختلفة‭ ‬عما‭ ‬سبقها،‭ ‬حيث‭ ‬تضافرت‭ ‬فيها‭ ‬هموم‭ ‬الواقع‭ ‬وإشكالياته‭ ‬المعقدة‭ ‬مع‭ ‬العلاقات‭ ‬العاطفية،‭ ‬فجاء‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬الآخر‮»‬‭ (‬1998‭) ‬للمخرج‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين‭ ‬معبراً‭ ‬عن‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬شاب‭ ‬ثري‭ ‬‮«‬آدم‮»‬‭ (‬هاني‭ ‬سلامة‭) ‬وفتاة‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬المطحونة‭ ‬اجتماعياً‭ ‬‮«‬حنان‮»‬‭ (‬حنان‭ ‬ترك‭)‬،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أحداث‭ ‬تتناول‭ ‬قضايا‭ ‬الإرهاب‭ ‬والهيمنة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وقدم‭ ‬شاهين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬تجربة‭ ‬سينمائية‭ ‬فريدة‭ ‬تمتزج‭ ‬فيها‭ ‬الرومانسية‭ ‬بالدم‭ ‬والإرهاب،‭ ‬والفكر‭ ‬الاشتراكي‭ ‬بالرأسمالية‭ ‬ووسائلها‭ ‬القذرة،‭ ‬والبسطاء‭ ‬بعالم‭ ‬الثراء‭ ‬الباذخ‭.‬

كذلك‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬شورت‭ ‬وفانلة‭ ‬وكاب‮»‬‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬سعيد‭ ‬حامد‭ ‬عن‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬خالد‮»‬‭ (‬أحمد‭ ‬السقا‭) ‬الشاب‭ ‬المكافح‭ ‬والمغترب‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬شرم‭ ‬الشيخ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬لقمة‭ ‬العيش،‭ ‬لكن‭ ‬تنشأ‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬‮«‬رباب‮»‬‭ (‬نور‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬فتاة‭ ‬سورية‭ ‬وابنة‭ ‬وحيدة‭ ‬لمسؤول‭ ‬كبير،‭ ‬وتواجههما‭ ‬عراقيل‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬مواجهة‭ ‬الظروف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وإعلان‭ ‬حبهما،‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أفلام‭ ‬أخرى‭ ‬عديدة‭ ‬خرجت‭ ‬على‭ ‬النمطية‭ ‬والاعتياد‭ ‬ومهّدت‭ ‬الطريق‭ ‬لظهور‭ ‬سينما‭ ‬مختلفة‭.‬

ليست‭ ‬الأفلام‭ ‬الرومانسية‭ ‬وحدها‭ ‬التي‭ ‬مهدت‭ ‬لظهور‭ ‬السينما‭ ‬الجديدة،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬الأخرى،‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬اضحك‭ ‬الصورة‭ ‬تطلع‭ ‬حلوة‮»‬‭ ‬‭(‬1998‭) ‬‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬شريف‭ ‬عرفة،‭ ‬و«أرض‭ ‬الخوف‮»‬‭ ‬‭(‬1999‭) ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬داود‭ ‬عبدالسيد،‭ ‬و«عرق‭ ‬البلح‮»‬‭ ‬‭(‬1999‭) ‬‭ ‬لرضوان‭ ‬الكاشف،‭ ‬و«كلام‭ ‬الليل‮»‬‭ ‬‭(‬1999‭) ‬لإيناس‭ ‬الدغيدي،‭ ‬و«فيلم‭ ‬ثقافي‮»‬‭ ‬‭(‬2000‭) ‬لمحمد‭ ‬أمين،‭ ‬و«سوق‭ ‬المتعة‮»‬‭ ‬‭(‬2000‭)‬‭ ‬لسمير‭ ‬سيف،‭ ‬وغيرها،‭ ‬إذ‭ ‬تميزت‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬بجرأة‭ ‬كبيرة‭ ‬وبناء‭ ‬فني‭ ‬خلاق‭ ‬وتوظيف‭ ‬جيد‭ ‬للغة‭ ‬السينمائية‭ ‬وطرح‭ ‬بكر‭ ‬لأفكار‭ ‬ورؤى‭ ‬متقدمة‭ ‬فنياً‭.‬

