جدل في البطيخ والشمَّام

جدل في البطيخ والشمَّام

لم أر أو أسمع حتى الآن، عن آلة أو أداة معروضة في السوق، رغم أنها مطلوبة، يمكن استخدامها لمعرفة سر  غذائي مراوغ مفيد واقتصادي... في أسواق الفاكهة!

هل‭ ‬سمعت‭ ‬بمسبار‭ ‬أو‭ ‬بوصلة‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬وسيلة،‭ ‬تضعها‭ ‬على‭ ‬‮«‬البطيخ‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الشمام‮»‬،‭ ‬فتعرف‭ ‬فوراً‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬حمراء‭ ‬حلوة‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬أو‭ ‬صفراء‭ ‬شهية‭... ‬عسلية‭ ‬المذاق؟‭!‬

وكيف‭ ‬حقاً،‭ ‬يصل‭ ‬العلم‭ ‬إلى‭ ‬مقياس‭ ‬لضغط‭ ‬الدم‭ ‬وارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬السكر‭ ‬ودرجة‭ ‬الحرارة‭ ‬في‭ ‬الإنسان،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الشمس‭ ‬والقمر‭ ‬والمريخ،‭ ‬و‮«‬يعجز‮»‬‭ ‬عن‭ ‬معرفة‭ ‬‮«‬مستوى‭ ‬السكر‮»‬‭ ‬في‭ ‬البطيخ‭ ‬والشمام؟

أعجبُ‭ ‬في‭ ‬الجمعيات‭ ‬التعاونية‭ ‬وأسواق‭ ‬الخضرة،‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يحملون‭ ‬البطيخة‭ ‬بكل‭ ‬ثقة،‭ ‬وربما‭ ‬يضغطون‭ ‬عليها‭ ‬ويرجّونها‭ ‬ويخضّونها،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬يقرعون‭ ‬عليها‭ ‬باليد‭ ‬في‭ ‬صوت‭ ‬مسموع،‭ ‬ليقرروا‭ ‬بعدها‭ ‬بكل‭ ‬ثقة،‭ ‬صدقاً‭ ‬أو‭ ‬تظاهراً‭ ‬بالمعرفة‭ ‬الأكيدة،‭ ‬أنها‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬ناضجة‭ ‬حمراء،‭ ‬تستحق‭ ‬دون‭ ‬غيرها‭ ‬الشراء‭!‬

وأتساءل‭ ‬أحياناً‭: ‬هل‭ ‬رُزق‭ ‬هؤلاء‭ ‬دون‭ ‬غيرهم‭ ‬معرفة‭ ‬دلالة‭ ‬ارتداد‭ ‬الأصوات،‭ ‬قبل‭ ‬علماء‭ ‬البترول‭ ‬و«السيموغراف‮»‬،‭ ‬وسبقوا‭ ‬مخترعي‭ ‬الرادار‭ ‬والسونار‭ ‬وغيرهما؟

العرب،‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬عدم‭ ‬اتفاقهم‭ ‬على‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭ ‬كالإرهاب‭ ‬وغيره،‭ ‬مختلفون‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬تسمية‭ ‬البطيخ‭ ‬والشمام‭! ‬فما‭ ‬تسميه‭ ‬أنت‭ ‬بالبطيخ‭ ‬يسمّيه‭ ‬غيرك‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭ ‬بالشمام،‭ ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬يستخدم‭ ‬الكلمتين‭ ‬ليسمّي‭ ‬‮«‬البطيخ‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬والعراق‭ ‬بـ«الرقّي‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬‮«‬الحبحب‮»‬‭ ‬وربما‭ ‬‮«‬القاوون‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬بالتركية‭ ‬Kavun‭ ‬بمعنى‭ ‬الشمام،‭ ‬وخربوز‭ ‬Karpuz‭ ‬الأخضر‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬الأحمر‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬بينما‭ ‬يُطلق‭ ‬الإيرانيون‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نسمّيه‭ ‬عادة‭ ‬بالشمام‭.‬

وتقول‭ ‬القواميس‭ ‬إن‭ ‬البطيخ‭ ‬والشمام‭ ‬من‭ ‬‮«‬الفصيلة‭ ‬القرعية‮»‬،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬القرع،‭ ‬فيما‭ ‬أعتقد،‭ ‬ضمن‭ ‬دنيا‭ ‬الخضراوات،‭ ‬وخارج‭ ‬المنافسة‭ ‬بين‭ ‬شقيقيه‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الفاكهة،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬أصناف‭ ‬الشمام‭ ‬المصري،‭ ‬يقول‭ ‬القاموس،‭ ‬‮«‬الباسوس‭ ‬وكفر‭ ‬حكيم‭ ‬وكوز‭ ‬العسل‭ ‬والإسماعيلاوي‮»‬‭.‬

ويقول‭ ‬المؤرخ‭ ‬المعروف‭ ‬أحمد‭ ‬أمين‭ ‬في‭ ‬‮«‬قاموس‭ ‬العادات‮»‬،‭ ‬إن‭ ‬أجود‭ ‬البطيخ‭ ‬‮«‬اليافاوي‮»‬،‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬يافا‭ ‬بفلسطين‭. ‬‮«‬ثم‭ ‬استجلبوا‭ ‬اللبّ‭ ‬من‭ ‬‮«‬شـــــيلي‮»‬،‭ ‬وزرعــــوه‭ ‬وسمّوه‭ ‬شِلْيَن،‭ ‬فــــكان‭ ‬خيراً‭ ‬من‭ ‬اليافاوي‮»‬‭... ‬وهكذا‭ ‬تعثّر‭ ‬حظ‭ ‬فلسطـــين‭ ‬حتـــى‭ ‬في‭ ‬دنيا‭ ‬النبات‭ ‬والفواكه‭ ‬والبطيخ‭ ‬والشمام‭!‬

ومن‭ ‬عجائب‭ ‬المصادفة‭ ‬اللغوية‭ ‬أن‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬شمام‮»‬‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬قواميس‭ ‬اللغة،‭ ‬كلسان‭ ‬العرب‭ ‬والمنجد‭. ‬وفي‭ ‬المنجد‭ ‬البطيخ،‭ ‬والبطيخ‭ ‬الأصفر،‭ ‬و‮«‬الشمام‮»‬‭ ‬الرجل‭ ‬الحاد‭ ‬الشم‭! ‬ويقول‭ ‬لسان‭ ‬العرب‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الشمام‭ ‬اسم‭ ‬جبل‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬مفردات‭ ‬اللغة‭ ‬فعل‭ ‬‮«‬أبطخ‮»‬،‭ ‬بمعنى‭ ‬كثر‭ ‬عنده‭ ‬البطيخ،‭ ‬و«المبطخة‮»‬‭ ‬وجمعها‭ ‬‮«‬مباطخ‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬موضع‭ ‬البطيخ‭ ‬ومنبته،‭ ‬وما‭ ‬أسهل‭ ‬أن‭ ‬تخطئ‭ ‬صحفنا،‭ ‬فتطبع‭ ‬الكلمة‭... ‬مطابخ‭!‬

وتضم‭ ‬الفصيلة‭ ‬القرعية‭ ‬‮«‬الـــــشري‮»‬‭ ‬أو‭ ‬الحنــــــظــــل‭ ‬والعلقم،‭ ‬الشديد‭ ‬المرارة،‭ ‬الشديد‭ ‬الشبه‭ ‬بالبطيخ‭... ‬ولكنه‭ ‬ربما‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬البرتقالة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬ويستعمل‭ ‬في‭ ‬الطب‭ ‬الشعبي‭ ‬ولبذوره‭ ‬تأثير‭ ‬مسهل‭ ‬قوي،‭ ‬والشري‭ ‬باللاتينية‭ ‬Citrullus‭ ‬Colocynthis‭ (‬L‭.) ‬Schrad‭ ‬ولم‭ ‬ترد‭ ‬كلمة‭ ‬شمام‭ ‬في‭ ‬اللهجة‭ ‬الكويتية‭ ‬إلا‭ ‬حديثاً،‭ ‬والشمام‭ ‬في‭ ‬لهجتنا‭ ‬أحياناً‭ ‬يسمى‭ ‬بالبطيخ،‭ ‬لأن‭ ‬البطيخ‭ ‬يسمى‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الرقي‮»‬‭.‬

ويقول‭ ‬الباحث‭ ‬سامي‭ ‬السعيدان‭ ‬في‭ ‬الموسوعة‭ ‬الكويتية‭ ‬عن‭ ‬بطيخ‭ ‬الكويت،‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬من‭ ‬أحسن‭ ‬الأنواع‭ ‬لحلاوته‭ ‬وطيب‭ ‬رائحته‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬التعابير‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬أصول‭ ‬دلالتها‭ ‬‮«‬ديرة‭ ‬بطـــــيخ‮»‬،‭ ‬بمــعنى‭ ‬‮«‬بلاد‭ ‬بطيخ‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تقال‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التذمّر‭ ‬والشكوى‭ ‬من‭ ‬الأحوال،‭ ‬فيقول‭ ‬السعيدان‭: ‬‮«‬ديرة‭ ‬البطيخ‭ ‬هي‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬يعبث‭ ‬العابثون‭ ‬بأسعار‭ ‬سلعها‭ ‬ووظائفها‭ ‬وتجارتها‭ ‬دون‭ ‬حسيب‭ ‬أو‭ ‬رقيب‮»‬‭.‬

فأين‭ ‬تقع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬البلاد؟

‭(‬ملاحظة‭: ‬أدخل‭ ‬مجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬كلمة‭ ‬شمام‭ ‬إلى‭ ‬القواميس‭ ‬الحالية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬معجم‭ ‬الوسيط‭) ‬