تزييف الوقائع في تلفزيون الواقع

تزييف الوقائع  في تلفزيون الواقع

من‭ ‬أهم‭ ‬المخاطر‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬شيوع‭ ‬النموذج‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬الذي‭ ‬يُسهم‭ ‬في‭ ‬خلخلة‭ ‬وتمزيق‭ ‬القيم‭ ‬والقواعد‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬حيث‭ ‬تمارس‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الجماهيري‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬تفوق‭ ‬المنتج‭ ‬الغربي‭ ‬المُسيطر‭ ‬على‭ ‬المستهلك‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تردٍ‭ ‬كبير‭ ‬للواقع‭ ‬العربي،‭ ‬والأسوأ‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التحولات‭ ‬العالمية‭ ‬انتشار‭ ‬‮«‬الاستهلاك‭ ‬العشوائي‮»‬‭ ‬للبرامج‭ ‬الإعلامية‭ ‬المُتمثل‭ ‬في‭ ‬قضاء‭ ‬الجمهور‭ ‬أوقاتاً‭ ‬طويلة‭ ‬أمام‭ ‬برامج‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬ترويج‭ ‬النمط‭ ‬الاستهلاكي،‭ ‬وتعزيز‭ ‬الفردية‭ ‬ونبذ‭ ‬الخصوصية‭ ‬والهرولة‭ ‬وراء‭ ‬الغرائزية،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬المشاركة‭ ‬الفعالة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

إن‭ ‬الاختراق‭ ‬الحالي‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬الإعلام‭ ‬العربي،‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تكريس‭ ‬منظومة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬تتفاعل‭ ‬داخل‭ ‬المجتمعات،‭ ‬وتسري‭ ‬ببطء‭ ‬وبثبات‭ ‬لتقضي‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬للنهوض‭ ‬أو‭ ‬الاستقلال‭ ‬أو‭ ‬التمايز‭ ‬الثقافي،‭ ‬بسبب‭ ‬وفرة‭ ‬استخدام‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الاتصال،‭ ‬وتعدد‭ ‬الوسائط‭ ‬والوسائل‭ ‬التي‭ ‬ألغت‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬وقرّبت‭ ‬المسافات،‭ ‬وأتاحت‭ ‬فرص‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬مكان،‭ ‬وتجميعها‭ ‬وتخزينها‭ ‬وبثّها‭ ‬بشكل‭ ‬فوري،‭ ‬متخطية‭ ‬قيود‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭.‬

 

فلسفة‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع

إن‭ ‬حاجة‭ ‬الإنسان‭ ‬الأساسية‭ ‬للترفيه‭ ‬مكّنت‭ ‬من‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الخطط‭ ‬البرامجية‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬ساعات‭ ‬طوال‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬بمحتوى‭ ‬ترفيهي‭ ‬مهزوز‭ ‬وضعيف،‭ ‬وهي‭ ‬بذلك‭ ‬تعزز‭ ‬من‭ ‬الشعور‭ ‬بالتغريب‭ ‬والانعزال‭ ‬الأيديولوجي،‭ ‬وبهذا‭ ‬يصبح‭ ‬الترفيه‭ ‬وسيلة‭ ‬للهرب‭ ‬من‭ ‬الواقع‭.‬

ومع‭ ‬ظهور‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬وشيوعه‭ ‬عالمياً‭ ‬وعربياً‭ ‬لترويج‭ ‬الحلم‭ ‬الجماعي،‭ ‬أُطلق‭ ‬على‭ ‬برامج‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬اتلفزيون‭ ‬القمامةب‭ ‬TRASH‭ ‬TV،‭ ‬حيث‭ ‬يصبح‭ ‬المشاهد‭ ‬فاعلاً‭ ‬أساسياً‭ ‬تقوده‭ ‬نزعته‭ ‬الاستكشافية‭ ‬للتحول‭ ‬إلى‭ ‬كائن‭ ‬فضولي،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬إصرار‭ ‬عنيد‭ ‬لوسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬على‭ ‬انتشار‭ ‬الطابع‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الاستقلالية‭ ‬الفردية‭ ‬والمساواة‭ ‬والحرية‭ ‬بلاحدود،‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬تقوم‭ ‬فلسفة‭ ‬برامج‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭:‬