 

سؤال‭ ‬الرومانسية‭ ‬في‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة

إذا‭ ‬كانت‭ ‬الأفلام‭ ‬الرومانسية‭ ‬في‭ ‬كلاسيكيات‭ ‬السينما‭ ‬العربية‭ ‬اعتمدت‭ ‬في‭ ‬سؤالها‭ ‬الأساس‭ ‬على‭ ‬حبكة‭ ‬درامية‭ ‬مستمدّة‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬شخصيات‭ ‬فنية‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬توجيه‭ ‬الحدث‭ ‬ودفعه‭ ‬وتطويره‭ ‬درامياً،‭ ‬كوجود‭ ‬شخصية‭ ‬‮«‬الغريم‮»‬‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬حسن‭ ‬ونعيمة‮»‬،‭ ‬و«صراع‭ ‬في‭ ‬الوادي‮»‬‭ ‬وغيرهما،‭ ‬أو‭ ‬شخصية‭ ‬‮«‬الأب‭ ‬المستبد‮»‬‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬‮«‬الخطايا‮»‬‭ ‬و«رجال‭ ‬بلا‭ ‬ملامح‮»‬‭ ‬و«إني‭ ‬راحلة‮»‬‭... ‬وغيرها،‭ ‬فإن‭ ‬سؤال‭ ‬الرومانسية‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬الجديدة‭ ‬أو‭ ‬سينما‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬حبكة‭ ‬درامية‭ ‬مختلفة‭ ‬ومستقاة‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬المرحلة‭.‬

احتفت‭ ‬السينما‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬بطرح‭ ‬الرومانسية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحب،‭ ‬لاسيما‭ ‬بحث‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سيطرة‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬وانتشار‭ ‬العلاقات‭ ‬البرجماتية‭ ‬والتغاضي‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إنساني‭ ‬ونبيل،‭ ‬واستطاع‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬التعبير‭ ‬بوعي‭ ‬وصدق‭ ‬فني‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬المرحلة‭ ‬وعن‭ ‬قيمة‭ ‬الحب،‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬سماتها‭ ‬في‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭ ‬وجود‭ ‬أفلام‭ ‬تتنازل‭ ‬عن‭ ‬ميراثها‭ ‬الستيني‭ ‬والسبعيني‭ ‬والثمانيني،‭ ‬بحيث‭ ‬أصبح‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬للحبكة‭ ‬الدرامية‭ ‬التقليدية،‭ ‬بل‭ ‬صارت‭ ‬الحبكة‭ ‬وليدة‭ ‬تجليات‭ ‬المرحلة‭ ‬الزمنية‭ ‬الراهنة‭ ‬بكل‭ ‬ارتباكاتها‭ ‬والتباساتها‭ ‬وتشرذمها‭.‬

وقد‭ ‬اتسمت‭ ‬أفلام‭ ‬الرومانسية‭ ‬في‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭ ‬بسمات‭ ‬فريدة‭ ‬وظواهر‭ ‬لافتة،‭ ‬أبرزها‭ ‬توظيف‭ ‬الرمز‭ ‬وسيطرة‭ ‬هاجس‭ ‬الطبقية،‭ ‬وحالة‭ ‬‮«‬الفقد‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يعانيها‭ ‬الأبطال،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬الحب‭ ‬لدى‭ ‬الآخر‭. ‬وصورت‭ ‬بعض‭ ‬الأفلام‭ ‬‮«‬الحبيب‮»‬‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬الأمان‭ ‬والاستقرار،‭ ‬وارتبطت‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحب‮»‬‭ ‬بحالة‭ ‬‮«‬الفقد‮»‬،‭ ‬فمثلاً‭ ‬‮«‬نور‮»‬‭ (‬منة‭ ‬شلبي‭) ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬الساحر‮»‬‭ (‬2001‭) ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬رضوان‭ ‬الكاشف،‭ ‬تفتقد‭ ‬حنان‭ ‬الأم‭ ‬وتفتقد‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬حريتها،‭ ‬فيكون‭ ‬الصراع‭ ‬الدرامي‭ ‬قائماً‭ ‬على‭ ‬بحثها‭ ‬عن‭ ‬حبيب،‭ ‬ويكون‭ ‬التشتت‭ ‬بين‭ ‬الحبيب‭ ‬البسيط‭ ‬‮«‬حمودة‮»‬‭ ‬ابن‭ ‬الحارة‭ ‬الشعبية،‭ ‬والشاب‭ ‬الثري‭ ‬‮«‬حازم‮»‬‭ ‬حفيد‭ ‬المليونير،‭ ‬كذلك‭ ‬أبطال‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬سهر‭ ‬الليالي‮»‬‭ (‬2003‭) ‬و«عن‭ ‬العشق‭ ‬والهوى‮»‬‭ (‬2006‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬تصبح‭ ‬هناك‭ ‬معاناة‭ ‬دائمة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬‮«‬الفقد‮»‬‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬المحفّز‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬محبوب‭.‬

وفي‭ ‬سبيل‭ ‬تناول‭ ‬العلاقات‭ ‬الرومانسية،‭ ‬تنوعت‭ ‬أساليب‭ ‬المخرجين‭ - ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ - ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينها‭ ‬في‭ ‬رصد‭ ‬تفاصيل‭ ‬بعينها‭ ‬دون‭ ‬أخرى،‭ ‬وتعددت‭ ‬طرائق‭ ‬المعالجات‭ ‬الفنية،‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬حالة‭ ‬‮«‬الفقد‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬الشخصيات‭ ‬ومدى‭ ‬التصاقها‭ ‬بفكرة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حبيب،‭ ‬وجاءت‭ ‬صورة‭ ‬الحبيب‭ ‬دائماً‭ ‬باعتباره‭ ‬الزوج‭ ‬أو‭ ‬الزوج‭ ‬المستقبلي‭. ‬

 

البعد‭ ‬الرمزي‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬الرومانسية‭ ‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬إغفال‭ ‬البعد‭ ‬الرمزي‭ ‬في‭ ‬سينما‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة،‭ ‬لاسيما‭ ‬الأفلام‭ ‬الرومانسية،‭ ‬ففي‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬شقة‭ ‬مصر‭ ‬الجديدة‮»‬‭ (‬2007‭) ‬للمخرج‭ ‬محمد‭ ‬خان،‭ ‬تأليف‭ ‬وسام‭ ‬سليمان،‭ ‬يتم‭ ‬توظيف‭ ‬الرمز‭ ‬في‭ ‬الأحداث‭ ‬وتطورها‭ ‬بشكل‭ ‬دقيق،‭ ‬بحيث‭ ‬يمكن‭ ‬استشراف‭ ‬أُفق‭ ‬التطور‭ ‬الدرامي‭ ‬والمآل‭ ‬الإيجابي‭ ‬لمصائر‭ ‬الشخصيات‭ ‬عبر‭ ‬تلك‭ ‬الرموز‭ ‬الموحِية‭ ‬التي‭ ‬يسوقها‭ ‬إلينا‭ ‬محمد‭ ‬خان‭ ‬الواحد‭ ‬بعد‭ ‬الآخر،‭ ‬فالفيلم‭ ‬يقوم‭ ‬بنائياً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الثنائيات‭ ‬المتضادة‮»‬‭ ‬لإبراز‭ ‬حجم‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬عالمين‭ ‬مختلفين،‭ ‬عالم‭ ‬البطلة‭ ‬‮«‬نجوى‮»‬‭ (‬غادة‭ ‬عادل‭)‬،‭ ‬والبطل‭ ‬‮«‬يحيى‮»‬‭ (‬خالد‭ ‬أبوالنجا‭)‬،‭ ‬فهي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬الحب‭ ‬وترفض‭ ‬الزواج‭ ‬التقليدي‭ ‬وتلتقي‭ ‬شاباً‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ (‬يحيى‭) ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬البورصة‭ ‬ولا‭ ‬يهتم‭ ‬إلا‭ ‬بلغة‭ ‬المال‭ ‬وحسابات‭ ‬المكسب‭ ‬والخسارة،‭ ‬وما‭ ‬الدراجة‭ ‬النارية‭ ‬التي‭ ‬يتنقل‭ ‬بها‭ ‬سوى‭ ‬رمز‭ ‬للتعجل‭ ‬والإيقاع‭ ‬السريع‭ ‬لحياة‭ ‬المدينة‭ ‬ونمطها‭ ‬الذي‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬جملة‭ ‬واحدة‭ ‬هي‭ ‬‮«‬لا‭ ‬وقت‭ ‬للحب‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬نجوى‭ ‬الفتاة‭ ‬البريئة‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬المنيا‭ ‬جنوب‭ ‬مصر،‭ ‬جاءت‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬الحب‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬مدينتها‭ ‬المحافظة،‭ ‬جاءت‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬تهاني‭ ‬معلمة‭ ‬الموسيقى‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬نقلها‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬الثانوية،‭ ‬لأنها‭ ‬تحدّث‭ ‬الفتيات‭ ‬عن‭ ‬الحب‭ ‬وعن‭ ‬الأغنيات‭ ‬العاطفية‭. ‬

