كلمة السر هرمان كانت

كلمة السر

ترجمة: الدكتور عبده عبود

كان من الممكن أن يتوصل لويس فيشر إلى أشياء كثيرة. فقد كان فتى طويل القامة، ليس غبيا، سرعان ما يشتم رغبات أسياده، علما بأنه لم يكن متزلفا أو جبانا، وكل ما في الأمر أنه كان مرنا، ليس أكثر. فلو كان جبانا لما استطاع أن يتقدم في مهنته. لقد كان مدرب كلاب. إنه لا يعلم كلاب "البنشر" كيف تسلم بأكفها الصغيرة، ولا كلاب "البودل" ذات الشعر المسرح أن تبول في الزمان والمكان المناسبين. كلا، فكلابه استحقت ما تحمله من أسماء وما تتمتع به من احترام. إنها أشباه أسود، كائنات خطرة، من الممكن أن يخشاها المرء إذا نظر إليها دون أن يعرف أنها ربائب لويس فيشر. ولكن نظرا لأن المرء كان يعرف ذلك فإنه كان يثق بها، برغم أسنانها التي كأسنان الذئاب، وأنوفها التي كأنوف الملاكمين، وعيونها الوحشية. فقد تحولت على يدي فيشر القاسية ونظراته الباردة إلى كلاب خدمة، كلاب بوليسية إلى خادمين للدولة، أي إلى موظفين، كما يقال. رئيس تلك الكلاب "لويس"، كان موظفا، وكان باستطاعته أن يتقاعد ذات يوم، بعد أن قضى حياته من أجل كلب الخدمة، أي من أجل دولة النظام، بعد ثلاثين سنة من العمل بالكمامة الواقية من النواجذ، بعد حياة وظيفية أمضاها بسراويل ممزقة، كما يتطلب منه الواجب. ربما كان بوسعه أن يؤلف كتابا عنوانه أنا والوحش أو ما أشبه ذلك، أو أن يدرب لنفسه ولمجرد المتعة كلبا معجزة، يحك الجوارب، ويقرأ أعمال فانغهوفر. ولكنه ربما كان قد اكتفى باقتناء ببغاء، أو هرة على الأرجح، بغرض التنويع والمفارقة، لأنه سيكون خارج الخدمة. ولكن هذه مجرد تكهنات، فلويس فيشر ميت. لقد مات بطريقة شنيعة قبل وقت طويل من انتهاء سنوات خدمته الثلاثين. علما بأنه من الممكن أن يتوصل إلى الشيء الكثير. فقد كان يملك كل مستلزمات مهنته. كان قادرا على أن يعرف ما إذا كان جرو في الأسبوع الثالث من العمر سيبقى مجرد كلب، أم ستتطور لديه حاسة النظام والحق والملكية. وعرف لويس فيشر أن بوسع المرء أن يعمل الشيء الكثير بوساطة التربية. كان مقتنعا بأن الكلب والإنسان يشتركان في أمر واحد: إما أن يكون لهما، بصورة جنينية على الأقل، حاسة للنظام والحق والملكية، أو أن يبقيا فاشلين إلى الأبد، حثالة. لقد كان مثالا للمعلم الذي آمن بتعاليمه: "النظام والحق والملكية"، قد حمل زوجته على أن تطرزها له على قطعة قماش تعلق على الحائط وسواء ألقى رأسه مساء على الوسادة من شدة الهم لأن كلب الشيفر (هارو) لم يتصلب عوده بعد، أم انتزعه من فراشه صباحا عواء جيل المستقبل من عضاضي النصابين، فإن نظرته الأولى والأخيرة كانت تقع على الشعار المطرز: نظام - حق - ملكية".