‭-  ‬التسلية‭ ‬والإمتاع،‭ ‬ولهذا‭ ‬تبتعد‭ ‬برامج‭ ‬الواقع‭ ‬عن‭ ‬معالجة‭ ‬أي‭ ‬قضايا‭ ‬جدية‭.‬

‭-  ‬برامج‭ ‬سريعة‭ ‬الزوال،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬برامج‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬مادة‭ ‬لحظية،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬هروباً‭ ‬من‭ ‬الواقع،‭ ‬أو‭ ‬لتحقيق‭ ‬حالة‭ ‬مؤقتة‭ ‬من‭ ‬الاسترخاء‭.‬

‭-  ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والثقافة‭ ‬والجدية‭.‬

تدعو‭ ‬برامج‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬الاستهلاكي،‭ ‬وتنشر‭ ‬قيماً‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬الأنانية‭ ‬والفردية‭ ‬المقترنة‭ ‬بالمنافسة‭ ‬العنيفة،‭ ‬وتروج‭ ‬للسعادة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بامتلاك‭ ‬الأشياء،‭ ‬وتساعد‭ ‬الخاسر‭ ‬على‭ ‬التسليم‭ ‬والخضوع،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬يصبح‭ ‬التلصص‭ ‬ومراقبة‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬غير‭ ‬مقبول؛‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬معترف‭ ‬به‭ ‬تماماً‭ ‬ومقبول‭.‬

أما‭ ‬الملابس‭ ‬التي‭ ‬نشاهدها‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬إلا‭ ‬محاولة‭ ‬للتعريف‭ ‬بأحدث‭ ‬صيحات‭ ‬الموضة‭ ‬وتجسيدها‭ ‬في‭ ‬نمط‭ ‬حياة‭ ‬المتلقي،‭ ‬وبهذا‭ ‬يتحول‭ ‬المشاهد‭ ‬إلى‭ ‬كائن‭ ‬استهلاكي‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬اقتصادية،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬النواحي‭ ‬الاجتماعية‭ ‬من‭ ‬التقاليد‭ ‬والآداب‭ ‬والذوق‭ ‬العام،‭ ‬وهنا‭ ‬تنشأ‭ ‬مشكلة‭ ‬أخرى‭ ‬يشعر‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬يكسب‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬مشكلة‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬البنية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتنظيم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬الحقيقي‭ ‬بعد‭ ‬شهور‭ ‬من‭ ‬الاغتراب‭ ‬عن‭ ‬الذات،‭ ‬والانخداع‭ ‬بالمظاهر‭ ‬الاستهلاكية‭.‬

 

إشكالية‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬عربياً

معظم‭ ‬التوصيف‭ ‬لتلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬االواقعيةب‭ ‬والنص‭ ‬غير‭ ‬المكتوب‭ ‬Unscripted،‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬تعريف‭ ‬متفق‭ ‬عليه‭ ‬حول‭ ‬مفهومه،‭ ‬حيث‭ ‬ثمة‭ ‬فرق‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬الحقيقة‭ ‬والواقع،‭ ‬فالواقع‭ ‬هو‭ ‬الأشياء‭ ‬كما‭ ‬هي،‭ ‬أما‭ ‬الحقيقة‭ ‬فهي‭ ‬فهمنا‭ ‬للأشياء‭ ‬والكيفية‭ ‬التي‭ ‬ننقلها‭ ‬إلى‭ ‬أذهاننا‭ ‬عبر‭ ‬لغتنا‭ ‬وأدبنا‭ ‬وثقافتنا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭.‬

