الإمارات حالة ثقافية تصنع مستقبلاً

الإمارات حالة ثقافية تصنع مستقبلاً

حينما تجعل دولة - أي دولة - مفهوم الثقافة مقرراً إنسانياً متاحاً للعامة، وتعيد - في خطوات جادة ومدروسة - تكوين ماضيها وحاضرها ومستقبلها على أسس ثقافية ومعرفية وفكرية، وتجنح إلى تكريس العلوم الإنسانية، في كل مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية، هل لك في هذه الحال أن تكون على يقين من أن هذه الدولة ستحظى بحاضر مزدهر بالنماء والتطور، وماضٍ تتألق فيه التطلعات والأحلام إلى أبعد الحدود؟

بالضبط‭... ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬الآن‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬فإلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬حظيت‭ ‬به‭ ‬تجاربها‭ ‬من‭ ‬نجاحات‭ ‬باهرة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والمال‭ ‬والأعمال‭ ‬والسياحة‭ ‬والتجارة،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المجالات‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬في‭ ‬مصاف‭ ‬الدول‭ ‬الأكثر‭ ‬نمواً‭ ‬وتحضراً،‭ ‬فإنها‭ ‬تمضي‭ ‬في‭ ‬خطوات‭ ‬حثيثة‭ ‬ومخلصة‭ ‬نحو‭ ‬آفاق‭ ‬ثقافية،‭ ‬مزدانة‭ ‬بالتفوق‭ ‬والتحدي،‭ ‬والتنافس،‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الدخول‭ ‬بثقة‭ ‬إلى‭ ‬الساحة‭ ‬بعتاد‭ ‬ثقافي‭ ‬يمكن‭ ‬استشراف‭ ‬دوره‭ ‬المستقبلي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يحظى‭ ‬به‭ ‬الحاضر‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬متواصل،‭ ‬قدّر‭ ‬له‭ ‬ألا‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬حد‭ ‬بعينه‭.‬

سأبدأ‭ ‬حديثي‭ ‬عن‭ ‬المنجزات‭ ‬الثقافية‭ ‬الإماراتية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشروع‭  ‬يؤدي‭ ‬الآن‭ ‬دوره‭ ‬الريادي‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬ويجعل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يطلع‭ ‬عليه‭ ‬يطرح‭ ‬السؤال‭:‬‭ ‬كـــيف‭ ‬نــــجح‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬عربي؟‭! ‬والمشروع‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬طيران‭ ‬الإمارات‭ ‬للآداب‭... ‬فالخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬الإماراتية‭ ‬تقيم‭ ‬مهرجاناً‭ ‬ثقافياً‭ ‬وأدبياً‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬تستضيف‭ ‬فيه‭ ‬كبار‭ ‬الأدباء،‭ ‬وتقيم‭ ‬فيه‭ ‬المحاضرات‭ ‬والأمسيات‭!‬

‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬المهرجان‭ ‬يقام‭ ‬لمآرب‭ ‬ترويجية،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحفيز‭ ‬المسافرين‭ ‬وحثهم‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬الإماراتية‭ ‬في‭ ‬رحلاتهم؟‭ ‬ومن‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬الآداب‭ ‬تصلح‭ - ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬بالذات‭ - ‬لتكون‭ ‬ضمن‭ ‬منظومة‭ ‬ترويجية‭ ‬جاذبة؟‭!‬

ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬يحدث،‭ ‬وهذا‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الإمارات‭ ‬عبر‭ ‬خطوطها‭ ‬الجوية،‭ ‬وما‭ ‬الحصيلة‭... ‬ربح‭ ‬مادي‭ ‬وجذب‭ ‬لراغبي‭ ‬السفر؟‭!‬

ليس‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬المقصود‭ ‬من‭ ‬المهرجان،‭ ‬ولكنها‭ ‬الثقافة‭ ‬التي‭ ‬يعمل‭ ‬الإماراتيون‭ ‬في‭ ‬أعماقها،‭ ‬ويريدون‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الصعود‭ ‬إلى‭ ‬التطور‭ ‬بكل‭ ‬معطياته‭ ‬وآماله‭.‬