قد يدهش المرء من أن يسمع بعد هذا كله أن لويس فيشر كان ديمقراطيا اجتماعيا، فمن المفترض أن يكون في حزب الدولة، أو أحد المخلصين المتعنتين للقيصر، ولكن الدهشة تزول فور أن يعرف المرء أن رئيس الشرطة في حينه، أي أثناء خدمة فيشر، كان بدوره اشتراكيا ديمقراطيا. ما كان يجمع الرئيس بالمدرب هو كلب وفنجان. فالكلب قد تتلمذ على يدي لويس فيشر، وعليه أن يحمي الرئيس من القتلة. أما الفنجان فقد كان تعبيرا عن شكر الرئيس له. كان فنجانا من نوع خاص، كبيرا ومنتفخا، له حافة سوداء - ذهبية نقشت عليها عبارة: " الطريق التي قادنا عليها لاسال". أتعب لويس فيشر رأسه طويلا في محاولة فهم ماذا يعني ذلك القول، واستفسر بحذر عن (لاسال) هذا، ولكنه لم يحصل على إجابات شافية. وأخيرا اعتاد على التعايش مع ذلك اللغز، خصوصا وأنه لم يكن قادرا على أن يتصور أن الرئيس يمكن أن يريد له غير الخير. بالرغم من وجود عدد كبير من المدربين في أجهزة الشرطة فإن أحدا منهم لم يكن قادرا على منافسة لويس فيشر. الآخرون كانوا يدربون كلابا تصلح للاستخدام اليومي، كلابا مهذبة إلى حد كبير، باستطاعة أحدها أن تسير مع الدورية إلى جانب الجزمات العالية، وأن يمزق، إذا أمر بذلك، أسفل سراويل الصغار من اللصوص، ولكن هذا هو كل ما يقدر عليه. لقد كانت على أية حال كلابا تؤدي واجبها، ولكنها لا تفكر. أما كلاب لويس فيشر فكانت، خلافا لذلك، من النوع الذي يفكر. كانت قادرة على اتخاذ قرارات وهي في سكة السباق، وكانت تعرف تماما متى يكون عليها أن تهر فقط، أو أن تنبح، وأن تنقض بسرعة وعنف، على طريقة الكلاب البوليسية، إذا أمرت بذلك. كانت تمارس نشاطاتها تحت شعار" نظام - حق - ملكية"، فأصبح من الممكن الاعتماد عليها. على أية حال فإن هذا هو ما اعتقده لويس فيشر. ولو لم يزل قادرا على أن يفكر لكان قد صحح رأيه الآن. ولكنه ميت. وعندما يعرف المرء كيف انتهت المسألة، يصبح من الصعب عليه القول إن إنجازه الأنضج قد كان تربية كلب الرئيس. لقد اجتاز كلب الرئيس طريقا طويلة. وإذا صرف المرء النظر عن أنه كان ابن كلبة وكلب، فإنه يستطيع أن يعده صنيعة محضا للويس فيشر. فهو الذي حدد له أما وأبا بعد أمسيات كثيرة قضاها في دراسة أشجار النسب الخاصة بالطبقة الأرستقراطية من كلاب الحماية، وبعد ليال انكب فيها على دراسة تقارير الشرطة التي تتحدث عن منجزات الذكاء وأدلة الشجاعة بالنسبة لذوي القوائم الأربع من العاملين في الدولة، وبعد دراسة دقيقة للرسوم البيانية والتقارير العلمية.

إن لويس فيشر هو الذي ميزه من بين مجموعة من خمسة مخلوقات زاعقة عمياء مبللة، وهو الذي نشأه بالحب، وأخضعه لتدريب لا رحمة فيه.

كان الرئيس قد رغب بالحصول على كلب "شيفر" وقد حصل عليه. صحيح أن لويس فيشر قد أشار بأدب إلى حسنات كلاب "دوبرمان" و"بوكسر" ولكنه سرعان ما اقتنع بأن مهمة الكلب الشخصي لرئيس شرطة منتخب لا تقتصر على الحراسة، بل تشمل التمثيل أيضا. وفي الصور الصحفية فإن أي كلب "شيفر" ألماني يهزم في الواقع كلاب البوكسر ذات العيون الدامعة وكلاب "الدوبرمان "ذات الأذناب المقطوعة.