ووفق‭ ‬تلك‭ ‬الإشكالية،‭ ‬وبصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬دقتها‭ ‬من‭ ‬عدمها،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬عبارة‭ ‬اتلفزيون‭ ‬الواقعب‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬الصناعة‭ ‬التلفزيونية‭ ‬Television Industry،‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬واقعية،‭ ‬فالعمل‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭ ‬ريتشارد‭ ‬كوستون‭ ‬ذ‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬‭- ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬الإذاعة‭ ‬البريطانية‭ ‬عام‭ ‬1969م‭ ‬حول‭ ‬االعائلة‭ ‬المالكةب،‭ ‬اعتقد‭ ‬البريطانيون‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬أنه‭ ‬سيكشف‭ ‬الصورة‭ ‬الطبيعية‭ ‬للملكة،‭ ‬وسيسمح‭ ‬للجمهور‭ ‬بأن‭ ‬يطّلع‭ ‬على‭ ‬المسائل‭ ‬غير‭ ‬الرسمية،‭ ‬وقد‭ ‬تناولت‭ ‬الصحافة‭ ‬حينها‭ ‬الصدمة‭ ‬التي‭ ‬أصيب‭ ‬بها‭ ‬الشعب‭ ‬البريطاني‭ ‬عندما‭ ‬رأى‭ ‬الملكة‭ ‬تقود‭ ‬السيارة‭ ‬وتتحدث‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الخدم‭ ‬بغير‭ ‬تكلُّف،‭ ‬وكانت‭ ‬الجملة‭ ‬التي‭ ‬رددتها‭ ‬الصحف‭ ‬البريطانية‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬عموم‭ ‬الشعب‭ ‬البريطاني‭: ‬اامرأة‭ ‬عادية‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬عادية‭ ‬تعيش‭ ‬حياة‭ ‬غير‭ ‬عاديةب‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬يخلق‭ ‬بيئة‭ ‬مصطنعة‭ ‬واضحة،‭ ‬ثم‭ ‬يضع‭ ‬الشخصيات‭ ‬فيها‭ ‬ويسجل‭ ‬النتائج،‭ ‬ولهذا‭ ‬أجد‭ ‬أن‭ ‬التعريف‭ ‬الأقرب‭ ‬لتلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المراقبة‭ ‬الوقائعية‭ ‬المتلاعب‭ ‬بها،‭ ‬لتُبث‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬مكشوف،‭ ‬فالمشاهد‭ ‬يستطيع‭ ‬متابعة‭ ‬الحياة‭ ‬كاملة‭ ‬أمام‭ ‬الشاشة،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يقرر‭ ‬المشترك‭ ‬الرابح‭ ‬من‭ ‬الخاسر‭.‬

إن‭ ‬البث‭ ‬اليومي‭ ‬والمباشر‭ ‬لتلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬بات‭ ‬يشكل‭ ‬سمة‭ ‬لمعظم‭ ‬الفضائيات‭ ‬العربية،‭ ‬وأصبح‭ ‬الشغل‭ ‬الشاغل‭ ‬للمشاهدين‭ ‬مع‭ ‬تدفق‭ ‬أنواع‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬برامج‭ ‬الواقع،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تعمق‭ ‬الانحراف‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتدمر‭ ‬قيم‭ ‬الشباب‭ ‬الإيجابية،‭ ‬وهويتهم‭ ‬الثقافية‭ ‬لاكتسابهم‭ ‬ثقافة‭ ‬إعلامية‭ ‬لا‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬المقاييس‭ ‬الفنية‭ ‬والجمالية‭ ‬بقدر‭ ‬اعتمادها‭ ‬على‭ ‬الجذب‭ ‬والإثارة‭ ‬والإباحية‭ ‬لتسطيح‭ ‬الفكر‭ ‬والحياة،‭ ‬وخلق‭ ‬الوعي‭ ‬المشوّه‭ ‬والبسيط‭ ‬نحو‭ ‬الجماليات،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬هدر‭ ‬الأوقات‭.‬