وتهاني‭ ‬رمز‭ ‬الحب‭ ‬ليست‭ ‬شخصية‭ ‬من‭ ‬لحم‭ ‬ودم،‭ ‬حضرت‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الشخصيات‭ ‬الرومانسية‭ ‬من‭ ‬المحبين‭ ‬والعشاق،‭ ‬ينتصرون‭ ‬لها‭ ‬ويعلنون‭ ‬عن‭ ‬وجودها،‭ ‬بينما‭ ‬الشخصيات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬ترفض‭ ‬الحب‭ ‬ووجوده‭ ‬فيصرون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تهاني‭ ‬ماتت‭ ‬أو‭ ‬اختفتْ،‭ ‬ويعكس‭ ‬البحث‭ ‬الدؤوب‭ ‬لنجوى‭ ‬عن‭ ‬تهاني‭ ‬قدر‭ ‬حاجتها‭ ‬للحب‭. ‬والاستمرار‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬الرمز‭ ‬طوال‭ ‬الفيلم‭ ‬يكون‭ ‬دافعاً‭ ‬للأحداث‭ ‬وكاشفاً‭ ‬لها،‭ ‬فكلما‭ ‬اقترب‭ ‬‮«‬سهم‭ ‬كيوبيد‮»‬‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬المحبين‭ ‬ظهرت‭ ‬الدلائل‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬تهاني‭ ‬أو‭ ‬العكس‭. ‬