عندما تحدث الرئيس للمرة الأولى مع المدرب واتفقا على نوع الكلب، عبر قائد الشرطة أخيرا عن رغبة إضافية خاصة جدا. إنه لا يعرف ما إذا كان المدرب فيشر قادرا على تحقيق ما يجول بباله، ولكن المرء سيرى. أما الرغبة فيه باختصار: على لويس أن يعلم حارس الرئيس، بالإضافة إلى المسائل الروتينية كلها، عضة يمكن أن يسميها المرء جذرية، أي ليس مماحكة تقتصر على المعصم وأسفل السروال فقط، بل هي عضة في الحلقوم وينتهي الأمر. ومع أن لويس فيشر قد انزعج قليلا من ذلك الشك الخفيف بقدراته، فإنه لم يظهر شيئا، وقال إنه سيضيف العضة القاتلة المطلوبة إلى برنامج التدريب، ولكن من أجل ألا يفلت زمام هذا العمل الرائع لابد من ربطه بكلمة سر معينة، فهل في بال السيد الرئيس شيء ما؟ هز الرئيس رأسه متفكرا، وأومأ إلى المدرب بأن يقترب منه، ثم نظر إليه مرة أخرى باستخفاف وقال له: نحن كلانا في الحزب نفسه، أليس كذلك؟ أكد له لويس فيشر أنه ينتمي بالطبع إلى حزب الرئيس إذن هيا، قل لي من هو عدونا الحقيقي؟ لئن لم يتمكن لويس فيشر من أن يعرف بالضبط من هو ذلك اللاسال، فقد كان قادرا، بصورة تخمينية على الأقل، على أن يعرف من هو العدو. فلويس في نهاية الأمر موظف شرطة في جمهورية فايمار. إلا أنه لم يكن واضحا تماما ما إذا كان الرئيس يرمي إلى العدو الداخلي أم العدو الخارجي. ونظرا لأنه قد لمح وسام الحرب العالمية الأولى على ياقة رئيسه قال بحذر: "من المحتمل أن يكون الفر.." ولكنه اكتفى بهذا"الفر.. لأن "الرئيس هز رأسه بالنفي وقال بنفاد صبر: "ليس الفرنسيون، يا رجل، هذا الأمر انتهى مؤقتا، مع أنه.. إذن العدو، العدو، هو الشيوعية، "واضح"؟ قال لويس فيشر: واضح. فقال الرئيس: "جميل، وماذا يريد الشيوعيون أن يسلبونا؟ إيه! الكلمة تبدأ بـ "حر.. يا" رجل الحرية طبعا"!

اتفقا على أن تكون كلمة السر "الحرية"، واتخذا الاحتياطات اللازمة لنجاح الحيلة، فقد اتفقا على أن يلفظ المرء النداء بحدة شديدة، وأن يضرب على جبهته بيد مبسوطة، عندئذ ينبغي للحيوان أن يعض. وهكذا أنجب كلب "شيفر" ألماني وغذي ودرب من أجل أن يقوم، بحجة النظام والحق والملكية، بحماية حياة شخص، لابل أن يقوم عند الضرورة بالقضاء على حياة شخص آخر إثر طرقة على الجبهة يرافقها نداء حرية. لقد نشئ ودرب من قبل خبير الشرطة لويس فيشر، وهو الآن ميت، ولذلك لا يستطيع أن يدهش بشدة لما أسفرت عنه تربيته. كان ذلك في أواخر خريف السنة الكاملة الأخيرة لأول جمهورية ألمانية، عندما التقى لويس فيشر رئيسه مرة أخرى وهو يقود بالرسن كلبا رماديا يحمل في فمه الكبير أسنانا مخيفة وفي دماغه الصغير كلمة سر قاتلة. جعل لويس فيشر الحيوان يعرض مهاراته كلها، طبعا باستثناء واحدة أكد لرئيسه أنه يمتلكها بصورة أكيدة وفعالة تماما كطلقة" شتالمانقل" في المسدس الذي يضعه الرئيس في درج مكتبه. عندما افترق الرئيس والشرطي كان للكلب سيد جديد، وللويس فيشر فنجان ذو حافة سوداء - حمراء - ذهبية عليها العبارة الغامضة:.. "الطريق التي قادنا عليها لاسال!" في الشهور القليلة التي تبقت للويس فيشر قبل موته المفاجيء كان يشرب قهوته كل صباح وكل مساء من فنجان الرئيس، ولم يتوقف عن ذلك إلا في أيامه الأخيرة. لقد قدر له أن يرى كلب الرئيس مرة واحدة أخرى فقط.