إن‭ ‬برامج‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬بنسختها‭ ‬العربية‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬عملية‭ ‬استنساخ‭ ‬مشوهة‭ ‬لما‭ ‬أنتجه‭ ‬الغرب،‭ ‬وهي‭ ‬تنفيس‭ ‬لأزمة‭ ‬افكرية‭ ‬وماليةب‭ ‬كبرى‭ ‬تعانيها‭ ‬الفضائيات‭ ‬العربية،‭ ‬لأن‭ ‬القائمين‭ ‬عليها‭ ‬اعتقدوا‭ ‬أن‭ ‬القناة‭ ‬الفضائية‭ ‬مجرد‭ ‬استديو‭ ‬وترددٍ‭ ‬على‭ ‬قمر‭ ‬اصطناعي،‭ ‬وأهملوا‭ ‬المضمون،‭ ‬حيث‭ ‬اقتصرت‭ ‬برامجها‭ ‬على‭ ‬الإثارة‭ ‬والترفيه،‭ ‬لذا‭ ‬يؤمن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الفضائيات‭ ‬بأن‭ ‬برامج‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬وسيلة‭ ‬لرفد‭ ‬القناة‭ ‬بالمعلنين‭.‬

إن‭ ‬التوصيف‭ ‬الأقرب‭ ‬لحقيقة‭ ‬مآلات‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬كريستوفر‭ ‬دنكلي،‭ ‬وهو‭ ‬صحفي‭ ‬في‭ ‬االفايننشال‭ ‬تايمزب،‭ ‬إذ‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬له‭ ‬طابعه‭ ‬الجماهيري،‭ ‬ويتيح‭ ‬للمهمشين‭ ‬فرصة‭ ‬جديدة‭ ‬للظهور‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬التلفزيون‭ ‬كنجوم،‭ ‬ويُنظر‭ ‬إليه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يقدم‭ ‬خليطاً‭ ‬من‭ ‬التفاهة‭ ‬والإباحية،‭ ‬ويذهب‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ويصفه‭ ‬بتلفزيون‭ ‬الإذلال‭ ‬والمهانة،‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تعمده‭ ‬البذاءة‭ ‬ودفع‭ ‬الشرائح‭ ‬الواسعة‭ ‬من‭ ‬الجمهور‭ ‬إلى‭ ‬الغثيان،‭ ‬لأن‭ ‬صُناع‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬يتدخلون‭ ‬علانية‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬حتى‭ ‬النهاية،‭ ‬ويحددون‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بشكل‭ ‬ملائم‭ ‬لغاياتهم‭ ‬في‭ ‬عروض‭ ‬هزلية‭ ‬وألعاب‭ ‬ومسابقات‭.‬

عربياً‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬برامج‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬التي‭ ‬حققت‭ ‬نسب‭ ‬مشاهدة‭ ‬عالية‭ ‬اقتصرت‭ ‬على‭ ‬فئة‭ ‬المسابقات‭ ‬الغنائية،‭ ‬أما‭ ‬التصرفات‭ ‬التي‭ ‬تظهرها‭ ‬فقرات‭ ‬البرنامج‭ ‬فظهرت‭ ‬بشكل‭ ‬غريب‭ ‬في‭ ‬سلوكهم‭ ‬ومتمثلة‭ ‬بالتقمص‭ ‬والتشبه‭ ‬بالغير،‭ ‬وتقديم‭ ‬ترفيه‭ ‬جماعي‭ ‬يخاطب‭ ‬الغرائز‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬انعكاس‭ ‬للفراغ‭ ‬القيمي‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم،‭ ‬وإغراق‭ ‬المشاهدين‭ ‬في‭ ‬مناقشات‭ ‬حادة‭ ‬بشأن‭ ‬صدق‭ ‬المشاركين‭ ‬ومدى‭ ‬ما‭ ‬يتعرضون‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬توجيه‭ ‬وتلاعب‭.‬

أما‭ ‬مشاهد‭ ‬الرقص‭ ‬والغناء‭ ‬واللهو‭ ‬وتكرارها‭ ‬في‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع؛‭ ‬فالمصائب‭ ‬التي‭ ‬حفلت‭ ‬بها‭ ‬مشاهد‭ ‬الدراما‭ ‬العربية‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مبرر‭ ‬وغير‭ ‬مقبول‭ ‬فنياً،‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬ظاهرة‭ ‬مسلَّماً‭ ‬بها،‭ ‬وتحرر‭ ‬مشاهد‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬قيد‭ ‬شرعي‭ ‬أو‭ ‬سقف‭ ‬عرفي،‭ ‬وأصبح‭ ‬انجومب‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬يعبرون‭ ‬عن‭ ‬أفكار‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬أفكارهم،‭ ‬ويستخدمون‭ ‬مواقف‭ ‬كُتبت‭ ‬لهم‭ ‬مسبقاً‭.‬

 

الأثر‭ ‬الاجتماعي

إن‭ ‬الأثر‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لتلك‭ ‬البرامج‭ ‬يتضح‭ ‬في‭ ‬خلخلة‭ ‬قيمنا‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ونسف‭ ‬معاييرنا‭ ‬الأخلاقية‭ ‬حول‭ ‬اللائق‭ ‬وغير‭ ‬اللائق،‭ ‬والحلال‭ ‬والحرام،‭ ‬والمحترم‭ ‬والمشين،‭ ‬حيث‭ ‬تعمل‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬على‭ ‬تثبيت‭ ‬قيم‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نقلها‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬فالتكرار‭ ‬الذي‭ ‬نشاهده‭ ‬في‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تثبيت‭ ‬القيم‭ ‬وترسيخها‭ ‬لدى‭ ‬الجمهور،‭ ‬وعرض‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لقيمة‭ ‬معينة‭ ‬موجودة‭ ‬أو‭ ‬حديثة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وتكرارها‭ ‬يجعلها‭ ‬تترسخ‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬المتلقي‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬يوجه‭ ‬الجمهور‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬المال‭ ‬والشهرة‭ ‬والجمال‭ ‬الظاهري،‭ ‬والاندماج‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬سقف‭ ‬شرعي‭ ‬أو‭ ‬عرفي،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تخلق‭ ‬توقعات‭ ‬غير‭ ‬معقولة‭ ‬ذات‭ ‬علاقة‭ ‬بنمط‭ ‬الحياة،‭ ‬ولا‭ ‬يدرك‭ ‬غالبية‭ ‬المشاهدين‭ ‬أن‭ ‬منتجي‭ ‬هذه‭ ‬البرامج‭ ‬يبذلون‭ ‬جهداً‭ ‬كبيراً‭ ‬حتى‭ ‬تخرج‭ ‬الحلقات‭ ‬بشكل‭ ‬جذاب‭ ‬بطريقة‭ ‬السيناريو‭ ‬المحدد‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬معدين‭ ‬ومؤلفين‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المهارة‭ ‬للتحكم‭ ‬في‭ ‬سير‭ ‬الحلقات،‭ ‬ويمكن‭ ‬بيان‭ ‬أبرز‭ ‬سلبيات‭ ‬برامج‭ ‬تلفزيون‭ ‬الواقع‭:‬

‭< ‬اختفاء‭ ‬الخصوصية‭ ‬والتواضع‭ ‬واحترام‭ ‬الذات‭.‬

‭< ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬وإضعاف‭ ‬الروابط‭ ‬الأسرية‭ ‬وتعميق‭ ‬المشاعر‭ ‬الذاتية‭. ‬

‭< ‬تعزيز‭ ‬ثقافة‭ ‬الإقصاء‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬التسامح‭ ‬والقبول‭ ‬بالآخر‭.‬

‭< ‬استنزاف‭ ‬الأموال‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬سطحية‭.‬

‭< ‬تكريس‭ ‬الفردية‭ ‬والروح‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الالتزام‭ ‬الجماعي‭.‬

‭< ‬تغذية‭ ‬التعصب‭ ‬القُطري،‭ ‬حيث‭ ‬ينقسم‭ ‬الجمهور‭ ‬ليناصر‭ ‬القُطر‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليه‭ .‬