يطرح‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬ألوان‭ ‬السما‭ ‬السبعة‮»‬‭ (‬2008‭ )‬للمخرج‭ ‬سعد‭ ‬هنداوي،‭ ‬تأليف‭ ‬زينب‭ ‬عزيز،‭ ‬حالات‭ ‬مغايرة‭ ‬من‭ ‬القهر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬لوحات‭ ‬فنية‭ ‬بديعة‭ ‬تتجاور‭ ‬فيها‭ ‬أشكال‭ ‬القهر‭ ‬الإنساني‭ ‬مع‭ ‬صور‭ ‬العشق‭ ‬في‭ ‬تجليات‭ ‬عديدة،‭ ‬أما‭ ‬توظيف‭ ‬الرمز،‭ ‬فالفيلم‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬الرقص‭ ‬الصوفي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬التناقض‭ ‬السافر‭ ‬لتجليات‭ ‬الجسد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رؤية‭ ‬جديدة‭ ‬يأتي‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬جسد‭ ‬راقص‭ ‬التنورة‭ ‬‮«‬بكر‮»‬‭ (‬فاروق‭ ‬الفيشاوي‭) ‬الذي‭ ‬يحلّق‭ ‬مشدوهاً‭ ‬غير‭ ‬عابئ‭ ‬بجاذبية‭ ‬الأرض‭ ‬وفي‭ ‬مواجهته‭ ‬يقف‭ ‬رمز‭ ‬آخر‭ ‬للجسد،‭ ‬نقيض‭ ‬ذلك،‭ ‬هو‭ ‬جسد‭ ‬المرأة‭ ‬المنفــلتة‭ ‬‮«‬حنان‮»‬‭ (‬ليلى‭ ‬علوي‭)‬،‭ ‬وبين‭ ‬الجسدين،‭ ‬تبدو‭ ‬تجليات‭ ‬الجسد‭ ‬المختلفة‭ ‬عبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشخصيات،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الرموز،‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬غسل‭ ‬البطلة‭ ‬لأرضيات‭ ‬بيتها‭ ‬مرات‭ ‬متتالية‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬رمزية‭ ‬واضحة‭ ‬إلى‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬التطهّر،‭ ‬وكذلك‭ ‬مشهد‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬البحر‭ ‬المتكرر‭ ‬في‭ ‬تآزر‭ ‬ملحّ‭ ‬للقْطة‭ ‬الواحدة،‭ ‬وحالة‭ ‬الإباء‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬عليها‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالخطيئة،‭ ‬وشهر‭ ‬رمضان‭ ‬بأجوائه‭ ‬الروحانية،‭ ‬وترددها‭ ‬باستمرار‭ ‬على‭ ‬أماكن‭ ‬تراثية‭ ‬يتجلى‭ ‬بها‭ ‬عبق‭ ‬الأصالة‭ ‬والروحانيات،‭ ‬وكذلك‭ ‬مشهد‭ ‬صلاة‭ ‬العيد،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المشاهد‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬تعبيراً‭ ‬رمزياً‭ ‬صادقاً‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬التطهّر‭ ‬والخلاص،‭ ‬طهارة‭ ‬الجسد‭ ‬والنفس‭ ‬وخلاصهما‭ ‬من‭ ‬الدنس‭.‬

من‭ ‬أفلام‭ ‬الرومانسية‭ ‬أيضاً‭ ‬التي‭ ‬حفلت‭ ‬بتوظيف‭ ‬الرمز‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬بتوقيت‭ ‬القاهرة‮»‬‭ ‬‭(‬2015‭)‬للمخرج‭ ‬أمير‭ ‬رمسيس،‭ ‬وهو‭ ‬آخر‭ ‬أفلام‭ ‬الراحل‭ ‬نور‭ ‬الشريف،‭ ‬حيث‭ ‬تصبح‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬زمنين،‭ ‬زمن‭ ‬حاضر‭ ‬بتفاصيله‭ ‬وتشوهاته‭ ‬وتمزقه،‭ ‬وزمن‭ ‬ماضٍ‭ ‬بذكرياته‭ ‬وقيمِه،‭ ‬وتظل‭ ‬مظاهر‭ ‬التفاوت‭ ‬والاختلاف‭ ‬بين‭ ‬الزمنين‭ ‬هي‭ ‬الفكرة‭ ‬المسيطرة‭ ‬على‭ ‬الفيلم،‭ ‬ويظل‭ ‬هاجس‭ ‬‮«‬يحيى‭ ‬شكري‮»‬‭ (‬نور‭ ‬الشريف‭) ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬المرأة‭ ‬الوحيدة‭ ‬‮«‬ليلى‭ ‬السماحي‮»‬‭ (‬ميرفت‭ ‬أمين‭) ‬التي‭ ‬أحبها‭ ‬في‭ ‬شبابه،‭ ‬كرمز‭ ‬للتمسك‭ ‬بالحب‭ ‬وعرفان‭ ‬بقيمته‭ ‬المجردة‭ ‬من‭ ‬الغايات؛‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬علاقة‭ ‬عاطفية‭ ‬بين‭ ‬شاب‭ ‬وفتاة‭ ‬من‭ ‬زمننا،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬الشاب‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬يستدرج‭ ‬حبيبته‭ (‬فريسته‭) ‬إلى‭ ‬الخطيئة،‭ ‬وهروب‭ ‬يحيى‭ ‬شكري‭ ‬من‭ ‬ابنه‭ ‬المدّعي‭ ‬للتدين،‭ ‬ورحلته‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حبيبته،‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬حقيقته‭ ‬رفض‭ ‬للزمن‭ ‬الحاضر‭ ‬ومحاولة‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬الزمن‭ ‬الماضي‭ ‬الأكثر‭ ‬براءةً‭ ‬وإنسانية،‭ ‬وما‭ ‬الساعة‭ ‬التي‭ ‬حملها‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬بحثه‭ ‬وهروبه‭ ‬إلا‭ ‬رمز‭ ‬للتمسك‭ ‬بالزمن‭ ‬الماضي‭ ‬وإخلاص‭ ‬للمرأة‭ ‬التي‭ ‬أحبها،‭ ‬فهي‭ ‬هدية‭ ‬منها‭ ‬وذكرى‭ ‬ذ‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ - ‬من‭ ‬زمن‭ ‬قديم‭. ‬

تعتبر‭ ‬‮«‬الطبقية‮»‬‭ ‬من‭ ‬السمات‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬اتكأت‭ ‬عليها‭ ‬الأفلام‭ ‬الرومانسية،‭ ‬قديماً‭ ‬وحديثاً،‭ ‬لمقاربة‭ ‬إشكاليات‭ ‬اجتماعية‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬سبباً‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬اكتمال‭ ‬قصة‭ ‬عاطفية‭ ‬بين‭ ‬حبيبين،‭ ‬لكنها‭ ‬تحولت‭ ‬من‭ ‬تعنت‭ ‬الآباء‭ ‬المستبدين‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬التقليدية‭ ‬إلى‭ ‬المحبين‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬الجديدة،‭ ‬واختفت‭ ‬كلمات‭ ‬من‭ ‬نوعية‭ ‬‮«‬تاخدي‭ ‬كم‭ ‬وتبعدي‭ ‬عن‭ ‬ابني‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬رفض‭ ‬المحبين‭ ‬لبعضهم‭ ‬البعض‭ ‬لأسباب‭ ‬مادية،‭ ‬ففي‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬فتاة‭ ‬المصنع‮»‬‭ (‬2014‭) ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬محمد‭ ‬خان،‭ ‬ارتكزت‭ ‬الرؤية‭ ‬الفنية‭ ‬على‭ ‬ثيمة‭ ‬‮«‬الطبقية‮»‬‭ ‬للتأثير‭ ‬على‭ ‬القصة‭ ‬العاطفية‭ ‬بتوجيه‭ ‬الحدث‭ ‬الدرامي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬معينة‭ ‬بهدف‭ ‬الكشف‭ ‬عما‭ ‬قد‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬فشل‭ ‬لعلاقة‭ ‬عاطفية،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬واحد،‭ ‬بسبب‭ ‬الفارق‭ ‬الطبقي،‭ ‬ويظل‭ ‬تركيز‭ ‬التنامي‭ ‬الدرامي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬تثيره‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬الطبقية‮»‬‭ ‬على‭ ‬مصائر‭ ‬الشخصيات،‭ ‬فـ‭ ‬‮«‬هيام‮»‬‭ (‬ياسمين‭ ‬رئيس‭) ‬العاملة‭ ‬البسيطة‭ ‬في‭ ‬مصنع‭ ‬الملابس‭ ‬الجاهزة‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬المشرف‭ ‬‮«‬هاني‭ ‬عادل‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬يراها‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬اجتماعي‭ ‬محدد‭ ‬يجعله‭ ‬لا‭ ‬يفكر‭ ‬بها‭ ‬كزوجة‭ ‬ويرتبط‭ ‬بأخرى‭ ‬أقل‭ ‬منها‭ ‬جمالاً‭.‬

ولعلّنا‭ ‬نقترب‭ ‬من‭ ‬إشكالية‭ ‬مشابهة‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬سهر‭ ‬الليالي‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تتضح‭ ‬الفوارق‭ ‬الطبقية‭ ‬بين‭ ‬الزوجين‭ (‬أحمد‭ ‬حلمي‭ ‬وحنان‭ ‬ترك‭)‬،‭ ‬وتكاد‭ ‬العلاقة‭ ‬بينهما‭ ‬تنتهي‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬الفارق‭ ‬الطبقي‭. ‬

ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نغفل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬الساحر‮»‬‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬رضوان‭ ‬الكاشف،‭ ‬وتشتت‭ ‬البطلة‭ ‬منة‭ ‬شلبي‭ ‬بين‭ ‬شخصين‭: ‬الشاب‭ ‬البسيط‭ ‬الذي‭ ‬يحبها‭ ‬والآخر‭ ‬الثري‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬حياة‭ ‬لاهية‭. ‬

 

‮«‬الفقد‮»‬‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬المحبوب

من‭ ‬سمات‭ ‬السينما‭ ‬الرومانسية‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة،‭ ‬أنها‭ ‬ارتكزت‭ ‬على‭ ‬عاملين‭ ‬أساسيين،‭ ‬هما‭: ‬‮«‬الفقد‮»‬‭ ‬و«البحث‭ ‬عن‭ ‬المحبوب‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬وجود‭ ‬أحدهما‭ ‬ينبئ‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬الآخر،‭ ‬وأصبح‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حبيب‭ (‬وهو‭ ‬بحث‭ ‬المرأة‭ ‬غالباً‭) ‬مرتبطاً‭ ‬بحالة‭ ‬‮«‬الفقد‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬المرأة،‭ ‬وهو‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬غالباً‭ ‬لأحد‭ ‬الأبوين،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لمحبوب‭ ‬أو‭ ‬زوج،‭ ‬ومن‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬يتجلى‭ ‬فيها‭ ‬ذلك‭: ‬‮«‬أحلى‭ ‬الأوقات‮»‬،‭ ‬و«حب‭ ‬البنات‮»‬،‭ ‬و«شقة‭ ‬مصر‭ ‬الجديدة‮»‬،‭ ‬و«سهر‭ ‬الليالي‮»‬،‭ ‬و«الساحر‮»‬،‭ ‬و«فتاة‭ ‬المصنع‮»‬،‭ ‬و«ألوان‭ ‬السما‭ ‬السبعة‮»‬،‭ ‬و«عن‭ ‬العشق‭ ‬والهوى‮»‬،‭ ‬و«أنت‭ ‬عمري‮»‬،‭ ‬و«بتوقيت‭ ‬القاهرة‮»‬،‭ ‬و«احكي‭ ‬يا‭ ‬شهر‭ ‬زاد‮»‬،‭ ‬وغيرها،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السمة‭ ‬تعدّ‭ ‬من‭ ‬السمات‭ ‬الأساسية‭ ‬للسينما‭ ‬الرومانسية‭ ‬في‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭.‬

فهيام‭ ‬وحنان‭ ‬وعالية‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬‮«‬فتاة‭ ‬المصنع‮»‬،‭ ‬و«ألوان‭ ‬السما‭ ‬السبعة‮»‬،‭ ‬و«عن‭ ‬العشق‭ ‬والهوى‮»‬‭ ‬فقدن‭ ‬آباءهن‭ ‬وعانين‭ ‬اليُتم‭ ‬وصِرن‭ ‬يتخبطن‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬وهن‭ ‬يبحثن‭ ‬عن‭ ‬حبيب‭/ ‬زوج‭ ‬يحنو‭ ‬عليهن‭ ‬ويشعرهن‭ ‬بالأمان‭ ‬والاستقرار،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأخوات‭ ‬الثلاث‭ ‬اللائي‭ ‬فقدن‭ ‬أبيهن‭ ‬في‭ ‬‮«‬احكي‭ ‬يا‭ ‬شهرزاد‮»‬،‭ ‬وأفلام‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭ ‬عالجت‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬المباشرة‭ ‬الفجة،‭ ‬كذلك‭ ‬شخصية‭ ‬‮«‬سلمى‮»‬‭ (‬حنان‭ ‬ترك‭) ‬الشخصية‭ ‬المحورية‭ ‬في‭ ‬‮«‬أحلى‭ ‬الأوقات‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تفتقد‭ ‬حنو‭ ‬الأب‭ ‬برغم‭ ‬وجوده،‭ ‬كانت‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬مبرر‭ ‬للاستمرار،‭ ‬أي‭ ‬مبرر‭ ‬للحياة،‭ ‬لدى‭ ‬شاب‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬حبيباً،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فقدت‭ ‬أمها‭ ‬أيضا‭.‬‭ ‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬الحب‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬حب‭ ‬البنات‮»‬‭ (‬2004‭) ‬للمخرج‭ ‬خالد‭ ‬الحجر،‭ ‬تأليف‭ ‬تامر‭ ‬حبيب،‭ ‬هو‭ ‬الشاغل‭ ‬والمطلب‭ ‬الأساس‭ ‬لكل‭ ‬الشخصيات،‭ ‬لاسيما‭ ‬الأخوات‭ ‬الثلاث‭ ‬‮«‬ندى‮»‬‭ (‬ليلى‭ ‬علوي‭) ‬و«رقية‮»‬‭ (‬هنا‭ ‬شيحة‭) ‬و‮«‬غادة‮»‬‭ (‬حنان‭ ‬ترك‭)‬،‭ ‬فذلك‭ ‬لأنهن‭ ‬يفتقدن‭ ‬حنان‭ ‬الأب‭. ‬

وينعكس‭ ‬الموت‭ ‬المفاجئ‭ ‬للأب‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬احكي‭ ‬يا‭ ‬شهر‭ ‬زاد‮»‬‭ ‬على‭ ‬مصائر‭ ‬البنات‭ ‬الثلاث‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سعت‭ ‬كل‭ ‬منهن‭ ‬إلى‭ ‬حبيب‭ ‬واحد‭! ‬

 

توظيف‭ ‬الأغنية‭ ‬والأعمال‭ ‬الأدبية

اعتمدت‭ ‬الأفلام‭ ‬الرومانسية‭ ‬كثيراً‭ ‬على‭ ‬الأغاني‭ ‬الرومانسية،‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬قوي‭ ‬على‭ ‬المشاهد،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تضفي‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬البهجة‭ ‬والتفاؤل‭ ‬وأجواء‭ ‬الحب‭ ‬على‭ ‬الأحداث،‭ ‬وقد‭ ‬حفلت‭ ‬أفلام‭ ‬عديدة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬سهر‭ ‬الليالي‮»‬،‭ ‬و«عن‭ ‬العشق‭ ‬والهوى‮»‬،‭ ‬و«شقة‭ ‬مصر‭ ‬الجديدة‮»‬،‭ ‬و«فتاة‭ ‬المصنع‮»‬،‭ ‬و«أحلى‭ ‬الأوقات‮»‬،‭ ‬و«شورت‭ ‬وفانلة‭ ‬وكاب‮»‬‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الأغاني‭ ‬لفيروز،‭ ‬وشيرين،‭ ‬ونانسي‭ ‬عجرم،‭ ‬ومدحت‭ ‬صالح،‭ ‬ومحمد‭ ‬منير،‭ ‬وغيرهم‭. ‬

واستفادت‭ ‬السينما‭ ‬الرومانسية‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية،‭ ‬فقدمت‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬يوسف‭ ‬السباعي‭ ‬روايتين،‭ ‬هما‭: ‬‮«‬إني‭ ‬راحلة‮»‬‭ ‬و«بين‭ ‬الأطلال‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬أعمال‭ ‬عميد‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬قدمت‭ ‬‮«‬دعاء‭ ‬الكروان‮»‬،‭ ‬و«الحب‭ ‬الضائع‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أخذت‭ ‬السينما‭ ‬رواية‭ ‬إحسان‭ ‬عبدالقدوس‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تطفئ‭ ‬الشمس‮»‬‭ ‬وقدمتها‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬بالاسم‭ ‬نفسه،‭ ‬ومن‭ ‬الأدب‭ ‬العالمي‭ ‬تم‭ ‬اقتباس‭ ‬قصة‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬نهر‭ ‬الحب‮»‬‭ ‬عن‭ ‬رواية‭ ‬تولستوي‭ ‬‮«‬آنا‭ ‬كارنينا‮»‬‭ ‬