وإنك‭ ‬ستجد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬إمارة‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬الاتحاد‭ ‬ميزة‭ ‬ثقافية،‭ ‬تجعلها‭ ‬متفردة‭ ‬في‭ ‬سياقها‭ ‬الثقافي‭ ‬والمعرفي‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مؤسسة‭ ‬أو‭ ‬جمعية،‭ ‬حالة‭ ‬ثقافية‭ ‬خاصة،‭ ‬ترغمك‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬دهشة‭ ‬وتأمل،‭ ‬وأنت‭ ‬ترى‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬الخليجية‭ ‬العربية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مؤسساتها‭ ‬ومشاريعها‭ ‬الثقافية،‭ ‬وقد‭ ‬أصبحت‭ ‬مقصد‭ ‬المثقفين،‭ ‬ومحطة‭ ‬مهمة‭ ‬تنهل‭ ‬منها‭ ‬الفنون‭ ‬والآداب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية‭.‬

فالمشاريع‭ ‬الثقافــــية‭ ‬عديــدة‭ ‬والأفكار‭ ‬متجددة،‭ ‬ومتواصلة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتطلبه‭ ‬العصر‭ ‬من‭ ‬تحديات،‭ ‬والمسؤولون‭ ‬هناك‭ ‬على‭ ‬أتم‭ ‬الاستعداد‭ ‬لتلبية‭ ‬كل‭ ‬الاحتياجات‭ ‬المطلوبة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنجاح‭ ‬فكرة‭ ‬مطروحة،‭ ‬أو‭ ‬دعم‭ ‬مؤسسة‭ ‬إماراتية‭ ‬تؤدي‭ ‬دورها‭ ‬المخلص‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الثقافة‭ ‬بكل‭ ‬مجالاتها‭.‬

إنها‭ ‬الإمارات‭ ‬التي‭ ‬تستجيـــــب‭ ‬في‭ ‬خطواتها‭ ‬نحو‭ ‬المستقبل‭ ‬إلى‭ ‬نداءات‭ ‬التنـــمية‭ ‬الثقافية،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تكريس‭ ‬المحلي،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استدعاء‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مقرون‭ ‬بالثقافة‭ ‬عربياً‭ ‬وعالمياً،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬مزجه‭ ‬في‭ ‬منـــظومة‭ ‬إنسانية‭ ‬لافتة‭ ‬للنظر،‭ ‬وقادرة‭ ‬على‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بالعلوم‭ ‬الإنسانية‭.‬

فإذا‭ ‬تحدثنا‭ ‬عن‭ ‬المؤسسات‭... ‬فسنذكر‭- ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭- ‬هيئة‭ ‬أبوظبي‭ ‬للسياحة‭ ‬والثقافة،‭ ‬ودار‭ ‬الكتب‭ ‬الوطنية،‭ ‬وهيئة‭ ‬دبي‭ ‬للثقافة‭ ‬والفنون،‭ ‬والمجمع‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬أبوظبي،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬دورها‭ ‬باقتدار،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬مشاريع‭ ‬أخرى‭ ‬أثبتت‭ ‬نجاحها‭ ‬وشهرتها‭ ‬عالمياً،‭ ‬نذكر‭ ‬جائزة‭ ‬بوكر‭ ‬العربية،‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬أجواء‭ ‬تنافسية‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الروائيين‭ ‬العرب،‭ ‬وملتقى‭ ‬السرد‭ ‬الخليجي،‭ ‬ومهرجان‭ ‬قصر‭ ‬الحصن،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬المعرض‭ ‬الفني‭ ‬العالمي‭ ‬‮«‬آرت‭ ‬دبي‮»‬،‭ ‬فيما‭ ‬أطلقت‭ ‬هيئة‭ ‬الشارقة‭ ‬للكتاب‭ ‬‮«‬النادي‭ ‬الحكومي‭ ‬الأول‭ ‬للقراءة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬،‭ ‬ويؤدي‭ ‬مركز‭ ‬الجليلة‭ ‬لثقافة‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬دبي،‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬‮«‬ميدكلينيك‮»‬‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬دوره‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬العام‭ ‬بأهمية‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الأطفال،‭ ‬ويعد‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬مكتبة‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬بـــــيت‭ ‬الكتب‭ ‬التابع‭ ‬لمجموعة‭ ‬‮«‬كلمات‮»‬‭ ‬في‭ ‬القصباء،‭ ‬أول‭ ‬مشروع‭ ‬للأطفال‭ ‬واليافعين‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬فكرتي‭ ‬المكتبة‭ ‬والمقهى‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬والمنطقة،‭ ‬وينظم‭ ‬مركز‭ ‬وزارة‭ ‬الثـــــــقافة‭ ‬وتنمية‭ ‬المعرفة‭ ‬في‭ ‬الفجيرة‭ ‬الملتقى‭ ‬‮«‬القرائي‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬‮«‬جائزة‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد‭ ‬الدولية‭ ‬للكتاب‮»‬،‭ ‬ومشاريع‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬يسعنا‭ ‬المجال‭ ‬لذكرها‭ ‬لأنها‭ ‬متشعبة‭ ‬في‭ ‬فروعها‭.‬