أحيانا كان يرى مصادفة، والفنجان المنتفخ على شفتيه، وهو يقلب جريدة الصباح صورة رئيسه واقفا أمام أحد المنابر، أو جالسا مع صحافيين يتحدث عن حتمية النظام والحق والملكية، أو عن تهديد الجمهورية من قبل الشيوعيين، أو الاثنين في الوقت نفسه. ودائما كان يجلس عند قدمي الرئيس حيوان ضامر رمادي ينظر إلى الكاميرا هادئا وجميلا وخطرا. ثم تسارعت الأحداث كلها بشدة. وذات صباح قرأ لويس فيشر في جريدته أن الأمور في ألمانيا قد تحولت نهائيا لأن اسم مستشار الرايخ هو الآن أدولف هتلر. قال لويس فيشر في نفسه: فليكن!، ثم شرب من فنجانه المزنر بالأسود والأحمر والذهبي، قبل أن يمضي إلى كلابه التي كانت تعوي بصبر نافذ. إنها تسبب في هذه الأيام كثيرا من الهموم، لأن بعضها قد مرض بحمى الكلاب. إلا أن ما أقلقه أكثر هو خبر في جريدة المساء جاء فيه أن رئيس الشرطة الاشتراكي. الديمقراطي قد اعتقل. إن ما شوشه لم يكن الاعتقال ذاته، بل خلو الخبر من أية إشارة إلى كلب شيفر ألماني انقض، بأمر من الرئيس، على حنجرة أحد المعتقلين بعضة قاتلة. كما لم يرد في الخبر شيء عن مسدس ملقم في درج قائد الشرطة. وبعد أن فكر بحدة في الأمر وجد لويس فيشر تفسيرا. ألم يعلم الحيوان أن يفكر؟ إذن كيف يتوقع أن يثب على رقبة أحد ممثلي الانتفاضة القومية بناء على ضربة على الجبهة يرافقها نداء "حرية"؟! وقال لنفسه أيضا إن الرئيس لم يحاول على الأرجح أن يحرك الكلب، لأن العضة القاتلة مخصصة في الواقع للعدو الفعلي فقط. واصل لويس فيشر ممارسة عمله، فجعل الكلاب البوليسية شرسة تجاه الرجال، صامدة أمام الرصاص، كانت كلابا من أنواع مختلفة: الدوبرمان والبوكسر والشيفر الألماني. وعندما لاحظ أن بعض زملائه ممن لم يتحمسوا" للانتفاضة القومية" وعبروا أيضا عن موقفهم منها قد ألقي بهم في الشارع أو في أقبية تفوح منها رائحة الدم، ألقى هويته الحزبية في المدفأة، وخبأ فنجان الرئيس المعزول في أسفل خزانة المطبخ. إلا أن ما سبب له انزعاجا أكبر هو أن رجلين قد دلفا ذات مساء إلى منزله. كان يعرف أحدهما من الأمسيات المشتركة، أما الثاني فهو عديله، وله علاقة بنقابة عمال الطباعة. لقد خاطبه الرجلان جديا ب "رفيق"، وبعد شيء من اللف والدوران طلبا منه أن يجعل كلابه تخرس في الليلة القادمة، لأن في الطرف الآخر من الشارع زميلا يجثم في القبو، وهو لن يتحمل ذلك طويلا. لم يكن لويس فيشر في الواقع جبانا أو بلا قلب، ولكن ذلك كان في نهاية الأمر جلده الذي خيل إليه فجأة أنه يلتصق التصاقا شديدا بالعظام مباشرة وهو مبلل. رد الرجلين خائبين. قال لهما إنه لم يزل موظفا، وهو يريد أن يبقى كذلك إلى آخر سنوات الخدمة الثلاثين. وحتى لو أراد أن يساعدهما فلن يكون باستطاعته أن يفعل ذلك، لأنه ربى كلابه على حماية النظام والحق والملكية. ماذا ستفكر عنه تلك الكلاب إذا أوعز إليها فجأة بأن تسكت في الوقت الذي يجري فيه شيء ضد النظام..؟! انصرف الرجلان، ولاحظ لويس فيشر بمرارة أنهما لم يفهماه، مما