دلالات رسوم الأطفال

دلالات رسوم الأطفال

منذ منتصف القرن العشرين، بدأت الدراسات النفسية والبحوث التربوية في الاهتمام أكثر بشخصية الطفل وما يفرزه  من انفعالات وأحاسيس مختلفة، سرعان ما يحوّلها في شكل ألعاب أو رسوم أو إنتاجات أخرى، تعبّر في بعض الأحيان عن حالات مرضية تستوجب الكشف والمتابعة للبحث عن حلول ناجعة تساهم في إنقاذ الطفل الذي لديه مشكلات عاطفية.

لعل‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬المواضيع‭ ‬التي‭ ‬اهتم‭ ‬بها‭ ‬علم‭ ‬نفس‭ ‬الطفل‭ ‬بشتّى‭ ‬فروعه‭ ‬المتعددة‭,‬‭ ‬مجال‭ ‬الرسم‭ ‬والإبداع‭ ‬الفني‭ ‬لدى‭ ‬الصّغار،‭ ‬فرسوماتهم‭ ‬بمنزلة‭ ‬مرآة‭ ‬تعكس‭ ‬عالمهم‭ ‬الباطني،‭ ‬وما‭ ‬ينبض‭ ‬داخله‭ ‬من‭ ‬تصورات‭ ‬ونزعات‭ ‬فردية‭ ‬تكشف‭ ‬ما‭ ‬يحسّه‭ ‬الطفل‭ ‬من‭ ‬عواطف‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعيشه‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭ ‬الذي‭ ‬يتموضع‭ ‬فيه،‭ ‬فالرسوم‭ ‬تعطينا‭ ‬الفرصة‭ ‬لاستكشاف‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الطفل‭ ‬السّوي‭ ‬المتوازن،‭ ‬والطفل‭ ‬المضطرب‭ ‬نفسيّاً‭.‬

 

مراحل‭ ‬رسوم‭ ‬الأطفال

يمرّ‭ ‬الطفل‭ ‬عبر‭ ‬مراحل‭ ‬عمره‭ ‬المختلفة‭ ‬بعدة‭ ‬أشواط،‭ ‬تبين‭ ‬بكل‭ ‬دقّة‭ ‬ميزات‭ ‬رسوماته‭ ‬ودرجة‭ ‬إدراكه‭ ‬للعالم‭ ‬الذي‭ ‬يحيط‭ ‬به‭. ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬المراحل‭ ‬نذكر‭:‬

‭- ‬مرحلة‭ ‬التخطيط‭ ‬العشوائي‭ (‬حتى‭ ‬عمر‭ ‬سنتين‭):‬

يقوم‭ ‬الطفل‭ ‬بخربشات‭ ‬وخطوط‭ ‬عشوائية‭ ‬متعرّجة‭. ‬

    ‬وهي‭ ‬أول‭ ‬ملامسة‭ ‬له‭ ‬للألوان،‭ ‬فتكون‭ ‬رسوماته‭ ‬عبثية،‭ ‬غير‭ ‬واضحة،‭ ‬ولكـــــنها‭ ‬تــــعبّر‭ ‬عن‭ ‬انفعالات‭ ‬لاواعية‭.‬

‭- ‬مرحلة‭ ‬التخطيط‭ ‬غير‭ ‬المنتظم‭ (‬من‭ ‬2‭ ‬ذ‭ ‬4‭ ‬سنوات‭):‬

يرسم‭ ‬خطوطا‭ ‬بأشكال‭ ‬متنوّعة‭: ‬طولية،‭ ‬حلزونية‭ ‬ودائرية‭. ‬يبدأ‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬التحكّم‭ ‬في‭ ‬يديه‭ ‬تدريجياً‭.‬

‭- ‬مرحلة‭ ‬التخطيط‭ ‬الرمزي‭ (‬من‭ ‬5‭ ‬ذ‭ ‬6‭ ‬سنوات‭):‬

يدخل‭ ‬الطفل‭ ‬عالم‭ ‬الروضة،‭ ‬فيشرع‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الألوان‭ ‬التي‭ ‬يحبّذها،‭ ‬فيرسم‭ ‬أشياء‭ ‬بسيطة‭ ‬تحاكي‭ ‬عالمه،‭ ‬يضفي‭ ‬عليها‭ ‬مسحة‭ ‬من‭ ‬الخيال،‭ ‬ولكنها‭ ‬غير‭ ‬مطابقة‭ ‬للواقع‭.‬

‭- ‬مرحلة‭ ‬الواقعية‭ ‬الوصفية‭ (‬من‭ ‬7‭ ‬ذ‭ ‬8‭ ‬سنوات‭):‬

يبدأ‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬ما‭ ‬يعرفه‭ ‬لا‭ ‬ما‭ ‬يراه،‭ ‬فيرسم‭ ‬أشياء‭ ‬اختزنت‭ ‬في‭ ‬ذاكرته،‭ ‬كأن‭ ‬يكبّر‭ ‬أو‭ ‬يصغّر‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬بعض‭ ‬الموجودات‭ ‬أو‭ ‬يزيد‭ ‬ويحذف‭ ‬بعض‭ ‬الأشياء‭.‬

‭- ‬مرحلة‭ ‬الواقعية‭ ‬البصرية‭ (‬من‭ ‬9‭ - ‬10‭ ‬سنوات‭):‬

ينتقل‭ ‬الطفل‭ ‬من‭ ‬الرسم‭ ‬المستوحى‭ ‬من‭ ‬الخيال‭ ‬أو‭ ‬الذاكرة،‭ ‬إلى‭ ‬الرسم‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬فيه،‭ ‬فيرسم‭ ‬مثلاً‭ ‬شجرة‭ ‬بحجمها‭ ‬الطبيعي‭ ‬أو‭ ‬أشخاصاً‭ ‬بكامل‭ ‬أطرافهم‭.‬

‭- ‬مرحلة‭ ‬التعبير‭ ‬الواقعي‭ (‬من‭ ‬11‭ - ‬13‭ ‬سنة‭):‬

يعي‭ ‬الطفل‭ ‬وعياً‭ ‬كاملاً‭ ‬بعالمه‭ ‬الخارجي،‭ ‬فيدرك‭ ‬العلاقة‭ ‬البصرية‭ ‬بين‭ ‬القريب‭ ‬والبعيد،‭ ‬وتتّضح‭ ‬لديه‭ ‬المسافات‭ ‬بين‭ ‬الأشياء،‭ ‬فتنضج‭ ‬رسوماته،‭ ‬وتصبح‭ ‬قريبة‭ ‬جدّاً‭ ‬من‭ ‬الواقع‭. ‬

 

تفاعل‭ ‬لا‭ ‬شعوري

‭ ‬عندما‭ ‬يرسم‭ ‬الطفل‭ ‬فإنّه‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬أشياء‭ ‬دفينة‭ ‬تعيش‭ ‬معه،‭ ‬فيتفاعل‭ ‬معها‭ ‬لاشعورياً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرسم‭. ‬فتكشف‭ ‬لوحاته‭ ‬عن‭ ‬رموز‭ ‬وإشارات‭ ‬إيحائية‭ ‬تدلّ‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬عن‭ ‬اضطراب‭ ‬عاطفي‭ ‬أو‭ ‬صراع‭ ‬نفسي‭ ‬يعاني‭ ‬منه‭ ‬الطفل‭. ‬ومن‭ ‬أهمّ‭ ‬الدّلائل‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نستلهمها‭ ‬من‭ ‬رسوم‭ ‬الأطفال‭ ‬نذكر‭:‬

 

حجم‭ ‬الرّسمة

‭- ‬رسومات‭ ‬كبيرة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬طفل‭ ‬عدواني‭ ‬أو‭ ‬لديه‭ ‬نشاط‭ ‬زائد‭.‬

‭- ‬رسومات‭ ‬صغيرة‭ ‬تدلّ‭ ‬على‭ ‬الضعف‭ ‬والخوف‭ ‬أو‭ ‬الانطوائية‭ ‬والقلق‭.‬

 

رسم‭ ‬الشخصيات

‭- ‬الرأس‭: ‬رأس‭ ‬كبير‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬الافتخار‭ ‬والإعجاب‭ ‬بالنّفس‭.‬

‭- ‬الفم‭: ‬فم‭ ‬كبير‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬العدوانية‭ ‬أو‭ ‬الثرثرة‭.‬

‭- ‬العيون‭: ‬عيون‭ ‬كبيرة‭ ‬تدلّ‭ ‬على‭ ‬طفل‭ ‬فضولي‭ ‬أو‭ ‬يحسّ‭ ‬بأنّه‭ ‬مراقب‭ ‬أو‭ ‬متحكّم‭ ‬فيه‭. ‬أمّا‭ ‬العيون‭ ‬الصغيرة‭ ‬فتدل‭ ‬على‭ ‬الخجل‭ ‬وقلة‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬وحذف‭ ‬العيون‭ ‬يرمز‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الاختلاط‭.‬

‭- ‬العنق‭: ‬عنق‭ ‬طويل‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬مصاعب‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬رغباته‭. ‬أمّا‭ ‬حذف‭ ‬العنق‭ ‬فدلالة‭ ‬على‭ ‬المعاناة‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬أو‭ ‬البيت‭.‬

‭- ‬الأيدي‭: ‬الأيدي‭ ‬الطويلة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬الاتصال‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬وطلب‭ ‬المساعدة‭. ‬والأيدي‭ ‬الصغيرة‭ ‬ترمز‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬الشعور‭ ‬بالأمان‭ ‬وضعف‭ ‬الثقة‭.‬‭ ‬أمّا‭ ‬جسم‭ ‬بلا‭ ‬أيدي‭ ‬فتدل‭ ‬على‭ ‬طفل‭ ‬خجول‭ ‬وضعيف‭.‬

‭- ‬المنزل‭: ‬بيت‭ ‬كبير‭ ‬ومؤثث‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬طفل‭ ‬يحب‭ ‬الانفتاح‭. ‬وبيت‭ ‬بلا‭ ‬نوافذ‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬الانغلاق‭ ‬والإحساس‭ ‬بالفشل‭. ‬أمّا‭ ‬بيت‭ ‬فيه‭ ‬نوافذ‭ ‬وأبواب‭ ‬فدلالة‭ ‬على‭ ‬الشعور‭ ‬بالراحة‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬الآخر‭.‬

‭- ‬الشّمس‭: ‬كبيرة‭ ‬وواضحة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬جيدة‭ ‬مع‭ ‬الأب‭. ‬وعدم‭ ‬وضوحها‭ ‬دلالة‭ ‬تأزّم‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬بينهما‭.‬

‭- ‬السّماء‭: ‬صافية‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬الانسجام‭ ‬والتناغم‭ ‬مع‭ ‬العائلة‭.‬

‭- ‬الشّجرة‭: ‬تمثل‭ ‬رمز‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬فالجذع‭ ‬المتين‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬الأنا‭ ‬المستقرّة‭ ‬لدى‭ ‬الطفل‭. ‬أما‭ ‬الأغصان‭ ‬الممتدة‭ ‬فتدل‭ ‬على‭ ‬التّطور‭ ‬الإيجابي‭ ‬داخل‭ ‬محيطه‭.‬

‭- ‬الحيوان‭: ‬رسم‭ ‬الحيوانات‭ ‬المفترسة‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬أب‭ ‬قاس‭ ‬ومخيف‭ ‬للطفل‭. ‬ورسم‭ ‬العصافير‭ ‬والأسماك‭ ‬يرمز‭ ‬إلى‭ ‬الشعور‭ ‬بالرّاحة‭ ‬والاطمئنان‭.‬‭ ‬أمّا‭ ‬رسم‭ ‬القطط‭ ‬والكلاب‭ ‬فيدل‭ ‬على‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬الملاطفة‭ ‬والمداعبة‭.‬

‭- ‬الألوان‭: ‬استعمال‭ ‬ألوان‭ ‬معيّنة‭ ‬بكثافة‭ ‬على‭ ‬الصّورة‭ ‬له‭ ‬دلالات‭ ‬محدّدة‭. ‬فالأزرق‭ ‬يرمز‭ ‬للهدوء‭ ‬وعمق‭ ‬المشاعر‭. ‬والأخضر‭ ‬يرمز‭ ‬للحدس‭ ‬والمرونة‭ ‬والراحة‭. ‬الأحمر‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬القوّة‭ ‬والغضب‭ ‬والعدوانية‭. ‬أما‭ ‬الأصفر‭ ‬فيدلّ‭ ‬على‭ ‬العفوية‭ ‬وحب‭ ‬الاطلاع‭. ‬البرتقالي‭ ‬رمز‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والبنفسجي‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬التناقض‭ ‬والتذبذب‭. ‬والأسود‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬طفل‭ ‬سلبي‭. ‬والوردي‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬الرّقة‭ ‬والحنان‭. ‬أمّا‭ ‬الرمادي‭ ‬فدلالة‭ ‬على‭ ‬الحياد‭ ‬وغياب‭ ‬المشاعر‭ ‬