كما‭ ‬امتدت‭ ‬المشاريع‭ ‬الثقافية‭ ‬إلى‭ ‬خــارج‭ ‬حدود‭ ‬الدولة‭ ‬لتـــوقّع‭ ‬الإمارات‭ ‬مذكرة‭ ‬تفاهم‭ ‬لتأسيس‭ ‬‮«‬دار‭ ‬الشعر‮»‬‭ ‬في‭ ‬مدينـــة‭ ‬تـــطــوان‭ ‬شـــمال‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية،‭ ‬وغيــــرها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العطاءات‭ ‬الثقافية‭ ‬التــــي‭ ‬تشي‭ ‬بالمستوى‭ ‬الراقي‭ ‬الذي‭ ‬توصلت‭ ‬إليه‭ ‬الرؤيــــة‭ ‬الإماراتيـــة‭ ‬في‭ ‬تعاطــيها‭ ‬البناء‭ ‬مع‭ ‬الثقافة،‭ ‬وجعلها‭ ‬عنصراً‭ ‬مهماً‭ ‬وملهماً‭ ‬في‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬حاضر‭ ‬ومستقبل‭ ‬مشرقين‭.‬

إننا‭ ‬نقف‭ ‬أمام‭ ‬نموذج‭ ‬ثقافي‭ ‬عربي‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المقومات‭ ‬يتحقق‭ ‬بفضله‭ ‬التطور‭ ‬المبتغى،‭ ‬والحلم‭ ‬الذي‭ ‬يتعدى‭ ‬سقفه‭ ‬أعلى‭ ‬المستويات،‭ ‬والتطلع‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬في‭ ‬امتداده‭ ‬إلى‭ ‬آفاق‭ ‬رحبة،‭ ‬وآمال‭ ‬بعيدة‭... ‬إننا‭ ‬نقف‭ ‬أمام‭ ‬تجارب‭ ‬حققت‭ ‬قدراً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬النجاح،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المشاريع‭ ‬والفعاليات‭ ‬فقط،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإنسان‭ ‬الإماراتي،‭ ‬الذي‭ ‬اتخذت‭ ‬دولته‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬عنواناً‭ ‬رئيساً‭ ‬في‭ ‬سعيها‭ ‬نحو‭ ‬كل‭ ‬جديد‭ ‬ومبتكر،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الأصالة،‭ ‬وتكريس‭ ‬التراث‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬المعاصرة،‭ ‬وتلبية‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭.‬

هكذا‭ ‬تمكنت‭ ‬الإمارات‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تستحوذ‭ ‬على‭ ‬اهتمام‭ ‬المثقفين‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬تقدمه‭ ‬من‭ ‬منجزات‭ ‬حقيقية‭ ‬وفاعلة،‭ ‬وذات‭ ‬أثر‭ ‬واضح‭ ‬وملموس‭ ‬في‭ ‬واقعنا‭ ‬الثقافي‭.‬

أصبحت‭ ‬الإمارات‭ ‬نموذجاً‭ ‬ومثالاً‭ ‬يحتذى‭ ‬لدولة‭ ‬تفجّرت‭ ‬من‭ ‬تطلــعاتها‭ ‬ينابيع‭ ‬معرفية‭ ‬وثقافية‭ ‬وفـــــنية‭ ‬بكل‭ ‬أفكارها‭ ‬ومشاربها‭ ‬وتوجهاتها،‭ ‬وتحدت‭ ‬بمشاريعها‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الفنون‭ ‬والآداب،‭ ‬السكون‭ ‬والجمود،‭ ‬لتنطلق‭ ‬خطواتها‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬مما‭ ‬نتصور،‭ ‬مخترقة‭ ‬عوالم‭ ‬جديدة‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬المواطن‭ ‬الإماراتي‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬التي‭ ‬يتحقق‭ ‬فيها‭ ‬التطور‭ ‬والنهوض،‭ ‬ويتشكل‭ ‬منها‭ ‬المستقبل‭ ‬في‭ ‬أزهى‭ ‬صوره،‭ ‬وأفضل‭ ‬حالاته‭ ‬