دفعهما لأن يقولا له إن عليه هو على الأقل أن يغلق فمه. لكأنه خائن! وما أن أخذ ضوء الصباح الشاحب بالظهور حتى دق تلاميذ لويس فيشر ناقوس الخطر. سمع لويس طلقات وصرخات على الجانب الآخر للشارع فهم بأن ينهض، إلا أن نظره وقع في ضوء الصباح على قطعة القماش المعلقة على الجدار، فقلب على الجانب الآخر. وعندما فارق أحد زائريه الحياة، وأطلق الثاني لتوه أنة قبل أن يفارقها أيضا، كان لويس فيشر قد عاد إلى حمله. قبل ظهر اليوم التالي كان قد فرغ لتوه من معالجة شوطة أصيب بها جرو" بوكسر" واعد جدا، عندما جاءوه إلى الباحة: ثلاثة رجال في بزات كتائب الصاعقة (SA) وكلب. قال الرجال الثلاثة عاش هتلر، وبدا الكلب كأنه يود أن يقول ذلك أيضا، ولكنه أقعى صامتا مستجما نفسه، جميلا، وخطرا، رماديا وممشوقا، أقعى وانتظر التعليمات، لقد عرفه لويس فيشر مباشرة، وكان فخورا به، فهو الذي علمه ذلك: السيطرة على النفس لا لعق الأيدي والتحية المتباكية المستعطفة. قال أحد الثلاثة إنهم جاءوا ليعبروا للويس عن امتنانهم، فكلابه أحبطت أمرا سيئا. لقد شربوا في المساء، كثيرا إلى حد ما، على صحة القائد، ولولا نباح الكلاب لما انتبهوا إلى الحمر في الوقت المناسب. أعاد لويس فيشر الجرو إلى حظيرته، ودعا الزائرين إلى البيت، وهناك شربوا نخب الفزع والحظ، ونظرا لأنهم تفاهموا جيدا فقد أشار لويس إلى كلب الشيفر الرمادي وسأل عن الكيفية التي حصلوا بها عليه. قالوا باعتزاز إنهم تسلموه من رئيس الشرطة، ذلك الاشتراكي. كان في البداية متذمرا بعض الشيئ، أما الآن فهو يمارس عمله بصورة ممتازة. قال لويس فيشر: هذا أمر مفروغ منه، ثم حكى لرفاق الصاعقة قصة الكلب والرئيس، حتى أنه في النهاية أخرج الفنجان. تأمل قائد المجموعة الحافة السوداء - الحمراء - الذهبية، ودرس القول المنقوش ثم قال وقد ضاقت عيناه بصورة عجيبة: "إذن كنت أيضا في نادي لاسال هذا.. "فسارع فيشر إلى القول: "كنت، كنت، ولكن ليس من قلبي أبدا ". وبما أنه أحس بتوجس الآخر وفهم تماما أنه لم يشأ أن يهين الرئيس وحده عندما ملأ الفنجان بالحليب ودفعه إلى الكلب الذي أخذ فورا يرتشفه بنهم، فقد سأل، ربما بحماس زائد، عما إذا كان السادة يعرفون حيلة كلمة السر. لم يكن السادة على علم بحيلة أو بكلمة سر، ولذا انحنى لويس فيشر على أذن قائدهم وحدثه بصوت منخفض كي لا يسمعه الكلب. هذا ما كان ينقصه! أن ينقض على أحد رجال الصاعقة! قال القائد: "شيء جيد، ولكن هل تعتقد حقا أنه يؤدي فعله؟" "على أحسن وجه - أراهن على ذلك برقبتي". كان الحيوان الرمادي الجميل قد أفرغ الصحن، وأخذ ينظر وهو هادئ إلى سيديه الجديد والقديم. وما أن أشار السيد الجديد إلى القديم وضرب على جبهته وصاح "حرية "حتى وثب الكلب وغرس أسنانه التي لم تزل مبللة بالحليب في عنق لويس فيشر. قال رجل الصاعقة: "بالفعل"، أما لويس فيشر فلم يستطع أكثر من أن يفكر في ذلك.

 

هرمان كانت

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات